الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة عن الأماكن المقدسة في بلاد الشيشان – إنجوش

أمين شمس الدين

2010 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حقيقة عن الأماكن المقدسة في الشيشان – إنجوش
للمؤرخ والباحث الشيشاني أ. سلاموف*
يعود تقديس أماكن العبادة وتكريم الأشياء والأشخاص إلى جميع التعاليم والديانات سواء كانت بوذية أو يهودية أو مسيحية أو إسلام. هذا التقديس أو التكريم ينحدر منذ الأزمنة الغابرة للبشرية. وتعود جذوره إلى المرحلة البدائية لتقديس وإجلال الأشياء.
وتؤمن جميع الديانات بوجود الروح، المصاحبة لجسم الإنسان المرئي والمحسوس؛ وبأن الروح غير مرئية وخالدة. كما تؤمن الديانات بأن الروح تنفصل عن جسد الإنسان الحي في لحظات نومه أو في حالة الإغماء أو الغثيان.
لقد آمن الناس ويؤمنون منذ العصور الغابرة وحتى هذا اليوم بأن أرواح الأموات تؤثر إيجابا أو سلبا على مصائر الناس الأحياء. لذا نرى بأن هؤلاء يحاولون وفي كل الأزمان التلمس عن طريق الأرواح في طلب الرحمة، وذلك بتقديم الأضاحي وإقامة الشعائر الدينية المختلفة. إلا أن التقديس أو التكريم لم يكن لكل ميت أو لكل روح بنفس الدرجة من التقدير؛ فالشعوب الأوائل كرمت قبل كل شيء زعماءها ومقاتليها الشجعان والكهنة وغيرهم. وعند ظهور نظام الطبقات وسلطة الدولة بُدأ بتبجيل وتكريم الأمراء الرهيبين والقياصرة الأقوياء، ورجال الدين الأغنياء، وذوي النفوذ، بحيث وصل إلى درجة التقديس.
في المجتمعات الطبقية أصبح تبجيل القديسين وتعظيم أسماء المستغِلين وأعمالهم، وعِشق بسطاء الناس أهواء هؤلاء المتسلطين وسلطانهم- أداة قوية بيد الطبقة الحاكمة للاستعباد الروحي للطبقة العاملة، ولجام يمنعهم من التمرد والعصيان لمقاومة الاضطهاد الاجتماعي. وكان كل أصحاب النفوذ يستغلون الفئة العامة من الشعب تحت غطاء القدسية والتبرك والمعصومية عن الخطأ، وكون الطريق الذي يسير عليها هؤلاء هي الطريق الصحيحة.. طريق خلود الاستعباد والإقطاعية والعلاقات البرجوازية. إضافة إلى إقناعها لهم بعدم أهمية وجدوى مقاومة النظام الاستبدادي.. هذا النظام القائم برضى الآلهة المتنوعة، التي تحافظ بنفسها على هذه الأنظمة من كل سوء أو عصيان.
يثبت تاريخ الديانات بأنه مع تطور وتعقد العلاقات الاجتماعية تعقدت معها أساليب تقديس وتبجيل الأقدمين، وصاحبتها تغيرات معينة. إلا أنه وخلال سنوات نمو المعتقدات الدينية بقي أساس التقديس المتمثل بتكريم الأجداد الأوائل قائما.
إن المعتقدات والشعائر الدينية المتبعة في تبجيل الأشخاص لا تزال آثارها ماثلة إلى الآن عند بعض الطوائف والمذاهب الدينية المتباينة في بلاد الشيشان - إنجوش. إضافة إلى تكريم أماكن دينية متنوعة (زيخارات) ЗИХАРАТ - وتعني التجمع من أجل إقامة العبادة والصلاة تشريفا للقديسين، كإقامة الذكر والمولد والسوجناطي.. الخ.، مع إعداد الولائم وتقديم الأضاحي خلال ذلك. إن هذه الأعمال مجتمعة تؤثر على وعي الناس المتدينين، وتترك آثارا قاتلة على عائلاتهم وذويهم وعلى المجتمع ككل.
إن بقايا الطرق الصوفية (الموريدية) وأوسمتها المزَرْكشة بأساليبها ومعتقداتها الدينية العجيبة، تعرقل توجه بعض الناس إلى ثقافة وتربية نيّرة، وإلى قوة العلم والتعلم، وإلى التعرف على حياة سعيدة وهنيئة. كما تعرقل إيمان الناس بالإمكانات الهائلة للبشرية، وتعاكس انضمام الفرد إلى صفوف المناضلين من أجل العمل البار المنتج. وما نلاحظه بأن المستفيد من الدفاع عن الصوفية والتصوف الأعمى هم في نهاية المطاف زعماء المذاهب الصوفية والموريدية، وكذلك رجال الدين من المتطفلين الذين في خدمتهم.
إن كل ديانة جديدة كانت تظهر لدى الشعوب قاومت وبشدة سابقتها، مبقية على نواح معينة منها ضمن تعاليمها الجديدة، وذلك لاستقطاب الجماهير لهذه المعتقدات الجديدة مزيِّنة ما سبق من معتقدات وشعائر وتقديسات بألوان مناسبة. ولم يختلف الحال عند الشيشان والإنجوش أيضا عن ذلك.
قبل ظهور الإسلام في بلاد الشيشان – إنجوش، انتشرت فيها أماكن تقديس وعبادة بأشكال كثيرة. ولا يزال الشيوخ وكبار السن يتذكرون تلك الأماكن ذات العلاقة بالمعتقدات الوثنية وبالديانة المسيحية، التي بدأت بالانتشار في المناطق الجبلية من البلاد منذ حوالي القرن الثامن وحتى القرن السادس عشر؛ وكذلك الأماكن ذات العلاقة بالمعتقد المسمى بالسنكريتية Syncretism – وهي خليط من الديانات الوثنية والمسيحية والإسلامية.
لا تزال آثار المعبد المسيحي "تْخابا – إيرْدي ТХАБА-ЕРДЫ" قائمة في جبال الإنجوش قرب بلدة خايراخ ХАЙРАХ، وكذلك معبد "ألبيِرْدي" АЛБИЕРДЫ قرب قرية تارْغيمْ، ومعبد "جالْيِرْدي" ГАЛЬЕРДЫ (الجيم تلفظ مصرية) على مرتفع جبلي قرب قرية شُواني.. وغيرها. وتوجد كذلك آثار دينية تعود إلى الوثنية، اعتبر معظمها مقدسا عند الإنجوش حتى تمام ثبات الدين الإسلامي عندهم، أي حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. إن غالبية هذه الأماكن كانت تسمى بأسماء الأجداد القدامى لعشائرالشيشان والإنجوش.
كتب العالم الاتنوغرافي الإنجوشي تشاخْ أخْرييف ЧАХ АХРИЕВ (1871م) قائلاً: "امتازت كل قرية جبلية بأن لها سيدها أو معلمها الخاص، الذي كان جزءا كبيرا من القرية يسمى باسمه. وكانت الاحتفالات الدينية تقام مرة في السنة تكريما وذكرى لهذا السيد أو الآلهة -"إيْرْدا" ЕРДА بالشيشانية و "تسًوو" ЦІУ بالإنجوشية (معلومات عن الجبليين القوقاز، ج5، فصل "إتنوغرافيا"، ص2، تفليس، 1871).
إن ما تبقى من الآثار الدينية والأماكن المقدسة في بلاد الشيشان أقل منه مما هو عند الإنجوش. يعود ذلك إلى ثبات الدين الإسلامي في بلاد الشيشان قبل ثباته في بلاد الإنجوش. ومن المعروف أيضاً بأن الإسلام يدحض الوثنية بشدة. وهكذا وتحت تأثير الشعائر والمعتقدات الإسلامية وتكريم رجال الدين الإسلامي، تم إبطال وإلغاء بقايا الآلهة المحلية مثل إيرْدا – ЭРДА ستيلاСТЕЛА - ألْمازْ – АЛМАЗ مَلْخْ أزْني МАЬЛХА-АЗНИ - مارتسيلْغ – МАЬРЦИЛГ خين نانا ХИН-НАНА .. وغيرها. إلا أنه بقيت في جبال الشيشان الشاهقة والقاسية آثار لأماكن العبادات القديمة والمسيحية في مناطق كثيرة منها، منتشرة في أماكن الاستيطان القديمة والمهجورة على شكل تماثيل ورسومات مادية – مثل كنائس متردّمة، ورسومات الصليب على جدران بعض القلاع والأسطح الحجرية وما شابه..
يقول إيفان بوبوف И . ПОПОВ : "يوجد بالقرب من بلدة بيلْغاتوي في محافظة ويدِن حاليا نصبان للآلهتين ستيلا وإيرْدا. وكما يدّعي أهالي البلدة، فالناس يوما ما كانوا يعبدون هاتين الآلهتين" (معلومات عن الجبليين القوقاز، إصدار 4، مقالة "إيتشْكيريا"، ص19، تفليس، 1870).
في السنوات الأخيرة تم اكتشاف نصبا وشواهد وتماثيل من عهد الوثنية والمسيحية في أماكن عديدة في بلاد الشيشان. وبارك الإسلام بشهرته وسمعته بعضا منها، مساهما بذلك في نشر الدين الإسلامي في بلاد الشيشان – إنجوش. وهكذا وعلى الجهة اليسرى لجبل خانْكَلا، وعلى قمته المتناهية يوجد مكان مقدس يسمى "جيمي بارْزْ" ЖЕМИН БАРЗ - كانت تعقد فيه بشكل دوري اجتماعات شعبية للشيشان تحت اسم "قيتا تشُوو" КХЕТАЧО (وتعني بالشيشانية مكان اللقاء أو الاجتماع- المترجم). كان ذلك قبل إنشاء حصن غروزْني عام 1819م. بقي هذا المكان يحمل قيمة تقديسية بالنسبة إلى الشيشان حتى قبيل اعتناقهم للدين الإسلامي (القرن الثامن عشر). ومع مرور الزمن أخذت الأساطير والخرافات تتناقل بترويج من بعض رجال الدين حول ولِيٍّ كبير عاش على قمة ذلك الجبل.. كان اسم هذا الولِيّ "جيمي". وثمة لقاءات واجتماعات تعقد فيه من قِبَل الأولياء القديسين المباركين في الوقت الحاضر أيضاً، يقوم بترؤسها (حسب ادّعائهم) الشيخ جيمي نفسه. وتحت تأثير هذه الخرافات كانت تعقد وحتى سنوات قريبة اجتماعات في نفس المكان للموريدين، يقيمون فيها الذّكر ЗИКРА. حتى أنه في صيف عام 1959 م، التقت هنا جموع الموريدين تتضرع وتصلي وتقوم بحركات شديدة وبالقفز، تطلب العون والمساعدة وإرسال الغيث من الله عن طريق وَليِّهم.
هناك مكان آخر عقدت فيه الاجتماعات ومورست الشعائر الدينية التقليدية للشعب الشيشاني يسمى "قيتشا كورْتْ" КХЕТЧА-КОРТА ، وهو مكان على رأس الجبل الذي تعقد فيه الاجتماعات ولقاءات التشاور. ويقع هذا المكان قرب قرية تسونتَرا في محافظة نَجو- يُورْتْ. وأصل كلمة تسونْتَرا هو تسيني - طيْهْ ЦІЕНИ-ТІЕ، وتعني المكان الطاهر أو النظيف.. أو المكان المقدس. ولهذا المكان اعتبار ديني حتى قبل انتشار الإسلام في بلاد الشيشان. وتوجد عشيرة تسمى بعشيرة تسونْتَروي، والاسم مشتق من كلمة تسيني تيروي ЦІЕНИТІЕРОЙ - أي الذين يعيشون في المكان الطاهر.. (أي المقدس).
يقول المؤرخ بوبوف: "بأن تسونْتَرا تقع عند مجرى نهر أكْساي على قمة جبل مجاور للجبل الذي فيه الموقع المذكور قيتشا كورْتْ. وحسب الأساطير المتداولة بين سكان المنطقة المعنية، وهم الإيتشكيريون، اتخذ هذا المكان ليكون مركزا للقاء واجتماعات الناس من جميع الطوائف المجاورة، من أجل وضع الشرائع وسن القوانين والعادات في محاولة لإقامة نظام مذهبي مناسب (مجموعة مقالات عن الجبليين القوقاز، "إيتشكيريا"، إصدار 4، ص17، تفليس، 1870).
مكان ثالث هام أيضا هو إيرْتينا كُورْتْ ЭРТИНАН-КОРТА. ويسمى كذلك إيرْتينا طِيْهْ ЭРТИНАН-ТІЕ، ويقع قرب قرية جوني ГУНИ (بالجيم المصرية) في محافظة ويدِن. كانت تقام في هذا المكان الشعائر الدينية الوثنية تقربا إلى الآلهة إيرْدا، ومنها اشتق اسم المكان.
إن الوعاظ المسلمين مثل الشيخ بيرْسا БЕРСА، وصاحبه تيرْما أوْلي ТЕРМА-ОЛЫ، واللذان إليهما يعزى غرس الإسلام بالقوة في منطقة إيتشكيريا (هكذا يسمى الجزء الجبلي الشرقي من بلاد الشيشان) نشطا أيضا في قرية جوني المذكورة. ولا يزال قبر الشيخ بيرسا موجودا في هذه القرية الجبلية الواقعة في منطقة كورْتشالا السفلى.
.. هكذا نلاحظ بأن أماكن التقديس الشيشانية ما قبل الإسلام لاقت ذات الاهتمامات الروحية في عهد الإسلام أيضاً.
إلا أن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد. ففي أواسط القرن التاسع عشر، رحل إلى منطقة "إيرْتينا كورْتْ" ذات الاعتبار المقدس مؤسس أكثر طائفة دينية (موريدية) انتشاراً - أصحاب الذكر أو حلقات الذكر في بلاد الشيشان - إنجوش، وهو الشيخ كُونْتْ- حَجِي كيشي КУНТА-ХЬАЖИ КИШИ من أجل الحصول على نجاحات أوفر في دعوته، ونشْر عقائد طائفته. ومنذ ذلك الوقت أصبح هذا المكان هو الأكثر اعتبارا من حيث القدسية والإجلال بالنسبة للموريدية. وفي هذا المكان دفنت والدة كونت-حجي، واسمها "خيدي" ХЕДИ. أصبح قبرها فيما بعد مزاراً يؤمه الموريدون (أتباع الشيخ المذكور) على الرغم من أنه لم يكن لها أي اعتبار ديني يُذكر؛ سوى كونها والدة هذا الشيخ فحسب.
كان إجلال وتقديس الأشخاص أداة مناسبة جدا في أيدي القياصرة والخانات والشيوخ ورجال الدين المتنفذين والتجار وما شابه، استخدمت لاستغفال وخداع المؤمنين البسطاء من الناس لدعم سلطاتهم، ومن أجل إشعال نار الحقد القومية والدينية، و لدعم سياساتهم وأعمالهم القاسية.
يقول لينين ЛЕНИН: إن الطبقات الظالمة بكل أشكالها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها واستمرار قوتها إلى دورين اجتماعيين، هما: دور الجلاد ودور الكاهن (رجل دِين)- فالجلاد وظيفته قمع الاحتجاجات وتمردات المظلومين، والكاهن يقوم بتهدئة ومواساة هؤلاء المظلومين ورسم خطط المستقبل لهم (لاسيما وأن هذا مناسب دون أن يتطلب أية ضمانات لتحقيق ذلك) والتخفيف عن بؤسهم وتضحياتهم، مع الحفاظ على السيادة الطبقية. وبنفس الوقت إقتاع الناس بالتصالح مع السلطة الحاكمة، والابتعاد عن الأعمال الثورية. وإحباط وتحطيم إرادتهم وعزيمتهم الثورية (المؤلفات، ج21، ص206).
كما يسمون في بلاد الشيشان فـ "المولاّت (رجال الدين المتنفذين والخطباء) الشيشان والداغستان وغيرهم من رؤساء ووعاظ الطرق الصوفية، قاموا منذ بداية الربع الأول من القرن التاسع عشر، متكيفين مع الظروف المحلية ومع تدين وإيمان جماهير الشعب الكادحة، قاموا بتعزيز نشاطات واسعة في نشر الموريدية في بلاد الشيشان والإنجوش قائمة على ما يسمى بالتعاليم الصوفية والدروشة، ذات أهداف تصب في إشعال نار التعصب الدينيFANATICISM بين الجبليين، وفي تعزيز موقف الأخوة الصوفيين (الموريدين). إضافة إلى الإقطاعيين المحليين، وذروة الفئة العليا وزعماء الدين، نشط أيضاً شاهات إيران وسلاطين الأتراك، الذين ادّعوا دائما ويدّعون بتبعية القوقاز إليهم.
ولتحقيق هذه الأهداف أخذ ينتشر في بلاد الشيشان والإنجوش وعّاظ ومرشدون خبراء من تركيا، وبأساليب مصطنعة وخفية كحجاج وزوار للأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة (كان كل حاج وكل من زار الأماكن المذكورة يستقبل في بلاد الشيشان من قبل الشعب المتدين البسيط بكل حفاوة وتقدير لدرجة التبرك به وحتى أكثر من ذلك.. المترجم). أما المولاّت وشيوخ الدين الشيشان والإنجوش والداغستان، فقد تغذوا بأفكار وطرائق الدراويش في آسيا الوسطى وإيران وتركيا. وهذه البلاد الثلاثة مقارنة مع بلاد الشيشان انتشر فيها الدين الإسلامي منذ زمن بعيد. يقول المؤرخ الأكاديمي ف.أ.غوردليفسكي В.А. ГОРДЛЕВСКИЙ : "تعود الخيوط الدينية والروحانية بين القوقاز وما بين بخارى آسيا الوسطى إلى مئات السنين. وخلال تحركات علماء الدين والدراويش من بخارى إلى المنطقة الغربية نحو تركيا، لا شك بأنهم تركوا آثارا في القوقاز" (مؤلفات مختارة، ج3، ص384، موسكو، 1962).
ومما ساعد على انتشار الإسلام ودخوله في عمق أراضي الشيشان-إنجوش، وبشكل مواز انتشار المذاهب الصوفية والدروشة – هي حرب القوقاز الطويلة في القرن التاسع عشر، وكذلك ظروف الحياة القاسية التي عانى منها الشعب الجبلي العامل. كما ويعود نجاح انتشار الحركات الصوفية (مع الإيمان بقدسية الشيوخ وأساتذة رجال الدين والمرشدين والوعاظ) إلى أن الشيشان والإنجوش تميزوا بتلك المرحلة التاريخية باختلاط المعتقدات الدينية المتباينة، وتعدد الآلهة (السنكريتية). إضافة إلى تكريمهم زعماء عشائرهم القدامى (الخرافيين). وعندما حل الإسلام في هذه البلاد، فكَّرَ بطرق تُبدّل فيها عملية إجلال الزعماء القدامى من عهد الوثنية بزعماء صوفيين.
ومعروف من خلال نمو ما يسمى بـ "تاريخ الديانات التي تنادي بالإيمان بإله واحد" (التوحيد)، بأن مجتمع الإله الواحد Monotheism يضطر بأن يتنازل للمجتمع متعدد الآلهة Polytheism الثابت في ذلك المجتمع. يقول بهذا الخصوص ف. أنجلس، في مؤلفه "مدخل إلى بدايات المسيحية"، بأن الديانة المسيحية المنتشرة "استطاعت أن تُزيل من عامة الشعب فكرة عبادة الآلهة القديمة، فقط عن طريق عبادة القديسين" (ك. ماركس، ف. أنجلس/ مقالات،ج3، ص29). ونفس هذا الأسلوب تم اتباعه أيضا عند نشر الدين الإسلامي في بلاد الشيشان – إنجوش.
* * *
ترتبط الأماكن ذات الاعتبارات الدينية في بلاد الشيشان- نجوش بأسماء وعاظ ومرشدين في الدين الإسلامي، وبشكل خاص بأسماء الشيوخ. وبشكل مواز مع غرس الدين الإسلامي بالقوة، تغلغلت في هذه البلاد معتقدات أخرى غامضة Mystical Teaching، والتي تسمى عندهم "طريقات" ТІАРИКЪАТ، هي نفسها المعتقدات الصوفية (الموريدية). وتدعو هذه التعاليم والمعتقدات إلى الزهد والتنسك Asceticism، وبشكل خاص الموريدين (التبعة) أو الباحثين "البحث عن طرق تقربهم إلى الله". ولهذه الغاية تقام الشعائر الدينية وحلقات الذكر المختلفة، يتم فيها الخشوع بأساليب عجيبة إلى الشيوخ المرشدين (أو الأساتذة ومفردها أستاذ، والموريدون من الشيشان يلفظونها أُستاز. وكل موريد له أستازُه- المترجم). وانتشرت هذه العادة بشكل مؤثر للغاية في بلاد الشيشان والإنجوش منذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي (والمقصود التاسع عشر). ساهمت في ذلك حرب القوقاز التي وصلت أوجها في تلك الفترة. إن طول فترة هذه الحرب (25 سنة أويزيد- المترجم) والاضطهاد الذي لاقاه الشعب من الجنرالات القياصرة ومن ظلم الإقطاعية المحلية، ومن المتنفذين الأثرياء.. كل ذلك ساعد في إيجاد تربة ملائمة لانتشار الطرق الصوفية بين الفئات البسيطة من الشعب الكادح.
* * *
لا تزال تعمل حتى هذا اليوم في بلاد الشيشان- إنجوش طوائف ومذاهب دينية تنتمي إلى طريقتين صوفيتين رئيستين هما النقشبندية والقادرية:

1- النقشبندية НАКЪШБАНД
يعتبر مؤسس هذه الطريقة المولاّ البخاري ( نسبة إلى مدينة بخارى-المترجم) خواج بهاء الدين نقشبند ХАВАДЖ БАХІАУДДИ، المتوفى عام 1389هـ. يقع قبره في قرية بهاء الدين قرب بخارى القديمة في بلاد الأوزبيك (ف.غوردليفسكي، مقالات مختارة، ج3، ص369، دار نشر الأدب الشرقي، موسكو، 1962). كان هذا المولاّ يعمل في البداية جلاداً في خدمة الخانات (حكام وأمراء الأوزبيك)، ثم وبقدرة قادر تحول إلى رجل دين وواعظ لمعتقدات صوفية. وأسس اتجاها شعائريا اسكيتيّاً للموريدية يحمل اسم عائلته نقشبند.
خدم بهاء الدين وموريديه (تبعته ومناصريه) كسند أمين لدى سلطة الخانات البخاريين. وأخذت معتقداته الاسكيتية الدرويشية- الموريدية تنتشر وتتوزع في بقاع مختلفة. وانتقلت تعاليمه عن طريق أذربيجان إلى بلاد الداغستان ومنها في العشرينيات من القرن الماضي (ويريد بذلك التاسع عشر) إلى بلاد الشيشان- إنجوش.
وبشكل رئيس يتشكل زعماء هذه الطريقة (الشيوخ و "الأساتزة") من ممثلي الروحانيين المسلمين والمولاّت أو كبار رجال الدين، ومن يؤيد طريقة نقشبند يتقيد بشدّة بالتعالم الرسمية للشريعة الإسلامية السنية (المعتبرة بالاتجاه الإسلامي الصحيح)- ولهذا تسمى الحركة النقشبندية بمذهب الشريعة. واؤلئك الذين يلقبون بالأئمة كالمولاّ غازي محمد وشامل وكل من أحاط بهما، والذين استولوا على السلطة زمن تحركات الجبليين القوقاز ضد الحكم الاستعماري القيصري خلال سنوات الحروب القوقازية، كانوا ينتمون إلى طريقة نقشبند الصوفية.
وأوائل الموريدين- الوعاظ النقشبنديين، الذين ظهروا في بلاد الشيشان، هم من أصل داغستاني، مثل المولاّ تاشو- حجي ТАШО-ХЬАЖИ، الذي دفن في قرية سيسانا/ محافظة نجو- يورت في الشيشان. والمولاّ أُومال- أحَد (أُومالات- سنتكلم عنه فيما بعد) الذي دفن في بلدة سيرجِن- يورت/ محافظة شيلا في الشيشان. والمولاّ محمد- حجي كَرَتاييف М.ХЬ. КАРАТАЕВ المدفون في قرية بْعاتشي- يورت/ محافظة كورتشالوي في الشيشان. والمولاّ الشيشاني غيزي- حجي ГІИЗИ-ХЬАЖИ من قرية زانْدَق/ محافظة نجو- يورت، والذي مات ودفن في أرابيا (بلاد العرب- المترجم).
يقوم النقشبنديون بأداء صلواتهم وشعائرهم الدينية سرّاً (على السُّكّيتي)، ولهذا يُسمَّون "الموَشوِشون" Whisperers. وتعقد اجتماعاتهم ولقاءاتهم في أماكن مغلقة، حيث يرددون تآويل وأحاديث روحانية "مهدئة للروح" حول "العجائب والغرائب"، وحول معجزات شيوخهم، وينشدون أناشيد دينية بصوت منخفض بخليط من اللغتين العربية والشيشانية.

2- القادرية КЪАДЫРИ
القادرية هي الطريقة الثانية المنتشرة في بلاد الشيشان- إنجوش، وتسمى عندهم "طريقات". ويُدعى موْريدي هذه الطريقة الصوفية بـ "أصحاب الذكْر" أو "القَفَزَة" أو "النطّاطون" (سموا كذلك لأنهم شديدو الحركة والقفز يذكرونا بحركات ورقص الهنود الحمر- المترجم). وباللغة الشيشانية يقولون عنهم "إيْرْخْ لِيلْخا ناخ" ИРХ-ЛЕЛХА НАХ، وتعني "القفزة". ومؤسس هذا التيار الديني الدرويش الميستيكي عبد القادر ІАБДУЛКЪАДЫР العربي الأصل، وهو من بلدة صغيرة قرب بغداد تسمى جيليان. توفي عبد القادر عام 1116 م. (ل.أ. كْليموفيتشْ، الإسلام، ص158، موسكو، 1962).
أول من مارس حركة "طريقات" الصوفية القادرية (في القوقاز) كان المواطن كُونْتْ- حجي كِيشي من بلدة اليسْخان- يورت/ محافظة غودِرْمِسْ في الشيشان. بدأ بالوعظ على طريقة القادرية في الخمسينات من القرن التاسع عشر، عندما اقتربت الحرب القوقازية على الانتهاء. ومن المعلوم بأن هذه الحرب الطويلة أدت إلى إنهاك كامل للشعب الشيشاني- الإنجوشي وتحطيمه معنوياً.
إن الآلة الحربية الضخمة للقياصرة الروس، والتي عملت بالحديد والنار من جهة، والاضطهاد الكبير لإمامة الشيخ شامل وضربات ونهب نوابه والممثلين الروحيين لإمامته من جهة أخرى- أجبر عامة الشعب على البحث عن مخرج من هذه الويلات، التي لم يكن من الممكن تحملها أكثر من ذلك.
علَّم كُنْتْ- حجي الناس بأن الله لا يريد الحرب، وبأن المؤمنين جميعهم أخوة، ويجب تسليم أمرهم ومصيرهم لله وحده.
.. انتشرت تعاليم هذا الزعيم الروحي بسرعة حتى شملت نصف بلاد الشيشان تقريبا، وبشكل أوسع في بلاد الإنجوش، التي لم تشارك في الحرب "القوقازية المقدسة" للإمام شامل. ثبت الإسلام في بلاد الإنجوش بشكل نهائي عن طريق تأثير تعاليم ومعتقدات الشيخ كونت- حجي. ودخل في محيط هذا الشيخ أكثر فئات الشعب تأخرا. ونفس كونت- حجي هو من عائلة فلاحية موسرة، استخدم شتّى الوسائل ليظهر فقيرا وبسيطا، بحيث كان يخرج بلباس بال ويرفض الخدمات والرشاوى من قبل موريديه أو أتباعه. كان لهذا الأسلوب من التعامل تأثيره الواضح على عامة الشعب البسيط، الغارق في الفقر المدقع والعوز الشديد نتيجة الحروب المهلكة. وحقيقة لم يكن كونت- حجي فقيرا، فعلى سبيل المثال خدم لديه أربعة أشخاص من أتباعه الأقارب للعمل في رعي قطيع أبقاره ورعاية خلايا نحله مقابل التبرك به وحماية لأرواحهم بعنايته. ومما عزز هيبته كونه رجلا دينيا برتبة مُولاّ МУЛЛА.
أما الإمام شامل الذي لم يرق له نمو مكانة كونت- حجي الشعبية، فقد بدأ هو ونوابه الرسميين بمراقبة تحركات ونشاطات كونت- حجي في نشر تعاليمه الجديدة، التي تشوه في مضمونها بعضا من الشريعة الدوغماتية المتغطرسة للإمام شامل، وخصوصا تلك الداعية إلى عدم خوض "الحرب المقدسة"، التي نادى بها كنت- حجي.
أما الحكم القيصري فقد تتبع باستحسان النجاحات التي أحرزها "أصحاب الذكر"، لأنها أدت إلى تفكيك جبهة غزوات الإمام شامل. واضطر كنت- حجي عام 1859 لمغادرة البلاد للمرة الثانية إلى الدولة العثمانية "في زيارة للأماكن المقدسة"، هربا من ملاحقات الإمام. لكنه عاد إلى بلاد الشيشان عام 1861 بعد أن استسلم شامل للقياصرة الروس.
من جهة أخرى لم يعط توقف الحرب القوقازية الرّاحة والطمأنينة "المنتظَرة" في البلاد، وكثر مؤيدو كونت- حجي كما يتكاثر الفطر بعد المطر. وأنشأوا مجتمعات وفصائل حربية. وتم تعيين وكلاء أو نواب لكُنت- حجي في المدن الكبيرة. وكان يتبع لهؤلاء زعماء البلدة، إضافة إلى أنه قام بمراقبة الموريدين المنفِّذين (تُوْرْقي) ТУРКХИ، الذين بدورهم تبعوا لزعماء ومتنفذي المدن والقرى. وأوامر الزعماء كانت تنفذ عن طريق هؤلاء التورقي. كما أنه كانت تتم محاسبة الموريدين على أعمالهم إذا خالفت الدستور.
ولم يكن الزعماء التابعين لكنت- حجي متأكدين من أن نظامهم هذا سيلاقي القبول من قبل المواطنين. لذا قاموا بممارسات الضغط والتعسف ضد الشعب من أجل تطبيق نظامهم ودستورهم القاسي بالقوة بين صفوف الموريدين.. ولا يزال هذا الأسلوب من التعامل منتشرا بين أتباع كونت-حجي كيشي حتى هذا اليوم.
بعد استسلام شامل للقياصرة لم يتحقق شيء من وعودهم التي وعدوا بها البلاد بعد انتهاء الحرب مثل تقديم التسهيلات الاقتصادية اللاّزمة. بل على النقيض من ذلك أخذ القياصرة بسن أحكامهم الاستعمارية الجائرة. لذا خابت آمال أتباع كونت- حجي (وغالبيتهم العظمى كانت من محاربي الإمام شامل) وشعروا بالضعف.. وعدلوا عن تطبيق شعارهم "عدم مقاومة الشر" إلى أعمال موجهة ضد موظفي القيصر البيروقراطيين. خافت القيصرية من مغبة قيام عصيان عام بقيادة كونت- حجي (الذي لم يكن يفكر بهذا الأسلوب أبدا).
في أوائل شهر كانون الثاني من عام 1864 م، تم اعتقال الشيخ كونت-حجي مع عدد من أتباعه الرئيسيين وإرسالهم إلى حصن في إحدى محافظات في وسط روسيا وسجنهم فيه. وكرد فعل على هذا الإجراء، وبتاريخ 18 كانون الثاني من نفس العام وقعت اشتباكات مسلحة في بلدة شيلا الشيشانية بين مجموعة من الموريدين يقدرون بحوالي أربعة آلاف شخص وما بين الجيش القيصري (فرقة بقيادة الجنرال الأمير تومانوف). انتهت هذه الموقعة بمقتل 164 موريداً من أتباع كونت- حجي. بعد ذلك اعتبرت الإدارة القيصرية بأن موقعة شيلا قد قضت نهائيا على حركة أصحاب الذكر (إيباليتوف، مجموعة مقالات عن الجبليين القوقاز، إصدار2، تفليس، 1869)، تم على إثره وقف الطقوس الدينية الصوفية لأصحاب الذكر تحت طائلة التهديد الصارم. وتحولت بذلك نشاطاتهم إلى سرية، واتخذت إجراءات لإبعاد أكثر العناصر شغبا وإزعاجا للحكم القيصري. وتم بالفعل عام 1865م، تهجير أكثر من خمسة آلاف عائلة شيشانية إلى الدولة العثمانية المجاورة، بإيعاز من الزعماء الشيشان ذوي النفوذ ورجال الدين (المولاّت)، الذين تعاونوا مع موظفي النظام القيصري البيروقراطيين. كان أكثر المهاجرين هم من أتباع كونت- حجي، الذي تم اعتقاله وترحيله إلى الأبد. ومات كونت- حجي كيشي في التاسع عشر من شهر أيار عام 1867، في مدينة أوستيوجينا بمقاطعة نوفغورود العسكرية في روسيا.

* * *
بعد عملية الإصلاح الزراعي في بلاد الشيشان- إنجوش، التي انتهت بتقسيم عام للأراضي قبيل حلول عام 1869م، هدأت الأوضاع بعض الشيء لبعض الوقت. إلا أن نمو علاقات السوق بعد بداية فترة الإصلاح المذكورة وزيادة التمييز في القرية الجبلية، واضطهاد موظفي القيصر والبرجوازية المحلية والدخيلة، وكذلك عدم تسوية الشؤون الخاصة بالأراضي (حتى قيام الثورة) في القسم الجبلي من بلاد الشيشان، إضافة إلى شح الأراضي وضيق المساحة.. كل ذلك أدى في نهاية السبعينات من القرن التاسع عشر إلى ظهور موجات جديدة من المذاهب الصوفية (طريقات).
وما بين عامي 1877 و 1878م، اندلع في المناطق الجبلية لبلاد الشيشان والداغستان عصيان فلاحي خطير، تم قمعه دون هوادة من قبل القوات القيصرية ومساهمة الزمرة العليا من الشيشان والداغستان. وشارك في هذا التمرد بشكل فعال أتباع كونت- حجي.
ومنذ ذلك الوقت وحتى قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية، أخذت الحركات الصوفية النقشبندية والقادرية تضم في صفوفها كل الفئة السكانية الكبيرة في السن تقريبا من الشيشان والإنجوش. وظهر في هذه الفترة عدد من الشيوخ "القديسين"، الذين استغَلوا ببشاعة الموريدين (التبعة) "باسم الله". وتختلف هذه الطوائف المذهبية حسب شيخها وتسمى باسمه. ومن جهة أخرى حصل بين الشيوخ منافسة حاسمة من أجل جذب أكبر عدد ممكن من الأتباع لمذاهبهم وطرقهم الصوفية.
* * *
.. هكذا نشطت وتوسعت الدعاية الموريدية في بلاد الشيشان- إنجوش بشكل كبير. أما الشيوخ ووكلائهم (الخدم) الودودون فقد غرسوا في رؤوس الناس منذ صغرهم التعاليم الصوفية اللاّإنسانية. وتم تجنيد الموريدين تحت شعار "من ليس له أستاذا (والمقصود هنا شيخ أو وصي أو حارس، مهذِّب أو راع) - فأستاذه الشيطان". وبهذا غدا الموريدون الذين أُغشي على قلوبهم، وبطريقة تطوعية عبيدا لأكثر أعدائهم بطشا، وهم الشيوخ المستغِلين.
من ناحية أخرى ظهر في بلاد الشيشان- إنجوش، وعلى أرضية قومية فئة من الإقطاع الكريليكاليين (المتدينين)، بطابع خاص، متخفية وراء قناع المشيخة. استغلت هذه الفئة الموريدين بأساليب شتّى، وأخذ شيوخها يحصرون في حوزتهم مقومات الإنتاج ووسائل المعيشة الأخرى بشكل لا يستهان به. كما بدءوا باستغلال الظروف التي نمت فيها العلاقات البرجوازية بجمع وتوظيف مدخراتهم في عمليات تجارية متنوعة ومشبوهة.
وفي الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وإبان نمو التناقضات الطبقية في القرى الجبلية، حصل انشقاق في صفوف موريدي الشيخ كونت- حجي. ونمت الفئات المرفَّهة، وكبرت وبرزت في مذاهب وطوائف مستقلة - فمثلاً برزت في البلاد طائفة يرأسها الشيخ بطل - حجي БАТІАЛ-ХЬАЖИ (وهو أيضا من نشطاء كونت- حجي السابقين، سنتحدث عنه لاحقا) من بلدة سُورْخو- خي في محافظة نَزْران في بلاد الإنجوش. ومع ذلك بقي مذهب كونت- حجي الأرثوذكسي في مضمونه، يحتل المرتبة الأولى، وكلٌ تجمَّعَ حول زعيمه أو وكيله الروحي، ومن بين هؤلاء:
يوسف حجي ЮСУП-ХЬАЖИ ، من بلدة ميْخكاطِيْهْ МАЬХКА-ТІЕ ، في محافظة ويدِن في الشيشان (سنتكلم عنه لاحقاً).
كَهَرْمان حجي КАХІАРМАН-ХЬАЖИ من بلدة شيلا في الشيشان.
تشيمِيرزا ЧИММИРЗА من بلدة مايْرْنُوبْ МАЙРТУП في محافظة شيلا.
حسين- حجي ХЬУСАЙН-ХЬАЖИ من بلدة بلييفو ПЛИЕВО في محافظة نزْران في الإنجوش.
غيرْبيك حجي-ХЬАЖИ ГАЙРАБЕГ من بلدة نصيرْ- كورْت في محافظة نزْران. إضافة إلى شيوخ آخرين من أصحاب الذكر أقل أهمية.
وبنفس الوقت ظهر زعماء جدد من الطريقة النقشبندية كوَّنوا نموذجا لسلطة خلافية تسمى "دولة أكْساي" (Acsai Dynasty - المترجم). وأول من ابتدع هذا النوع من الصوفية هو المولاّ بشير БАШИР القوميقي الأصل، والميسور الحال، الملقب بـ أبـو АБУ، والمتوفى عام 1873. والمولا بشير هو من قرية أكْساي، في محافظة خَسو- يورت في الداغستان (وسيأتي ذكره لاحقا). أما بالنسبة إلى انتشار حركة أكساي الصوفية في بلاد الشيشان، فقد كان المولا بشير قد أوكل العمل لنشرها إلى مولاّ شيشاني ذو نفوذ في بلاد الشيشان واسمه إيليخان ЭЛИХАН ، من قرية شِيدي- يورت، في محافظة نادْتيريتشْنِي في الشيشان.
كان شيوخ هذه السلسلة من الناس الأغنياء ومن أصحاب المصانع الكبيرة أو من مربي الماشية والتجار الكبار. وبهذا يمكن الإيجاز- بأن الطريقة النقشبندية تكونت بشكل أساسي من زمرة أغنياء المجتمع الشيشاني- الإنجوشي، وبالتحديد من التجار الكبار والإقطاعيين والملاك.
أما الطريقة القادرية فقد تشكلت في البداية بشكل أساسي من الطبقة الكادحة للشعب. ومع نمو وتطور العلاقات التجارية والمالية برزت هناك عناصر غنية، لم يأل زعماؤها جهدا في استغلال عامة الناس من المؤمنين البسطاء والجهلة. وظهر المئات من الشـيوخ "القديسين" اللذين أخذوا يمارسون السلب والنهب بغية الإثراء الشخصي، وأملوا على الشعب إرادتهم السيئة.
"ستة آلاف من الشيوخ والمولاّت المتعصبين من رجال الدين على رقاب الشعب الشيشاني- الإنجوشي الصغير، ستة آلاف من الكسالى العاطلين عن العمل في بلاد تشكل الجبال منها نسبة كبيرة، وسكانها يعيشون حياة زراعية بدائية وعلى تربية الماشية، ستة آلاف يوحدهم تقديس وإجلال رجال الدين والكهنوت، الذين يمارسون الرق على نصرائهم وأتباعهم المساكين.. ولهم الحق في معاقبة كل من يخالف أي من العادات أو القوانين التي يصيغونها كما يرتأ ون حتى الموت" (مجلد أشعار الشيشان- إنجوش، ص7، موسكو، 1959).
لقد تحدث عن هؤلاء الطفيليين في حينه بطل الاتحاد السوفييتي الشيشاني أصلان بيك شريبوف А. ШЕРИПОВ ، في خطاباته محذرا، يقول: ".. أيها الشيشانيون! إنكم تفتخرون مدى الأزمان بأنه لم يكن وليس هناك من كان أميرا أو سيدا عليكم. إن هذا ليس صحيحا - فالشيوخ والمولاّت هم أسوأ بكثير من الأمراء. أوَ ليسو هم من يقتات على حساب جهدكم وكدحكم؟! أوَ ليسو هم من يقول لكم بأنهم حكام وسلاطين بلاد الشيشان؟! هل بإمكانكم أن تختاروا رؤساءكم من غير الشيوخ، أو من غير رجال الدين وأتباعهم المتعصبين؟! وهل من حقكم رد حكم جائر وباطل؟! لا،لا،لا" (أصلان بيك.شريبوف، مقالات وخطب، ص83، غروزني، 1961).
.. وهكذا، مشعلين نار الفتنة الصوفية، وبتربية الموريدين بروح "الأفضلية" و "الانتقاء" أمام الله؛ قام الشيوخ و(الأساتزة) الروحانيين ببث روح النفور والعداوة والبغضاء بين المتدينين وبين تلك الفئات التي كانت تفكر بطريقة مخالفة عن تفكير ونهج طرقهم الصوفية. وحلت بالناس المعانة والشقاء، وتأثرت بشكل سلبي العلاقات المتبادلة ليس بين المواطنين مع بعضهم البعض ومع الشعوب الأخرى فقط، ولكن ما بين الموريدين أنفسهم والمنتمين إلى طرق صوفية متباينة.
* * *
إن البناء الاشتراكي الواسع والثورة الثقافية، لا شك وأنها حققت إصلاحات جذرية في الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي تنمية وعي الجماهير الشعبية لجمهورية الشيشان- إنجوش ذاتية الحكم.. ونستطيع القول بأن ضربة قوية أصابت العادات والمعتقدات الدخيلة، وبالشرائع الغريبة على المجتمع. فلم يكن في قرى الشيشان الجبلية أيام الحكم القيصري أي قارئ أو مثقف. بينما نجد في الوقت الحاضر بأن كل شاب متعلم ومثقف، توجد المدارس والنوادي وكثير من المنشآت الثقافية والمؤسسات التعليمية.
تتحقق السعادة والمستقبل المشرق بالعمل المخلص البار. لقد تحرر الكثيرون الآن من رواسب الماضي المظلم. إلا أنه يتوجب علينا ألاّ ننسى بأن نسبة كبيرة من الشعب الشيشاني لا تزال تعاني من الآثار السلبية لبقايا العادات والشرائع القاسية. وان واحدة من أهم هذه الرواسب والبقايا المؤلمة هو صدى الحقد البشري، الذي يميز الطرق الصوفية الموريدية عن غيرها، والإيمان بقدسية المشعوذين والدجالين، الذين يعملون في بلاد الشيشان- إنجوش تحت أسماء مستعارة للشيوخ والأولياء و(الأساتزة) وغير ذلك.. وسنورد لاحقا موجزا لسيرة حياة بعض من هؤلاء الأشخاص، الذين كانت أهدافهم الأساسية تعبئة جيوبهم على حساب الموريدين - التابعين الجهلة. هؤلاء لا تزال قبورهم من الأماكن ذات الاعتبار الديني القدسي، يزورها الناس البسطاء المتدينين من عامة الشعب من أجل التعبد وطلب الرحمة.. لقد اكتوى هذا الشعب من نار التعصب الديني.
يقول أ. شريبوف بهذا الخصوص: "ماذا يريد مثل هؤلاء الشيوخ والمولاّت؟ إنهم يريدون أن تعملوا لديهم كأقنان من أجل مصلحتهم الخاصة، من أجل أن يعيشوا هم أنفسهم عيشة رغدا وبرخاء متطفلين على غيرهم.. كما أن من أهدافهم الاستيلاء على السلطة. وفي خدمة هؤلاء دوما الشيوخ ورجال الدين المتنفذين، إضافة إلى كبار التجار وقطاع الطرق وتجار السوق السوداء وغيرهم من أصحاب النفوذ" (أ. شريبوف ، مقالات وخطب، ص83-84، غروزني، 1961).
* * *
نورد فيما يلي موجزا عن سيرة بعض الشيوخ وأماكن دفناهم:

شيوخ الطريقة النقشبندية

1) الشيخ المولاّ عبد العزيز شابتوكاييف АБДЛ-АЗИЗ ШАПТУКАЕВ، ويلقبه الموريدون دوكّو ДОККУ . كان هذا الشيخ صاحب مزرعة ضخمة للماشية في سهول نوغاي المشهورة. في أعوام 1913-1917 م، قام التجار الشيشان بإدارة هذا الشيخ ورعايته بتأسيس شركة لاستخراج النفط باسم "شركة نفط ستارو- يورتوفسكايا" (نسبة إلى المنطقة). وتم إجبار كل مريد (تابع) لهذا الشيخ بالمساهمة في شراء أسهم فيها.. كيف لا، وهي جمعية ذات اعتبار "قدسي". ويقع قبر عبد العزيز شابتوكاييف في محافظة غروزني.
2) الشيخ المولاّ سُولْسا- حجِي يانْداروف СОЛСА-ХЬАЖИ ЯНДАРОВ . كان لِـ سُوْلْسا مخازن تجارية كبيرة وورشات عمل عديدة. عمل في تجارة المواد الزراعية، إضافة لمساهمة أولاده في تجارة واسعة. كان هذا الشيخ من أكثر رجال كنت - حجي قساوة واستغلالاً للمواطنين. ونتيجة لانحرافه الشديد عن القواعد الأخلاقية وخداعه الناس، حكم عليه شعبيا عام 1928م. وقام الموريدون أنفسهم بتنفيذ الحكم عليه، ومات عام 1929. ويوجد قبره في منطقة أوروسْ- مارتان. ورثه ابنه عبد الحميد، الذي عمل كل وقته بالتجارة الواسعة، وجمع الخاوات سرا من الموريدين.
3) الشيخ دِنـي أرْسانوف ДЕНИ АРСАНОВ. وهو من منطقة كين- يورت في محافظة نادْتيريتشني. وهو الشيخ الوحيد من طريقة نقشبند لم يحمل لقب مولاّ. يعود تاريخ حصوله على مرتبة القداسة إلى أحداث استثنائية- ففي التسعينيات من القرن التاسع عشر، وفي نفس المحافظة المذكورة، وبإيعاز من مَلاّكٍ إقطاعي هو الجنرال شِيدي إيلْمُورْزاييف ШИДЫ ЭЛЬМУРЗАЕВ ، تمت محاكمة شيخ شيشاني من الطريقة النقشبندية اسمه المولاّ ايليخان ЭЛИХАН-МУЛЛА ، والذي توفي في المنفى. وكان ايليخان صديقا حميما وقريبا للشيخ دِني أرسانوف. لذا قام دِني في أحد الأيام بنصب كمين للجنرال إيلمورزاييف، وقتله ثأرا لصديقه، واعتبر الموريدون عمله هذا شيئاً مقدسا، وحصل على تلك الدرجة الرفيعة من "التقديس". ومن جهة أخرى اشتهر أرسانوف بغاراته المتكررة على مراكز الروس القوزاق وأهل النوغاي القريبة، وسَوق مواشيهم، مما جعله في أعين الناس شجاعا ومقداما. وبعد أن أصبح شيخا معتبرا وتسلم زمام المشيخة أصبح يأخذ الخاوات من الموريدين، ويعمل في التجارة وبيع وشراء العقارات.
اشتهر دِني بتعدد الزوجات كسائر الشيوخ المعتبرين. وحسب أقاويل المواطنين تزوج دِنـي أرسانوف 88 مرة. عمل مفوضا من قبل القيصر على مقاطعة غروزني العسكرية عام 1917، وفرض عليها نظام حكمه مسيطرا بذلك على المجلس التنفيذي البرجوازي فيها. توفي دِنـي عام 1917م، في شهر كانون الأول مع عشرات من موريديه نتيجة كمين نصب لهم من قبل أتامانات (أمراء) القوزاق الروس. وبعد فترة وجيزة استلم ميدان "القداسة" مكانه ابنه بهاء الدين أرسانوف БАХІАУДДИН ، الذي سار على نهج والده دِني بجمع العطاءات السخية، إضافة إلى تمتعه بنفوذ قوي بين المتدينين، وخصوصا من الإنجوش (الغَلْغاي).
كان بهاء الدين على بينة تامة بالمضامين الحقيقية للتعاليم الصوفية النقشبندية، ويعرف فوائدها وكيفية الاستفادة منها، غير مجبر نفسه بإقامة الصلاة أو أداء الشعائر التي تدعو لها، بل عاش على بساط رحب مستمتعا بالشرب وفي أماكن اللهو. كما اشتهر كوالده بتعدد الزوجات.
4) الشيخ المولاّ يوسف - حَجِي بايْبَطيروف ЮСУП-ХЬАЖИ БАЙБАТЫРОВ. ورث هذا الشيخ مشيخة "القداسة" عن والده بايبَطير- حَجِي. كان يوسف حجي رجل أعمال وتاجر ذو نفوذ. كان بحوزته مصنعا كبيرا للأعلاف في قرية قوزاقية كبيرة. وكان قريبا جدا من المليونير النفطي الشيشاني تَبا تشيرْموييف ТАПА ЧЕРМОЕВ . كما كان يتدخل في الحياة السياسية للبلاد، وغدا دعامة قوية لتشيرموييف. عام 1919م، هاجر يوسف حجي إلى تركيا، ومات فيها سنة 1924م، وأعيدت جثته إلى مسقط رأسه على حساب ونفقة الموريدين، حتّى لا يحرموا في المستقبل من رحمته وما سيمنحه لهم من سعادة أثناء زيارتهم لقبره ذو الاعتبار"القدسي" (حتى يومنا هذا).
5) الشيخ المولاّ أًمَّ الأحد УММАЛ-АХЬАД (أُوْمالات УММАЛАТ). وهذا الشيخ قوميقي الأصل من الداغستان. بعثه الإمام شامل عام 1850م، إلى بلاد الشيشان بصفة مبعوث مفوض من أجل الوعظ والإرشاد لغزوات الجهاد للإمام المذكور. والمتدينون المنتمون إلى جميع الطرق والمذاهب الصوفية يأتون لزيارة قبر هذا الشيخ الكائن في محافظة شيلا في الشيشان، لتأدية شعائرهم الدينية، يطلبون من الله أن يرسل عليهم الغيث في سنوات الجفاف.
6) الشيخ المولاّ بشير БАШИР МОЛЛ . يلقِّب الموريدون هذا الشيخ بـ أبو АБУ . وهو من شيوخ القوميق الداغستاننيين. ويعتبر بشير المعلم الرئيس للطريقة النقشبندية في بلاد الشيشان واإلأنجوش. جاء بعده الشيوخ بالوراثة:أبْتي АПТИ و عَرَب АРАБ . ولا يزال الموريدون، وحتى الناس الذين لا ينتمون إلى الطريقة النقشبندية، يأتون لزيارة قبر الشيخ بشير، الكائن في محافظة خسو- يورت في الداغستان، لمعالجة مرضاهم بالتبرك به.
7) الشيخ المولاّ عبد الوهاب - حجي ضِيديموف АДУЛ-ВАГАП-ХЬАЖИ ДЫДИМОВ. وهو من كبار الشيوخ الأغنياء. كان له أنصارا وتبعة كثيرون في بلاد الشيشان، وخصوصا من بين التجار وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة.
8) الشيخ اُزُن- حجي УЗУН-ХЬАЖИ . وهو من المولاّت الأوار (الداغستان). قام خلال عامي 1918-1920م (سنوات الحرب الأهلية)، بقيادة مجموعة دينية- قومية (كليريكالية) في الداغستان والشيشان. وفي عام 1919م، شكل في المناطق الجبلية من بلاد الشيشان حكومة قائمة على تطبيق الشريعة الإسلامية. توفي أُزُن - حَجِي سنة 1920م، نتيجة إصابته بمرض التيفوس. وقبره يوجد في محافظة وِيدِن في الشيشان.
9) الشيخ تَشُو- حَجِي ТАШОВ-ХЬАЖИ . وهو من أصل قوميقي أيضا، من بلدة أندْريه، في الداغستان. يلقبه الموريدون بالحاج الأكبر ВОККХА-ХЬАЖИ . أتى إلى بلاد الشيشان مع مجموعة من أتباعه في العشرينييات من القرن الماضي، وسكن بلدة سيسانا. نشر تعاليم طريقته في الشيشان بشكل واسع. وكان الشيخ تَشو- حجي من الأثرياء الكبار وأصحاب النفوذ. ومرة حاول شيشاني متنفذ واسمه أودي УЬДИ من قرية غورْدَلا، مقاومة الشيخ تَشو، إلا أن هذا الأخير تمكن منه وحكم عليه بالقتل رميا بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم. إن أول مجتمع شيشاني صوفي في بلاد الشيشان تأسس على يد هذا الشيخ.

شيوخ الطريقة القادرية

1) الشيخ بامَتْ جيري- حَجِي مِيتاييف БАМАТГИРИ-ХЬАЖИ МИТАЕВ . يعتبر هذا الشيخ من المرتدين عن طائفة كونت- حجي الصوفية. اشتهر باستغلال موريديه وأتباعه بشكل طائش، كما اشتهر بتعدد الزوجات. كان الموريدون يعملون لديه كأقنان في مزارعه الواسعة والمنتشرة في مناطق كثيرة من البلاد. كانت له في بلدة أَوتُور АВТУРЫ محلات وأسواق وأراضي استثمارية هائلة، إضافة إلى المواشي. دفن في محافظة شيلا.
2) الشيخ علي مِيتاييف АЛИ МИТАЕВ . وهو ابن الشيخ بامَتْ جيري. استلم المشيخة من أبيه بالوراثة. تدخل في السياسة وبقي يقاوم النظام السوفييتي، ويحيك ضده المكائد والدسائس والمؤامرات، إضافة إلى اضطهاده واستغلاله لموريديه حتى تم اعتقاله سنة 1924م. بعد سنة من ذلك التاريخ تمت محاكمته، وأعدم رميا بالرصاص في مدينة روستوف على الدون. ولا يزال أتباعه يعتبرونه حيا، وينتظرون عودته.
إن أكثر الشعائر الدينية الصوفية تطرفا على الإطلاق هي (حركة الذكر)، التي يؤديها أصحاب مذهب الشيخ بامتْ جيري- حجي.
3) الشيخ بطل- حجي بِيلْخُوروييف БАТІАЛ-ХЬАЖИ БЕЛХОРОЕВ . وهو من قرية سُورخو- خي، في محافظة نزران في بلاد اٌ‎لإنجوش. وهو الشيخ الوحيد الإنجوشي الأصل، كما أنه أيضا من المرتدين عن مذهب كونت- حجي. كان بطل - حجي يستغل موريديه ببشاعة. وتمتاز طائفته بأنها من أكثر الطوائف المشابهة تحفظا والتحاما. أن طائفته لا تطيق ولا تتسامح أبدا مع أولئك الذين يفكرون بطريقة مغايرة عما هي عليه هذه الطائفة. وأفراد طائفة بطل- حجي لم يزوِّجوا نساءهم خارج حدود مجتمعهم، كما ولم يسمحوا لغيرهم باستخدام أدواتهم وآنيتهم المخصصة للطعام أو الشراب.. ألخ.
عندما قوي نفوذ بطل- حجي، وأصبح ثريا بشكل لا يصدق، تعزز نشاطه الاجتماعي بدعم موريديه وأتباعه، وأصبح التجار وأصحاب الأموال والملاكين الكبار يتقربون إليه حتى درجة القرابة معه. وأخذوا يزوجون أبناءهم من بناته وحفيداته الكثيرات. وكان ابنه الأكبر مَحْتي МАЬХЬТИ ، ضابط صف أيام الحكم القيصري، وساهم كثير من أبنائه وأحفاده بأعمال نشطة ضد السلطة السوفييتية.
4) مزار والدة الشيخ كونت- حجي كيشي . كما ذكرنا سابقا فإن والدة كونت- حجي هي خيدي. ومزارها يوجد في محافظة ويدِن، قرب عين ماء. تقول الخرافات بأن النبعة بدأت بإعطاء الماء في هذه البقعة بفضل الشيخ كونت- حجي، الذي كان أينما نكش بعصاه يخرج من ذلك المكان ماءً. وتحظى مياه هذه النبعة باحترام وتقديس الموريدين. ويعتبرونها شافية من الأمراض. وفي حقيقة الأمر ليس لعصا كونت- حجي أي علاقة بهذه النبعة، فعدد مثل هذه النبعات والعيون لا تحصى في بلاد الشيشان. وحتى عام 1944م، كان قبر والدة الشيخ كونت- حجي يعتبر "مقدسا" بالنسبة لموريديه، ويقيمون عنده صلواتهم. غير أنه وبقرار من الإجماع الشعبي العام تم إغلاق هذا المكان "المقدس". (ولا أدري بالضبط إن كان قد أًعيد الاعتبار الديني لهذا المكان فيما بعد- المترجم).

* * *
وإذا أمعنا النظر إلى موريدي الشيشان- إنجوش، فهم منذ الأزل يقومون بتبجيل الشيوخ، وإقامة الشعائر المختلفة، وإنشاد أناشيد المديح والحمد لهم، لدرجة وصلت حد تقديم الأضاحي. ويقوم الأتباع والموريدون بحركات شديدة، تعكس احترامهم القوي لشيوخهم، يؤدونها على شكل القفز والنط حتى فقدان الوعي، والشعور، والإحساس.. ولدرجة يتغير عندها مظهرهم الطبيعي، يصلون فيها إلى حالة من الهستيريا "الإكستاز".
يقول أصلان بيك شريبوف بهذا الخصوص: "لقد حاول كل شيخ ومولاّ أن يدعو دائما موريديه إلى تمجيد ذاته وكسب شهرة لنفسه، ولو أدى ذلك إلى الإساءة لخصومه وسلب غنيمة. ولم يعمل هؤلاء إطلاقا من أجل بلاد الشيشان والوطن.." (مقالات وخطب، ص83، غروزني،1961).
هكذا كان الشيوخ والمولاّت المتنفذين المشعوذين، وغيرهم ممن كانوا يستغلون سذاجة الناس البسطاء، وذوي الثقافة المحدودة، عن طريق وعدهم بالحماية والرحمة في الحياة الأخرى "يوم الحساب".
ما زال أعوان وتبعة كونت- حجي يؤمنون بعودة شيخهم "الجليل"، يُصَلون في كل مناسبة مع الذكر والقفز لدرجة الإنهاك، مرَدِّدين: "يا حجي عُد لنا".. عبثا يحاولون، و ينتظرون، فالأموات لا يعودون.
كما ولازال الموريدون يحتفظون في صدارة بيوتهم صورا لشيوخهم ومُولاّتهم، وضعت داخل إطار بخلفية من القماش الأبيض. والتدخين ممنوع أينما وجدت هذه الصور، التي تعتبر رمزا من رموز الإجلال والتقديس بالنسبة إلى الصوفيين المسلمين؛ تماما مثلما هي الأيقونات عند المسيحيين وغيرهم.. ومع الزمن ظهر فريق آخر من الناس متخصصين ببيع صور مزيفة للشيوخ، وبشكل تجاري ولدوافع مغرضة. علما بأن التاريخ لا يعرف أي صورة أو أي مظهر يشخص الشيخ كونت - حجي. إلا أن تجار الصور المحتالين ينشرون صورا غير معروف من هم أصحابها، ويدّعون بأنها صورا حقيقية للشيخ كونت- حجي كيشي، ويبيعونها بأسعار خيالية. وهذا الفريق من الناس كما نرى يهمه جمع الأموال من جيوب الموريدين.
ومعروف أيضا بأن بعض الناس البسطا ء كانوا يستخدمون المياه التي كان الشيوخ يتوضئون بها ويستعملونها كدواء. ونفس الشيء بالنسبة إلى التراب المأخوذ من أسطح مقابر الشيوخ الموتى.
(أما اليوم، فإن معظم تلك العادات أصبحت بائدة، ومحصورة بين أصحاب الطرق الصوفية، وأن غالبية الشعب الشيشاني متجه صوب العلم والتعلم، ومنخرط في الإبداع والتطوير).
--------------------------------
المصدر
*عبد الحليم سلاموف ( مؤرخ وباحث )، حقيقة عن الأماكن المقدسة في الشيشان – إنجوش/ "المعهد الشيشاني – الإنجوشي للبحوث العلمية التابع لمجلس وزراء جمهورية الشيشان – إنجوش السوفييتية ذاتية الحكم"، الأعمال / جزء 9، 1964
الترجمة إلى العربية/ د. أمين شمس الدين الشيشاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا


.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد




.. الطوائف المسيحية الشرقية تحتفل بأحد القيامة


.. احتفال نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل من الإخوة المسيحيين بقدا




.. صلوات ودعوات .. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسي