الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية وأيديولوجيا الديموقراطية

علي الشهابي

2004 / 9 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثمة ديموقراطيون يعبرون عن وجهة نظر مفادها "صحيح أن الأحزاب الدينية ليست ديموقراطية، ولكن يجب أن نتعامل معها بديموقراطية كتعبير عن ديموقراطيتنا، وإلاّ بم نختلف عن الديكتاتوريين؟!". من الواضح أن إنكارية هذا السؤال تضمر أن صحته بداهة، وقد كان مهدي عامل يستمتع بتسمية هذه البداهة بلاهة. لماذا ؟
لو أننا أسرنا بعض الأسرى واقترح بعضنا معاملتهم بلاإنسانية لصح القول " كلا ! يجب أن نعاملهم بكذا تعبيراً عن كذا، وإلا بم نختلف
عن غيرنا من كذا ". هذه بداهة فعلاً لأن المطروح بهذه الحال مشكلة الأسرى معنا، ونحن سنقرر كيفية معاملتنا لهم لتكون النتيجة أن نعبّر عن حقيقتنا بهذه المعاملة. لكن المشكلة المطروحة ليست مشكلة الأحزاب الدينية في ظل الديموقراطية، بل مشكلة الديموقراطية في ظل الأحزاب الدينية. وهاتان المشكلتان متعاكستان:
في الحالة الأولى الديموقراطية هي القوة السائدة، وهي التي تقرر ما تفعله بالأحزاب الضعيفة، الدينية أو غير الدينية، الساعية لفرض وجهة نظرها على المجتمع بطريقة غير ديموقراطية. ويمكن تكثيف تعاملها معها بطريقة معاملة الديموقراطيات الغربية للفاشيين الجدد والمتطرفين اليساريين. أما في الحالة الثانية التي تنطبق على مجتمعنا، فالديموقراطية هزيلة وتريد سلتها بلا عنب، إذ ليس لها مجتمع قائم ليقرر هذا القرار الذي يقترحه هؤلاء الديموقراطيون أو غيره.
أما الأحزاب الدينية فقرارها النابع من بنيتها أنها تريد العنب والسلة ومقاتلة الناطور، هذه هي طبيعتها بغض النظر عن مدى قوتها. وهي الآن تشعر بقوتها جرّاء غضاضة عود الديموقراطية في المجتمع ككل. هذا الأمر الذي ينعكس على مجتمعنا على شكل شعور الأحزاب الدينية بقوتها، ينعكس على الديموقراطيين وأشباههم على شكل شعور بالعجز، ولهذا نرى معظمهم مستسلمين. لكن هذين الشعورين، بالقوة والعجز، مجرد ظاهر لأن بديهيات الحياة المعاصرة التي تأبى تسيير المجتمع بدفة الأحزاب الدينية تدفع به باتجاه ترسيخ الديموقراطية. هذه الحقيقة تعبّر عن ذاتها بأشكال متعددة، لعل أحدها اضطرار الإخوان المسلمين للقول " إننا ديموقراطيون".
إذن، إن كانت الديموقراطية عندنا أعجز من تقرير كيفية معاملة الأحزاب الدينية، وهي أعجز، وإن كانت هذه الأحزاب قد قررت سحق الديموقراطية والديموقراطيين، فهذا لا يعني بالضرورة أن مصير الديموقراطية والديموقراطيين الانسحاق، إلا إذا قرر الديموقراطيون ذلك. فالكرة الآن في ملعبهم، وخصوصاً في ظل اللوحة العامة الحالية للمجتمع، والتي يمكن تكثيفها بالتالي: المجتمع بحاجة ماسة للتغيير على كافة المستويات، وخصوصاً السياسية والاقتصادية، بما يتواكب ومتطلبات العصر. والسلطة هي اللاعب الوحيد في تقرير مدى ونوعية ووجهة هذا التغيير. وإذا ما ظلت وحدها، فسيظل تجاوبها مع هذه الحاجة بالحدود الراهنة، أكثر أو أقل قليلاً، لأن كل همها محصور باستقرار المجتمع الذي من البديهي أن ترى فيه مؤشراً على نجاح سياستها فيه. وقد سبق وأوضحت أسباب ذلك لدى الحديث عن العلاقة بين طرفي المجتمع، السلطة والمواطنين. ( سوريا إلى أين ـ القسم الثاني )
وبنفس الوقت ثمة معارضتان لهذه السلطة، الأحزاب الدينية والحركة الديموقراطية. الأولى أشد ديكتاتورية من السلطة لاقتصار
ديكتاتورية السلطة أساساً على المستوى السياسي، أما ديكتاتورية هذه الأحزاب فتطال كل مستويات البنية الاجتماعية. والثانية ديموقراطية، ولكن هزيلة ومفككة لأنها غير واضحة المعالم سياسياً. ولأن هذه مواصفات المعارضة الديموقراطية، نرى الأحزاب التقليدية غير الدينية مضطرة للرهان على الأحزاب الدينية في إحداث التغيير الذي تتوهمه ديموقراطياً.
في ظل هذه اللوحة نرى السلطة في منتهى الاستقرار الداخلي، وإن كانت تتعرض لضغوط فمن الخارج، ومن الخارج فقط، لأن الضغط الداخلي عليها لا يكاد يذكر. وهذا ليس مرده نجاعة سياستها الداخلية، بل هزال المعارضة ككل. فالأحزاب الدينية قوية لدى مقارنتها بالمعارضة الديموقراطية، لكنها هزيلة في ذاتها، ومرشحة لمزيد من الهزال لعجزها عن مواكبة متطلبات العصر. ولأنها بهذا العجز، فهي أعجز من أن تفعل سياسياً في المجتمع، بل تعتاش على التعبئة الأيديولوجية. وهذه التعبئة، على أهميتها، ليست فعلاً سياسياً بل أيديولوجياً، ولهذا نرى هذه الأحزاب غير مقنعة سياسياً للمواطنين، وبالتالي نرى السلطة بهذا الاستقرار.
من المؤكد أن هذه الأحزاب، ومعها التي عفا عليها الزمن، ستفسر انعدام فاعليتها السياسية بقمع السلطة التاريخي لها، لكن هذا ليس تفسيراً بل مجرد تبرير لأنه لا يصرف بقرش واحد في سوق العمل السياسي الرزين. فكل السلطات بالأصل قمعية، وهي لا تصير ديموقراطية بتنوّرها وثقافتها و و، بل بالضغط الديموقراطي عليها في كافة مستويات البناء الاجتماعي الذي يتكثف أخيراً عبر الفعل السياسي في المستوى السياسي. فمن ذا الذي يكون أشبه بالإله، أمره كن فيكون، ويتنازل عن ألوهيته طوعاً ليصير بتفاهة البشر؟!
أما الحركة الديموقراطية، وباعتبارها الأقدر على مواكبة تطورات العصر، فلا يشتد ساعدها إلا بالعمل الديموقراطي الموجه بطبيعته ضد الديكتاتورية في كل المجالات الاجتماعية. وفي الوقت الذي باتت فيه الأحزاب الدينية تمكر بتسمية نفسها ديموقراطية وتضغط على السلطة عبر مطالبتها بالديموقراطية السياسية فقط، فإن من واجب الحركة الديموقراطية الآن، وحتى قبل أن تتشكل في حزب مستقل، وكيما تتشكل في حزب مستقل، أن تباشر العمل بالإصلاح الديموقراطي في سوريا وبنفس الوقت أن تطالب السلطة بتشريع العمل السياسي للأحزاب العلمانية فقط. وهذان في الحقيقة ضغط مزدوج على الديكتاتورية في المجتمع ككل لصالح صيرورته ديموقراطياً: ضغط على ديكتاتورية السلطة التي تحتكر لنفسها حق العمل السياسي وضغط معاكس لضغط الأحزاب الدينية الفاعل فعله باتجاه سلطة سياسية أكثر ديكتاتورية من السلطة القائمة. وبديهي أن بداية العمل بهذا الإصلاح بداية بناء أسس ديموقراطية لهذا المجتمع، هذه الأسس التي من منطقها ألاّ تسمح لأي سلطة إلا بالوقوف عليها مهما تكن نوازعها ديكتاتورية.
فالديموقراطية حرية للمجتمع ككل، ومعه وفيه للأحزاب الديموقراطية لأنهما يكملان المشوار الديموقراطي إلى نهايته معاً. أما الأحزاب
الدينية فديموقراطيتها أشبه ما تشبه فريق كرة قدم بعدما يسجل هدفاً يصير هو الحكم، ويقوم هو وجمهوره بتحطيم أرجل الفرق المنافسة
ليقول بعدها "هيا نكمل باقي المباريات".
هذا النقض لبنية الديموقراطية ليس مكوناً من مكوناتها لأنه ليس من منطقها أن تنقض ذاتها بذاتها، وإنما إقحام أيديولوجي على الديموقراطية لتتوافق وبنية العقل الديكتاتوري. دمشق 12 تموز 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا