الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع العلمانية والدين وضرورة بناء الدولة المدنية الديمقراطية في العراق

شاكر الناصري

2010 / 12 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مقال سابق كنت قد طرحت السؤال التالي : هل العراق دولة أسلامية أم علمانية ..؟

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=141451

وقد جاء السؤال في حينها على خلفية تزايد وتيرة الصراع بين قوى الاسلام السياسي ورجال الدين بأعتبارهم ممثلي التيار الأسلامي في العراق والناطقين بأسمه وحماة تقاليده وشريعته وأعرافه من جهة وبين قوى سياسية ومنظمات أجتماعية وثقافية ومواطنون تتعرض حياتهم وتطلعاتهم الأنسانية والمدنية و حرياتهم لمخاطر الأستلاب والمصادرة من جهة أخرى . كانت هجمة الأسلام السياسي في حينها ردا على ما يمكن تسميته بمكتسبات تعيد للحياة المدنية في العراق ولقضية الحريات والرغبات الشخصية بعض أعتبارها والتي نتجت عن حملة الحكومة ضد المليشيات المسلحة في عدد من مدن العراق وإنكشاف الكثيرمن ممارساتها الأجرامية المروعة واللاإنسانية بحق الأهالي وبحق الأنشطة الثقافية والفنية المختلفة ومحاربة القائمين عليها بعد أن نصبت نفسها ، أي المليشيات ، سلطة وحامية للشريعة وساعية الى أرغام الناس على الأنصياع لها . والتي أوصلت الأمر حد أن الضحك بصوت عال يثير الشبهات في بعض المناطق وكذلك تفجير محلات الحلاقة ومحلات بيع الأقراص الموسيقية فيما أصبح حال النساء بوضع يثير القلق والمخاوف من نوايا وتوجهات هذه القوى ونظرتها الى قضايا حقوق الأنسان وحرياته وكرامته .

اليوم نعيد نفس السؤال على وقع أنطلاق حملة إيمانية متشددة جديدة تسعى قوى الأسلام السياسي وهي القوى الحاكمة وتسيطرعلى مجالس محافظات ومدن عراقية عدة ومنها العاصمة بغداد ، الى فرضها على العراقيين وتجريدهم من أبسط الحريات والرغبات الشخصية وقمع كل المظاهر الثقافية والفنية والمدنية في المجتمع . لاننطلق في إعادة طرح سؤالنا هذا على خلفية ممارسات مجلس محافظة بغداد وقراراته الأخيرة ، مدعوما من إحدى المرجعيات الدينية في النجف ،بمداهمة إتحاد الأدباء في العراق بذريعة أغلاق البارالموجود فيه كونه غير مجاز قانونا وتهديداتها المتواصلة ضد مؤسسات ثقافية بالأغلاق كما حدث مع مؤسسة المدى ، والأحتجاجات والأعتصامات التي تم تنظيمها للتعبير عن رفض هذه الممارسات والدفاع عن الحريات . بل من مجموعة مؤشرات كثيرة بدأت تتواتر بسرعة كبيرة وكأن الذين يقفون وراءها يريدون أستغلال ظرفا سياسيا ما أو صراعات تدور بين قوى معينة حتى يتمكنوا من تحقيق مكاسب ما وفرض أمر واقع يصعب تجاوزه فيما بعد . منع أقامة مهرجان بابل لتعارضه مع القيم والاعراف الأسلامية ، إيقاف عروض سيرك مونت كارلو في البصرة بحجة ان الأرض التي أقيميت عليها خيمة السيرك تعود للوقف الشيعي وهي وقف حسيني ولايجوزأستخدامها بهذه الطريقة المخالفة للشرع وأخيرا وليس آخرا منع تدريس مادتي الموسيقى والمسرح في معهد الفنون الجميلة وأزالة النصب والتماثيل الفنية من حدائق المعهد في تحد واضح وصريح لقيم الجمال والثقافة والذائقة العراقية التي تشكل الثقافة الموسيقية والفن التشكيلي والمسرح مصادرا أساسية ساهمت في تشكيلها وتنميتها عبر عقود طويلة ومن المؤكد أن ثمة ممنوعات وتحريمات أخرى كثيرة سوف تبرز أمام الجميع .

إن الإقدام على ممارسات كهذه يعيد طرح السؤال حول موقف قوى الأسلام السياسي الحاكمة من قضية الدولة المدنية في العراق ومن طبيعة النظام السياسي فيها ، هل حقا أن هذه القوى تمتلك أية رؤية لمستقبل الدولة المدنية في العراق وهل هي جادة في أقامة دولة الحقوق والحريات وهي التي تأسست وخاضت صراعات عسكرية وسياسية مريرة من أجل أنجاز دولتها الأسلامية والتصدي لكل مظاهر العلمانية والمدنية في المجتمع العراقي؟ . الم تتفتق قرائحهم وبمجرد وصولهم الى سدة الحكم عن أصدار القرار رقم 137 اللاأنساني الذي تم الغاءه من قبل الحاكم المدني الأمريكي في العراق بول بريمربعد حملة إعتراضات واسعة للمنظمات النسوية في العراق . هذا القرار الذي كشف في حينها عن المساعي الحقيقية لهذه القوى وموقفها من النساء في العراق ومن قضية الحقوق والحريات المدنية ؟ الم يتأسس حزب الدعوة من أجل التصدي للتيارالعلماني المتسيد في حينها وبعد أن واجهت مظاهرالدين وأسلمة المجتمع أنحسارا كبيرا ترك أثره على مكانة المرجعيات الدينية وقلصت مصادر ثرواتها ومداخيلها الطائلة ممثلة بالخمس والزكاة والنذور *1. المرجعيات الدينية المذكورة وجدت في أمر أصدار فتاوى تحرض على قتل وتكفيرالعلمانيين والشيوعين ووصلت حدودا مثيرة للسخرية في حينها ، وسيلة لإعادة الأعتبارلمكانتها وتحجيم المد العلماني في العراق ؟. لقد أصبحت الفتاوى التي أصدرتها المرجعيات الدينية أداة بيد السلطة الدكتاتورية من أجل ممارسة هوايتها في القتل والتنكيل وخنق الحريات السياسية . واذا ما راجعنا التصريحات الأخيرة لعدد من رموز قائمة دولة القانون التي يشكل هذا حزب الدعوة دعامتها الأساسية فإننا نتلمس مدى رفضهم لمسألة الدولة العلمانية في العراق وإن مساعيهم تسير بإتجاه آخر مغاير تماما ولعل ما قاله خالد الاسدي: نحن لانشجع على قيام دولة علمانية في العراق وان الدولة التي نسعى الى تأسيسها هي دولة تحترم الانسان العراقي وقيمه وقوانينه واعرافه ودستوره ودينه* 2 . لم يكشف الأسدي عن ماهية الدولة التي يريدون تأسيسها في العراق ولم يتطرق الى حقوق وحريات الأنسان العراقي وأقتصر الأمر على قيم وأعراف ودين وهو مانجده دائما في خطاب تيارات الاسلام السياسي عندما يتعلق الموضوع بمسالة الحريات المدنية والفردية . الا يواصل مقتدى الصدر وقادة تياره تكرارهم لقضية أن العراق دولة أسلامية ويجب تطبيق الحدود الشرعية التي ينص عليها الدين الأسلامي في مسألة إقرار القوانين وفي التعاملات اليومية للناس وتأطير حياتهم بهذه الحدود ؟ ألا يسعى حزب المجلس الأعلى لأقامة نظام حكم ودولة مشابهة للجمهورية السلامية في أيران ؟ الم نستمع الى أحاديث قادة ورموز الحزب الأسلامي العراقي وموقفهم من قضية العلمانية في العراق وأقرار الشريعة كمرجع أساسي وأستعداد بعض رموزهم وفي مناصب حساسة وخطيرة للتعامل بالأحذية مع من يخالف الشريعة او يسعى لتعزيز مكانة العلمانية في العراق ؟ . ألم تسعى هذه القوى جميعا من أجل تعزيز المظاهر والممارسات الدينية في المجتمع وتنظيمها وأشرافها على الكثير من المناسبات الدينية وسعيها الى حشد أكبر عدد ممكن من العراقيين في مسيرات ومراسم وشعائر مختلفة هدفها الأساسي هو القول بأن العراق بلد أسلامي ؟ ، اليس هي ذاتها القوى التي كتبت الدستور وشرعته وهي ذاتها القوى التي تعمل على خرقه وتدعوا الى أحترامه في نفس الوقت ؟

إن هذه الأسئلة تجعلنا في مواجهة قوى هي ابعد ما تكون عن قضية تعزيز مكانة العلمانية والمدنية في المجتمع العراقي فكل ما تم إنجازه حتى الان يؤكد أن المسعى الأساسي لهذه القوى هو أقامة دولة أسلامية في العراق وان الأحاديث حول مسألة التعددية الثقافية والدينية وإن العراق لايمكن أن يحكم بلون واحد ليست لها مكانة حقيقية داخل هذه الأحزاب وأن ما تنتظره هو حيازتها لمزيد من السلطة . إن كل ما تقوم به قوى الأسلام السياسي يتم بموافقة شركاءها في حكم العراق من القوى والأحزاب التي طالما تشدقت بعلمانيتها ومدنيتها غير أن الواقع يقول إن ما يعني هذه القوى ، هو مصالحها الحزبية والقومية أولا و تعزيز وجودها وحماية المناطق التي تسيطر عليها بدليل مشاركتها في كتابة دستور هزيل ومليء بالمتناقضات ويمكن أعتماده وبسهولة فائقة لبناء دولة دينية وأسلامية في العراق .

من المؤكد إن ممارسات خطيرة كهذه لابد وأن تقابل بردود أفعال مختلفة من لدن الذين يشعرون إنها تشكل أنتهاكا لحرياتهم وتضيقا لمظاهر المدنية في المجتمع ولعل التظاهرات والتجمعات الأحتجاجية والحملات التي تم أطلاقها دفاعا عن الحريات هي وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي ولهذا فإن على الجميع أن يعي حساسية وخطورة ما تقوم به قوى الأسلام السياسي في العراق وإن الأمر لايتعلق بقرار إغلاق بار في أتحاد الأدباء فقط ولايمكن أعتبارقرار الإغلاق هذا ذروة الأنتهاك والمساس بالحريات في العراق ، وأن يعيدوا الحساب مرة أخرى في كل ما فعلوه لهذه القضية أي قضية الحريات ومدنية الدولة والتصدي لأسلمتها كون المسألة لاتتعلق بقضية كأس خمر فقط أو بارا لايمتلك أجازة قانونية ،بل تتعداه الى قضايا أساسية ومصيرية تمس وفي الصميم قضية الحريات في العراق إذ أن حرية الأنسان في أختياراته وفي ملبسه وممارسته لحياته ورغباته المشروعة تقف في طليعة مطالب كل حركة مطلبية ومداعية بقضايا الحقوق والحريات . ولعل ما تتعرض له النساء في العراق من ضغوط أجتماعية ودينية متواصلة ومتزايدة تشكل موانع حقيقية أمام النساء اومشاركتهن في الحياة العامة وبالتالي التعامل معهن بدونية واضحة والسعي الى ترسيخ مكانتهن كمواطنات من درجات دونية أو لامكانة لهن في المجتمع . الأنتهاكات التي تتعرض لها النساء في الشارع وفي خطب رجال الدين والتذكير المتواصل بالزي الاسلامي المحتشم في العمل والشارع والأماكن العامة تعد أنتهاكات سافرة بحق النساء في العراق وبحق المجتمع العراقي فقمع المرأة ومسخ شخصيتها وكرامتها يعد الخطوة الأولى نحو قمع المجتمع بأكمله . إن كل ذلك يأتي متماشيا مع منطق أسلمة الدولة والمجتمع وهو ما يجب الأنتباه اليه منذ أولى فترات وصول قوى الأسلام السياسي الى الحكم في العراق وتحولها الى طرف أساسي فيه وليس هذه الأيام .

ما نحتاجه وما يحتاجه المجتمع العراقي هو أستعادة خطاب مدنية الدولة وعلمانية السلطة ومؤسساتها وجعله حاضرا في مواجهة خطابات الأسلمة وإنتهاك الحريات. إن ذلك لايتحقق مالم تكن هناك جهات مدنية وثقافية وسياسية تدفع بإتجاه تعزيز التوجهات المدنية في المجتمع والتصدي لمظاهر الأسلمة المتواصلة لقطاعات واسعة كالتربية والتعليم ، الأعلام ، القضاء ، الثقافة والفن وتعزيز مقولات من مثل أسلامية المجتمع ، إحترام القيم والأعراف الدينية والعشائرية الأصيلة أو(هوية الأمة ومقومات وجودها)*3 . وفي نفس الوقت فإن الدولة المدنية الديمقراطية تبقى هي المنجز الأساس الذي يجب أن نسعى اليه جميعا .

1-فالح عبد الجبار .. العمامة والأفندي : سوسيولوجيا خطاب وحركات الأحتجاج الديني ..ترجمة أمجد حسين ..منشورات الجمل ، بيروت –بغداد 2010

http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=21675- 2

3-من بيان رجل الدين محمد اليعقوبي والذي هاجم فيه أتحاد الأدباء والكتاب في العراق لتظاهره ضد قرار حكومة بغداد المحلية القاضي بإلاق محلات بيع الخمور .

http://www.alsumarianews.com/ar/5/14568/news-details-.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صراع الدينيين بينهم
اياد حسن جبير ( 2010 / 12 / 9 - 06:34 )
هناك جانب اخر لما افاض به الاستاذ الناصري ؛ وهو ان هناك صراع بين الدينيين بينهم ولن اقول الاسلاميين فهم ابعد ما يكون عنه لذلك كان الهدف ان يتم مهاجمة رموز الحرية الشخصية للي ذراع العلمانية في العراق .بهذا يكون حزب الدعوة الديني قد اثار حربا مقدسة ضد (دنس الخمور والغناء والرقص ) واختار بداية عاشوراء حيث الوسط الشعبي ملائم لاثارة الجمهور متوسط الثقافة والمتعلقين بحبال رجال الدين .اعتقد انها الخطوة الاولى لحشد التاييد لتشكيل حكومة اكثرية واسقاط العراقية - التي تمثل التوجه العلماني - من المعادلة السياسية .ولكي يستفيد رجال الدين الاقل تاثيرا من السيد السيستاني من تاثير هذه الازمة نراهم قد ايدوا هذه الهجمة الغبية بطريقة لاتنم سوى عن الانتهازية وسوء الراي بالانسان وهذا التاثير آني ولن يكون له بقاء فنهايته محسومة مع تدخل القضاء .لكنها نقطة مهمة لتبيان ان العلماني يمكن يتعايش مع الديني وليس العكس .وان الحاكم بامر الله لن يشرك معه احد في حكم الكهف المظلم الذي يعيش فيه. .


2 - شكرا على هذا المقال
شذى الجبوري ( 2010 / 12 / 26 - 18:23 )
مقال رائع ... ماذا تتوقع؟, هل العراق ماض الى انبثاق دولة اسلاميه شبيه بالجمهورية الاسلامية الايرانية ؟ هل ستتمكن القوة الاسلامية الحاكمة من فرض ايدولوجيتها على العراقيين؟ يرجى الاخذ بعين الاعتبار ان العراق يختلف عن ايران لانه دولة متعددة الاعراق والثقافات.

اخر الافلام

.. #شاهد بعد تدمير الاحتلال مساجد غزة.. طفل يرفع الأذان من شرفة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تفاجئ الاحتلال بعمل




.. لبنان: نازحون مسيحيون من القرى الجنوبية يأملون بالعودة سريعا


.. 124-Al-Aanaam




.. المقاومة الإسلامية في العراق: إطلاق طيران مسير باتجاه شمال ا