الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل المعاصر وهستيريا الرجوله(1 من 2)_ أرحموا هذا الرجل

سومر الياس

2010 / 11 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يدفع الرجل المعاصر ثمنا باهظا وضريبه قاسيه للمفهوم السائد عن الرجوله في مجتمعاتنا المعاصره دون أن يلاحظ الكثيرين منا ذلك, وهذا الثمن لا يؤثر فقط على نمط حياته الإجتماعيه بل يمتد ليطال صحته الجسديه وعافيته وصحته النفسيه ومشاعره وعاطفته, حتى أن هناك دراسات اجتماعيه حديثه خلصت الى نتيجه ميلودراميه غير متوقعه وتدعو للدهشه والاستغراب الا وهي أن مقتل الرجل المعاصر كامن في رجولته .

فعلى الرغم من العين الحسود التي كانت ترمقه بها المرأه عبر التاريخ لسيادته الكلاسيكيه وتفوقه التقليدي, يعيش الرجل المعاصر مأساة رجولته بكل ما في الكلمه من معنى, فحياته هذه و التي يعيشها لمرة واحده غالبا ما تمر دون ان تكون له حتى فرصة لأن يشعر بها أو أن يتلذذ بها, فضرباتها القاسيه المتكرره لا تعطيه فرصه لكي يستكين ولو لبرهه, فقد تعلم أنه ولكي يكون رجلا حقيقيا في هذه الحياة عليه أن يصارع ويصارع دون كلل أو ملل وأن لا يستكين, كما أنه بالأساس فاقد لجزء كبير من أحاسيسه, حيث إن رجولته أيضا تفرض عليه أن يواجه مصاعب الحياة وضرباتها القاسيه بقلب لا يعرف الرحمه وبأس شديد, وإذا كان من بد للإحساس والمشاعر معترك الحياة أو في ميدان إثبات الذات أو الرجوله هذا فليكن الغضب والذي يستحضره بنفس المهاره التي يتعامى بها عن خوفه وآلامه, لقد صنعت منه هذه الحياة القاسيه متصنعا محنكا, واهدته قناعا رواقيا يواجه به العالم ويخفي مشاعره الحقيقيه خلفه, وها هو بالنتيجه وحيدا على الرغم من أنه محاط بالكثيرين, وها هو ايضا ياخذ سرعاطفته الانسانيه الحقيقيه ولينه وحنوه معه الى قبره.

هو شديد الفطنه لواجباته ومسؤلياته, فهكذا تعلم منذ نعومة أظفاره, يكافح بشراسه ليكون رجلا حقيقيا وبطلا حقيقيا في عيون الناس وفي عيون والده على وجه التحديد, والده الذي علمه كيف يتنافس ويتنافس ليكون التلميذ الأول والرياضي الأول والمعشوق الأول والزوج الأول والأب الأول, وهو إبن أبيه بحق لذلك فهو يكافح ويكافح و بلا هواده ليكون لديه المنزل الأكبر والزوجه الأجمل والأطفال الأذكى والسياره الأحدث, إنه مقتنع تماما بما تعلمه من ابيه بأن هذا العالم ينقسم الى منتصرين ومهزومين, وإنه إذا كان من المهزومين فإنه سيصبح عديم الرجوله, عديم الفائده, وها هو يرفض أن يعطي نفسه حتى قيلولة سريعة في هذه العاصفه الهوجاء التي يسمونها حياته.

بإختصار هذا هو الرجل المعاصر وهذه مأساته أو حياته, إنسان منفصل عن ذاته الحقيقيه ويعيش بذات زائفه تم تركيبها وبنائها ضمن قيم ابويه ومفاهيم بطركيه للرجوله, وما من شك أن الثمن الذي يدفعه هذا الرجل باهظا جدا وهو لا يكمن فقط في مثل هكذا نمطيه حياتيه بائسه بل يمتد ليطال صحته الجسديه ليفتك بها ويدمرها, حيث تفيد الدراسات الطبيه أن هذا الرجل يعيش أقصر من نظيرته المرأه بست سنوات, كما أن معدل الإنتحار لديه أعلى من نظيرته المرأه بأربع مرات, كما تفيد دراسات أخرى أن ثلثي مدمني الكحول في العالم من الرجال, وكذلك الحال بالنسبه لأمراض القلب وإرتفاع الضغط الشرياني وغيرها من الامراض المتعلقه بالتوتر والضغط النفسي حيث تبين أنها اكثر شيوعا بين الرجال وبفوارق قياسيه بالنسبه للنساء, حتى أن دراسة حديثه أفادت بأن كونك رجلا هو العنصر الأهم لأن تموت قبل سن الخمسين أو ما يسمونه بالموت المفاجىء حيث يموت 16 رجل مقابل كل 10 نساء لأسباب لاعلاقة لتقدم السن بها كالذبحات الصدريه وحوادث السيارات وما الى ذلك, وحتى في جرائم القتل لم يسلم هذا المسكين حيث تبين أن عدد القتلى بين الرجال هو ضعف العدد بين النساء.

إن صحة الرجل المعاصرالنفسيه وعلاقاته العاطفيه لا يقلان كارثية ودراماتيكية عن صحته الجسديه المعتله, واقع الامر إن حياة الرجل العاطفيه هي المسؤول الرئيسي عن هكذا صحه معتله, وبتعبير أكثر دقه الطريقه التي درب بها هذا الرجل منذ كان طفلا للتعامل مع مشاعره وعواطفه لمواجه الحياة, وقد أفادت دراسات سيكولوجيه حديثه ان نصف الرجال يعانون من كآبه سريه باطنيه وان هذا ناجم عن نمط حياة قائم على انكارهم لعواطفهم ومشاعرهم, حيث انه ولكي تكون رجلا في هذا المجتمع فإن هذا يعني أن تتجنب تلك الحساسيه العاطفيه الانثويه الزائده, لا بل وأكثر من ذلك بأن تنكر الالم , حيث ان المعيار الكلاسيكي الرئيسي السائد للرجوله هو في مقدار تحمل الرجل للالم, أو بتعبير أدق إنكار الالم والعيش تحت وطأته, ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف يكبت معظم الرجال مشاعرهم ودموعهم ويخجلون منها في أغلب الاحيان, تلك المشاعر التي لا تلبث أن تتحول الى ضغط نفسي عاطفي يرزحون تحت وطأته, ولقد قدر رونالد لافانت وهو احد علماء النفس الاكثر شهره في العالم نسبة الرجال الذين يعانون من مرض الأكزيثيميا (عدم قدرة الانسان على تحديد نوع مشاعره) بثمانين بالمائه, بالطبع كارثه بان لا تعرف حقيقة مشاعرك لأنك بالنتيجه ستكون عاجزا على أن تعبرعن مشاعرك للاخرين, ويعتقد ان هذا هو السبب الرئيسي لحالات الانعزال النفسي عن المحيط التي يعاني منها اغلب الرجال في المجتمعات المعاصره, ويعيش معظم الرجال المعاصرين حياتهم بعد انعزالهم عن عائلاتهم وأصدقائهم مدمنين لشيىء ما كالقمار أو الكحول أو العلاقات الجنسيه السريه أو ربما لامور أخرى كالتلفزيون أو الرياضه أو الأنترنت مثلا أوحتى أن يكونوا مدمنين لأعمالهم, اي شيء يبعدهم عن إحساسهم بالالم الذي فرض عليهم بان يتعايشو معه صامتين من واقع رجولتهم وليس غريبا أن تجد الغالبيه العظمى منهم غارقون في كآبه جهنميه مزمنه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا