الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطقوسية العدو اللدود للإسلام

جمال البنا

2010 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعتقد معظم الناس أن العدو اللدود للإسلام هو الاستسلام للشهوات ، ولكن الاستسلام للشهوات وإن كان إثمًا لا شك فيه ، وحرامًا ، إلا أن ذلك لا يستتبع أنه أهم وأقوى أعداء الإسلام ، لأن بعض الذين يرتكبونه عن ضعف وهم نادمون ، ولعلهم يستغفرون الله ويسألونه العفو والرحمة ، كما أن الاستسلام للشهوات لا يضر إلا صاحبها ، فهو لا يسرق مالاً ، ولا يقتل نفسًا ، ولا يقذف آخر ، وإنما هو يستسلم للشهوات بحكم ضعفه فهو يظلم نفسه ، وإثمه يقع عليه ولا يلحق الضرر بآخر .
وقد يتصور آخرون أن التقصير في العبادات من صلاة أو صيام أو حج يفقد الدين جوهره وخصيصته بحيث لا يصبح هناك فرق بين مسلم وغير مسلم ، وهذا الانحراف يشترك مع الاستسلام للشهوات في أنها لا تجني إلا على صاحبها ، فلا تضر أحدًا ولا توهن في المجتمع ، وإذا كان هناك حساب ، فإن الله تعالى هو الذي يقوم به يوم الحساب ، وقد أمرنا الله لا نيأس من رحمة ، ودعا الذين ظلموا لأنفسهم أن لا يقنطوا من رحمة الله ، فإن الله يغفر الذنوب جميعًا «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ» .
في مواجهة هاتين الفصيلتين من الذنوب والآثام ، هناك فصيلة ثالثة يصطحب الذنب فيها بالشر فيكون آونة سرقة ، ويكون آونة أخرى غصبًا ، أو قتلاً .. إلخ ، وهذه ليست ضد الإسلام على وجه التحديد لأنها توجد في كل المجتمعات البشرية ، وقد حدد الله تعالى لها عقوبات لأنها تمس الناس وليس (الإسلام) ، ولا يمكن السكوت عليها أو إرجاء البت فيها إلى الله تعالى يوم القيامة كبقية الآثام التي لا تضر إلا صاحبها ، وعندما يتلقى المذنب عقوبته ، فإنه يدفع بذلك ثمن انحرافه ، كما يثبط بهذه العقوبة الآخرين من الاجتراء على الانحراف ، لأن من يفعل ذلك يدفع ثمنه عاجلاً .
فهذه ثلاث فصائل من الذنوب والآثام يُعد الناس بعضها هدمًا للإسلام ، وقضاء عليه في حين أن واحدًا منها لم يمس الإسلام نفسه ؛ لأنها تنصب على صاحبها ، وليس على الإسلام ، اما ما يسئ إلى المجتمع منها فإن القوانين تعاقب عليه سواء نص على ذلك الدين أو لم ينص .
وما يمثل خطرًا على الإسلام ، ويُعد العدو اللدود له هو الطقوسية ، لأنها تنصب مباشرة على الإسلام نفسه فتفرغه من مضمونه عندما تجعل هذا المضمون «شكليات» وحركات ، ويكون الحكم هو على الشكل وليس الجوهر ، ويحل التدين الكاذب محل الدين الصادق .
وقد توصلت الطقوسية إلى «تطقيس» الإسلام على خطوتين ، الأولى فهم الإسلام أنه عبادة رافعين راية الآية المشهورة «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» .
وعندما نجحت الطقوسية في ذلك فإنها قلصت تطبيق الإسلام ، وقصرته على الحياة الأخرى دون الحياة الدنيا مع أنه يُعني بالمجتمع كما يُعني بالفرد ، وأنه يضم إلى جانب العقيدة الشريعة . العقيدة للإيمان الديني ، والشريعة للإصلاح الاجتماعي وهما معًا متكاملان .
ومع أن العقيدة هي الأصل والشريعة هي الفرع ، فإن هذا لا ينفي أن العقيدة إنما تتبلور في الإيمان بالله ، ويصدق هذا الإيمان الشعائر العبادية من صلاة أو زكاة أو صيام أو الحج ، وأن العقيدة تكتسب قوتها من أنها «الروح» ، ولكن من ناحية أخرى فإن الشريعة تنتظم كل شئون الدنيا وتقول رأيها في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والقانون وهي التي تضم قيم الحرية والمساواة والعدل .. إلخ ، فمساحتها متسعة جدًا وفروعها متعددة وكثيرة كثرة تعدد الحاجات ، وعلى حين أن العقيدة لا تتطلب عمليًا إلا خمس فروض ، هي (الشهادتان .. والصلاة .. والصيام .. والزكاة .. وحج البيت) ، فإن الشريعة تضع حلولاً لكل ما يتعلق بالاقتصاد والاجتماع والسياسة ، وأهمية العقيدة أنها تمثل «الروح» التي تكفل التوجيه السليم لعمل الجسم المتعدد الأعضاء الظاهرة ، والتي يخفى داخل بطنه معملاً كيميائيًا كهربائيًا وجهازًا عصبيًا فائق الدقة ، وهذا الجسم الذي يتحرك إنما يعمل عبر مجتمع متعـدد من ملايين الآحاد لها إراداتها الخاصة ، وما لم تنظم العلاقة فإنها تكون ساحة معركة يحارب فيها الابن آباه والأخ أخاه ، ولهذا فإن الشريعة تشغل مساحة من المجتمع أوسع مرات مما تشغله العقيدة .
وبعد أن نجحت الطقوسية في إبراز العبادة وإغفال الشريعة ، فإنها أبرزت «الصلاة» من بين العبادات باعتبارها العبادة التي تمثل الإسلام معتمدين على أحاديث «الصلاة عمود الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ، ومن تركها فقد هدم الدين» ، و«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة» .. إلخ ، وعمدوا في الصلاة إلى شكلياتها لا باعتبارها ابتهال إلى الله أو «صلة» ما بين الفرد والله ، وجاءوا بتفسيرات لغوية لكلمة «الصلاة» بعيدة كل البعد عن الاتصال بالله وما تبثه في القلوب من طمأنينة ، ورضى ، وسلام أوما توحي به عن البعد عن الفحشاء والمنكر ، بل وأن القرآن بعد أن قال «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» ، قال «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» (العنكبوت : 45) ، وهو شيء لا يعرفه الفقهاء ، نقول إنهم قدسوها لأنها العبادة ذات الشكل المحدد الظاهر المنضبط الذي يرضي طبيعتهم «الشكلية» ، أو أن هذا التقديس يجعل وجوبها والإسلام شيئاً واحدًا ، وأن على الإنسان أن يصلي في كل الحالات قائمًا ، وجالسًا ، ونائمًا ، وعند الضرورة يصلي برموش عينيـه ، ووصل هذا التقديس درجـة «التوثين» ، ولدينا مثالين رمزيين على هذا ، الأول ما ذكره الشيخ متولي الشعراوي من أن الطبيب إذا سمع إقامة الصلاة ، فإن عليه أن يدع مابين يديه ولو كان عملية جراحية ويهرع لأداء الصلاة ، والثاني ما جاءتنا به إحدى نشرات «النت» تقول إن الله أنطق الخنزير ، فقال «الحمد لله الذي خلقني خنزيرًا .. ولم يخلقني تارك الصلاة» !!
وعمد الفقهاء بعد هذا إلى شكليات الصلاة من أول الوضوء حتى التسليم مع ذكر صلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الجنازة ، وشمل ذلك كل صغيرة وكبيرة بحيث استغرق ذلك سبعة أجزاء كبيرة من كتاب «مسند الإمام أحمد بن حنبل» [من ص 201 من الجزء الأول حتى ص 33 من الجزء السابع وكل جزء في 300 صفحة من القطع الكبير] ، وبالطبع فإن ذكر هذا بالتفصيل يتطلب كتابًا لا مقالة ، وكل هذا عن شكليات الأداء وشروطه ولا شيء عن حكمة الصلاة .
وكانت النتيجة أن أصبحت الصلاة ركناً مقدسًا يؤدي ليلاً ونهارًا ولكن ليس كشعيرة ، أو كعبادة حقاً ، ولكن كطقس يقوم على ركوع وسجود وتلاوة على طرف اللسان ، وليس أدل على هذا من أننا نقرأ عن صلاة ألف ركعة في اليوم وعن صلاة الصبح في الركعة الأولى بالبقرة وفي الثانية بآل عمران ، فكيف يعقل هذا ؟ وهل يمكن أن يتسع اليوم بأسره لمثل هذه الصلوات حتى إذا كانت حركات ميكانيكية سريعة .
إن الجريمة الكبرى للطقوسية هي قصرها الإسلام على العبادة وإفساد العبادة بالطقوسية ، كما رأينا في إفسادها الصلاة ، وأنها أغفلت عالم الشريعة بأسره ، وحرمت بهذا الإسلام من أن يقوم بدوره الإصلاحي ــ أو حتى الثوري ــ بالنسبة للمجتمع ، وهي بالإضافة إلى عوامل أخرى ــ المسئولة عن الفكرة الشائعة ــ إن الإسلام دين الآخرة ، وأن عنايته بالدنيا ثانوية ، وأن المسلمين لا يفكرون في شيء إلا مستقبلهم بعد الموت ، في حين أن الحقيقة عكس ذلك فالعبادة في الإسلام لا تمثل سوى فروضًا معدودة ، أما الدنيا فإنه ينتظمها بفضل الشريعة ، وما من إفساد للإسلام مثل هذا لأنه جعل منه ديناً لا يستهدف سوى عبادة الله بالصلوات والدعوات والصيام والقيام ، في حين أن الإسلام منهج حياة .. فتأخر المجتمع الإسلامي لأن ضميره يرتبط بالإسلام وقد استبعدوا من الإسلام كل ما تقوم عليه الشريعة من قيم مثل العدالة والحرية والمساواة والمعرفة ، وهي القيم الثورية في الشريعة والتي أوجدت مجتمع الرسول ومجتمع الراشدين ، وتطلب الأمر أكثر من ألف عام قبل أن يظهر حسن البنا الذي كان إسهامه الحقيقي في اليقظة الإسلامية هي أنه رفع شهار «الإسلام منهج حياة» ، فأعاد إلى الإسلام كل ما تقضي به الشريعة من أحكام في الحياة الدنيا ، ووضعه في صدارة المجتمع ، بعد أن كان محصورًا في الزوايا والمساجد وتكايا الصوفية .
* * *


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
[email protected]
[email protected]
www.islamiccall.org
gamal-albanna.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا تركتم للاسلام؟؟؟
أحمد التاوتي ( 2010 / 12 / 18 - 21:18 )
تحية اجلال و احترام لك سيدي،
الاسلام بني على خمس، اذا استثنينا منها الزكاة فالاربع الأخرى طقوس.. حتى الزكاة، و ان كانت عملا اجتماعيا فهي أقرب الى الطقوس باعتبارها لا تخرج الفقراء من فقرهم و لكن تمعن في تذكيرهم بمستواهم الطبقي.. اي انها -طقس سياسي- بهذا المعنى.
و أستميحك عذرا في سؤال آخر سيدي:
ما هو السيناريو الذي تتصورونه لمصر و للعالم العربي لو لم يرفع الراحل الكريم حسن البنا شعار - الاسلام منهج حياة-؟
بمعنى آخر، ماذا كان سيكون حال مصر لو ترك المجال للثقافة الليبرالية تأخذ مجراها بشكل طبيعي، و لم تشل بشكل صادم من طرف الفكر الاخواني ثم القومي بعده؟
هل كانت ستصل الى الاحداث الاخيرة مثلا؟
كل التقدير سيدي الكريم ...


2 - الاستاذ الكبير جمال البنا
بشارة خليل ق ( 2010 / 12 / 19 - 06:37 )
كتبت ان الشريعة تضم الحرية والعدل والمساواة!!! غريب جدا فهي تتصادم مع هذه القيم الاساسية جميعها:اية السيف تتعارض كليا مع حرية العقيدة كما وصف الاسلام بانه دين الله ولا يقبل غيرة,اين العدل في جعل ميراث وشهادة امرأة نصف ميراث وشهادة الرجل؟ اي مساواة في قول دم المسلم على المسلم حرام وهي تؤكد منطقيا ان دم الغير مسلم حلال؟ هذه فقط بعض التسلؤلات التي خطرت على بالى على الفور بيتما هنالك الكثير الكثير ما يدعم زعمي.التناقضات في العقيدة والشريعة الاسلامية هي سبب ضبابية المبادي عند المسلم فهو محتاج الى التأويل ولي اعناق النصوص وفتاوى واجتهادات رجال الدين في كل خطوة يقوم بها والسبب عدم وجود مباديء مطلقة يهتدي بها في حياته مثلا اخل اله الاسلام بمبدأ لا تقتل كما بمبدا لا تكذب كما بمبدا لا تسرق او لا تشته مقتنى غيرك او امراة غيرك فهنالك نسبية في المباديء تؤدي بالمسلم الى التيه واحتياج الفتاوى ليتصرف
اما بالنسبة الى الطقوس وملامح العبادة السطحية فهي محسوم امرها في اللاهوت المسيحي وتسمى العبرنة فليس في المسيحية طقوس قسرية كل ما يهم الله هو قلب الانسان وهذه هي روح الشريعة الالهية


3 - لا بديل لنور العقل سيدي
ميس اومازيــغ ( 2010 / 12 / 19 - 10:52 )
اطار تفكيركم سيدي هو الأسلام ومضوعكم سيدي محاولة لتبيض و اجهته وهو نوع من الخداع لأخينا الأنسان. لقد حاول كثيرون قبلكم اعتماد هذا الدين منهجا يسلك في الحياة غير ان ما يفوق 1400سنة من تواجد هذا المعتقد في الأقطار الفروض عليها بالسيف لم تنتج سوى التخلف في كل المجالا وعلى كل المستويات. ان الشعوب الذكية هي التي تستفيد من التاريخ و من عبره.لا مجال سيدي لا للأسلام ولا لشرعته في تحقيق سعادة اخينا الأنسان.اننا ابنا ءالقرن الواحد و العشرين و الأكتشافات العلمية كذبت اسطورة نوح كما كذبت اسطورة آدم و حواء من قبله افلا تنتهون؟
لم يستطع من تعتبرون ان عددهم يفوق مليار نسمة القيام و لو بثقب الأبرة. لو كان حقا هذا الدين قد اسهم في اسعاد اخينا الأنسان لكانت نتائجه ظاهرة و بارزة بينما الذين ضربوا به عرض الحائط هم اليوم من يسعدون و اهله هم المتفجرون المفجرون.
يجب وضع النقط على الحروف سيدي ان الداء في المنهل ذاته. علينا سيدي ان نتلمس طريقنا مهتدين بنور العقل و لتدفن الخرافة الى الأبد.


4 - سؤالين للاستاذ جمال البنا
ئارو عمر ( 2010 / 12 / 20 - 21:10 )
شکر‌ا للأستاذ جمال البنا اسئل سؤالين
1اذا استسلام للشهوات إثما او حراما بدون الشک في هذة الدنيا لماذا في الحياةالاخره‌ بجنة جزاء الله‌ للمؤمنين المتقي 72 حواري والغلمان اليس متاع و الشهوات يلحق الضرر بانسان المؤمين.
2 اذا کان اسلام او استتسلام الشريعة دين الاسلامي الاخوة و العدالة والحرية و ا لمساواة والمعرفة منذ1400 سنة من هذا التاريخ ا في اي عقد‌ او عصر طبقوا حرية والعدل و ازدهار المعرفة مسلموان عاشوا حياة الهنية والمتسامحأ‌ بدون المعانات الفقر والجهل بدون المعارک والاضطرابات القبلية والطائفيةوالمذهبية

اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية