الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمراتنا ومؤتمراتهم

هيفاء حيدر

2010 / 11 / 30
المجتمع المدني


مؤتمراتنا ومؤتمراتهم
أتيحت لي المشاركة في المؤتمر الدولي الأول حول جرائم القتل التي ارتكبت ضد الإنسانية في مدينة فالينسيا الإسبانية الأسبوع الفائت بدعوة من منتدى إحياء ذكرى المفقودين واللذين اعدموا أثناء حكم فرانكو ,وهنا سوف لن أتحدث عن الأوراق التي قدمت فلقد تم نقل جلسات المؤتمر عبر الإنترنت .لكني وددت أن اطلع حضرات القراء الأعزاء عن بعض المشاهدات التي أوجبت المقارنة ما بين واقع مؤتمراتنا ومؤتمراتهم ,ونعم هنا لا بد أن أقول نحن وهم.من باب المقارنة ما بين الأسوأ والأفضل ,الأسود والأبيض، الفاشل والناجح،حتى لا يذهب خيال البعض فينا عندما نتحدث عن نحن والآخر إننا نكون أمام حالتين متساويتين وأننا بتنا نعد أنفسنا بين مصاف العالم المتحضر .
عند وصول الضيوف الأعزاء لا ترسل لهم السيارات إلى المطار أو محطة القطار لإحضارهم
في مؤتمراتهم يذهب شخص لإحضارك ويعود معك بالقطار أو بالباص يرحبون بك ويتركون لك متعة الاستمتاع بما حولك من جمال الطبيعة واستكشاف المنطقة بعد أن يخبرك الشخص عن اسم المحطة التي ستنزل فيها.
نحن نحضر ضيوفنا بسيارات خاصة من المطار،ولا أعتقد (ولن أقول أجزم ) بأنه ما من ضيف حل في مؤتمراتنا وعرف باص المطار .قد نمطر الضيف بعشرات الأسئلة طوال الطريق وننسى أن نعرفهم إلى معالم المكان الذي نعبره،
في مؤتمراتهم الدولية لا ينزل كل الأساتذة المحاضرين في فنادق لا من فئة خمسة ولا أربعة نجوم فمنهم من يستضاف في بيوت القائمين على الدعوة أو عند أصدقاء وفي أقل تقدير في موتيلات فنادق تعادل ثلاث أو اثنتين ويمكن نجمة واحدة لا يتعدى الإيجار اليومي عشرون إلى خمس وثلاثين يورو ويكون شاكراً ومتواضع إلى أقصى الدرجات.
في مؤتمراتنا نحن العرب ،هنا محاضرينا الأعزاء ينزلون في فنادق خمسة نجوم ولا يرضون بأقل من ذلك قد يتجاوز التكلفة اليومية مائة يورو يومياً. وغالباً ما يتذمرون من المكان ويشتكون من أي خلل في عدم كفاية درجة تبريد المكيف أو نوعية الطعام.
في مؤتمراتهم يأتي الحضور ويدفع مبلغ لحضور جلسات المؤتمر يتضمن هذا المبلغ سعر الغداء فلقد شاهدتهم يساهمون بثمن التذكرة وبدون أي احتجاج والكل جاء يعرف مسبقاً أن هناك مبلغ يستحق عليه دفعه ،لم يسمع أحد فاصل على عدم الدفع أو تذمر من المبلغ .
في مؤتمراتهم بلغ عدد الحضور حوالي 140 مشارك ،كانت القاعة هادئة ولم يسمع صوت رنين أي هاتف خليوي ،عند النقاش وطرح الآراء ،كان بمثابة درس علينا حضوره أكثر من مرة كي نتعلم منهم كيف نستمع أولاً،وكيف نطرح وجهات النظر بكل موضوعية ودون تهجم وفي سياق الموضوع ثانياً،وكيف نحترم الطرح الآخر من الشخص الآخر ثالثاً. لم ينسحب من حضور جلسات المؤتمر سوى 10 الى 12 مشارك من أصل 140 بقوا من الساعة التاسعة والنصف صباحاً وحتى الثامنة مساءاً.وفي يوم عطلتهم الأسبوعية.
في مؤتمراتنا تتفاوت أعداد الحضور حسب أوقات الجلسات نحضر صباحاً متأخرين ونجلس نتحدث مع بعضنا مثنى وثلاث، والعدد يبدأ بالتناقص بعد البريك الأول ليعود العدد ويزداد وقت الغذاء وبعدها من غادر لا يعود، ويستقر عدد الحضور قبل اختتام أعمال المؤتمر على عدد لا يتجاوز العشرون من بينهم أعضاء الهيئة الداعية .وخلال الجلسات كثيراً ما نسمع رنين هواتف نقالة تتراوح نغماتها من أغنية لنانسي عجرم إلى نغمة رفع الآذان ولو كان في غير وقته .
النقاش بالنسبة لنا نحن العرب في مؤتمراتنا كارثة ،ننتقد ونهاجم ونجزم ونطلق الأحكام جزافاً
ونصنف بعضنا البعض من جملة واحدة ، أو تعقيب بسيط يليه استفسار يقسم الحضور الى :
موالي،معارض،مستسلم، انهزامي،ضعيف،إقليمي،طائفي،متشدد،متخلف، فارغ معندوش إشي يحكي فيه وصولاً إلى ليبرالي منفتح،غربي .....نتحدث بجمل قصيرة لكن نأخذ وقت أكبر حتى لو تم تنبيه المتحدث لانتهاء وقته في التداخل نراه يكمل ويثمن ما يقول من كلام ويقيمه بأنه مهم جداً ،والعديد ينسحب بعد أدائه مهمة المداخلة وإذا ما بقي في الصالة قليل من يستمع إلى مداخلة غيره ترتفع الأيدي للتعقيب والسؤال قبل أن تنهي كلامك وأنت تتحدث .
نلاحظ في مؤتمراتهم كيف يتعرفون على الضيوف القادمين من شتى بقاع الأرض يشعرونك إنهم متابعين للأوضاع في بلدك ويعرفون ما يجري لدينا يناقشونك في فترات الاستراحة ويهتمون لرأيك وإذا ما طرح موضوع الصراع العربي الإسرائيلي تجدهم متقدمين بموقفهم الداعم للقضية الفلسطينية أكثر من العديد من العرب والفلسطينيين أنفسهم .ويعرفون عن خلافات فتح وحماس ويعتبرون قضية الصحراء الغربية قضية شعب وتقرير مصير ،ونحن قد نكون قد نسينا أين تقع مدينة سبته ومليلة المغربيتين.
نحن نبقى نجلس ونتحدث ونقف مع بعضنا البعض لا نحاول حتى الدخول بحديث ثنائي مع ضيوفنا ونقتصر بالسلام وبعض كلمات المجاملة ،يترك الضيف لدينا أحياناً لوحده ونحن على مقربة منه نتحدث ونتجادل وأصواتنا تعلو ولا نقدر إن اختلاف اللغة يشعر الآخر بالغربة بيننا. وإذا ما عرفنا عنهم تكون معرفتنا بسيطة ومجزوءة جمعت من بقايا خبر هنا وخبر هناك، لدينا صورة عامة شاملة كلية عن الغرب واوروربا وكثيراً ما تتساوى لدينا مواقف أمريكا مع بريطانيا وفنلندا وسويسرا وروسيا على حد سواء من قضايا نا المطروحة .
في مؤتمراتهم كان هناك استراحة عشرة دقائق ،لكن لم يكن هناك بريك مما لذ وطاب من المعجنات والعصائر ،يكتفون بتقديم الماء ، أما الغداء فكان في مطعم قريب من مكان عقد المؤتمر إن شاء أحدكم تصنيفه ربما وصل إلى مصاف نجمتين مقاربة مع مطاعم الخمسة نجوم لدينا ،
المكان أشبه بصالة صغيرة صفت طاولات من الخشب ذو اللون الطبيعي عليها صواني احتوت على نوعين من قطع البيتزا وثلاثة أنواع من السندويشات ونوعين من السلطة .
يحترمون الوقوف في الدور يأخذون صحن واحد ولم أرى أحد يعبء صحنه حتى الطفحان .يتوزعون في الوقوف ما بين الصالة والممر والرصيف خارج المطعم هناك في الهواء الطلق ويتنعمون بطعام الغداء وهم يستغلون أشعة الشمس الدافئة.
في مؤتمراتنا نأكل في مطاعم من فئة الخمس نجوم ويكون هناك بوفيه طويل عريض يحتوي ما لا يقل عن عشرة أصناف سلطة باردة وخمسة أصناف مقبلات دافئة ومنسف أو كبسة أو أوزي كصحن رئيسي وسبعة أصناف حلويات .ونتذمر من مذاق الأكل ونصبح نقارن ما بين أكل الشيراتون والمريديان أيهما أطيب وقد يحسم أحياناً جودة الطعام أن نحجز للمؤتمر من أصله.يا سبحان الله نهتم بتفاصيل التفاصيل ،علماً بأننا لا نساهم بقرش واحد من مصاريف الطعام ،
في نهاية المؤتمر تجد القاعة عندما يغادرون نظيفة لا أحد يرمي بأوراقه على الأرض, أو ينسى وربما يتناسى جزء من وثائق المؤتمر على كرسيه أو تحت الطاولة .
الجهة التي تدعوك ترتب لك مسبقاً لقاءات مع صحفيين وتعلمك بذلك وتعرفك عليهم ،
نحن يشقى الصحفي لدينا ليلتقي بضيف ويأخذ حديث معه نادراً ما يكون مرتب سابقاً .هذا إذا ما استهدى إلى الضيف بسهولة.
يبادر عدد من الحضور وأنت تهم بمغادرة المكان بالحديث معك شاكراً لك ومعززاً لما طرحت ومتمنياً لك طيب الإقامة في بلادهم .

في مؤتمراتهم لا يوجد مياومات تعطى للضيوف سوى شكراً ونأمل أن نلتقي.
في مؤتمراتنا يأخذون (مياومات) علماً إن كل شيء مدفوع للضيف العزيز منامة ومأكل ومشرب وعزا يم إضافية .
أقول أن في حضور مؤتمراتهم فرصة ثمينة كي نتعلم منهم آداب عديدة إضافة إلى غنى المواضيع التي تطرح ،وفرصة أيضاً كي نراجع أنفسنا وعاداتنا وتقاليدنا المؤتمرية قبل أن نتحدث عن مخرجات وتوصيات ومقررات إما نتركها على الكراسي أو تحت الطاولات .الأفضل أن نعيد النظر ونفكر ملياً لماذا وصلوا إلى ما هم عليه من انجازات ولماذا ما زلنا نراوح مكاننا سر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يدتي صدقت
بشارة خليل ق ( 2010 / 11 / 30 - 06:25 )
تحياتي واكثر لاهتمامك بموضوع عادة لا يهتم به احد في العالم العربي اي موضوع الجرائم السياسية,بل لا اتردد بالقول ان العرب من اكثر شعوب العالم تماهي مع القتلة والقتل وربما نكون اخر الشعوب في الانضمام لدعوة الغاء حكم الاعدام, حتى اللغة تفضح دواخلنا ففي بلدي يستعملون كلمة مجرم للتعظيم فيقال مثلا عن لاعب كرة قدم متميز فلان مجرم (باللعب
واما عن درجة احترام الذات والمسؤولية فحدث ولا حرج: من ضمن اعمالي اشارك كمترجم في المعارض واللقاءات التجارية والمؤتمرات المختلفة واواجه دائما نفس المشكلة:حالما ياتي المدعوون الحظ عادة ان الغالبية ليس لها اي اهتمام بما تمت دعوتها له! ياخذون الامر على ا نه سياحة! يضطروني احيانا لتنبيههم ان عقد التامين لهم من قبل الجهة المضيفة ليس نافذا خارج نطاق الفعالية ذاتها والاماكن المحددة لذلك وغالبا ما اواجه بعض التذمر ونظرات الاستنكار من المنظمين للحدث...هذا هو حالنا,اما عن السؤال الملح عن اماكن العبادة فعبثا افهامهم اني كما يحصل عادة لست مقيم في منطقة الحدث ولا علم لي باماكن العبادة.... ء


2 - عزيزتي هيفاء حيدر المحترمة
ليندا كبرييل ( 2010 / 11 / 30 - 07:53 )
لم تتجاوزي الحقيقة أبداً في ملاحظاتك , كنت الوسيط مرة بين جهة أكاديمية غربية وأديب مصري أرادوا دعوته لإلقاء محاضرتين حول الوضع الراهن في المجتمع العربي , كان سؤاله الأول الذي طلب مني ترجمته : عن المكافأة , فلما بينتُ له المبالغ التي يغطون تكاليف إقامته اليومية بكرم وسخاء مع بعض الجولات السياحية ويفيض من المبلغ رفض قائلاً: أنا الفلان الفلاني هذا ما قدرتموه لي ؟وكان أن تفاجأت الجهة الأكاديمية من أسئلته وألغت فكرة التعاقد معه وتوجهوا إلى أديب هندي الذي جاء بكل تواضع يشكرهم على إتاحة الفرصة له .تعليقي على ملاحظتك أننا في فترات الاستراحة لا نحاور ضيوفنا ونقتصر على المجاملات : فهذا عزيزتي لعدم مقدرتهم على الصمود أمام أي مناقشة , أما تعليقي على كلامك ( نحضر صباحاً متأخرين ونجلس نتحدث مع بعضنا مثنى وثلاث، والعدد يبدأ بالتناقص بعد البريك الأول ليعود العدد ويزداد وقت الغذاء وبعدها من غادر لا يعود )أقول : قاعدتنا نحن العرب : اغسلْ _ أذنيك _ قبل الطعام وبعده ، هاها . شكراً عزيزتنا


3 - استاذ بشارة شكراً
هيفاء حيدر ( 2010 / 11 / 30 - 12:11 )
شكراً لحضرتك على التعليق وموضوع الإهتمام بما يطرح هذا شأن آخر وليس فقط الإهتمام بما يطرح بل كيف سنستفيد ونتابع وقيمة الأوراق التي تطرح وتوثيقها
اشكرك من جديد


4 - الأستاذة ليندا
هيفاء حيدر ( 2010 / 11 / 30 - 12:17 )
نعم هذا موضوع مهم وممارستنا له تدل على مستوى ثقافتنا ووعينا كيف نحصل على المعرفة وكيف نضيف عيليها ونقوم بتوزيعها ثانية وهكذا والتوزيع أقصد به تعميم الفائدة كم نتعب على أنفسنا كل هذا يدلل على ممارساتنا لاحقاً
وصحيح ما ذكرتي انهم يسألون على المكافأة لأنهم يؤمنون بلغة السوق والشراء والبيع
العلم والمعرفة والتواضع بعيدة كل البعد عن المال والمادة وأنا ذكرت لبعض الممارسات هناك والتي تدلل كم نحن سطحيين ونعمق من جهلنا وسيزداد ذلك إن لم نبدأ بالتغير بالإتجاه الصحيح


5 - هكذا يمكن ان نتطور وبلا عزة بالاثم
د صادق الكحلاوي ( 2010 / 11 / 30 - 21:42 )
تحيه وشكر استاذه هيفاء حيدر على هذا العرض المفيد والمقارنه النقديه
المخلصه
ليس عيبا تخلفنا العيب الاصرار على البقاء في التخلف
رغم انني من قدامى الدارسين في اوربا 1956وبقيت فيها اكثر من عشر سنوات وسافرت اليها ولعدة دول فاني استمتعت واستفدت كثيرا بقراءتي لهذه المقاله
يجب ان نتعلم الجديه والاقتصاد بمعنى عدم التبذير في كا شئ لنتقدم الى الامام علما وثقافة ومعيشة وشكرا جزيلا


6 - شكرا د صادق
هيفاء حيدر ( 2010 / 12 / 1 - 06:07 )
أشكرك دكتور صحيح ان الموضوع لا يكمن فقط في التخلف وإنما في الإستمرار فيه وعدم تبريرنا لهذا الوضع تحت مسميات عديدة وايجاد الحجج التي تكرس هذا الوضع
وقبل ان نقول هم ونحن ,وننظرن للأخر بريبة علينا ان ننظر لأنفسنا كم تقدمنا وكم أنجزنا ننتقد وضعنا ثم ننظر الى الآخر ,مئات بل آلاف الورشات والمؤتمرات التي تعقد في عالمنا العربي أين مخرجاتها لنقل على الأفراد بداية ثم على المؤسسات ثانية وغير ذلك
أنا أشكر حضرتك من جديد وأهلاً بك


7 - والله صدقت
ديمة كرادشة ( 2010 / 12 / 1 - 11:07 )
أولاً لقد تحدثتي بموضوع حساس ويضر بمصالح النخبة التي تجاهر باراء واتجاهات ونظريات ليس لها صلة بحياتها الواقعية وإنما نوع من البزنس الذي تتاجر به من أجل كم من الشهرة والمكانة الاجتماعية من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات الخارجية، هذا من جانب بالاضافة الى الفخامة والتنوع الهائل في البذخ في مؤتمراتنا ليدل على الكرم العربي الاصيل ولنشغل الحضور عن القضايا الاساسية التي يناقشها المؤتمر، وتصدر التوصيات منمقة وبلغة فصيحة وتنشر في الجرائد ومواقع الانترنت وبعد ذلك تنتقل الى ارشيف الحياة.....اويعطيك العافية .......


8 - العزيزة ديمة
هيفاء حيدر ( 2010 / 12 / 1 - 12:32 )
أشكرك على مداخلتك لقد أصبت نقاط اخرى مهمة
لم تكن يوماً الثقافة والمعرفة مرتبطة بمظاهر بذخ وصرف إلا بمقدار ما تنتجه من علم وغنى معرفي لكن الذي يجري هو كما قلت نتمسك بالمظاهر ونبتعد عن الجوهر وكأننا نرضى لأنفسنا أن نبتعد عن المركز لنبقى متفرجين من على الهامش ولذلك تقدمنا بطئ
أشكرك استاذة ديمة من جديد

اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية