الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصيات المتباينة في الذات

صاحب الربيعي

2010 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس سهلاً تطابق الشخصية مع الذات إلا في الحالات النادرة الخارجة على حدود عقلانية المجتمع بعدّ شخصية الفرد ترسم ملامح شخصية المجتمع، حيث ساهم علماء وفلاسفة كثيرين عبر التاريخ في خلق شخصية مجتمعاتهم من خلال نتاجهم المعرفي الذي يعدّ مصدراً للاكتساب المعرفي وبمثابة هوية المجتمع المعرفية أمام المجتمعات الأخرى.
إن كانت شخصية الفرد الاجتماعية مرتبطة بصلات ووشائج كثيرة مع أقرانها أصبحت أكثر انصياع إلى عقلانية المجتمع، ومن ثم فإنها تقسر الذات على تقمص شخصيات متباينة تبعاً لمصلحة الفرد في المجتمع. وعلى الرغم من أن ذات الإنسان منصاعة إلى منظومة ثنائية الروح والجسد فإن حراكها اليومي يمثل ذاتاً موحدة لكنها بشخصيات متباينة ومنسجمة مع القيم العامة والمصالح المشتركة مع أقرانها البشر التي قد لا ترتضيها الذات لنفسها لكن يرتضيها المجتمع وبما أن الذات منصاعة إلى عقلانية المجتمع فإنها تؤدي أدواراً يرتضيها المجتمع والذات حين تقسرها رواسبها الكامنة على سلوك ما.
إن محاولات الذات التقاطع مع شخصياتها الظاهرية ليس سهلاً كونها جزءاً من المجتمع لا العكس، وإلا فإنها تصاب بأمراض نفسية تجعل شخصياتها الظاهرية متقاطعة مع المجتمع فتهزم الذات لتمارس طقوس عزلتها عن الواقع الاجتماعي الذي يرفض التعامل مع ذات موحدة في إطار شخصياتها الظاهرية غير المنصاعة لعقلانية المجتمع وقيمه العامة أو لا تجيد أبجدية الانسجام معه.
يعتقد (( ألفوس كار )) " أن هناك ثلاث شخصيات في الذات الواحدة، الأولى هي الشخصية التي تعرفها، والثانية هي الشخصية الحقيقية، والثالثة هي الشخصية التي تظن أنها شخصيتها ".
كل الشخصيات الظاهرية الفعالة في حراكها اليومي تسعى إلى تحقيق مصالح الذات لكنها في الوقت ذاته ليست منسجمة على نحو كلي مع بعضها ولا مع الذات حين تكون مستجيبة لرواسبها الكامنة لأن لكل منها قيم خاصة منسجمة مع محيطها الاجتماعي لكنها قد تكون متعارضة مع قرينتها الشخصية الأخرى التي تحمل قيم مغايرة ومنسجمة مع محيط اجتماعي مخالف تسعى هي الأخرى إلى تحقيق مصالح الذات.
حين يشتد الصراع بين الشخصيات الظاهرية لاحتلال مساحات أكبر على حساب الشخصيات الأخرى داخل الذات تعمل الشخصية غير السوية على فرض قيمها على الشخصية السوية في الذات من دون قدرة الذات فرض إرادتها على الشخصيات المتصارعة على نوعية القيم داخلها لتصبح ذاتاً غير متوازنة ومتقلبة وغير مستقرة على رأي محدد، لذلك لابد للذات أن تتخذ قرارها فإما تجري مصالحة بين شخصياتها داخل الذات وإما تقتل أحدها لتعيش الأخرى.
تقول (( أحلام مستغانمي )) : " لا يمكن أن نتصالح مع كل الأشخاص الذين يسكوننا، ولابد أن نضحي بأحدهم ليعيش الآخر ".
إن الشخصيات الظاهرية للذات ليس جميعها شخصيات ناضجة، لأنها لم تتشكل في إطار زمني واحد تبعاً لحاجة الذات للانسجام مع محيطها الاجتماعي. وحين تخلق الشخصية الظاهرية للمرة الأولى تكون شخصية غير ناضجة تكتسب مع الزمن الخبرة من محيطها الاجتماعي لتصبح شخصية ناضجة ومتكاملة ومتصالحة مع الذات ومنسجمة مع محيطها الاجتماعي.
إن استقرار الذات نفسياً مرده عدم وجود صراع بين شخصيتها الظاهرية داخل الذات فكلما كانت الشخصية الظاهرية مستقرة ومتطورة ومكتسبة للخبرة أصبحت متكاملة ومتصالحة مع ذاتها، وفي المحصلة فإن كل الشخصيات الظاهرية الكامنة في الذات حين تكون متصالحة مع الذات تصبح الذات أكثر استقراراً وتوازناً وتطورها النفسي يرتبط بتكامل شخصياتها الظاهرية المنسجمة مع بعضها والمتصالحة مع الذات.
يرى (( فيغوتسكي )) " أن التطور النفسي يعدّ تطوراً كاملاً للشخصية برمتها ".
ومع كل محطة عمرية للذات تخلق شخصياتها الظاهرية لتنسجم مع محيطها الاجتماعي وتحقق مصالح الذات، لكن في الوقت ذاته لا يمكن خلق شخصية عمرية جديدة من دون قتل شخصية عمرية سابقة داخل الذات، فكلما تعددت شخصيات الذات الظاهرية ضعفت إرادة الذات على فرض احكامها فتنصاع أكثر إلى قيم شخصياتها الظاهرية لتصبح ذاتاً قلقة غير قادرة على اتخاذ القرار الملائم فتتقاذفها أهواء شخصياتها الظاهرية.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ