الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية أو الطوفان

حميد زناز

2010 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نشر عدد من مثقفي العالم العربي المقيمين في فرنسا بيانا أدانوا فيه الاعتداءات الوحشية التي راح ضحيتها عدد من المواطنين العراقيين بسبب ديانتهم المسيحية. وإن كان واجبا تثمين كل مبادرة تندّد بالعنف ضد البشر مهما كانت التبريرات وفي أي زمان أو مكان ، إلا أن التنديد المناسباتي غير كاف ما دامت المجتمعات العربية (ثقافة و سياسة) لا تعترف بالتنوع الديني والفلسفي. تكفي إطلالة سريعة على الدساتير في هذه البلدان ليعرف المرء (ة) أن كلها تعتمد الشريعة الإسلامية كأساس للتشريع وتفرض الإسلام كدين وحيد للدولة. وبالتالي لا تعترف بمواطنة لا المسيحي و لا اليهودي ولا الــ بدون دين.
تقصي هذه اللامساواة المُدسترة اللامسلمين وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية وذلك يعرضهم لمصاعب كثيرة تفتح الباب في النهاية واسعا أمام احتقارهم أولا و الاعتداء الوحشي عليهم ثانيا.
ما هو واجب المثقف أمام هذا التمييز الرسمي؟ لا ينتظر الإنسان العربي السوي - الذي لم تلوث عقله الأساطير الدينية والحلول الوهمية - من المثقفين التنديد بما يقع وإنما يطالبهم بنقد وتفكيك المنظومة القانونية المعتمدة أساسا على الشريعة الإسلامية والتي تؤسس للتمييز والتحرش الديني بطريقة مضمرة وصريحة. ما جدوى أن يرفض هؤلاء أفعالا لا يملك أغلبهم الشجاعة على رفض الجهاز الإيديولوجي الذي يحرض عليها ويعطيها الشرعية؟ ألا يعتبر الإسلام المسيحيين واليهود أهل ذمة؟ ألا تظل بهذا فكرة التمييز القاتلة حاضرة في النص المقدس وجاهزة للاستدعاء وقت الحاجة؟ فلا حل لهذه المعضلة سوى العلمانية أي فصل الدين تماما عن الشأن السياسي ويعني ذلك إبعاد الشريعة تماما من مجال التشريع، وعدم تدريس الحقد و تجريم التكفير.. الخ.
فهل هو مثقف من لا يؤمن بالعلمانية؟ وما نفعه أصلا في مرحلة تعاظم فيها هجوم دعاة الدولة اللاهوتية ؟
ولئن كان معظم الموقعين على بيان التنديد من المؤمنين بالعقلانية والعلمانية فقد تسلل بينهم أصولي متنكر لا يترك فرصة إلا واستغلها للإشادة بعصابة حماس وحزب الله وطالبان! كما تسلل آخر امتهن عقلنة الشريعة في فرنسا ملفقا أطروحات مضحكة حول إسلام مثالي عالم بكل شيء، لا يوجد إلا في دماغه.. و آخر يعمل جاهدا و لكن عبثا على الفصل بين الأصولية الإسلامية و الإسلام! كيف نستغرب هذا الاعتداء الجبان في وقت لا تخلو مكتبة في العالم العربي من كتب تنتقد النصارى وتصف دينهم بالمحرّف وتدعو صراحة إلى أسلمتهم.. وتفرض دراسة الإسلام على جميع الطلبة في المدارس بصرف النظر عما إذا كانوا مسلمين أم لا.. ففي شبه البرلمانات العربية قوى دينية رجعية لا تملّ ولا تكلّ من المطالبة بتطبيق الشريعة كاملة ضاربة عرض الحائط بأدنى حقوق المواطنين غير المؤمنين بالشريعة. كيف يسمح للمسلمين العمل الدعوي الذي يهدف إلى أسلمة المسيحيين، وفي المقابل يمنع على المسيحيين ليس حقّ الهداية إلى طريق عيسى بن مريم، بل حتى إظهار إيمانهم بالتثليث إذ لا تقرع أجراس الكنائس خوفا من أن تشكّل استفزازا للمسلمين في ديارهم!
كيف يمكن أن يعيش إنسان غير مسلم في طمأنينة بين أناس ما زالوا يعلمون أبناءهم ما نقل أبو هريرة عن الرسول : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني دماءه وماله .." (صحيح البخاري 2983)؟

كيف يستتب الأمن الاجتماعي و لا تكاد تمرّ صلاة جمعة أو مناسبة دينية دون أن يسمع مرتادو المساجد خطبا نارية مناوئة للمسيحيين واليهود وغير المؤمنين بل للعالم أجمع ؟ ألا يتعلّم الناس معاداة العقائد الأخرى في مساجد الحكومة و مدارسها وإذاعاتها وفضائياتها؟

التبجّح بتسامح الإسلام شيء والواقع الذي يعيشه غير المسلمين في أرض الإسلام شيء آخر إذ لا أحد يستطيع اليوم ستر الإقصاء الذي يتعرض له أتباع السيد عيسى بن مريم في كثير من الدول التي تنتهج الطريقة المحمدية. لم يبق للمسيحيين في الأغلب الأعم سوى خيارين لا ثالث لهما: قبول الذمة السرية صاغرين أو الهجرة خارج الديار مضطرين. "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ممن أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (سورة التوبة29) هكذا تقول كتب التربية الدينية!
فما هو موقف المثقفين من كل ذلك؟
أمام هذا الوضع الغريب عن العالم المعاصر لا حل لتحقيق حرية الإنسان سوى الدولة المدنية التي تضمن الحياد ولا تفرض الإسلام بالقوّة كما هو الحال في كل الدول العربية اليوم. ولا مهمة حقيقية للمثقف العربي في الوقت الراهن غير المطالبة بإلغاء مادة : دين الدولة الإسلام من شبه دساتير البلاد العربية، لأنها بكل بساطة مادة عنصرية ومضادة لحقوق الإنسان وتمييز رسمي على أساس الدين، لا يجني منها العرب سوى العنف و التخلف والحرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهل تبقى لنا اختيار؟؟؟
أحـمـد بـسـمـار ( 2010 / 11 / 29 - 16:04 )
فكرتك رائعة جدا يا سيد زناز, كمبدأ اجتماعي إنساني وأيضا مواطني سليم. تقول العلمانية أو الطوفان. ولكن هل يمكن لغريق متعب أن يختار. لأننا في قلب الطوفان من سنين طويلة. طوفان ما يسمى بالإسلام السياسي الوهابي الصحراوي القرونحجري الذي غمر كل عقل وفكر وتحليل, وأغلق كل جسور التفاهم واللقاء مع أية حضارة إنسانية أخرى.
نحن قي قلب الطوفان.. جرفنا تسونامي التحجر من سنين طويلة, دون أية طاقة أو نافذة لأوكسيجين التفكير.. واخـتـنـقـنـا من أزمنة طويلة يائسة طويلة مليئة بفتاوي القتل والذبح والتكفير والتهجير!!!...
الاختيار بين العلمانية والطوفان يبقى لأقوام تفكر بنهج وعقل حضاريين. بنظرة إنسانية تبحث عن رفاهية الإنسان ومستقبل البشر أجمعين... أما نحن بماذا نفكر اليوم بغير الأكل والصلاة والنوم ونكاح ما ملكت أيماننا...إذن بأي عقل.. أو ما تبقى من العقل والزمن.. نختار؟؟؟!!!...
ولك مني لشجاعتك الأفلاطونية النادرة..أطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الواسعة


2 - السيد / حميد زناز
هشام حتاته ( 2010 / 11 / 30 - 10:42 )
نعم ياسيدى .. اوؤيدك تماما فى كل ماتطالب به .. نحن على الطريق حتى تتحق للانسان العربى السجين فى اوطانه كافة حقوق الانسان . اشكرك على المقال مع تحياتى .


3 - ملاحظة هامشية
عبد القادر أنيس ( 2010 / 11 / 30 - 13:20 )
أضم صوتي إلى صوتك ليس للمطالبة بالعلمانية، فهذه المطالبة لن يستجاب لها، بل إلى مزيد من التنوير بين الناس حتى يتعاظم شأن العلمانيين في هذه البلاد فتتغير الموازين. مقولة الإسلام دين الدولة تعكس عقلية عامة الناس. ولن ترفع هذه الفضاعة من الدساتير إلا إذا كثر أنصار العلمانية.
ملاحظة هامشية: جاء في مقالك/ ((تشكّل استفزازا للمسلمين في ديارهم! )) حبذا لو شرحت أكثر: ديار من تقصد. يوجد لبس. التاريخ يخبرنا أن الديار ديار المسيحيين وغيرهم قبل أن تكون ديار المسلمين المتشكلين الآن في أغلبيتهم من مسيحيين سابقين.
خالص تحياتي

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah