الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقلانية واليقينية في النص القرآني

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كثيرة هي الآيات التي أشارت إلى العقل في سياق النص القرآني، وإن تباينت مدلولاتها بين التعقل والتدبر والنظر والتفكر، إلا أنها جميعاً تلتقي حول يقينية النص الموحى من السماء.
وقد تبدو العقلانية في النص مرادفة أحياناً، لدى البعض، ليقينيته، على اعتبار أن العقلانية واليقينية شيء واحد بالنسبة لفهم النص والتعامل معه من منطلق التسليم الكامل بحقائقه ووقائعه وأحداثه الماضية لما كان، وتنبؤاته اللاحقة لما سيكون، وأن الاختلاف بينهما، إن وجد ، فهو اختلاف في اللفظ لا في المعنى.
قبل أن نستعرض نقاط التمايز بين العقلانية واليقينية في سياق النص، لابد من وضع تعريف دقيق لكل منهما في ذات السياق.
فالعقلانية في باطن النص، ليست كخارجه، وهي بهذا المعنى، تعني التجرد عن كل ما هو خارج النص، والالتصاق بالأخير التصاقاً طوعياً قائماً على السمع والبصر[ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ] [الإسراء:36] كمدخل أول نحو التعقل وضبط نوازع النفس وآثامها، وتالياً نحو عقلنة الروح، كأعلى المراحل التي يرتقيها بمعية النص [ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ] [ الملك:23 ].
أما اليقينية، متمركزة أساساً في النص عينه، لا في باطنه وحسب، وهي قلب النص وظهره في آن معاً، وأداتها الوحيدة أو لنقل ينبوعها الدائم، الذي يتجلى بالفطرة [ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] [ الروم:30 ].
بموجب هذين التعريفين، يتبدى لنا بوضوح المعنى الذي تنطوي عليه العقلانية واليقينية كل على حدة، فالترادف بينهما ليس صحيحاً، كما يظن البعض، طالما سبق أحدهما الآخر في تثبيت الإيمان والوصول إليه، والأساس الذي تبنى عليه قاعدة الإيمان، قائم على اليقين أولاً، وعلى العقل ثانياً، فلو بُني على العقل دون اليقين، لتزعزعت تلك القاعدة، وانهار بناء الإيمان، إثر كل تقلب وتغير يطرأ على العقل، إذا ما خبرنا أن العقل أكثر عرضة للتبدل والتغير في طروحاته واستنتاجاته من حين لآخر.
كما لا يجوز أن يسبق أحدهما الآخر، فثبات اليقين ورسوخه لدى الإنسان، الذي يتمثل هنا بالفطرة، هو مدماك الإيمان، أياً كان شكله وغايته، والعقل بديناميكيته المستمرة إما أن يكون مترادفاً مع تلك الفطرة، أو أن يكون خاضعاً لها، أو يكون منفصلاً عنها، وبالتالي أقل خضوعاً لها، بل قد يكون على النقيض منها.
ولعل أهم نقاط التمايز بين العقلانية واليقينية في سياق النص القرآني، أن العقلانية في الإسلام تندرج تحت النقطتين التاليتين:
1- التسليم المطلق لقواعد الشريعة في تقرير كل ما يخاف الشرع أو يوافقه.
2- التجرد الكامل عن الأهواء والنزوات والأحكام المسبقة .
في حين أن اليقينية قائمة أساساً، كما ذكرنا آنفاً، على الفطرة، التي تستحوذ على تسليم العقل وتجرده، بغرض اكتمال إيمان الإنسان ونضوجه، ومركزها لدى الأخير يتمثل بالقلب الذي يتصل بالسمع والبصر عبر قنوات الإحساس والشعور الكائنة بمنطقة الوعي التي تخضع بدورها لسلطة العقل.
ووفقاً للتشريح التفصيلي أعلاه، تتحدد أبرز معالم عملية الإيمان (الاعتقاد) بالمحسوسات والغيبيات من منطلق علمي بحت، أساسه الدافع الفطري، وحاجته الرغبة في الاعتقاد.
نافل القول، إن العقلانية خارج النص ليست كداخله، كذلك الأمر بالنسبة لليقينية، وجوهر الاختلاف بينهما، أن حيز العقلانية خارج النص أكثر بكثير مما هو عليه داخله، في حين أن حيز اليقينية هو النص بكليته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمن سيصوت يهود أميركا في الانتخابات الرئاسية؟


.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم




.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah