الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكاليات العلمانية في العالم الاسلامي

محمد سيد رصاص

2010 / 11 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت التجربة العلمانية الأولى،في بلد مسلم،بقيادة شخص هو مصطفى كمال( تمت تسميته ب:أتاتورك لاحقاً) قام بإلغاء الخلافة الاسلامية في عام1924،ثم كان شروعه في تطبيق العلمانية مترابطاً مع استئصاله للمظاهر والرموز الاسلامية ومايرتبط بها.هذا أدى إلى وضع شبيه بالتجربة العلمانية الفرنسية،التي اكتمل انتصارها في عام1905على المؤسسة الدينية الكنسية بعد مسار بدأ مع ثورة1789،لماأخذت العلمانية منحى صدامياً مع الدين (وليس فقط مع المؤسسة الدينية) منذ "عصر أنوار"فولتير وديدرو،الذين زرعوا بذور الثورة االفرنسية،وذلك بسبب تحالف الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية مع النظام الملكي لآل بوربون الذي أطاح به مسار ثورة1789.
كان مسار العلمانية هكذا في البلدان الاسلامية ،سواء عبر تجربة الحكام مثل أسرة آل بهلوي في ايران(1925-1979)الذين اصطدموا مع المؤسسة الدينية الشيعية ذات المراتبية والتمأسس بشكل شبيه بالكاثوليك( وهو أمر غير موجود عند السنَة)،أوعبر الحركات السياسية التي هي خارج السلطة(أوالمثقفون)التي تبنَت العلمانية،والتي أخذت عندهم جميعاً منحاً صدامياً مع الدين،الذين سعوا ليس فقط لفصله عن الدولة ،وإنما أيضاً عن السياسة.
قاد هذا المسار،خلال مايقارب تسعة عقود من الزمن،إلى تموضع العلمانية في موقع معاد للمتدينين،وللإسلاميين،من الناحيتين الثقافية والسياسية،فيمانظر إليها هؤلاء ليس فقط كذلك وإنما اعتبروها أيضاً معادية للدين:لم يحاول أحد في العالم الاسلامي ،حتى الآن ومنذ زمن أتاتورك،حرف العلمانية عن هذا المساربإتجاه العلمانية الأخرى التي وجدت في انكترا وألمانية(وحتى وجدت في بلدان كاثوليكية مثل ايطالية واسبانية والبرتغال)لما بدأت العلمانية بوصفها حركة مدنيين(laity:أفراد مدنيون من أتباع الكنيسة)ضد سلطة المؤسسة الكنسية(clergy)في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية كماحصل من قبل من تَبِعَ مارتن لوثر في مرحلة مابعد عام 1517وتأسيس البروتستانتية أومن قبل الملك الإنكليزي هنري الثامن في 1534لمافصل كنيسة انكلترا عن روما وأسس الكنيسة الأنجليكانية وقام بتأميم ممتلكات الكنيسة والأديرة،وهو ماأدى لفتح مجال جعل هناك امكانية لنشوء حركات سياسية أوأيديولوجية تستمد مصادرها عند أفراد متدينين من منابع دينية كماحصل عند البيوريتان الإنكليز الذين قادوا ثورة البرلمان ضد سلطة الملك المطلقة(1642-1649)ونجحوا بعد ذلك في تثبيت الملكية الدستورية مع ثورة1688،ثم شكَل الخلفية لنشوء الأحزاب الديمقراطية المسيحية،التي لاتهدف إلى فرض حكم ديني،وإنما يشكِل حاملها الاجتماعي أفراد متدينون ،بروتستانت وكاثوليك،يستمدون رؤيتهم الأيديولوجية السياسية من فكر (التومائية الجديدة)في القرن العشرين والتي كانت تنقيحاً حديثاً لأفكار توما الإكويني(1225-1274).
كان استعصاء العلمانية،بالعالم الاسلامي،نابعاً من ذلك، وقد تجسد ذلك أولاً في فشلها في أن تحقق أي اختراق أونفوذ اجتماعي قوي أومتوسط القوة خارج تركية وايران حتى الربع الأخير من القرن العشرين،ثم ثانياً في سقوط آل بهلوي على يد ثورة قادها رجال المؤسسة الدينية الشيعية بعام1979،وصولاً إلى بداية مسار تركي،بدأ في العقد الأخير من القرن العشرين مع أرباكان وتوبع من أردوغان خلال عقد أول القرن الجديد،من الواضح فيه حصول تآكل تدريجي قوي لمواقع الأتاتوركية في الجسم الاجتماعي التركي لصالح متدينين،واسلاميين،يريدون نزع القميص الأتاتوركي ،ثقافياً واجتماعياً،عن بلاد الأناضول،ويرون حقهم في أن يستمدوا رؤيتهم الأيديولوجية السياسية، كأفراد مدنيين في أحزاب وحركات،من منابع اسلامية،تماماً مثل وضعية أنجيلا ميركل وحزبها(الإتحاد الديمقراطي المسيحي)، المنتشر بروتستانتياً وكاثوليكياً ، وحليفها (الإتحاد المسيحي الاجتماعي) في ولاية بافاريا الكاثوليكية الجنوبية.
هذا الإستعصاء جعل الكثير من الأحزاب الليبرالية العربية،تاريخياً،مثل "الوفد" المصري و"الشعب"السوري،لاتطرح العلمانية،وهو ماينطبق على الأحزاب القومية العربية مثل"البعث"،وأيضاً هذا هو مامنع الأحزاب الشيوعية العربية من تبني العلمانية بصراحة في برامجها المكتوبة.وبالتالي فقد كانت العلمانية مقتصرة عند العرب على أفراد منعزلين،غالباً مثقفين كانت العلمانية عندهم حالة فكرية- ثقافية،أكثر منها حراك سياسي كما في تركية عند علمانيي"حزب الشعب الجمهوري"،وعندما تبنى حزب موجود في بلاد عربية العلمانية ،مثل"الحزب القومي السوري الاجتماعي"، فإنه لايمكن عزل هذا عن تركيبة عضويته وحامله الاجتماعي التي كانت غالباً من الأقليات الدينية،وبالذات الأرثودكس،هذا الشيء الأخير الذي لم يقد فقط إلى العلمانية،التي تعني نزعاً للهوية الثقافية – التشريعية الآتية تاريخياً للبلد من عند الأكثرية الدينية تماماً مثلما تكون مطالبة الأقليات القومية ب"وطنية جديدة"تعني تغييباً للهوية القومية الخاصة بالأكثرية ،وإنما أيضاً إلى تبني رؤية أيديولوجية كانت تقول بأن هوية منطقة"سوريا الكبرى" هي" ليست عربية اسلامية"وإنما هي سابقة لظهور الاسلام.
هل سيكون مصير العلمانية مثيلاً لمصير كل التيارات،مثل الليبرالة والماركسية،التي واجهت الطريق المسدود في العالم الإسلامي لأنها اصطدمت بالثقافة المحلية ولم تستطع حتى الآن تبيئة بناها المعرفية مع الهوية الثقافية ،كماحصل مثلاً في الوطن العربي،فيما نجحت الحركات التي استمدت مخزونها المعرفي- الثقافي من الاسلام(حركات الاسلام السياسي)أوكيفَت أيديولوجيتها الحديثة مع الإسلام (حزب البعث،عبر محاضرة ميشيل عفلق بعام1942:"في ذكرى الرسول العربي")؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخلاصة
Anir Baky ( 2010 / 11 / 18 - 05:48 )
العلمانية ضد تدخل المؤسسة الدينية فى السياسة و ليس ضد الدين. لأن من مبادئ العلمانية حرية الفرد و حرية المعتقد الدينى. ولكن تجار الدين فى المؤسسات الدينية يحاربونها و يدعون كذبا بأن العلمانية ضد الدين لتنفير الناس منها. والحقيقة أن تجار الدين هم الذين سينفرون الناس من الدين بتصرفاتهم الصبيانية و الغير محترمة.


2 - االدكتاتورية والعلمانية
سلام هادي ( 2010 / 11 / 18 - 09:55 )
الاخ المحترم يبدو من اتجاه مقالاتك انك معجب بفكر البعث ومتاثر به ناسيا ان فكر البعث والبعثين يجب فصله عن العلمانية التي هي فصل الدين عن الدولة من اولى اهتماماتها بينما وجدنا ان البعث العفلقي لم يكن كذالك وانما حكم طائقي ذهب مئات الاف من الناس ضحية لهذا الحكم الفاشل وهو انما مجرد شعرات غير مطبقة اهدافها الوحدة والحريه والاشتراكية التي لم تحقق اي منها لا للعراقيين ولا للامة العربية بل كانت نقمة عليهم لذالك من المهم جدا ان نفرق بين العلمانية كتجربة ممكن ان تكون ناجحة في الحكم وبين الانظمة الدكتاتورية التي لاتختلف عن الانظمة الاسلامية المتشددة التي تحكم البلاد والعباد في بلداننا العربية والتي لم نعرف عنها غير الويلات والمفخخات وان مايحصل الان هو اقرب للصراع بين التيارات الاسلامية والتيارات الدكتاتورية على السلطة لتبقى الاغلبية الصامتة ليس بيدها حيلة ولا اقصد الاغلبية الصامتة هي التيارات الماركسية او القومية واانما كل الناس الباحثة عن التحرر من التشدد سواء كان تشددا اسلاميا ام قوميا او بعثيا اووهابيا مع التقدير


3 - لا أظن ذلك
أحمد آدم السرطاوي ( 2010 / 11 / 18 - 09:58 )
لا أظن أن مستقبل العلمانية هو التوقف
والإنجماد
وليس كذلك هو المسير والتفشي
وإنما سيكون الموقف صدامياً
قد تتفشى في طبقة من المجتمع
وطبقة أخرى ستقابل الأمر بغاية العنف


4 - علمانيون يعشقون الطغاة
جواد كاظم ( 2010 / 11 / 19 - 15:19 )
الشيع العجيب والغريب ان بعض العلمانيين(اومدعيها) يعشقون العبودية والطفاة!!!!؛


5 - موضة
محمد م ديوب ( 2010 / 11 / 20 - 14:22 )
الأخ محمد أنا وأنت من مدينةٍ واحدة هي اللاذقية الجميلة وهذه المدينة تعتبر من أكثر المدن السورية زحمة بالعلمانيين وأنا أعرف الكثيرين منهم ومن كل الطوائف والمذاهب وتجاربي مع الكثيرين ممن أعرفهم أكثر من مُرًة وسأختصر كثيراً جداً جداً جداً لأقول أن العلمانية هي أكثر من موضة أو تقليعة هي موقف حياتي شامل بكل معنى الكلمة وعندما لانستطيع أن نأخذه لامعنى لكل الحديث في هذا الأمر ولك تحياتي وخالص مودتي


6 - ملاحظة
سامان صلاح في الكردستان ( 2011 / 3 / 9 - 08:49 )
في الحقيقة ان ان العلمانية جاء بالمهام عدة منها ابعاد الدين عن الأمور السياسية، وهذا النوع يسمى بالعلمانية السياسية و لدينا العلمانية فى الاعتقاد و فى الاخلاق و العلمانية الاجتماعية والاعلمانية الفلسفية و العلمانية العلمية.فالاسلام رحب فى اول وهلة بالعلمانية العمية كما كان فى الفلسفة لكنه له حدوده فى المسألة السياسة وهذا باتعالمه الاخلاقية والفقهية ويرحب بالعلمانية السياسية اذا لميتجاوز عن حدوده التى وضعها فى الاخلاق و الاحكام

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa