الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثير عوامل المحيط والذات على الشخصية

صاحب الربيعي

2010 / 11 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تقسر عوامل المحيط الذات على اتباع أنماطاً محددة من الشخصية تتوؤائم مع المحيط الاجتماعي ولربما تكون الشخصية أحياناً متعارضة مع الذات لذلك حالما تجد الذات متنفساً ما تتخلص من نمط شخصيتها القسرية لتصبح شخصية مختلفة تماماً خارج محيطها الاجتماعي أو داخله حين يتوحد الفرد مع ذاته بعيداً عن تأثيرات عوامل المحيط.
تؤثر عوامل المحيط بمجملها على رسم معالم الشخصية، وفي الوقت ذاته هناك تأثير لكل عامل على حدا على الشخصية ذاتها تبعاً لشدته فمثلاً عوامل : المناخ، والمكان، والهدوء، والضوضاء.. وغيرها تترك أبعادها على نمط الشخصية، فشخصية الفرد في الأماكن الحارة غير شخصيته في الأماكن الباردة، وفي أماكن الهدوء غير شخصيته في أماكن الضوضاء. وإجمالي تلك العوامل ترتبط بالزمن فالتحولات النسبية لسلوك الفرد تعدّ تعبيراً غير مباشر عن شخصية مختلفة نسبياً عن شخصية تسبقها بفترة زمنية معينة على الرغم من أنها خاضع لعوامل المحيط ذاتها.
إن قسر الذات على اتباع نمط محددة لشخصية ما ليس سهلاً على الدوام لأن تأثير عوامل المحيط لا تشتغل وحدها وإنما تتناغم مع عوامل مماثلة كامنة في الذات تجعلها منصاعة لنمط محدد فتفرض الشخصية المتوافقة مع عواملها. لكن حين تعزل عوامل المحيط عند النوم تعزل الذات عن عوامل محيطها على نحو مباشر بتغيب الوعي، لكنها على نحو غير مباشر متأثرة في اللاوعي ويكون تأثير عوامل الذات على اتباع نمط محدد للشخصية منسجم مع الذات على نحو كبير فينصاع الفرد إلى رغباته الذاتية عند اتخاذه قراراً لإتباع نمط ما لشخصيته.
يقول (( أورهان باموق )) : " إن أجمل ما في النوم، نسيان البعد المكاني بين الشخص الذي يكونه الفرد والشخص الذي يريد أن يكون مكانه برغبة عارمة، وبين ما يشعر به وما لا يشعر به، وبين ما رآه ولم يراه أبداً، وبين ما يعرفه وما لا يعرفه مطلقاً ".
إن التحولات النمطية للشخصية بتأثير عوامل المحيط والعوامل الذاتية ومحاولات الفرد لتثبيط عوامل المحيط أو عوامل الذات لإتباع نمط ما لشخصيته الزمنية يحتاج قراراً ذاتياً يحجب خلاله عوامل ما ليقسر الذات الانصياع إلى عوامل أخرى لتنسجم شخصيته المفترضة مع عوامل المحيط وحده أو مع عوامل الذات من دون عوامل المحيط لتكون شخصية ذو نمط أحادي غير متأثرة بالعوامل الثنائية.
على الرغم من ذلك فإن حجب أو عزل تأثير عوامل ما على نمط الشخصية ليس سهلاً ويحتاج قراراً برفض العوامل المؤثرة من خلال تغيير المكان للهروب إلى عالم آخر مختلف بعوامله عن المحيط الأول، فمثلاً عوامل عالم اليقظة مختلفة عن عوامل عالم النوم لذلك يجري الهروب من أحدهما إلى الآخر لتضييع الشخصية في إطار الزمن وحجب مؤثرات محددة ترفضها الذات. ويخضع قرار الفرد بتغيير العوامل المؤثر على نمط الشخصية إلى رغباته الذاتية المنسجمة أو الرافضة لنمط الشخصية الحاضرة زمنياً فيجري تغيبها بإتباع نمط جديد بعوامل مغايرة وزمن آخر لتكون منسجمة مع رغبات الذات لتسعد بها.
يتساءل (( أورهان باموق )) مع ذاته قائلاً : " إنك لست مسروراً من نفسك وحياتك، أردت أن تكون شخصاً آخر دائماً في تلك الليالي التي تذرع فيها غرف مسكنك، لكنك لم تتمكن اتخاذ قراراً بالنمط الذي تريد لشخصيتك أن تكون ".
لذلك يمكن عدّ شخصية الفرد المتأثرة بثنائية عوامل المحيط وعوامل الذات تبعاً للزمن ليست شخصية مستقرة تماماً، وإنما شخصية متغيرة تبعاً لتغير عوامل المحيط الظاهرة وعوامل الذات الكامنة. وليس سهلاً رصد التحولات النسبية لشخصية ما زمنياً لكن الفرد ذاته يدركها لشعوره بتغير مزاجه العام من زمن إلى آخر بتأثير مباشر أو غير مباشر لعامل ، حزن أو فرح ، من محيط سلبي أو إيجابي على عوامله الذاتية فيتأثر مزاجه العام في الحال من دون أن يتأثر نمط شخصيته الظاهرية على نحو عام تبعاً لشدة العامل وتماسك الفرد وقدرته على حجب الانعكاسات الظاهرية للمؤثرات الثنائية على سلوكه ومزاجه العام.
لذلك لا يمكن على نحو عام تقدير مزاج الفرد ومن ثم التحولات في نمط شخصيته زمنياً لكن يمكن للأفراد من نفس دائرة المحيط التعرف على نحو أدق على تأثير عوامل المحيط على التحولات النمطية لشخصيات كل منهم خلال نفس الفترة الزمنية. على خلافه يمكن رصد التحولات النمطية على نحو عام في شخصية مجموعة ما في نفس الفترة الزمنية لطغيان سلوك ما على تصرفاتهم، فمثلاً حين يصاب المجتمع بكارثة ما يتغير مزاجه العام فيبدو أنه متوحداً في شخصية واحدة تعكس مزاجاً واحداً مرده توحد تأثير عوامل المحيط والذات الجمعية في شخصيته المجتمعية العامة.
يعتقد (( لارو شفوكو )) " أنه من السهل معرفة البشر على نحو عام، لكن صعباً معرفة شخص واحد على نحو خاص ".
ترتبط أنماط الشخصية بثنائية عوامل المحيط الظاهرة وعوامل الذات الكامنة الخاضعين للزمن بتحولاتهما المتباينة، لذلك لا يمكن عدّ شخصية الفرد مستقرة طالما أنها خاضعة لعوامل متحولة في المحيط والذات معا. وعلى افتراض أن الشخصية المعبرة عن عوامل المحيط والذات معا مستقرة إلى حد ما، فإنها خاضعة في الوقت ذاته إلى الزمن، وبما أن الزمن حالة متغيرة فلا يمكن القطع أن الشخصية تبقى على حالتها النمطية المستقرة في كل الأوقات.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال