الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفارو قبور*

سعدون محسن ضمد

2010 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما الذي يخيف حفاري القبور أكثر من الفرح؟ وأكثر من العافية التي تَعدُ بوجوه مشرقة بالحياة وعصيّة على الموت، ما الذي يجعل فرائص القيمين على المقابر ترتعد؟
في تقاطع المصالح بين الأضداد ينكشف الخزي، وخزي حفارو القبور ينكشف عندما تقف مصالحهم بالضد من مظاهر السعادة والصحة والحياة.. أفكر بهذه التفاصيل وأنا أتابع وقوف بعض مجالس المحافظات بالضد من انعقاد الفعاليات الفنية أو الترفيهية، كما حدث في محافظتي البصرة وبابل مؤخراً، وأسأل نفس: ما الذي يخيف رجالاً ـ يفترض بهم أن يكونوا رجال دولة ـ من الفعاليات الفنية، أو الترفيهية؟ ما الذي يجعل فرائصهم ترتعد من فرح يدلقه مهرج أو طرب يبثه فنان؟
بالتأكيد سيكون الجواب جاهزاً: أن الفعاليات التي تقام في السيرك والمهرجان تتنافى مع معتقدات وأعراف الجماهير التي يمثلها أعضاء مجالس محافظتي البصرة وبابل، ومن ثم فمن حق هؤلاء أن يمنعوا ما يجدون بأنه لا يتوافق مع ذوق أو أخلاق أو معتقدات ناخبيهم.
حسن إذاً فلماذا لا يكف هؤلاء الأعضاء عن اقتناء أجهزة التلفزيون، ويدعون ناخبيهم لهذا الخيار المنسجم مع وصايا الشريعة التي يؤمنون بها؟ لماذا لا يقاطعون، مثلاً، القنوات الفضائية التي تُبَثّ على القمر الصناعي الأوربي (الهوت بيرد)؟ ما الذي يمكن لنا مشاهدته أو سماعه في مهرجان فني أو سيرك ترفيهي ولا نجد مثيلاً له في القنوات الفضائية التي يتابعها القيمون على الدين في البصرة وبابل؟
ليس هناك شك بأن القنوات الفضائية تبيح من محضورات الدين أكثر مما يفعل مهرجان بابل أو سيرك مونتكارلو، لكن المشكلة تكمن بالازدواج الذي يقع فيه كل من لا يرضخ لحقيقة أن الكثير من تفاصيل الشريعة لا يمكنها الانسجام مع حاجات المجتمعات البشرية المتطورة، السياسيون الإسلاميون يعرفون جيداً بأن القنوات الفضائية تبث الكثير من البرامج والأفلام التي لا تبيحها الشريعة، لكنهم لا يستطيعون أن يمتنعوا عن متابعة هذه البرامج (التي يفترض بها أن تكون محرمة)، هم أيضاً يعجزون عن منع ذويهم أو ناخبيهم من متابعتها، وهكذا، ولأنهم لا يستطيعون أن يعترفوا بعجز الشريعة عن مجارات حاجات المجتمع المتجددة ـ لأن هذا الاعتراف يسلبهم كل مميزاتهم ومبررات انتخابهم ـ سيضطرون إلى الوقوع بفخ الازدواج المهين ويكتفون بالشعارات التي يخدعون بها بسطاء الناس، وفي النهاية تكون عملية متابعة الفن والترفيه محرمة على الأرض المكشوفة و(مباحة) في الغرف المظلمة، وهذا أبشع أنواع الازدواج، لأنه يخلق مجتمعاً منافقاً ونخبة دجالة.
كيف لا يخاف القيمون على المقابر من العافية التي يمكن لها وحدها أن تسلبهم الجدوى من وجودهم؟ وكيف لا يخاف القيمون على الكذب والخداع من انتشار الثقافة والتمدن في المجتمع؟ من سينتخبهم عندما تخلوا مجالس وعضهم من المنتحبين والخائفين والمغرر بهم؟ ومن سيحميهم من ملاحقة القانون لهم على جرائمهم وفسادهم عندما لا يعود هناك من يؤمن بقداستهم وعصمتهم؟
لا يعيش الطفيلي إلا على جسد مريض، لذلك سيقف وبكل ما أوتي من قوة بوجه أي مساع تذهب اتجاه زرع العافية وإيقاد الفرح والقضاء على برك الصديد التي يعيش هو على لعق بقاياها وامتصاص أقذارها.
* جريدة الزمان
11-11-2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحدا حلال ..وغيره حرام ...
موسى فرج ( 2010 / 11 / 13 - 15:50 )
في عام 1969 كنت من بين وفد طلابي من جامعة بغداد لأحياء زيارة اربعينية الحسين ع في كربلاء وفي صباح اليوم التالي حضر الى مقر اقامتنا في حسينية االكرادة الشرقية في كربلاء أعضاء من الحوزة العلمية وبدلا من ان يلقو كلمات ..تقاسمونا في اربع مجاميع نحن نسأل وهم يجيبون ..كانت أسئلة زملائي تنصب حول :من هي الطيور الحلال اكلها وتلك الحرام ..ومن هي الأغاني الحلال ومن هي الأغاني الحرام ..فكان الجواب هو:ان الحدا (وهو نوع الغناء الذي يغنيه راكب الجمل او الذي يقود قطيع الجمال ) حلال ..وغيره حرام ..ولأن اللقاء غير حكومي فقد أخذت راحتي في التعقيب كعادتي ..فكان تعقيبي هو : طبعا لأن الذي حلل وحرم عايش بالصحراء فحلل مالتهالحدا.. وحرم مالات العالم ..هو لو عايش بالهور جان حلل الأبوذيه وحرم غيرها .. ولو عايش براوه جان حلل السويحلي وحرم غيره ..فنظروا لي شزرا ..ولم ابالي ....هسا ...اذا الأستاذ العزيز سعدون محسن ضمد يريد يغنون بالبصره وبالحله ..خل يدخل جماعته دوره بالحدا ..مو طور سعدي الحلي ..وهاي وهاي وهوه ..احنا بلد مسلم ..مع تحياتي ..


2 - ناشروا القبح
عامر حسن شنتة ( 2010 / 11 / 13 - 16:15 )
حفارو القبور اولئك همهم الاوحد نشر القبح ومفاعيله من جهل وتخلف ومرض وشقاء،لذلك هم حتماً سييقفون بوجه كل من يريد ان ينشر الجمال ومفاعيله من فن وتحضر وسعادة ،فالخفافيش لاتحلق الا في الظلام واي نور سيكون فيه فنائها 0


3 - ناشروا القبح
عامر حسن شنتة ( 2010 / 11 / 13 - 16:16 )
حفارو القبور اولئك همهم الاوحد نشر القبح ومفاعيله من جهل وتخلف ومرض وشقاء،لذلك هم حتماً سييقفون بوجه كل من يريد ان ينشر الجمال ومفاعيله من فن وتحضر وسعادة ،فالخفافيش لاتحلق الا في الظلام واي نور سيكون فيه فنائها 0


4 - الحداء حلال
سعدون محسن ( 2010 / 11 / 14 - 09:59 )
اهلا استاذ موسى
وهل تعتقد بان الشريعة لو حرمت الحداء كان بدو الصحراء سيلتزمون بهذا التحريم؟ بالتاكيد لا، لأنهم لم يلتزموا بحرمة قطع الطريق او ما يعرف بالغزو الذي تنهب بها قبيلة ما، املاك قبيلة مجاورة، ثم يعود الناهبون الى محاريبهم ليتعبدوا فيها ايما تعبد.


5 - عامر حسن شنته
سعدون محسن ( 2010 / 11 / 14 - 10:04 )
نعم يا صديقي الخفافيش لا تحلق في الظلام، لانها لا تستطيع ان ترى هي تسمع فقط، والفرق كبير بين من يبني افكاره على السماع وبين من يبنيها وفق الرؤية والتحقق.


6 - الناس لا يحسنون غيرها
طارق الربيعي ( 2011 / 3 / 30 - 17:00 )
لا أدري لماذا أنت منزعج من قيام بعض مجالس المحافظات بمنع انعقاد الفعاليات الفنية والترفيهية .. وأنت تصفهم بأنهم حفارو قبور ؟! الناس لا يجيدون إلا هذه المهنة ، دعهم ياأخي يحفرون ويحفرون .. إلى إن يكتشف العراقيون جميعا بأنهم يعيشون في مقبرة كبيرة ، وعند ذلك سيحملون معاولهم ليدفنوا حفارو القبور هؤلاء ، أنها مسألة وقت ليس إلا ، أنا على يقين بأن العراقيون سيكتشفونهم يوما ما ... مع أصدق الود

اخر الافلام

.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال