الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات أنصارية ، توما توماس كما عرفته ، الحلقة الرابعة

فائز الحيدر

2010 / 12 / 9
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


ذكريات أنصارية
المناضل توما توماس كما عـرفته
بالتأكيد كثيرة هي المواقف الصعبة التي واجهت الفقيد أبو جوزيف خلال تأريخه النضالي السياسي والأنصاري الطويل والتي أثرت عليه بشكل كبير وكان أشدها على نفسه إستشهاد رفاق مفرزة الطريق في نهاية شهر أيلول / سبتمبر / 1984 . لما لهم من مكانة متميزة لديه وبقية الأنصار في قاطع بهدينان ، فهم رجال المهمات الصعبة لما يملكونه من صفات لا تتوفر إلا في القلة من الأنصار ، بطولة ، أبتسامة ، العمل بسرية وكتمان الأسرار ، لياقـة بدنيـة وسرعة الحركة والسير لمسافات طويلة ، الصبر وتحمل العطش ، ألتزام سياسي ، إجادة استعمال السلاح .
عاش هـؤلاء الأبطال شهورا" طويلة صيفـا" وشتـاء" وفي ظـروف قاسية جـدا" في الكهوف ووسط صخـور الجبال على الحـدود العراقية التركية السورية ، منقطعون عن العالم كليا" حيث الحياة البدائيـة والحيوانات المفترسة وتواجد الجندرمة التركية وقلة التموين ، أبطال لا يملكـون غير حبـهم لوطنهم وحزبهم وهم سعداء بعملهم هذا . دخولهـم للقاطع بعد كل رحلة طويلة وخطـرة يدخل البهجة والإبتسامة والفرحة لرفاقهم في القاطع ، يحملون معهم رسائل من عوائـل الأنصار وأخبـارهم أضافة لمهامهم الأساسية في نقـل السلاح ، بعد وصولهم ينسون تعبهم ويباشرون بتقديم المساعدة بكـل أنواعهـا للجميع تقضي المفـرزة عند وصولهـا عـدة أيام في القاطع لغرض الأستراحة ، واذا كلفـوا بمهمة جديدة نجـدهم يغادرون القاطع فجأة وقبل طلـوع الشمس دون أن يلاحظهم أحـد فعملهم الأنصاري محفوف بالمخاطر ويتطلب السرية التامة في الحركة .

في نهاية شهر أيلول من عام 1984 وصلت مكتب القاطع برقية تفيد وقوع رفاق مفرزة الطريق في كمين محكم لعملاء السلطة من الجحوش وإستشهد العديد منهم ، بقي الأمر طي الكتمان دون أن يعلم أحد به حتى وصول عضو المفرزة الرفيق أبو أفكار وهو أحد الرفاق الذين نجوا من الكمين بإعجوبة وإستطاع الوصول إلى القاطع ، كان الرفيق أبو جوزيف يلازم غرفة مكتب القاطع وأختفت أبتسامته المعهودة التي نواجهها كل صباح وخلال وجبات الطعام ، غالبية الرفاق لم يعرفوا السر في تغيير طبيعة الرفيق التي تعودنا عليها .

ما بعد ظهر ذلك اليوم سـاد وضع غـير طبيعي في القاطع ، البعض يتحدث عن وصول مفرزة الطريق ، ولكن لماذا كل هـذا الغضب واضح على الوجـوه ، ولماذا يتحـدث بعض الأنصار فيما بينهم بهمس والألم واضح على وجوههم ، لم يدرك الكثيرين للوهلة الأولى ما الخبر حتى دخل ساحة مقر القاطع فجأة الرفيق أبو أفكار وهـو في حالة يرثى لها وكغير عادته وأبتسامته التي نعرفها عنه وتوجه لمكتب القاطع حيث ينتظره الفقيد أبو جوزيف غيـر مباليا" بالجميع ، خرج أبو أفكار من اللقاء وهو يعاني من أنهيار عصبي ونقل الى عيادة القاطع ليرقد فيها عدة أيام كان يعيش خلالها على العقاقير المهدئة ، ساد الحزن جميع الأنصار لسماعهم خبر أستشهاد رفاقهم وهم : مسؤول المفرزة عبد الكريم جبر ( أبو هديـل ) ، صالح حسين الأسدي ( أبو سحـر ) ، راضي محمد ( أبوأيمان ) ، الدكتور محمد بشيش الظوالمي ( أبو ظفـر ) ، نجيب هرمز يوحنا ( ناهـل ) هاشم جهاد يوسف ( أبو جهاد ) .

بعد هذا الحادث الأليم وإعتبار موقع قاطع بهدينان ساقط عسكريا" جرت جملة من التعديلات على الواقع العسكري لتلافي الأخطاء ، ولكن الأنصار فوجئوا في ساعة مبكرة من صباح يوم 13 تموز عام 1985 بتحليق تسع طائرات من نوع سوخوي القاصفة وأخذت تحوم وبإرتفاع شاهق فوق الوادي وسط نيران الأسلحة المضادة للجو وقامت بألقاء صواريخها وقنابلها بشكل عشوائي على المقرات والقرى المحيطة بها ولم تستغرق الغارة أكثر من نصف ساعة إستشهد فيها بعض القرويين ونفوق بعض الحيوانت ولم تتمكن الطائرات المغيرة من إصابة أي هدف عسكري ولكن كانت هذه الغارة هي البداية لغارات أخرى لاحقة...

بعد أن أستهدف مقر بهدينان بالمدفعية والطيران أصبح الأنصار يوجهون إسئلة عديدة لمكتب القاطع ووللمكتب العسكري وللفقيد توما توماس بالذات عبر الطرق الحزبية والعسكرية منها ماذا لو وقفت الحرب مع إيران وتفرغ الجيش للقتال وحول قدرته العسكرية الهائلة وبمساندة عملائه من الجحوش وقام بهجوم كاسح للقضاء على الأنصار ؟ وما هي قدراتنا لصد مثل هذا الهجوم ، وما هي خطة الطوارئ في مثل هذه الحالات ؟ وماذا نفعل اذا إستعمل الجيش في هجومه الطيران والأسلحة الكمياوية ونحن لا نملك الأقنعه الواقية من هذه الأسلحة ولا كيفية تجنبها أو معرفة أنواعها وطرق العلاج منها ؟ كانت هذه الأسئلة وغيرها لا نجد لها الجواب المقنع سوى أن الأمر معروض على المكتب العسكري وقيادة الحزب . ولكن بعد عدة شهور تحقق ما سبق وحذر منه الأنصار وهو الضربة بالسلاح الكيمياوي لقاطع بهدينان في يوم الخامس من حزيران / 1987 وأدت إلى إستشهاد رفيقين وإصابة العشرات بالغازات السامة .

كان الفقيد لا يعرف الأنتقام من أعداءه وله مواقف كثيرة تثبت ذلك مما أثارت أحيانا" بعض التحفظات لدى بعض الأنصار ذوي الفكر المتطرف والمحبين للأنتقام من أزلام السلطة ، ولربما كانت الظروف القاسية التي يعيشها الأنصار في تلك الأيام تشجع على مثل هذه المواقف لكن الفقيد توما توماس قد وقف تجاهها وقفة صلبة، وكان دائما" ما يردد عبارته المعروفة وفي مناسبات عديدة أمام الأنصار ( لا تنسوا إننا بشر لا تنسوا الأنسان . . ) .

كانت مثل هذه الأراء تطرح وفي سجن القاطع ضابطين من الجيش العراقي وبرتب عسكرية عالية وقعا في أسر أحدى مفارزنا القتالية ، وللروح الأنسانية التي يتمتع بها الشيوعيون العراقيون تجاه الأسرى من الجيش وبتوصيات الفقيد توما توماس تمت معاملتهم بكل إحترام وتم توفير كل أسباب الراحة لهم ، كانوا يقضون معظم أوقات النهار بين الأنصار ، يأكلون معهم ، يتحدثون معهم ، ولم يدخلوا قاعة السجن ألا عند المساء وكأنهم ضيوف ، لقد بقي الأثنان عدة أشهر في القاطع وتعرفوا على كل زاوية فيه وعرفوا مواقع سقوط القذائف وغارات الطيران وأماكن تواجد الأنصار والأسلحة المضادة للجو القريبة من السجن ونوعيتها ورد فعل الأنصار في حالة القصف المدفعي والغارات الجوية .

لقد بذل الحزب من خلال قيادة القاطع محاولات عدة لغرض عقد صفقة لمبادلتهم مع بعض المعتقلين لدى السلطة من عوائل الأنصارالشيوعيين إلا أن هذه المحاولات قد فشلت كما يبدوا ، وقد تحدث هؤلاء الضباط بشكل صريح للأنصار وقيادة القاطع بأن للجيش العراقي معلومات كاملة عن وادي زيوة حيث يقع القاطع وهناك خرائط عسكرية كاملة للمنطقة ومثبت فيها الأحداثيات وتدّرس هذه المعلومات لطلبة الأركان .

بعد عـدة اشهر اطلق سراح الضابطين بقـرار من قيـدة الحـزب لأثبات حسن النية في معاملة الأسرى رغم أعتراض الأنصـار كون إن السلطة تقتل وتعـذب وتعـدم الأسرى والجرحى من الشيوعيين وعوائلهم الذيـن يقعـون أسرى بأيديهم وتهاجـم مقرات الأنصار بكل أنواع الأسلحة ونحـن نرحب بأسراهم ونطعمهم ونعالجهم ونطلق سراحهم بعـد حين وهـذه نقطـة ضعـف أصبح يدركها العـدو نفسه لـدى الشيوعيين بإعتراف أحد رجال المخابرات الذي وقع أسيرا" بيد الأنصار . وبعـد عـدة أشهـر من أطـلاق سراح هـؤلاء الضباط ضرب قاطع بهدينان بالأسلحة الكيماويـة وهـذا يؤكد أن هـؤلاء الضباط قـد زودوا السلطة بما يملكونه من معلومات إضافية دقيقـة أستطاعوا جمعها عن موقع المقر وإمكانياته العسكرية وإحداثياته الدقيقة .

إن صفات أبو جوزيف الحميدة التي رافقت مسيرة حياته النضالية وحسن أخلاقه وتفانيه في سبيل الآخرين لابد وأن تغفر له بعض الأنفعالات والأخطاء أسوة بجميع المناضلين الذين أختاروا ذلك الطريق الصعب . . وخاصة في تلك الظروف الغاية في القساوة والوحشية والدموية التي عانت منها البلاد بسبب الدكتاتورية الهمجية وفي ظروف النضال الشاق . ورغـم كل ذلك كان أبـو جوزيف محباً للحيـاة وللنكتة وجعل كثيراً من المواقف الصعبة مادة للنكتة والضحك وبذلك حاز على ثقة الغالبية الساحقة من رفاقه الأنصار من كـل القوميات والأديان ومنـذ بدء تكوين منظمة الأنصار التي سادتـها أجواء التمزق والمرارة .

يتبع

كندا في 9 / 12 / 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش