الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدعة الديموقراطية الإسلامية

أحمد عدلي أحمد

2004 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك خدعة كبرى يروج لها ما يسمى بالتيار الإسلامي المعتدل ، وهو أنه بالإمكان أن نحصل على ديموقراطية حقيقية دون علمانية أو ما يسمى بالديموقراطية الإسلامية وهو خطأ جسيم ذلك أن الديموقراطية تعني حكم الشعب بمعنى أن يكون الشعب مصدر السلطات ، بينما يفترض الثيوقراطيون المسلمون أن مصدر السلطات والقوانين هو إرادة الله التي تجلت مرة واحدة وإلى الأبد ، ولأن ما هو إلهي يسمو فوق ما هو بشري فإن إجماع الشعب كله على نفع قانون أو إجراء معين لا يعتبر كافيا لمنحه الشرعية لأن مصدر الشرعية ليس الشعب ، بل هو الله، أي أن الحكم الثيوقراطي يفترض نوعا من الديكتاتورية يكون فيها الديكتاتور هو الله، ويحاول الترويج لذلك باعتبار أن ذلك الديكتاتور عالم حكيم قادر ، وفوق ذلك خالق الإنسان والحجر والشجر ومن صنع شيئا فهو الأقدر بالمنطق على معرفة ما يصلحه، والمشكلة الحقيقية في هذا التصور والتي تواجهني كمسلم مؤمن {أحسب نفسي كذلك ولا أذكي على الله نفسي} ليس هو أن الله يتخذ أحيانا قرارات ليست في صالح البشر ، وهو مما يتنزه الله عنه، ولكن المشكلة تنتج من أن الله قد قرر لحكمة يعلمها ألا يتدخل مباشرة لفرض حكمه على البشر ، وأن الاتصال المباشر بين السماء والأرض قد انقطع إلى الأبد بموت النبي محمد {ص} تاركا وراءه كلمة الله لأتباعه من المسلمين ممثلة في القرآن والسنة ، ولما كان القرآن كتابا تصعب الإحاطة بعاليه وسافله لمن يقرؤه من العامة حيث يحتاج ذلك لإحاطة باللغة العربية في تاريخيتها وقت نزول النص القرآني ، وإلى معرفة بأسباب النزول وترتيبه والسيرة النبوية ، والنصوص الشارحة التي أنتجها الرسول والسلف ، ثم مناهج استخراج الدلالة من كل ذلك ، أضف إلى ذلك نصوص الحديث النبوي والصعوبات التي تواجه البحث فيها من ضبط السند وتعارض المتون مع بعضها و مع القرآن الكريم مما يستحيل أن يحيط به إلا الفقيه المتخصص ، إن ذلك يجعل تفسير كلمة الله وتوضيح كيفية تحويلها إلى قوانين تحكم السياسة والاقتصاد رهنا بيد هذه النخبة من علماء الدين ، والواقع أن ما يحاول الفقهاء تصويره بأنه يمثل القوانين المستقاة من كتاب الله هي نتاج اجتهاد عقلي بشري لا يمكن أن نصفه بأنه مقدس أو إلهي إلا أن نكون مدلسين ، فاستخراج الأحكام من النص عملية يقف النص في أحد جوانبها بينما يقف المفسر بثقافته وخلفياته التاريخية والطبقية وأهوائه أيضا على الجانب الآخر ولذلك لا يمكن أن نصف النتيجة بأنها إلهية أو مقدسة بالنظر إلى أحد الجانبين فقط ، ولكن حتى مع التسليم بذلك لا سبيل لإخراج كلمة الله من تحت سلطة النخب بما أن العوام لا يمكن أن يمتلكوا الأدوات الكافية لنقد استنتاجات الفقهاء ، ولن يقدر على ذلك سوى خبير آخر أو مجموعة أخرى من الخبراء سرعان ما تتحول إلى اتجاه منافس ويحدث الاستقطاب بين الفريقين ، وعادة ما يكتب الانتشار لأحد الاتجاهين في زمان ومكان معين لظروف سياسية واجتماعية محددة ، وفي كل الأحوال يظل العوام خارج نطاق الحسبة ، ولا يبقى لهم سوى التقليد إذا كانوا من الشيعة أو طلب الفتوى وسؤال أهل الذكر إن كانوا من السنة .
إن سيطرة الفقهاء على كلمة الله واستئثارهم بالحق الحصري في تحديد القوانين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تنسجم مع كلمة السماء تجعل النظام الثيوقراطي يتحول من ديكتاتورية الله { وهي الديكتاتورية المحايدة العادلة الكاملة التي لا اعتراض لمؤمن عليها} إلى ديكتاتورية الثيوقراط {وهي باعتبارها طبقة من البشر لا يمكن أن توصف بنفس صفات الله ، وبالتالي لا يمكن أن تكون ديكتاتورية فاضلة ، ولقد أخذت سلطة الثيوقراط شكلين في التاريخ القديم:
1- الحكم المباشر للفقهاء {اللاهوتيين} وهو النموذج الشائع في أوروبا في العصور الوسطية ، ولقد عرف أيضا في بلاد الإسلام ، وربما أشهر نموذج هو الإمام اليمني الذي كان يستمد شرعيته من كونه إمام الشيعة الزيدية {تشكل أغلبية في اليمن}
2-تحالف بين طائفة من رجال الدين ، وحاكم {يصل عادة بحد السيف للسلطة} يمنح فيه الدينيون الشرعية للديكتاتور مقابل امتيازات يحصلون عليها ، وهو النموذج الأكثر شيوعا في التاريخ الإسلامي.
إن الديموقراطية الإسلامية سوف لن تخلق سوى وسيلة ثالثة {تبدو أكثر حداثة} لسيطرة الثيوقراط على الحكم وفيها تستحدث بعض الإجراءات الديموقراطية مثل الانتخابات التي تصل إلى السلطة بحكومة وبرلمان لكن هذا البرلمان سوف لن يكون كافيا لمنح الشرعية للقوانين طالما رأى الثيوقراط أنها غير شرعية من وجهة نظر الله التي يدعون أنهم يعبرون عنها. إن نموذج إيران جيد في هذا الصدد ، وحتى مع عدم تأسيس ما يوازي مجلس صيانة الدستور سيظل الثيوقراط يمارسون ديكتاتوريتهم فعليا طالما ظلت شرعية القوانين والمؤسسات معلقة بأمر الله أي بأمر الثيوقراط كما سبق أن أوضحنا.
للخروج من هذا الفخ هناك حلان الأول يتمثل بفرض العلمانية الشاملة على النموذج الفرنسي أو التركي حيث لا يسمح للدين إلا أن يكون أمرا شخصيا يمارس بعيدا عن الحياة العامة، وهو حل غير مقبول جماهيريا في العالم الإسلامي لأسباب اجتماعية وتاريخية ليس ذلك وقت شرحها.
الحل الثاني يكمن في تعقب الأكذوبة الرائجة التي تزعم أن ثمة في الدين الإسلامي قوانين عبر تاريخية {metahistorical} فرضها الله على المسلمين لتنظم حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتشريعاتهم الجنائية منذ نزول القرآن وحتى قيام الساعة ، وتوضيح الفارق بين ما هو تاريخي من النصوص الدينية الإسلامية وما هو خالد وأبدي والذي يضم العمق القيمي وراء هذه التشريعات {التي تدخل نصوصها الحرفية ضمن ما هو تاريخي} هذا العمق القيمي في النصوص الدينية يمثل فعليا صرحا شامخا يتجاوز ما أنجزه علم الأخلاق في الحضارات المختلفة ولكنه مدفون وسط ركام من الخلافات الفقهية التافهة التي تمتلئ بها الكتب الفقهية في أثناء المحاولات البراجماتية للفقهاء لإنتاج القانون الإسلامي.، ووفق هذا التصور سوف يتوقف الفقهاء عن منح صكوك الشرعية للمؤسسات والقوانين والنشاطات الاجتماعية ، وسيسخرون طاقتهم لتشكيل علم الأخلاق الإسلامي ونشره القيم الإسلامية بين المسلمين، بينما سيبقى الإسلام موجودا داخل الحياة العامة في صورة القيم الإسلامية التي يمكن أن تمارس الضغط الأخلاقي الذي يحد من براجماتية السياسة ، ويقومها. إن هذا الدور هو الأقرب للتصور القرآني لوظيفة الثيوقراط " وما كان المسلمون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة لتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي


.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن




.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر