الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات أنصارية ، المناضل توما توماس كما عرفته ، الحلقة الأولى

فائز الحيدر

2010 / 11 / 30
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي / 2010 ، وبعيـون مليئة بالدموع ، وقلـوب مفعمة بالشوق والحنين ، ووسط زغاريد النساء وأكاليل الزهور ، خرج أهالي ألقوش جميعا" كي يستقبلوا رفاة المناضل الأنصاري توما توماس الذي توفي في مدينة القامشلي السورية في 15 / 10 / 1996 ودفن حينها في مقبرة الكلدان في دهوك وشريكة حياته ورفيقـة دربه المناضلة ألماص حسيب زلفـا التي توفيت في 1991 ودفنت في مقبرة الكلدان في دمشق ، لقد كانت القوش بإنتظار هذا اليوم لكي تحتضن إبنها البار بعد أربعة عشـر سنة من وفاته بعـد نقل رفاتهم وفي تشييع مهيب واكبته آلاف من الحشود الجماهيرية .
عادت رفات توما توماس الى ألقوش لكن روحه بقيت في كل مكان عمل فيه ، وتسكن ذكرياته في كل نفس من أبناء ألقوش ، عادت رفاته ورفات زوجته الى الأرض المعطاة التي خرج منها مناضلا" لتستقر بسلام فيها ولتنام مطمئنة وعينه ساهرة تحرس بلدته ووطنه العراق وأصبعه على زناد بندقيته التي حملها طيلة أيام النضال الصعبة ضد الظلم والأستعباد ، وبعد أيام سيقف تمثاله شامخا" على مشارف مدينة ألقوش ليكون رمزا" لفترة النضال الطويلة التي ساهم بها الفقيد .
وقبل أن ندخل في تفاصيل حياة الأنصار في قاطع بهدينان وعلاقتهم مع الفقيد توما توماس ، علينا أن نتحدث قليلا" عن المدينة التي أنجبته وترعرع بها وهي ناحية ألقوش ....

ألقوش ناحية صغيرة تابعة لقضاء تلكيف ، محافظة نينوى ، تقع على سفح جبل ألقوش والى الشمال من مدينة الموصل بحوالي (40) كم والى الجنوب من مدينة دهوك ، يبلغ عدد سكانها 45 ألف نسمة وغالبيتهم من الأخـوة الكلدان ، حافظت على لغتها وتأريخـها وتقاليـدها وهويتها القوميـة منذ قرون عديـدة ، يعتبر أبنائها ومنذ عشرات السنين مـن الشخصيات الوطنية المناضلة والمعروفين بالحس الوطني ، لا يعرفون المهانة والخنوع ، سقط العديد منهم شهـداء في معارك الدفاع عن مدينتهم ألقوش وعن الوطن ....

في هذه الناحية ولد الفقيـد توما صادق توماس ( أبـو جوزيف ) من عائلة ميسورة الحال في أواخر عام 1924 حيث كان والده صادق يملك دكانا ً للأقمشة في السوق ، أكمـل الدراسة الابتدائية والمتوسطة في الموصل عام 1941 في وقت كانت الحرب العالمية الثانية في عامها الثاني ، وبعد أن تمكن الأنكليز من تشديد قبضتهم على العراق وفشل حركة رشيد عالي الكيلاني في 1/مايس/1941 ، لم يتمكن الطلبة الفقراء وخاصة أبناء الريف ومنهم الفقيد توما توماس من أكمال دراستهم الثانوية وإقتصرت على أبناء الأغنياء والأغوات في مدينة دهوك .

وفي تلك الفترة كان الكثير من أقرانه يتلمسون طريقهم إلى الجيش الذي أسسه الإنكليز والمسمى ب ( الليفي ) ، لرفد قواتهم بمزيد من الجنـود ، ونظرا" للظروف المعاشية الصعبة التي كانت تعاني منها الكثير من العوائل ومنها عائلة الفقيد تقـدم للإنتساب لهـذا الجيش في عام 1942 ، وبعـد إنهاءه الدورة التدريبة في مدينـة الحبانية التي دامت سـتة أشهر منح رتبة ضابـط ، وبعد قرار تقسيم فلسطين إستقال من الجيش الليفي وإلتحق بالجيـش العراقي برتبة ملازم وتم تنسيبه الى الفوج الأول في معسكر سعـد في بعقوبة ، وبعد إنتهاء الحرب وسـحب الجيش من فلسطين لم ترق له الأوضاع في ذلك الجيش لتسلط الإنكليز عليه فغادره عام 1949 بعد أن قضى سنوات خدمته في الحبانية وعبادان وطهران .
وعلى أثر الأنتصارات التي حققهـا الجيش السوفيتي على الفاشية ، والتطورات السياسية التي لحقتها وتبلـور الحس الوطنـي ، تقبل كغيره من العراقيين الأفكار الديمقراطية واليسارية ، ومنهم من إعتنق الفكر الشيوعي لاحقا" ..
عندما عمل في شركة النفط في كركوك لم يكن الفقيد يعرف شيئا" عن الأفكار الشيوعية ، ولكنه وبعد لقاءه الأول مع الشيوعيين في محلية المدينة أنخرط في صفوف الحزب الشيوعي وكان ذلك في بداية الخمسينات من القرن الماضي وفي هذه المدينة بدأ مركزه السياسي يتصاعد تدريجيا" وأثبت جدارة في كل الأعمال التي كلف بها لاحقا" ، ودأب مواظباً في درب النضال دون أن تثنيه عروض الترغيب والأغراء أو أساليب الأرهاب .
كان طوال حياته شعلة من النضال ضد جميع الأنظمة الدكتاتورية ، وغداة وقوع إنقلاب البعث في 8/ شباط/ 1963 ، رفع السلاح ضده ، وخاض أولى صداماته مع سلطة البعث ببطولة نادرة لما يملكه من مؤهلات عالية في تنظيم العمل العسكري .

في نهاية عام 1978 تجلت قابلية الفقيد النضالية وتبلورت شخصيته القيادية لذا إشتدت مطاردته من قبل السلطة الدكتاتورية شأنه شأن عشرات الآلاف من المناضلين ، لكنه إستطاع أن يتخلص من الإعتقال ويمضي الى معاقل الجبال الحصينة بالقرب من الحدود الأيرانية ليساهم في حرب العصابات بجانب الفصائل الكردية التي سبقتهم في ذلك ، وكجزء من الضغط المسلط عليه تم إختطاف وتغييب إبنه الشهيـد ( منير ) الذي إختفى وإنقطعت أخباره منذ عام 1981 .

بعد فترة نقل مقره الى منطقة بهدينان التي يعرفها جيدا ً ، وقاد عمليات الأنصار مرة أخرى بدرجات أعلى من التطور والإستفادة من التجارب السابقة ، فإلتحق به العشرات من المناضلين من خارج الوطن وداخله ، وهناك تدرج حزبيا" وعسكريا" ليصبح مسـؤولاً عسكريا" لقاطع بهـدينان للأنصار الشيوعيين فعرفته حينذاك سفوح جبال كردستان ووديانها طيلة سبعة عقود وهي تحكي قصة رجل شجاع تسلح الى جانب البندقية بالحكمة والذكاء والتواضع والبساطة وحب الآخرين وهذه الصفات الفريدة لا يعرفها إلا من عاش معه وعاشره عن قرب ، عرفناه نحن الأنصار قويا" وحكيما" ، كان جميع الأنصار في قاطع بهدينان يحسون بالأمان وأنهم بأيدي أمينة تحت قيادته ، فحكمته العسكرية وحفاظه على حياة رفاقه وإحساسه بألمهم وحبه لهم كان معيارا" للعمل ، لذلك كسب الأحترام والتقدير من جميع رفاقه الأنصار .

عملت بالقرب من الفقيد في فصيل حماية مقر قاطع بهدينان و لمدة تقارب الأربع سنوات كان خلالها أبو جوزيف مثالا" للبطولة والشجاعة والأبتسامة والصبر وتحمل الجوع في أصعب الظروف التي مررنا بها .

كان مثلا ً للقائد الشيوعي الذي يسير في مقدمة رفاقه و أنصاره ، منه تعلم جيل الشيوعيين الشجاعة الصراحة والجرأة وحب وإحترام الجماهير ، كان بالأضافة إلى مسؤلياته لا يتوانى حيثما يسمح له الوقت بمزاولة بقية المهام ، بما فيها إعداد النشرة الأخبارية ، أو المساهمة في الصيد ، ورغم صرامته في بعض الأحيان فكان يميل للمرح والنكته ، يفرح حينما يعلق الأنصار على كبار قادة الحزب ، ويحرض البعض على التحرش برفاقه القدامى من جيل عام 1963 ..
كان يشخص الأنصار بدقة ، يعرف خصال جميع من حوله ، يوزع المسؤوليات على أساس الكفاءة ، نادرا ًما كان يغبن نصير مؤهل لقيادة المجاميع العسكرية ، حيث كانت الشجاعة من أولى الصفات التي يتمسك بها ، ويقدر من تبرز لديه القدرة على القيادة ولا يفرط به ، وأحيانا ً يقف بالند من القيادة من أجل الدفاع عن رفيق أو نصير يصيبه الغبن ويصطف معهم..

رغم مركز أبو جوزيف القيادي فقد كان الأقرب إلى قاعدة الحزب وكوادره ، وحينما يحتدم الصراع ، لا يتوانى من كشف أرائه أمام الجميع ، لذلك كانت علاقاته متوترة مع من يحاول إجهاض تجربة العمل المسلح أو يسعى لفرض من هو غير مؤهل لقيادة العمل في الأنصار والهيئات الحزبية ، وقد ذكر الكثير من تفاصيل هذا الصراع في مذكراته .
بعد عمليات الأنفال عام 1988 ، وإختفاء عشرات الألاف من عوائل البيشمركة ، غادر الى سوريا وعاش مع عائلته . وفي عام 1989 إستصحب زوجته الى جيكسلوفاكيا لغرض العلاج .
وفي يوم 15 من تشرين الاول 1996 كان أبو جوزيف على موعد ليفارقنا والى الأبد في سوريا ، وليوارى الثرى في أرض وطنه الحبيب بمدينة دهوك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش