الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمور عربية مغشوشة

أيمن رمزي نخلة

2010 / 12 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في عالمنا الشرق أوسطي أنواع مِن الخمور المغشوشة ليس لها شبيه في شتى بقاع العالم الآخر. المشكلة ليست في الخمور ذاتها، فهناك أنواع مِن الخمور يشربونها في البلاد الباردة تعمل على تدفئة أجسادهم في أوقات الصقيع. هناك خمور يتم صناعتها في معامل نظيفة، وخمور يتم صناعتها في مصانع غير قانونية وهذه قد تسبب فقدان البصر أو تَلْيُف الكبد، لكن جميعها حينما تزيد عن حدودها الطبيعية فإنها تؤدي إلى غياب العقل. بجانب مستويات الجودة هناك أشكال وأحجام مِن منتجات الخمور، فهناك الأبيض الشفاف وهناك الأحمر الغامق، وهناك الشيكولاتة المخلوطة بالخمور، مِن أجل جذب الانتباه والترغيب في الشراء.
وعالمنا العربي ليس بعيداً عن جميع هذه الأشكال والأنواع والأحجام. توجد بعض الدول العربية التي تمنع قوانينها شرب وتداول الخمور لكن كثير مِن شعبها يصنعون أجود أنواع الخمور في منازلهم أو يستوردون أفضلها مِن الدول المجاورة تحت ستار أنهم مِن الأسر المالكة ولا يتم تفتيش حقائبهم الملكية، ومنهم مَن يذهب للشراب والعربدة في دول شقيقة وصديقة.
تُصنع الخمور مِن خامات أولية محترمة مثل الفاكهة والخضروات والسكر والماء والخميرة وغيرها. لكن التركيبة الفنية والعوامل المساعدة هي التي تؤدي إلى المنتج النهائي وهو الخمر المُسْكر والمُذهِبْ للعقل أهم ما يُميز الإنسان أحسن تصوير الخالق.
ومِن أمثلة خمور عالمنا العربي المغشوشة:
1ـ توظيف النصوص الدينية المقدسة.
ففي تركيبة فنية إعلامية مع بعض العوامل المساعدة لصناعة خمر مغشوشة يتم مِن خلالها تغييب الأمة مِن خلال توظيف نص مقدس في غير بيئته ولا خلفيته. مِن المعلوم أنه نزلت نصوص التوراة والإنجيل والقرآن في بيئات وخلفيات حضارية مختلفة عن البيئة والثقافة التي نعيشها الآن، ومع ذلك تجد الإرهابيين يستخدمون النصوص الدينية لإرهاب وتكفير وقتال الآخر المختلف معهم في العقيدة، وأقلهم إرهاباً لا يقبل التعامل مع المختلف معه عقائدياً موظفاً لذلك نصوصاً دينية مُغيباً بها التابعين له. إن توظيف بعض رجال الدين لنصوص دينية في تغييب عقل التابعين هو نوع مِن أنواع الخمور العربية المغشوشة التي لا شبيه لها في كثير مِن الدول الراقية المتقدمة التي فصلت بين الدين كعلاقة فردية وبين المجتمع وكل فرد فيه له نفس الإمتيازات وعليه نفس الواجبات مثل الباقين.
2ـ توظيف فن الرياضة للتغييب الجماعي للشعوب الفقيرة.
حين تجد الجماهير الغفيرة الفقيرة التي لا تملك أدني الأمكانات المادية مِن أجل ممارسة رياضة نظيفة، حيث لا وقت لديهم فهم يسعون طوال الوقت مِن أجل الحصول على أدنى متطلبات المعيشة، ولا مكان مناسب يستطيعون فيه ممارسة الرياضة، ولا مواد يمارسون بها الرياضة. لكن في النهاية يجلسون سكارى أمام شاشات التليفزيون والجرائد التي تخلق أخبار الرياضة، يلتهمون هذه الخمور المغشوشة لتغييبهم عن واقعهم الإليم متدافعين ومتقاتلين وراء أباطرة صناعة هذا الخمر المغشوش. وليس بعيداً عن ذاكرتنا القتال الدموي بين فريقي دولتين عربيتين يعاني معظم شعبيهما مِن ويلات الفقر والتأخر في شتى المجالات الإنسانية، ومع ذلك تجدهما يتصارعان بسبب تغييبهما مِن خلال كرة القدم. يا له مِن خمر فاسد مغشوش!
3ـ توظيف الصراع الفلسطيني الفلسطيني.
مِن الخمور العربية المغشوشة توظيف الصراع بين الإخوة الأشقاء الأعداء في فلسطين مِن أجل إلهاء الشعوب العربية عن قضاياها الحقيقية. بداية القضية هي صراع هؤلاء الإخوة الأعداء في قتال المصالح المادية على حساب شعبهم المُغيب مِن قياداته، والآن كثير مِن الشعب الفلسطيني يريد الهرب مِن ساحة المعركة التي خلقها قادتهم، وهم لا يُريدوا محاسبة قادتهم على أخطائهم، لكن يطلبون مِن الآخرين أن يُدافعوا لهم عن مصالحهم. قضية خاصة بشعب ودولة أخرى لا تريد صناعة السلام ويختلفوا حتى القتال بين بعضهم البعض بدلاً مِن توجيه طاقتهم نحو عدوهم الحقيقي. وها قد جاءت الفرصة على طبق مِن ذهب للمسئولين في بقية الدول العربية لكي يُغيبوا شعوبهم مِن خلال إلهاء هذه الشعوب بالقضية الفلسطينية. وآه كم مِن هذه الشعوب حالها الإقتصادي والمعيشي العام متدني أقل كثيراً مِن أفقر فقراء فلسطين؟؟؟؟!!!!
إنها خمور عربية مغشوشة ليس لها شبيه في كثير مِن الدول الأخرى التي تعمل على تقدم ورقي شعوبها دون أن يتم تغييبهم بأخبار صراعات الجيران وجيران الجيران، وقتال الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء.
؟؟
هناك خمور مغشوشة كثيرة يتم توظيفها جيداً مِن أجل تغييب الشعوب العربية جماعات أو فرادي. وهذه الخمور المغشوشة يتم فرضها قسراً على الشعوب أو جعل الشعوب تختارها بارادتها لتغييب ذاتها نتيجة كم وضخامة مشاكلها الجسيمة.

متى يفيق المُغَيبين مِن تلك الخمور المغشوشة ويهتموا بقضايا بلادهم الحقيقية؟ وأهم قضية أن يكون الإنسان إنسان.
مع تحياتي
أيمن رمزي نخلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هناك...نزيف مستمر للوعي
الدكتور رؤوف هندي ( 2010 / 12 / 3 - 13:31 )
أهنأ الأستاذ أيمن رمزي على مقاله الرائع الذي لمس فيه جراحا شديـدة السخونه في مجتمعنا العربي وأشار إلى عدة عوامل أسماها بالخمور المغشوشة إشارة منه في أثرها المدّمر على العقل وتصحّره وتغييـبه عن واقع الحياه وتحديدا ألمح كاتبنا المتميّز خُلقا وعلما إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي :توظيف بعض النصوص الدينية التي كانت تلائم زمانها ومكانها في قهر الإنسان وتغييب عقله والنتيجه أن الإنسان المسكين بات يخشي التفكير خوفا من سيف التكفير المسلط على عنقه فهل هناك بشاعة وقهرا أكثر من ذلك؟ وثاني العوامل هو الإعلام الرياضي الساخن البعيد عن واقع الإنسان المصري البسيط فأصبح المواطن مغيبا في قضايا تبعده تماما عن همومه الحقيقيه ثم السبوبه السياسية ورمز لها بالقضية الفلسيطينية وهي بكل تأكيد تغييب مقصود لعقل المواطن العربي ككل وأصبح الغقل يعيش في قضايا وهميه بعيدة عن آليات الحياه الحقيقية ... أضيف أيضا من وجهة نظري خمرا آخرا مغشوشا لعب دورا فعالا ومؤثرا في تغييب كامل للعقل ألا وهو الفنون الهابطة وكليبات العرى وهذه قد أفقدتنا أجيالا بأكملها .. أهنئك كاتبنا المتميز بمقالك المؤثر في القلب والعقل .


2 - تحية مسائية إلى : أيمن رمزي نخلة
أحـمـد بـسـمـار ( 2010 / 12 / 3 - 17:34 )
أبدعت يا صديقي.. أبدعت. ولكنك أغفلت, ولك ألف عذر, قد يكون من تناولك بعضا من هذه الخمور المغشوشة قسرا, أن تقول أننا نتناول هذه الخمور المغشوشة من أربعة عشر قرنا ونصف القرن.. تارة مسموحة نشربها منذ الرضاعة وأولى الكلمات التي نسمعها أن نحذر من الآخر..لأنه كافر. وعندما ندخل عتبة الشباب, نمنع من تذوق الخمر الطيب الغير مغشوش, بتفسيرات أنه محرم..ويعيدوننا إلى الخمر المغشوش, وأقواله المغشوشة, وتفسيراته المغشوشة.. ويضخون في عقولنا كل مغشوش ومغشوش عبر السنين الطويلة. حتى نعتاد عليه, ولا نفقه غير ما يوزع منه علينا...هكذا كان من سنين طويلة...حتى نتذوق الخمر الصحيح. الخمر الطيب. الخمر اللذيذ الذي ينعش ولا يدوخ ولا يسكر..الخمر الحقيقي الذي ينعش قلب الإنسان!!!... لنبحث عنه في كرومنا..
هذا المساء أشرب كأسك في هذا الصقيع الأوروبي.. أطيب نبيذ فرنسي...
ولك مني أطيب تحية مهذبة...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الواسعة

اخر الافلام

.. ارتفاع حوادث معاداة الإسلام والكراهية ضد المسلمين في بريطاني


.. المؤسسات الدينية في إسرائيل تجيز قتل الفلسطينيين




.. 84-Al-Aanaam


.. الجالية اليهودية بنيويورك تدعم مطلب عائلات الرهائن لدى حماس




.. بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة