الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف السلطة .. و الطبقة التعليمية المغربية ( جهة سوس ماسة درعة نموذجا )

محمد بقوح

2010 / 12 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن ضرب حق الإضراب ، الذي هو حق دستوري يخوله القانون المغربي ، يعتبر في نظرنا مؤشر خطير يهدد مشروع التحول الديمقراطي و التنموي في المغرب الحديث . إننا هنا لن ندخل في التفاصيل التي سبق أن ذكرناها في المقال السابق ، و المرتبط بنفس الظرفية ، بل سنقتصر على ما له علاقة بمجال التعليم المغربي في إطار الحيف و الظلم المادي و الرمزي ، الذي ألحقته السلطة بمفهومها الوصي على قطاع التعليم ( وزارة التربية و التكوين ) على الطبقة التعليمية المتحررة ، و المنتمية لجهة سوس ماسة درعة ، باعتبار أن هذا الحدث يعد من أبرز الأحداث التي تميز الساحة الاجتماعية و التربوية التعليمية المغربية . و السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ، في ظل إصرار الدولة المغربية ، كجهة وطنية مسؤولة على ما يشهده القطاع التعليمي من توتر و غياب الدمقرطة ، في اتخاذ العديد من القرارات المجحفة و اللامسؤولة ، بالنسبة لأطر الحقل التعليمي المغربي ، و بصفة خاصة المنتمين إلى الخريطة الإدارية لأكاديمية سوس ماسة درعة ، التي تعتبر إحدى أهم جهات المملكة المغربية ، بحيث تضم حسب الإحصائيات الرسمية 33 ألف إطار تربوي . .
إذن ، هل أن يُضرب مواطن استجابة لنقابته يعتبر سلوكا ممنوعا في مجتمع ( ديموقراطي ) و ( حداثي ) .. ؟ و إذا كان هذا المواطن هو رجل التعليم ، في إطار المسألة التعليمية ، التي ينظر إليها ، حتى من قبل الجهات العليا للبلاد كقضية مقدسة ، و مرتبة بعد القضية الترابية ( الصحراء المغربية ) مباشرة من حيث الأهمية و التقدير .
عندما يحتج هؤلاء الأطر التربوية ، بوعي و مسؤولية ، ضد واقع الفساد الإداري و التهميش التربوي المهيمنين على الحياة التعليمية و التربوية في جهتهم ، و يفرز هذا الموقف النقدي الاحتجاجي ، الرافض لقيم الضعف و الفساد ، الواقع المنشود و المستهدف ، سواء من طرف الطبقة التعليمية المحتجة ، أو النقابات المؤطرة لحركاتهم الاحتجاجية ، أو المجتمع المعني أساسا بإرادة التغيير و تحقيق ما هو أفضل و أفيد ، بالنبسة للمؤسسة التعليمية المغربية العمومية .. و نعني به واقع إسقاط لوبي الفساد الذي كان يعرقل ، من أعلى برج الإدارة التربوية ، حركة تطور و تنمية بنيات المنظومة التعليمية في هذا البلد ، حفاظا على واقع الأزمة ، و التخبط العشوائي المرتبط في نظرنا بمشكلة هدر المال العام .. هذا الواقع الذي يلبي حاجياتهم المنحطة ، و ينسجم مع ذهنياتهم المتحجرة و المتصلة في عمقها بشروط فكرية جامدة و متواطئة مع العديد من أشكال السلطة المهترئة الأخرى ، و التي تستفيد بدورها من واقع التردي و الجمود و الفساد الكلي ، تحقيقا لأرباح مادية و رمزية ، و كذا ، من جهة أخرى ، تعمل على محاربة الجهات الوطنية الحقيقية المتنورة ، ومنها الطبقة التعليمية العاملة في الميدان ، هذه الأخيرة التي تؤمن إيمانا عميقا بقدسية الصراع ، خاصة في مثل هذه الحالات المعرفية و الثقافية المصيرية ، و تنويع أساليبه التي نريدها أن تكون ذكية و تحقق التجاوز النوعي لتلك التي يعتمد عليها الطرف المضاد في نفس الملعب ، دفعا لكل نزوات خفافيش الظلام ، الذين باتوا يمارسون تقليدهم الدموي العدائي ، لفعل ( الدمقرطة الحديثة ) التي ما فتئت تتزايد و تنمو حركيتها في حلقات الزمن المغربي الأخير .. لكن حراس الأزمة مصرون على حمايتها لأنهم يصطادون في مياهها العكرة .. و التي سيفرض عليها التاريخ الصفاء المنشود ..

لعل الطبقة التعليمية في جهة سوس ماسة درعة المغربية ، كما في جميع جهات المملكة ، واعية كل الوعي بالموقع الفكري و الإجتماعي الأساسي و الضروري ، الذي من خلاله تنتج و تتخذ مواقفها المبدئية الجوهرية ، إزاء غطرسة السلطة الوصية على القطاع التعليمي ، و التي لا يمكننا نعتها إلا بالموقف العدائي لهيئة مهنية مغربية ، ( لا نزال نجهل لماذا هذا العداء الذي بات هيكليا لكل حركة تصحيحية لمسار الاعوجاج الملفق ؟ ) مصرة على المضي تجاه فعل الإنتاج الفعال ، و صناعة مستقبل المدرسة المغربية الحقيقي و الزاهر ( الغد التعليمي ) .. و التي يلزم أن تبقى وفية لمطالب أبناء الشعب المغربي الفقير و المعوز ، و الذي لا يمكنه بتاتا أن ينسلخ عن هويته التاريخية ، و أصوله الإجتماعية المشاكسة .. إنه إرثه الثقافي و الاجتماعي كما يقول بورديو .. كما لا يمكن أن يلعب دور الهروب إلى الأمام الموهوم .. لأن مشكلة التعليم كقيم علمية و تربوية ، ليس في المغرب فقط ، و إنما أيضا في العالم العربي هي مشكلة طبقية عمودية .. أرادوها كذلك ، و يعملون على فرض هذا الاختيار السياسوي و الأيديولوجي ، باعتماد شتى الوسائل ، منها تبني سياسات تعليمية تكبل دمقرطة التعليم ، و أيضا العمل على ابداع سناريوهات لضرب رجل التعليم و تحجيم طاقاتها الفكرية و الابداعية .. و محاولة تضييق الخناق عليه ، و الحد من انطلاقه الفكري و الاجتماعي و الثقافي .. باعتبار أن حقيقة الخدمة المعرفية و العلمية التي يجب أن تسود في هذا البلد هي حقيقة مجانية التعليم ، و أن يكون التعلم و اكتساب العلم و المعرفة ، في حق جميع الفئات الطبقية الكائنة في المجتمع المغربي بدون تمييز طبقي .. كما تريد له بعض الجهات الواهمة ( تسليع التعليم ) ، غير مدركة أن تكريس التعليم الطبقي ، و من خلاله تكريس المجتمع الطبقي ، لا يخدم سواى المنطق الاستعماري و الإرادة الفكرية و الحضارية للخطط الرأسمالية الغازية ، و استراتيجيات الهيمنة البطيئة لمنطق الامبريالية الجديدة ، في شكلها التقني و العولمي المبالغ فيه .. إنها عودة بائسة للميتافيزيقا المفارقة للواقع الحي ، بصورتها المنمقة البراقة ، حيث يفرض على الانسان سلوك التهافت المجاني .. و الاستلاب المشيء إلى حد التغريب عن هويته و واقعه المادي و الحضاري الملموس ، في إطار الشروط العامة المحيطة به .

و إذا كانت السلطة الوصية على القطاع التعليمي المغربي ، تطمح إلى تشديد الخناق على الفعل النقابي و التنظيمات النقابية ، و ذلك لفرض سياسة فرق تسد ، بالعمل على تنفيذ الاقتطاع الثاني لشهر نونبر ، بعد اقتطاع الشهر الماضي ( أكتوبر ) ، من أجور موظفي التعليم في الجهة المعنية ، بحثا عن أداة طيعة لتقزيم موقفهم الحضاري ، المصر على مواصلة تنفيذ الإصلاح الجذري للمنظومة التربوية المغربية ، و ذلك بدءا بمحاربة الفساد الإداري المتفشي في دوالبها .. كما سبق أن أوضحنا .. فإننا نجد أنفسنا هنا و الآن ، مرغمين لأن نهمس في أذنها القصيرة .. و بين تجاعيد عصيها الطويلة ، التي لم تعد تجدي في زمن الحوار و المراهنة على بلاغة الاقناع و التشاور الفعال .. بأن نساء و رجال التعليم بالمغرب الراهن ، واعون بمسؤوليتهم المبدئية و الفكرية و العقلانية المصيرية لإشكالية الصراع الحيوي و الضروري و كذا الطبيعي ، الدائر حاليا في ملعب السلطة .. و المجتمع المغربي .. و كذا الدولة المغربية عموما .. المدعوة حاضرا ، قبل أي وقت مضى ، للتدخل السريع لتوقيف التصعيد الاحتقاني المتوتر ، الذي لاحت علاماته في الأفق القريب .. و إن كانت مسألة سحب بساط الحوار الإجتماعي ، من تحت أرجل النقابات بمثابة خدعة مكشوفة للعيان ..أرادتها السلطة أن تكون رسالة مضمونها هو: ربح المزيد من الوقت ، و فرض المزيد من الإبقاء المثلج لهذا الحوار ، الذي لم يبدأ و لم يخلق في أساسه و تربته طبيعيا و سليما ، لهذا نراه اليوم يتحرك كدمية مشوهة بأساليب يمكن أن يفهم منها كل شيء إلا النوايا الحسنة .. و الإرادة القوية لإيجاد الحلول الحقيقية و الناجعة لإشكالية التعليم المغربي .. و لا مجال للأخلاق في ميدان السياسة .. إذن لا يستبعد أن يكون المنطلق و الهدف ، الذي يحرك ملف التعليم بالمغرب ذا أبعاد سياسوية محضة ؟

إن المشكل المطروح اليوم ، في الساحة التعليمية ، هو هذا التحويل الذي أنتجته السلطة للصراع الذي أصبح في زعم البعض جهويا ارتباطا بإشكال ضرب حق الاضراب الجهوي .. مع العلم أن هناك في هذه الأثناء بالضبط ، مدينتين تنتميان إلى نفس الجهة ، قد شرعتا في تنفيذ خطوة نضالية غير مسبوقة ابتداء من 8/12/10 ، و هي حركة إضرابية عن العمل ، ستستمر أسبوعا مع الاحتفاظ بإمكانية الاستمرارية الامتدادية ، إن بقيت السلطة في اصرارها على الإهمال و اللامبلاة و التعنت غير المجدي .. إنها خطوة نعتبرها مشجعة و مدركة لطبيعة المرحلة .. و كذا طبيعة الصراع .. الذي بادرت و غامرت به السلطة .. إلا أن الأجهزة النقابية الممثلة للطبقة التعليمية ، مدعوة لتضافر جهودها و التنسيق فيما بينها ، على مستوى المكاتب الوطنية ، لرفع التحدي المطروح ، و كسب رهان هذه المعركة النضالية المختلقة قصدا من طرفهم .. مع العلم أننا كأسرة تروية و تعليمية ، تحكمنا جميعا غيرتنا العميقة على التعليم المغربي .. و المدرسة المغربية .. و بالتالي نتوخى تحقيق دمقرطته الحقيقية و العادلة و المنصفة للجميع ، و إطلاق سرح النظام التعليمي و التربوي و التكويني .. و الوطني المزعوم في الكثير من شعارات و خطابات أعداء التعليم .. نتيجة عدم قدرتهم على التخلص من عقد الماضي .. هؤلاء الذين لا يدرون أنهم لا يدرون ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا