الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مير بصري.. سيرة وتراث

مازن لطيف علي

2010 / 11 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أرخ مير بصري، وأرشف حياة زهاء ألف شخصية عراقية؛ ما بين فنان وسياسي وأديب ومؤرخ ودبلوماسي ورجل دين وفقيه وصحفي، لم يترك شخصية عراقية إلاّ ودونها في كتبه الكثيرة التي ما زالت تحظى باهتمام من قبل العديد من القراء العراقيين. وقد صدر حديثاً عن دار ميزوبوتاميا في بغداد كتاب "مير بصري.. سيرة وتراث" للباحثة فاتن محيي محسن والذي تناول سيرة الاديب العراقي مير بصري وأعماله ونتاجاته الأدبية والفكرية.
كتب د. رشيد الخيون شهادة عن الكتاب وضعت على الغلاف الأخير مؤكداً فيها على أن تأليف كتاب عن مير بصري، بعد خلو بغداد من أبنائها اليهود، يُعد وفاءً وتقديراً وعملا ناصحاً، يصد من جيل عاش ثقل الدعاية المتعصبة ضد هذه الكائنات الوفية لبغدادها، ويكفي أن يكون بصري عنواناً لأطروحة أكاديمية، بعد ما حصل ليهود العراق، انه مؤشر إلى سلامة ذلك الجيل، الذي ابتلي بعهود من الكراهية. الكتاب بفصوله كان دراسة جادة، ومحاولة لإنعاش النفوس بعد خوائها لما مرَّ على العراق من مصائد ومكائد، تمكنت الباحثة فاتن محيي محسن من تقديم صورة واضحة عن حياة مير بصري، وما يتداخل في الدراسة من حياة الطائفة اليهودية العراقية، وصورة جامعة شاملة لتراثه الفكري والأدبي، فهو بحق يُعدُّ مترجم الطبقات العراقية بالعراق الحديث.
وكتب مقدمة الكتاب د. صادق حسن السوداني وذكرت الباحثة فاتن محيي محسن في مقدمتها أن مير بصري كان شخصية غير نمطية، فلم تكن اهتماماته منصرفة الى الأدب واللغة فحسب، بل كان مؤرخاً وباحثاً اقتصادياً، وكاتباً بليغ العبارة، ومترجماً دقيقاً، عن اللغات الحية التي كان يجيدها وهي العبرية والانكليزية والفرنسية، فضلاً عما قدمه من انجازات في اثناء عمله الاداري والاقتصادي.
حظي تاريخ اليهود في العراق باهتمام واسع من المؤرخين والاكاديميين العراقيين والعرب والاجانب، اذ صدرت العديد من الرسائل الجامعية والمؤلفات والدراسات والبحوث من وجهات نظر عدة، ناقشت جوانب مختلفة من حياة الطائفة اليهودية في العراق، ولاسيما في اثناء العهد الملكي (1921-1958). الا ان اياً من هذه الدراسات لم تسلط الضوء على الشخصيات اليهودية العراقية التي كان لها أثر في احداث العراق المعاصر. لدواعٍ عدة، في مقدمتها الخشية والحذر في تناول هذه الشخصيات ونمطية النظرة الى اليهود وعدهم في الأحوال جميعها صهاينة لم يتعدَ دورهم الجوانب السلبية في المجتمعات التي عاشوا فيها، لذلك يهدف هذا الكتاب الى كشف النقاب عن شخصية يهودية عراقية تمثل الجيل القديم من اليهود ممن عاصروا العهدين الملكي والجمهوري. ونحاول معرفة مقدار تأثير العوامل الداخلية والخارجية في علاقة مير بصري بوطنه العراق، وما مقدار تقبله او رفضه الأفكار الصهيونية التي حاولت الصهيونية العالمية ترسيخها في المجتمعات اليهودية في العالم، وهل استطاع مير بصري المزاوجة بين هويته العراقية وديانته اليهودية؟ وكيف تفاعل مع الاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في العراق؟ واخيراً هل يستحق مير بصري تخصيص كتاب علمي له؟ ان هذه التساؤلات ستكون محوراً لفصول هذا الكتاب.
تشكلت بينة الكتاب من ثلاثة فصول، الأول تناول سيرة مير بصري الذاتية: هو مير شلومو حاي بن شاؤول بن بصلئيل، المعروف بأسم بصري، بن عزرا بن يهوشع بن عوبديا بن اسحق حييم بن موشي بن ابراهيم بن نسيم. ولد في بغداد، يوم الثلاثاء الموافق التاسع عشر من أيلول عام 1911 في دار العائلة الواقعة في محلة (تحت التكية) قرب سوق السراي، تلك الدار التي اشتراها والد جده (عزرا يهوشع عوبديا) عام 1859 ، وبقي يسكنها حتى انتقل الى الاحياء الجديدة في شمالي بغداد عام 1948 ينتمي مير بصري الى أسرة يهودية عرفت بادىء الامر بأسم (آل بصري) ثم اشتهرت بعد ذلك بأسم (عوبديا). وبعدها عادوا الى استخدام تسمية (آل بصري) في اواخر القرن التاسع عشر.
وعن منابعه الفكرية ذكرت الباحثة: نشأ مير بصري نشأة علمية، واسعة الأفق، اذ ادخلته عائلته في صيف عام 1915، في كتاب المعلم (ابراهيم القصير)، في محلة (التوراة) في بغداد، ولم يتجاوز الرابعة من عمره. لكنه لم يستمر في الدوام سوى أيام معدودة. وفي خريف ذلك العام دخل مدرسة (التعـاون الاهلية) في بغداد، لتلقـي دروسـه الابتـدائية.
تعلم في مرحلته الدراسية هذه علوم الطبيعيات والرياضيات والجغرافية، ومبادىء اللغة العبرية والتوراة. ودرس اللغة العربية على يد جواد محمود الأوقاتي، الذي زرع فيه حب الادب العربي. بعد أتمام دراسته الابتدائية، واصل دراسته الثانوية في مدرسة الاتحاد الاسرائيلي (الاليانس) في خريف عام 1922 ، وأخذ يجد فيها ويقضي ساعات طويلة في الدرس والمطالعة، حتى تخرج فيها عام 1928. وكانت الهيئة التدريسية مؤلفة من مدرسين من ذوي الثقافة الجيدة بحكم تتبعهم الدراسي الطويل، وإتقانهم اللغات الاجنبية، وتوافر الكتب المطبوعة بمختلف اللغات. ومنهم الشيخ محمد صالح السهروردي، ويذكر مير بصري ان أخاه (صالح بصري) كان يرسل له من مصر بعض الكتب والمجلات، فإقتبس منها معلومات ووضع كتاباً بعنوان (تاريخ مصر الحديث) نسخه بخط يده وقدّمه الى الشيخ السهروردي. فإستحسنه واثنى على جهده في تأليفه.

وقام بتدريسه الشيخ (عبد العزيز الشواف) و(محمود الوتري) الذي خلفه لمدة قصيرة الكاتب والصحفي والاديب (توفيق السمعاني) ولابد من ذكر الشاعر السوري محمد الفراتي الذي جاء الى بغداد هارباً من نقمة الفرنسيين، فاحتضنته مدرسة (الاليانس) وكلفته بالتدريس فيها. وكان محمد الفراتي يعتني بثقافة مير بصري ويرشده في مجال الشعر، ولما عرض عليه مير بصري باكورة شعره نبهه باختلال وزن أشعاره واشار عليه بدراسة العروض. كما انه أفاد كثيراً من اتصاله بالمحقق واللغوي الاب انستاس ماري الكرملي، لتضلعه باللغة العربية. ولازم بعد استكمال تعليمه اللغوي الاديب والمحقق مصطفى جواد لسنوات عدة فثقفه بفصيح اللغة العربية.
وتتلمذ في تاريخ العراق على يد المؤرخ عباس العزاوي.

الفصل الثاني تناولت الباحثة نشاط مير بصري الإداري والاقتصادي وموقفه تجاه بعض القضايا الوطنية والقومية (1928-1974) ونشاطه الإداري والاقتصادي (1928-1945) ونشاطه الإداري والاقتصادي (1945-1974).
اما الفصل الثالث فقد تناول: نشاط مير بصري الثقافي (1928-2006) وآثاره من الكتب المنشورة ونتاجه من البحوث والمقالات المنشورة ومشاركاته الثقافية وعلاقته بالمثقفين العراقيين، وكذلك تناول أهم ما كتب عنه بعد وفاته حيث كتب رشيد الخيون وزهير كاظم عبود وآخرون.
في خاتمة كتابها اشارت الباحثة الى تمتع مير بصري بميزات ومواهب مختلفة، إذ يعد من أولئك الذين لم يتركوا باباً الا وطرقوه ولا موضوعاً الا وبحثوه، فقد أطلق عنان قلمه لما تجاوز السابعة عشر من عمره، فهو شخصية جمعت بين التاريخ والاقتصاد والادب والشعر، ما جعل منه شخصية ديناميكية في العمل والمسؤولية. فقد كان عطاؤه الفكري ثراً وقدم للمكتبة العربية مؤلفات قيمة تناولت موضوعات تاريخية وأدبية واقتصادية أصبحت مصادر مهمة يغترف منها الباحثون. كان مير بصري صريحاً في التعبير عن آرائه وأفكاره في أكثر الاحيان ولم يعرف عنه التحفظ فيها. وان آراءه في مجملها واقعية مرنة، بعيدة عن المثالية، مما يجعل تطبيقها على أرض الواقع أمراً سهلاً. وقد حاول أن يكون متفائلاً في مختلف الظروف.

كان خبيراً اقتصادياً ووجهاً من أبرز وجوه الفكر الاقتصادي، اذ أنه ورث التجارة من أجداده منذ صباه فكان خبيراً فيها، ثم مارس الكتابة وكتب أبحاثاً ومقالات عدة في المجال الاقتصادي، فضلاً عن كتابة (مباحث في الاقتصاد العراقي).
وأظهر مهارة واطلاعاً واسعين في القضايا الاقتصادية والمالية عن طريق المناصب الادارية التي شغلها. تركز كفاح مير بصري على تأكيد ولاء اليهود نحو العراق، بإظهار مشاعره الوطنية العراقية، والاصرار على الاثر الثانوي للدين في بناء الهوية الوطنية العراقية المشتركة، وعلى وفق ذلك فإن اليهودية من وجهة نظره تتحدد بالمسائل الدينية، وان رؤيته للقومية أكثر شمولاً إنها القومية العربية التي تشمل الحضارة العربية عموماً. ويمكن القول ان مير بصري قد عاش ما اصطلح عليه بـ(العصر الذهبي) للطائفة اليهودية في العراق.
كتاب "مير بصري.. سيرة وتراث" وثيقة مهمة تؤرشف وتؤرخ حياة الراحل مير بصري بتفاصيلها الدقيقة وقد نجحت الكاتبة وبامتياز في تناول جميع الجوانب في حياة بصري.
الكتاب يقع في 270 صفحة من القطع الكبير وقد صمم الغلاف ياسر جمال العتابي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مير بصري.. سيرة وتراث
ابوجلال ( 2011 / 9 / 20 - 01:04 )
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ ان جاء حزب البعث الى العراق
حل البلاء والوباء ببلاد الرافدين الآمنة فزرعوا التفرقة بين العراقيين المتآلفين فتارة تفرقة دينية وتارة تفرقة مناطقية وتارة تفرقة لغوية لعنهم الله أينما حلوا

اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟