الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد جميل

فاديا سعد

2010 / 11 / 15
المجتمع المدني


نحن نحتاج للفرح.. نحتاج للأمل بكل ما أوتينا من زرع وشجر، ونحن نحتاج للربيع بكل ما أوتينا من نغم أملا بإنقاذ الجمال والمحبة في شعربنا.

يمر العيد هنا بسلام وهناك بوفرة وبأماكن أخرى ملولا، وعاديا.

ولكن ما يجمعنا كلنا في مصطلح العيد هذا الشوق الدفين بأنا: لا نريده أن يمرّ بحلقنا مرور الكرام.

في الحادثة الأخيرة لكنيسة النجاة في بغداد سجّلت أقلام كتّاب مسلمين الحادثة بشجاعة وعاطفة إنسانية لو تجاهلناها لكان ذلك إجحافا بحق العيش المشترك والأمل بكرامة مشتركة ولكان هذا قلة وفاء من امرأة ورثت دينها المسيحي من والديها كما ورث المسلمين دينهم من والديهما.

وبمناسبة اقتراب عيد الأضحى، أود ردّ الجميل بطريقة تتجاوز الغلو الديني الذي أوصلونا إليه سواء الحركات المتشددة أم شيوخ الناقلات العامة، التي تحث السامعين على عدم الشرب من مستنقع اليهود والنصارى بوقاحة لا مثيل لهما.

وردّ الجميل لدي لهؤلاء الشجعان في الإنسانية يعتمد سرد قصة بسيطة مع امرأة مسلمة إلى حدّ أن أثر تصرفها عليّ ما نسيته يوما.

في أحد المشافي التابعة للدولة في دمشق، وقفت مرتبكة وحائرة، كنت وقتها بحاجة لإجراء بعض الفحوصات: أين أذهب، في أي اتجاه، ومن أين.. هل أصعد الدرج؟ أم أستخدم المصعد؟
لم يشجعني مشهد الحشد الكبير بانتظار خدمة المصاعد باستخدام الخدمات الكهربائية، بالإضافة إلى أني، كلما ولجت مشفى تعود إلي صورة سببت بإغماءي ذات يوم حين اقتربت من أحد الدهاليز الواسعة حيث تجمّع اطباء وممرضين وهم يرغون ويزبدون، ينظرون بفضول واستهجان لطفلة رضيعة مددت على السرير الخاص بالاسعافات، بفضول اقتربت منهم أسأل الخبر، فتبرعت إحدى الممرضات باختصار الحادثة قائلة: هذه الرضيعة رماها والدها على الأرض، لأنها جاءت أنثى!! تصوري؟ حين ألقيت نظرة على الرضيعة لم أتصور بل..... أغمي عليّ.

ما زاد الطين بلّة: الغلو عندي في رفض رشوة موظف حكومي ليقدم لي مساعدة حتى لو كان الأمر أوراق معاملة حياة وموت، لكن الضيق الشديد لمجرد التواجود في المشفى ووطأة الذكرى السابقة جعلاني أفكر أن أستدعي أي مستخدمة لمساعدتي في تعريفي بالقسم والاتجاه الذي عليّ اتخاذهما، وسأعطيها ما في محفظتي!

رشوة؟
ليكن!

توسيع رقعة إفساد الناس؟
أيضا ليكن!!

هكذا كنت أفكر حين تقدمت مني مستخدمة متوسطة العمر تضع إشارا بسيطا على رأسها علامة التحجب.
كانت قد تركت ممسحتها الخشبية وأدوات التعقيم وجاءت مباشرة نحوي.

- أين وجهتك؟
- كذا.

- هناك ازدحام، وأشارت نحو المصاعد الكهربائية.. يمكنك اتباعي. وتبعتها صاغرة.


بوجه بشوش سألتني حاجتي، وشرحت لها.
مددت يدي إلى محفظتي بشكل لا واع وأنا أفكر: لن أترك معي سوى المبلغ الخاص لعودتي للبيت، فهي لا تستحق فقط مبلغا من المال لكن لطافتها ودماثتها ومتابعتها إجراءات دخولي القسم الخاص، واهتمامها بما أحتاج وما ليس هناك من داع من إجراءات جعلني أتصور أن أي مبلغ من المال غير كاف لرد جميلها، وازددت اصرارا على هذه الفكرة حين علمت منها أنها تعيل أربعة أطفال وأن زوجها متوفى، وأنها مستأجرة غرفة متواضعة وأنها الرجل والمرأة والأم والمتابعة لدروس أولادها.

كنت قد انتهيت من جميع الإجراءات الخاصة بي وما زالت المستخدمة بجواري تحدثني ببساطة وود من يعرفني سنين طويلة.

عند باب الخروج من المشفى، كان لون وجهي بلون الشوندر، وأنا أقدم لها قبضتي المتقلصة محتارة بين تقديري لإنسانيتها بعرض رشوة من جانبي، وبين شعوري العميق بأن هذا التصرف إهانة لامرأة بهذه المواصفات.

وددت أن أعطيها المال وأهرب من كل هذا الإحراج، لكنها نظرت مباشرة في عيني، وبانسيابية من يدخل أعماق البشر بلا وجل وقالت:

أنا لا أربي أولادي بالمال الحرام.

كانت تلك المرأة العاملة كمستخدمة تتجاوز رموز دينية تدعو بلا خجل ألا يبارك المسلمين أخوانهم من أديان أخرى في أعيادهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر


.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ




.. الأمم المتحدة.. تدخل الشرطة في الجامعات الأميركية غير مناسب|


.. تهديد جاد.. مخاوف إسرائيلية من إصدار المحكمة الجنائية الدولي




.. سورية تكرس عملها لحماية النازحين واللاجئين من اعتداءات محتمل