الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلكونة هى الحل

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2010 / 11 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كانت للبلكونة مكانة خاصة فى حياة المصريين قبل أن تتحول إلى حظيرة دواجن أو مخزن للثوم والبصل. لقد كانت الشقة التى بلا بلكونة أو شرفة أشبه بالمقبرة التى تفصلنا وتعزلنا عن العالم الخارجى. فالبلكونة لا تنتهى مهمتها بنشر الغسيل لكنها تعتبر المكان أو المنفذ الذى نرى من خلاله الشارع ونعرف كل ما يدور فيه. وبالإضافة إلى ذلك فإن البلكونة كانت تمثل ملتقى الأحبة وتشهد همسات العشاق ودقات القلوب التى تختلط بخيوط الليل. وفى الواقع فإن البلكونة كانت تمثل عنصرا مهما سواء فى الأفلام السينمائية أو الكتب الثقافية. من المعروف أن معظم أفلامنا القديمة تعتبر البلكونة الموقع الأساسى للتعبير عن مشاعر الحب كما الحال فى فيلم "شحات الغرام" لمحمد فوزى وليلى مراد. أما بالنسبة للكتب الثقافية فإن الروائى الشاب محمد فتحى قد قام بإصدار كتاب "مصر من البلكونة (2009م) حيث يتناول السلبيات التى يشهدها الشارع المصرى بطبقاته المختلفة. ما يثير الحزن والأسى هو أن بعض المبانى الحديثة أمست خالية من البلكونة التى أصبحت جزءا من مساحة الشقة بعد أن حل محلها شباك صغير لا يمكن أن يؤدى ذات الوظائف التى تقوم بها البلكونة بكل كفاءة واقتدار. ومع ذلك نرى أن أصحاب هذه المبانى الحديثة لهم كل الحق فى إلغاء البلكونة لأنها لم تعد موقعا للترويح عن النفس بل صارت من أسرع الوسائل لإنهاء العلاقة مع الحياة ومن ثم التخلص من كل المشاكل الحياتية.

من المعروف أن السقوط أو الإسقاط من البلكونة قد أصبح من الأمور التى تحدث للمصريين سواء داخل الوطن أو خارجه. لقد قرأنا وسمعنا أن بعض الشخصيات المصرية المرموقة قد ألقت بنفسها أو ألقيت من شرفات المبانى التى يقطنونها فى لندن. ففى أغسطس 1973م تم العثور على جثة اللواء الليثى ناصف قائد الحرس الجمهورى للسادات أمام عمارة ستيوارت تاور فى قلب لذدن وبعد مضى قرابة 28 عاما تم العثور على جثة سندريلا الشاشة سعاد حسنى أمام نفس العمارة ومنذ ثلاث سنوات تم العثور على جثة أشرف مروان صهر الرئيس عبد الناصر أسفل عمارة بسان جيمس بارك بلندن. المثير للدهشة أن شرطة سكوتلانديارد التى تولت التحقيق فى الحالات الثلاث لم تتوصل إلى الحقيقة: انتحار أم قتل. لقد كانت البلكونة فى هذين المبنيين هى الحل بالنسبة للمنتحرين أو القتلة. لعل تلك البلكونة أو الشرفة تتحدث ذات يوم لتقول لنا ما الذى حدث.

ولا تختلف الأمور كثيرا داخل مصر حيث نرى بعض المواطنين لا يترددون فى اللجوء للبلكونة إذا فشلوا فى إيجاد حلول للمشاكل النفسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. لقد شهدت شرفات المبانى فى مدن المعمورة عدة حوادث مؤسفة فى عام 2010م. ففى مارس الماضى قررت سيدة فى الأربعينيات من عمرها وتقيم فى مدينة بور فؤاد أن تضع نهاية لمشاكلها النفسية من خلال إلقاء نفسها من شرفة منزلها بالطابق الرابع. الغريب أن السيدة سبق أن قامت بمحاولة فاشلة للانتحار من بلكونة المنزل حيث تدخل نجلها لإنقاذها. وفى إبريل المنصرم رأت سيدة مصرية أن الطريقة المثلى للتخلص من مضايقات شاب خليجى من جيرانها هو إرغامه على الانتحار بالقفز من البلكونة. وفى يونيو 2010م قررت فتاة صغيرة من رشيد أن تتخلص من الشعور بالظلم بعد أن تعرضت للسرقة بالإكراه من خلال إلقاء نفسها من الطابق الخامس لمنزلها. وفى نوفمبر 2010م لم يتحمل عامل فى مركز القناطر الخيرية أعباء الحياة ولم يستطع تلبية مطالب الأسرة حيث تفتق ذهنه عن حل نهائى يتمثل فى إلقاء زوجته من الطابق الثانى من المنزل مما أدى إلى أصابتها بكسور متفرقة فى أنحاء الجسد. كما شهد الشهر نفسه انتحار معيدة بالجامعة تقيم بمدينة أكتوبر حيث ألقت بنفسها من الطابق الثانى وذلك لتخطيها الأربعين من عمرها من دون أن تلحق بقطار الزواج. لكن ما يدعو إلى الغرابة هو أن ضحايا الانتحار الذاتى أو الإلقاء من البلكونة لم تقتصر على الفتيات والزوجات فحسب بل طالت الأمهات أيضا. ففى سبتمبر 2010م لم يجد سائق بالمحلة الكبرى غضاضة فى إلقاء والدته من بلكونة الطابق الأول حيث تعرضت لإصابات خطيرة فى المخ. والسبب الذى دفعه إلى ذلك هو أنها رفضت أن تعطيه مبلغا بسيطا من المال.

وفى ظنى فإن الحل الذى يجول بالخاطر هو أن يضاف بند لقانون البناء الموحد بحيث يمنع إقامة شرفات فى المبانى الجديدة على أن يطبق ذلك فى المدن والقرى على حد سواء لأن المبانى فى القرى والأرياف باتت مزودة بالبلكونات. لعل هذا الاتجاه يحد من الحوادث التى تشهدها البلاد من وقت إلى آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الأستاذ أحمد سوكارنو
رفيق أحمد ( 2010 / 11 / 24 - 06:19 )
الانسان اذا من نفسه لن يرتدع فأي منع للبشرفات لن يفيد لأن الانسان ممكن يلقي نفسه من الشباك أو من المنور , المهم يجب أن يعلم الانسان أنه يعتدي على حق الله فيه الانسان ليس ملك نفسه الانتحار ليس من ديننا أبداً ومرقوض تماما وشكرا

اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا