الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى جندي مجهول يتربع القمم

عوني الداوودي

2010 / 12 / 12
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


إلى صديقي جميل أمين.
جميلْ .. أسمٌ على مُسمى ... كوردي النجاد، أممي الهوى والمبدأ، من محلة الشورجة في كركوك ... ولد هناك وترعرع، لكن مع تقادم الزمن ضاقت عليه المحلة والمدينة، وأنطلق لفسيح المكان .. قدمٌ في كركوك، وأخرى في بغداد، وثالثة في حاج عمران، ضاق فكره بعصبوية القبيلة، فأتخذ من مفهوم الأممية والإنسانية فكراً ونهجاً يقتدى به في زمنٍ كان التحدي فيه للفكر الشمولي في العراق يعد إنتحاراً، ويمضي جميل في مساره الإختياري المدعم بفكرٍ موسوعي، وسلوك نموذجي يقارب بين النظرية والتطبيق، ليربي أجيالاً لا على التعيين، ومن مختلف الأعمار، ضمن محيطه الممكن.

جميل ... وبدون أن تشعر يجبرك على التواضع، والإنحناء لمن هم بحاجة لإلتفاتة إنسانية منك، ويرشدك أيضاً للوسائل التي من شأنها رفع ولو جزء يسير عن كاهل هذا وذاك دون أن يتفوه بكلمة، وبدون تجريح لذوي الحساسية العالية!!، أو أي ما من شأنه يدخل ضمن المنية على أحد، وهو السباق دوماً وأبداً.

جميل ... أنقذ عشرات الأنفس من موت محتم، يوم كان متر مربع واحد في هذا العراق الكبير، في زمن طاغوت العراق " صدام " يضيق بالمتمردين والثوار والناقمين على نظام الدولة المافيوية التي وصلت حد إحصاء أنفاس العراقيين، وذلك بتسخير علاقاته الواسعة مع مختلف طبقات المجتمع في القرية والمدينة، لإحتضان منْ بحاجة للإختفاء عن أعين جلاوزة نظام أتخذ من ممارسة العنف والقسوة والبطش والجبروت علامة مميزة طبعت تاريخ العراق كأسوء مرحلة تاريخية بعد سقوط الخلافة العباسية على يد هولاكو عام 1258 م .

جميل ... أو بالأحرى كنا نطلق عليه أسم مام جميل، لحكمته وتواضعه، وجرأته غير المتناهية للوقوف بوجه السلطان بأسلوبه الخاص، يعطيك المعرفة دون أن تشعر بأنه يلقنك درساً ما، ويعلمك مبادئ ومفهوم عشق الإنسان، لتسري دون إستئذان لعروقك.

جميل .. لم يرضخ، ولم يساوم يوماً ما على ما آمن به، وذو قابلية فذة في الإفلات عن أعين البصاصين، والرقباء، والفضوليين، كعراف يقرأ الغيب، ويستطلع طوالع البشر، مميزاً وبشكل يدعو للإعجاب والتقدير بين المغلوب على أمره، والعقائدي المنفلت من عقاله، بغض النظر عن القومية والمذهب والدين والآيدولوجية.

جميل ... لا يسئ الظن بأحد، حتى مع الذين لا يتفق معهم سياسياً، ويجد الأعذار عادة لمن يهفو، أو المُسير كأي دابة ضمن القطيع، آخذاً بعين الإعتبار، عوامل، البيئة، والمنشأ، والتربية، والظروف العامة المحيطة للشخص المختلف عنك، ومع هذه النفس الطيبة، فهو خصم عنيد لمفردات الظلم والقهر والإستبداد، وللفكر الشوفيني والفاشيستي، وقد حاربهم ولم يزل دون هوادة.

سعيد ومحظوظ من عرف جميل عن كثب، ونهل من منابع روحه الطيبة، وشكيمته في تحمل المصاعب، وفن مراوغة السلطات القمعية، وإستنباط الوسائل المبتكرة للمقارعة والإفلات، لكل مرحلة من مراحل النضال .

جميل .. يجبرك دون أن تشعر أو تحس، لتفصح عن خوالج روحك، وعذاباتها، من منطلقين، إحداهما لتفرغ ما حُمل كاهلك به رغماً عنك، والثانية في كيفية تقديم ما ممكن تقديمه لإراحة نفسك المعذبة التي تغلي وكأنها على مرجل.

توصلت لمعادلة فانتازية من خلال مشواري في ما مضى من العمر، مفادها ... بأن الوالدين وبدون شعور منهم يسمّون أبنائهم، بأسماء تصبح قرينة سلوكهم لاحقاً، فمثلاً أعرف شخصاً أسمه بالكوردي " هه ور " أي الغيم ، ولطالما تعجبت من مزاج هذا الإنسان المتقلب كالغيم، وأسم زوجتي يسرى مأخوذ من اليسر والسهولة، فكم من موقف صعب مررت به إلا ووجدتها تيسر لي وضعي الصعب ومحنتي بإبتسامة، أو بكلمة من شأنها إنتشالي من مستنقع أكاد أغط به ... والأمثلة كثيرة، وما أريد قوله ينطبق حرفياً على جميلنا مام جميل دون أي تزييف ولعب بالكلمات.

مام جميل هذا لايزن أكثر من خمسين كيلو غرام، ولا يتعدى طوله أكثر من مائة وستين سنتمتر، لكن بوقوفه جنبك يعطيك شعوراً بأنك متكأ على جبل، لا بل هو الجبل الشامخ دوما.

مام جميل .. شخصية تفرض عليك إحترامها حتى لو كنت على نقيض منها.

مام جميل مهندس كهرباء، يكهرب كل من حوله بجاذبيته، شخصية كاريزمية، يعمل ضمن إختصاصه في شركة " آسيا سيل " للإتصالات، منذ أعوام وهو يعاني من أمراض عدة، لكنه حتى في مرضه لم يستكين، بل يعمل جاهداً من أجل خلاص الإنسان من دورة العذابات الأبدية، فهو منكب منذ فترة ليست بالقصيرة لإنشاء مجمع طبي في السليمانية لمعالجة مرضى السرطان في العراق، من خلال تبرعات رجال الأعمال وعلى رأسهم الأستاذ فاروق ملا مصطفى صاحب الشركة المذكورة أعلاه، وبالإعتماد على قوانين حكومة إقليم كوردستان العراق.

عرفت مام جميل إنساناً ماركسياً ألتزم جانب المعدمين والمهمشين، وناضل في سبيلهم، ولم يزل دون هوادة، وحتى وضعه الصحي الصعب لم يثنه عن ما جُبل به فكره النير لخدمة بني البشر.
أبعد كل هذا ونقول ... جندي مجهول !!؟؟ أنها مفارقة بحاجة لفك وتشريح طلاسمه.
قبلاتي أيها الصديق الجميل، أنا مدين لك بالكثير، أحبك.


عوني الداوودي ـ السويد
شتاء 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Spas Ewnî Dawidî
Hiwa Zandi ( 2010 / 12 / 12 - 12:21 )
.مام جميل .. شخصية تفرض عليك إحترامها حتى لو كنت على نقيض منها
.بوقوفه جنبك يعطيك شعوراً بأنك متكأ على جبل، لا بل هو الجبل الشامخ دوما


2 - صدقت یا اخ عونی
صبیحە غفور فتاح ( 2011 / 1 / 21 - 01:27 )
واللە صدقت یا اخ عونی.انا لا اعرفك جیدا ولکن سمعت عنك کـثیرا،والان عرفتك انسانا مخلصا وفیا صادقا.نعم انا معك فی کل ما قلتە انت تقول جندی مجهول،انا اقول ملاك یمشی علی الارض.انە ابن شقیقتی،لکنی اعتبرە اخ ربما اکثر من اخ،انە کما تقول اسم علی مسمی جمیل فی شکلە،فی تصرفاتە،فی طباعە،فی کل شئ.انە انسان مثالی بکل ما تحمل هذه الکلمەمن معنی.کاکە جمیل کما نسمیە یصغرنی بثلاث سنوات،کبرنا وترعرعنا معا لعبنا معا یربطنا ذکریات جمیلە. منذ ذلك الحین منذ طفولتنا کنا نعرف انە انسان جمیل.الکل یحبە و یحترمە. کما تفضلت بە انە یفرض احترامە علی من حولە.
وانا من هنا، من بلاد الغربە، مع بعد المسافات بیننا،الا ان قلبی معە فی کل لحضە واتمنی لە دوام الصحە والعمر المدید وان یبقی ذخرا لنا
شکرا لك یا اخ عونی علی کل ما کتبتە عن احب واعز انسان الی قلبی .

صبیحە غفور فتاح
من النرویج
آ


3 - كل الفخر برفقتنا لكاك جميل
ايناس جودت علي ( 2011 / 2 / 12 - 19:02 )
سعيد ومحظوظ من عرف جميل عن كثب، ونهل من منابع روحه الطيبة، وشكيمته في تحمل المصاعب،
فعلا من عرف مام جميل عن كثب نهل من منابع روحه وتعلم عدم الاستسلام واتخذ القوة سلاحا لمقاومة الحياة بكل صراعاتها
دعواتنا لك ليل ونهاراً

اخر الافلام

.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي


.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس




.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع