الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة نصوح .. كي يموت فينا الضد السيء .

حامد حمودي عباس

2010 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خلال حوار جرى بين مقدم برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيره ، والدكتور بطرس غالي الامين العام السابق للامم المتحده ، ذكر الدكتور غالي خلال مفصل من مفاصل ذلك الحوار ، بان طاولة التفاوض بينه وبين جهة رسمية غربية ، كانت تحتوي على قنينة ويسكي كالعادة في كافة طاولات التفاوض ( غير العربية طبعا ) .. حينها اعتلت وجه مقدم البرنامج المعروف بانتمائه الاصولي ، ابتسامة سخرية وكأنه قد نال قصب السبق في العثور على مثلبة قاتلة في جسد العلمانية الكافره .. حيث لم يتاخر في متابعته الايمانية للحوار حين قال ، يعني لا تستطيعون التفاوض الا بعد ان ( تتسلطنون ) ؟؟ .. فجاء رد الدكتور غالي واضحا لا لبس فيه ، وهو ان الويسكي في عرفك وما املاه عليك دينك هو حرام ، وبعرفي وديني هو عين الحلال ، بل بالعكس ، فانني اعتقد ، ان كأسا من الويسكي يساعد في قدرتي على التفاوض .
كم تمنيت ان تحتسي هذه الامة ضمن جمع اسطوري كبير ، كأسا من اي خمر يذهب عنها ذلك القهر الذهني المتسلط ، لتظهر وبحرية كاملة ، حركة العقول الباطنة .. حينها وبالتأكيد ، سوف تنحى سبل التفكير لهذه الجموع ، باتجاه يهيء لها ان ترى الاشياء بوضوح اكثر ، وتغيب من امامها صفائح سميكه ، حالت بينها وبين الحقيقه .. باعتقادي المتواضع ، فان مصيبة امتنا المكلومة بدمل كسى جسدها ولا يريد ان ينزاح عن ذلك الجسد ، هي انها ترى واقعها بضدين ، الاول يعكس الواقع وما فيه من آلام ، والاخر لا يريد لهذا الواقع ان يظهر للعيان على حقيقته كي تتوفر سبل العلاج له وهي متوفرة على الدوام .. وبين هذا وذاك ، لاحت وبشكل واضح ، سمات لا يراد لها ان ترد الى اصولها ، اوصلت شعوبنا المسكينة الى منحدرات الضياع .. ولو أتيح لهذه الامة ان تقتنع ولو لمرة واحده ، ان تحتسي كأسا واحدة من أي نوع من الخمور ، لذهب عنها صدأ التفكير بضدين ، ولغاب عنها ولو الى حين ، الضد الذي يقفل الابواب امام الرياح النقية العطره ، كي تنطلق وينطلق معها هبوب نسائم الحرية في التفكير ، بعيدا عن وصاية الاخلاق والرزانة وكل معوقات الحركة الآدمية المجردة .
في اغلب الحالات التي نجد انفسنا عندها مضطرين لعقد حلف انفرادي مع اخر ، او تفاوض ، او فض لنزاع ، نجد ان ثمة قفل عصي على الفتح ، يغلق بابا اسطورية بيننا وبين ان نتحدث على السجيه .. يميت فينا روح التعامل الا بوجه واحد ، واسلوب واحد ، وطريقة نطق واحده .. لا يحق لنا افرادا ومجاميع ان نختار ما يفرزه عقلنا الباطن من معاني ، فيلطم افواهنا حين نريد ذلك ، رقيب ذاتي يضع امامنا كلمة ( عيب ) .. فتنهار قوانا الانسانية لتحل محلها قوى اخرى مقهورة تتجمد في مسالكها فتبدو وكأنها هي ذاتها منذ الاف السنين ، لم تتجدد ولم يمسسها هواء ولا حراره ، فتفسخت لتظهر بغير طعم ولا رائحة ولا لون .. إننا ومنذ أمد طويل ، لا زلنا أسرى لذلك العيب اللعين ، ينطلق من افواه امهاتنا وآبائنا مدعوما بوصايا الله وعلى لسان رجال ديننا الاطهار .. لا تبدو فرحا ولا تنطقوا بالنكات جزافا .. لا تمزحوا فالمزاح يذهب الهيبه .. لا تتسلوا بلعب الكارته فانه قمار .. ولا تشربوا الخمر لانه مسكر وحرام .. لا تبرحوا معاقل بيوت الله فانها غنيمة ، ولا تناقشوا فيما لا تستطيع عقولكم النفاذ اليه فانه من اختصاص السماء فحسب .. لا تعشقوا فيبدو عشقكم رذيله ، ولا تجتمعوا لغير العبادة وذكر محاسن موتاكم .. تباكوا حين تقرأوا القرآن .. ولتتجهم وجوهكم على الدوام حتى لا تكونوا عبثا لسوء الضن .. لا تجتهدوا في شيء واتركوا باب الاجتهاد لمن يدعيه من رجال دينكم ، خشية ان تقعوا في بدعة ثم ضلالة والضلالة في النار .. لا تلتزموا بإمرة كافر .. ولا تقلدوا ما يقدمون عليه من افعال حتى ولو كان ذلك علما .. وسلموا اموركم للقدر والقضاء فما من نفس تدري باي ارض تموت ، لانكم لا تحسنون قراءة ما سجل في الواح اقداركم .. انكحوا ما طاب لكم من النساء ، واجلدوهن وارجموهن واضربوهن واحجروهن في المضاجع إن اخفقت احداهن في صد نفسها عما وضعه الله الخالق في طبيعتهن من سجايا .. فهن ليس لهن الحق في الاستجابة لجوع او ملبس او حتى نكاح ، بل عليهن ومن حولهن لبوس الحياء والانعزال وتغطية المعالم والملامح خشية حدوث الفتنه .. إنها محرقة في الدنيا قبل ان تلقى محرقة الاخرة ما وعدت به من اجساد مارقه .
في عالم كهذا .. عالم التفكير بضدين ، تتكسر الاعراف في معاقلها حين يحل الضلام ، وينحسر العمل بالضد المنطلق من العقل الظاهر المسيطر ، والحامل لسلاسل العيب يكوي بها حرية البشر .. لتبرز من خلف جدران المنازل ، وعلى اسرة النوم ، ومن خلال ثقوب الاقفال ، وسماعات الهواتف النقاله ، ومراسلات الانترنيت ، تبرز دون وحي بالخوف ، جميع المحرمات وعلى اشدها ، لتتلاقى ضمن حيز واسع من الحرية المسروقة .. تتسواى فيها جميع العقول والازياء ، وهي تستمتع بما حرمها منه عيب النهار .
في عالم كهذا .. لا تنضح منه بوادر الابداع والتحرك السوي على دروب الحياة ، كونه مصاب بمرض الضدين في التصرف ، في حين الغى العالم المتمدن ان تحكمه اضداد بعينها ، ليبدو حرا في كل شيء .. فهناك وفي ربوع العالم المتمدن ، لا توجد اعراف نهارية واخرى ليليه .. بل كل شيء واضح المعالم ، لا يستره غير ستر الواقع ، وتحركه قوانين الطبيعة وتفاعلاتها ونتائج تلك التفاعلات ، بعيدا عن تورية او عقد نفسية ..
تثير في دواخلي مشاهد الشابات الجميلات وهن يجبن الشوارع لمقاصدهن ، ووجوهن قد طلتها اصباغ الجمال ، وتطغي عليهن معالم الزينه ، غير انهمن جميعا يحملن ملامح التوثب لقتال ، حواجبهن معقودة بعنف ، وشفاههن يكادر احمر الشفاه يغادرها عنوة من فرط معالم الغضب المصطنع .. فاتساءل .. لماذا اذن تلك الزينة ؟ .. وينتابني شعور بالرغبة في ان احمل قنينة خمر ، لاقدم لكل واحدة منهن كأسا يخرجها مما هي فيه من محنه .. كأسا يقتل الضد السيء ويفسح المجال للضد الحسن .
تحضرني قصة حدثت لاحدهم في العراق ، حيث كان يعلم باخ اخاه الاصغر منه سنا يشرب الخمر سرا حينما يتاح له ذلك .. وذات مره ، طاب له ان يواجهه بالحقيقة التي حرص على اخفائها عنه ، فدعاه الى مشاركته في طاولة الشراب داخل المنزل .. استنكر الاخ الاصغر امر تلك الدعوه .. وتظاهر بالرفض الشديد لبعده عن هكذا فعل منكر .. الح عليه اخوه حتى ارغمه على تناول كأس معه ، ثم هرب من امام اخيه الاكبر مبديا استحيائه من فعلته تلك .. دعاه ثانية لكأس أخرى فتناولها وعاد ليبتعد من جديد .. فما كان من اخيه الاكبر الا وصرخ بوجهه معنفا .. ماذا تريد ؟ .. لماذا إذن تسببت لي بخسارة كأسين من الخمر ؟ .. قم واكسر احد اقداح الشاي في المطبخ ، أو افعل شيئا غير اعتيادي كي تشعرني بانك سكران .. فاجابه الاصغر بكلام خشن يعبر عن ضيقه منه على الدوام ، وقال له ( انني اكره طريقتك في التعامل معي كل يوم ، فانت ظالم وابن كلب ) .. صفق الاكبر وصاح .. خلاص .. لقد انطلق فيك المارد ، وعبرت عما فيك واعدت لي ثمن الكأسين ..
اننا جميعا في شرقنا المتورم بعقد العيب وتصارع الضدين .. لا حل لنا الا بركوب جريمة شرب الخمر ، ولو بما يسره ديننا حينما اباح قليله في البداية .. كي تنطلق اساريرنا في جو من المرح الانساني ، لتعيدنا الى توازننا الطبيعي فنسمي الاشياء بأسمائها لا بما تحمله تفاسير الضن ..
لقد انطلقت في بلادي العراق هذه الايام موجة عارمة من قوانين التحريم ، فشملت النوادي الليلية ومحلات بيع الخمور ، وقبلها افشال مهرجان بابل الفني بحجة عدم شرعية سماع الموسيقى ، ومن ثم اغلاق نادي اتحاد الادباء العراقيين في العاصمة بغداد لكونه مسرحا قد يتناول فيه الادباء المشروب المحرم .. وبلغت حدة الموجة ، موجة التحريم ، الى ان يرفض احد المسؤولين الرسميين في وزارة الثقافة ، دخول بناية معهد الفنون الجميلة لحضور حفل دعي اليه هناك ، الا عندما تزال كافة التماثيل عن ساحة ومداخل البنايه ، لكونها حرام ..
ولوكان هناك مجال لان يحتسي طلاب المعهد كأسا واحدة من الخمر ، لغاب عنهم الضد الكابح لعقلهم المعتقل ، وخلعوا احذيتهم ليرموا بها موكب ذلك المسخ الجاهل .. والقيام بطرده بل ومطاردته حتى يعود الى جحره المضلم .
لذا .. فانني ادعوكم سيداتي سادتي ، يامن لا زالت افكاركم واجسادكم رهنا لاعتقال صراع بين الضدين .. ان تسارعوا فورا الى تناول كأسين من الخمرة او النبيذ المعتق .. لتنطلق اساريركم بالفرح ، وكي تقومون بلي اذرع جلاديكم ، وتكسير كل عصي الجلد غير الرحيم على هياكلكم البريئه ..
وانها لدعوة نصوح ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2010 / 12 / 13 - 15:42 )
صغت بأسلوب أدبي جميل فكرة الضدين والازدواجية التي نعيشها في حياتناوكما قال الدكتور غالي فعلاً نحن لا نفهم كيف يسمح الله لنا بشرب الخمر ويحرمه عليكم ؟ومن أيام نوح والبشرية تشرب الخمر لماذا لم يتذكر الله إلأا على وقتكم ؟ هذه تفرقة من الله ، هل يفرق الله بين خلقه ؟المسلم لا مؤاخذة يضع جرن كبة على رأسه صباحاً وفي الليل يعقد شالاً حول خصره . شكراً أستاذ


2 - العزيزه ليندا
حامد حمودي عباس ( 2010 / 12 / 14 - 16:56 )
أحييك واتمنى لك راحة البال ، في وسط لا يجني المرء منه الا الراحه .. وانا ممتن لمتابعتك ما اكتب .. دمت بالف خير


3 - راحت رجال الحامض السُماكي .... الخ
الحكيم البابلي ( 2010 / 12 / 14 - 21:56 )
الصديق العزيز حامد
كانت محلتنا التي كبرنا فيها في بغداد تحتوي على 12 بيتاً ، فقط أثنين من أصحاب تلك البيوت لم يكونوا من شاربي الخمرة ، والمعروف جيداً عن العراقيين هو ولعهم ومحبتهم اللا طبيعية في شرب الخمر ، حتى السادة وشيوخ الجوامع والكثير من الناس الذين يدعون الإيمان والصلاة كانوا يشربون الخمر بالسر كما تشرب الأرضُ ماء المطر
الشعب العراقي معروف بكل أغانيه وأشعاره وتراثه الممتد من العصر العباسي ولحد الأن والملتصق باالخمرة ومعاقرتها ، حتى أن المثل البغدادي كان يقول : اللي ما يشرب مو رجال
ولكن هي الإزدواجية التي أصبحت من أهم صفات المسلم ، والتي تحدث عنها الراحل علي الوردي إلى أن بح صوته
وصلني إيميل البارحة من أحد الأصدقاء ، تظهر فيه صور للمسيرة الشعبية الشيعية التي أمر بها ( الإمام ) الصدر ، والتي راحت تُساند قرار منع المشروبات في العراق ، وأستطيع أن أراهن على بيتي في أن غالبية المشاركين هم من معاقري الخمرة
ههههههههههه أن شعباً كهذا يستحق قادة وأوضاعاً كهذه ، وكما قال الإمام علي : كما أنتم يُولَّ عليكم
تحياتي


4 - العزيز الحكيم البابلي
حامد حمودي عباس ( 2010 / 12 / 15 - 06:44 )
ولي صديق كان يمتلك محلا لبيع المواد الغذائية إبان انتفاضة عام 1991 ..له علاقة واسعة بالشباب من خلال التردد كل مساء على النادي الليلي في المدينه .. حين قام هؤلاء الشباب بحمل السلاح ضد النظام ، كانوا يتوافدون على محله قبل كل صولة يقومون بها لتناول كاسا من الخمر في المحل .. انها مصيبة حلت بنا ولا اعرف كيف سيكون المخرج منها ما دام اصحاب السماحة يحكمون .. تحياتي لك وعسانا نعيش انا وانت زمنا جديدا يعيد العراق الى مكانه الطبيعي

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان