الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الدفاع عن العلمانية

شاكر الناصري

2010 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين أسقط النظام الدكتاتوري السابق نتيجة الأحتلال الأمريكي ، فإن الحديث عن دولة علمانية في العراق قد أخذ مديات واسعة في تصريحات الكثير من الساسة وفي وسائل الأعلام وحتى في الشارع وردده المثقف والأنسان البسيط وتحول الى نقطة سجال جدي بين مختلف الأطراف ، غير إن قوى الاسلام السياسي لم تفسح المجال أمام توجهات كهذه وسعت جاهدة من أجل تغيير كل شيء وفرض منطقها على الدولة وعملية أعادة بناءها . لم تجد ما تشوه به العلمانية وتجعلها على هامش صراع السلطة أو خارجه سوى ان ربطتها بالنظام السابق كونه نظام علماني مما يعني إن العلمانية وجها من وجوه الدكتاتورية و القمع والانفال والابادة الجماعية ..الخ . لقد أشتغلت قوى الاسلام السياسي على هذه الأمر من أجل ان تفرض تفسيراتها ومفاهيمها على الشارع وتجعله يردد كل ما تنطق به من أن العلمانية دكتاتورية مقيتتة والحاد وكفر وحريات منفلتة وحرب سافرة على الدين .

ما يحدث الان في العراق هو أن قوى الاسلام السياسي تتجه نحو الأنتقال الى مرحلة جديدة في مسيرة حكمها في العراق وهي مرحلة قمع المظاهر المدنية والحريات الفردية و تعزيز المظاهر الدينية والأسلمة الحقيقية للمجتمع وأنها على استعداد لفعل كل شيء من أجل ذلك بالفتاوى والبيانات والخطب الدينية أو بالسباب والشتائم وتشويه صورة الأديب والمثقف العراقي الذي طالب بأحترام الحريات المدنية ووقف حرب ألانتهاكات التي تتعرض لها أو بالتهديد والوعيد عبر شاشات الفضائيات ووسائل الأعلام ومحاربة المؤسسات الثقافية والتهديد بإغلاقها .

اننا في مواجهة مرحلة حقيقية وفعلية من صراع هذه القوى ،التي عبرت علانية وعبر العديد من رموزها عن رفضها تأسيس دولة علمانية في العراق ، ضد كل من يخالف توجهاتها أو يقف في طريقها نحو ترسيخ سلطاتها الدينية وإن مرحلة كهذه تفرض على العلمانيين ودعاة بناء الدولة المدنية والمدافعين عن الحريات والحقوق الأنسانية المشروعة ( تنظيمات سياسية، شخصيات علمانية ومدنية مستقلة او فاعلة ، الكتاب والمثقفون ، المؤسسات الثقافية والأعلامية المستقلة ومراكز الابحاث ، منظمات المجتمع المدني وحقوق الأنسان، النقابات العمالية والمهنية ...الخ ) للتفكير الجدي بما هم عليه أو بما سيؤول اليه حال المجتمع العراقي والتكفير الجاد والعملي في الحلول والوسائل الممكنة لخوض صراع ومواجهة فعلية ضد الاسلام السياسي وتوجهاته وعلى مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والأجتماعية أذا ما تواصلت حملاته التي تحظى بدعم المؤسسات الدينية المختلفة بهذا الشكل . لانقصد مطلقا مسألة أغلاق البارات والأندية الليلية التي تحولت الى ستار وذريعة شنيعة لحملة هذه القوى . بل كل ما تقوم به هذه القوى من ممارسات لاتهدف في النهاية سوى فرض أسلمة المجتمع ومسخ هوية الدولة المدنية في العراق ( فرض الحجاب على النساء ، حملات بناء الجوامع والمساجد والحسينيات ، التربية والتعليم ، القضاء ، الأعلام خصوصا اعلام الدولة الرسمي ، الترويج المتواصل للشعائر الدينية المختلفة ،التضييق على الحريات المدنية والفردية ، محاربة الأنشطة الثقافية والفنية .الخ ) وأقامة نظام حكم ديني على غرار ما موجود في أيران أو الدول ذات الأنظمة الاسلامية الأخرى التي تتحول يوم بعد آخر الى سجون هائلة وتتحول شعوبها الى رهائن تخضع للقمع والأذلال وأنتهاك الكرامة ومصادرة الحقوق والحريات. صراع العلمانية والدين هو صراع مصيري وإن القفز فوقه بدواعي كثيرة ومختلفة يعد تسفيها وتشويها لهذا الصراع وقفز فوق منطق الصراعات الأجتماعية .

ليس ثمة نص دستوري أو قانوني يقول باسلامية الدولة في العراق أو يفرض تطبيق الشريعة ، بل إن الاساس هو علمانية الدولة ، التي تأسست ومنذ لحضاتها الأولى ودستورها الأول كدولة مدنية علمانية رغم كل ما شابها من ظلم وتمييز قومي وطائفي، الا أن العديد من المواد في الدستور الهش الحالي تجعل من الدين والشريعة الاسلامية رقيبا مباشرا وحَكَما فصلا يستند اليه المشرع كمرجع أساسي . وهذا ما يعزز ممارسات قوى الاسلام السياسي في العراق ففي كل مناسبة يقولون : نحن بلد أسلامي لنا قيمنا وأعرافنا وشعائرنا ومقدساتنا وإن كل ما يعارض ذلك هو كفر يجب قمعه .

ان العلمانيين يجدون أن الدولة المدنية الديمقراطية في العراق التي تحترم فيها كرامة الأنسان و تصان فيها حرياته وحقوقه و رغباته ضد أي أنتهاك تحت ستار الدين أو العقيدة أو القومية أو القيم والأعراف الأجتماعية ويتمتع بكامل الضمانات الثقافية والأجتماعية هي الضمانة الأكيدة لأن يتجاوز العراق الكثير من المصاعب التي تواجهه وفي نفس الوقت تجعله يسير بخطى ثابتة على طريق التقدم والرفاه . ولذلك لابد من العمل من أجل :

أولا .. فصل الدين عن الدولة بشكل كامل ، ومنع تدخل الدين في التربية والتعليم والأعلام والقضاء والحياة الشخصية للأفراد وأعتبار قضايا الدين والأيمان والمعتقدات أمور شخصية يجب أحترامها وعدم التدخل فيها .

ثانيا ..الأقرار الرسمي بعلمانية الدولة في العراق وأتخاذ التدابير الكفيلة بحماية هذه الهوية وكذلك أبرازها وإن وجود كلمة الله أكبر على العلم العراقي هو مسخ لهذه الهوية وفرض هوية اسلامية صريحة عليها .

ثالثا.. منع أرغام الافراد على الالتزام بالضوابط الدينية التي يتم أتباعها في مناسبات عدة كشهر رمضان أو محرم والمناسبات الأخرى لأن ذلك يعد أنتهاكا لحرمتهم وكرامتهم .

رابعا ..الأقرار بالحريات المدنية والفردية وأعتبار حرية الأنسان وكرامته خطوط لايجب المساس بها .فمثلما من حق الأنسان أن يؤدي الصلاة ويقوم بالشعائر الدينية المختلفة وبكل الوسائل والطرق التي تناسب ذلك دون أحترام لرغبات أو حرية المحيطين به ، فمن حق الأنسان الأخر كذلك أن يشرب ،يرقص ، يرسم ، ينحت قطعة فنية ، يغني ، يعزف الموسيقى أو يستمع لها وأن الناظم الاساس في هذه العلاقة هو الحرية وقدرة الافراد والمؤسسات على فهمها وأحترامها وترسيخها.

ربما يقول البعض : كيف هذا ونحن نواجه ردة عنيفة ووسط محيط يواصل الأنحدار نحو المزيد من الظلامية والتعصب الديني ويحظى رجال الدين والمؤسسات الدينية المختلفة بحضور مكثف وحضورنا ضعيف وفيه مخاطر علينا ، أقول : نعم نحن نواجه هجمة حقيقية فرضت تراجعا واسعا على التيار العلماني بمختلف تلاوينه وتوجهاته ولكن ثمة ثوابت لابد من العودة اليها ومن المؤكد إنها لاتقبل المساومة مطلقا فأما أن نسلم بكل ما يريده نريده التيارات الدينية فيكون حالنا في خبر كان أو نقف في مواجهة ونخوض صراعا مصيريا واضح المعالم . ثوابتنا هي ثوابت التعريف والهوية والتنوير والحريات وكرامة الأنسان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التاريخ العربي
فارس عوض ( 2010 / 12 / 12 - 10:52 )
حضرة الكاتب المحترم
تحية مودة خالصة ارسلها لك
اغلب الظن والاعتقاد ان المشكلة تكمن في عمق تاريخنا الذي وصل الينا واصبح من الواضح انه غير دقيق وربما يكون غير صادق
واعتدنا في كتاباتنا ان نقيس الحلضر على الماضي ونرجع كل ماهو قائم الى تلك الحقبات تازمنية التي مضى عليها مايربو على مئات السنين
اعتقد لم يزل لدى الكثيرين القياس على المضي واعتراره القدوة الحسنة بينما كل الوقائع والحركات تشير علينا ان نعيد قراءة الماضي بعيون الحاضر لما نشاهد ونسمع ونقرأعن العلاقات والمصالح التي كانت ولم تزل قائمة منذ فجر الانسانية وحتى يومنا الحاضر والمستقبل والتي هي الاساس في كل التحالفات والتداخل بين الدول والمنظمات والمصالح وحاجات الناس اليومية
اعتقد من كتب هذا الموضوع لابد من تشكل وعب حقيقي لديه


2 - علماني مغاربي
محمد بودواهي ( 2010 / 12 / 13 - 02:40 )
على علمانيي العراق أن يشمروا عن سواعد النضال والكفاح ، خاصة منهم الأدباء والمفكرين والانتليجينسيا بصفة عامة ، ضد ما يتم التخطيط له من فبل أعداء الحداثة والعقلانية والتنوير قبل فوات الأوان .فبالتأكيد هناك مخطط تحبك خيوطه لجعل العراق يسير على خطى إيران ، ومن الواضح أن من يشرف على هذه العملية المدبرة هم ملالي طهران
تحية للكاتب ولكل المتنورين

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah