الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مانيفستو المسلم المعاصر

جمال البنا

2010 / 12 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ــ 1 ــ
نؤمن بالله . إنه محور الوجود ورمز الكمال والعقل والغائية . وما ينبثق عنها من قيم ، وبدونه يصبح الوجود عبثا ، والكون تحت رحمة الصدفة الشرود والإنسان حيوانا متطورا أو "سوبر حيوان" .
والإيمان بالله الذي يكون قوة ملهمة هو ما يغرسه في النفس تصوير القرآن الكريم لله تعالى . أما ما يرد في كتب التوحيد فلا يغني شيئـًا ، بل قد يضر .
ــ 2 ــ
الأنبياء هم القادة الحقيقيون للبشرية ، ويجب جعلهم المـُثل في القيادة ، واطراح أحكام الطاغوت من قادة جيوش أو أباطرة أو ملوك .. الخ ، وما وضعوه من سياسات القهر التي لوثت فكرة الحكم والقيادة وأساءت إلى البشرية .
ونحن نؤمن أن الإسلام قد قدم الصورة المثلى لله والرسول . على أننا نتفهم الصور التي قدمتها الأديان الأخرى ، لأن الدين أصلا واحد ، ولكن الشرائع متعددة ، ونحن نؤمن بالرسل جميعا ، وأن الله تعالى أراد التعدد والتنوع "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً" ، وأن الفصل في هذا التعدد هو إلى الله تعالى يوم القيامة .
ونؤمن أن الدين هو المقوم الأعظم للمجتمع العربي ، وأنه يمثل التاريخ والحضارة والضمير ، وأن تجاهله يقطع التواصل مع الشعب ، ولا ينفي هذه الحقيقة أن تكون الفلسفة والآداب والفنون قد حلت محل الدين في المجتمع الأوربي فلكل مجتمع طبيعته الخاصة وقدًره الذي لا يمكن التمرد عليه أو التنكر له ، وفي الوقت نفسه ـ فإنه لا يحول دون تلاقح الأفكار وتحاور الحضارات ، وتقارب الديانات لأن الحكمة ضالة المؤمن .

ــ 3 ــ
نؤمن بكرامة الإنسان ، وأن الله تعالى هو الذي أضفاها على بني آدم جميعا ، فلا تملك قوة أن تحرمهم منها ، وهي تعم الجنس البشري من رجال ونساء ، بيض وسود ، أغنياء ، وفقراء .. الخ ، وقد رمز القرآن لهذه الكرامة بسجود الملائكة لآدم ، وتسخير قوى الطبيعة له .
إن كرامة الإنسان يجب أن تكون في أصل كل النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويجب أن تحرم تحريما باتا كل ما يهدر كرامة الإنسان جسدًا ونفسًا .
إن الإنسان هو الغاية ، والأديان هي الوسلة .
ولما كان الإسلام قد جاوز ـ كما نوعا ـ الاتفاقيات الدولية عن حقوق الإنسان ، فإن أقل ما يجب أن يتم هو التطبيق الفوري لهذه الاتفاقيات .
ــ 4 ــ
لما كان القرآن قد جعل مبرر سجود الملائكة لآدم هو تملكه لمفاتيح المعرفة التي تميز الإنسان عن بقية الكائنات ، والتي تنقذه من الخرافة ، فيفترض أن تكون المعرفة هدفا رئيسيا للمسلمين وما يتبع هذا من استخدام العقـــــل ، وما يثمره من علم وحكمة ويجب على كل نظام إسلامي أن يشيع الثقافة والمعرفة ، ويفتح النوافذ عليها ، ويهيئ كل السبل التي تيسر للجماهير معارف ومهارات العصر .
إننا لا نستطيع أن ندخل القرن الواحد والعشرين بأمية أبجدية .
ــ 5 ــ
نؤمن بحرية الفكر ، وأنها أساس كل تقدم ، وأنه لا يجوز أن يقف في سبيلها شئ ، ويكون الرد على ما يخالف ثوابت العقيدة بالكلمة لا بالمصادرة أو الإرهاب أو التكفير وليس هناك تعارض بين حرية الفكر المطلقة والدين لأن الدين يقوم على إيمان ، ولا إيمان بدون اقتناع وإرادة ولا إرادة أو اقتناع إلا في بيئة تسمح بالدراسة الحرة ، والإرادة الطوعية والنظر الدقيق ، وفي القرآن الكريم قرابة مائة آية تقرر حرية العقيدة بصفة مطلقة وأن مردها إلى الفرد نفسه ولا دخل للنظام العام فيها مثل "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" ، "فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" ، "وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" ، و"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" ، و"أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" .
ولا توجد الحرية إلا بتقرير حرية إصدار الصحف والمطبوعات وتكوين الأحزاب والهيئات والنقابات وبقية مؤسسات المجتمع ، وحرية هذه الهيئات في العمل لتطبيق أهدافها ما دام ذلك يتم بطرق سليمة.
ونحن نرفض تماما دعاوى التكفير والردة ، ونكلها إلى الله تعالى يفصل فيها يوم القيامة ، كما قرر القرآن ذلك وطبقته ممارسات الرسول .
أما ما قد ينشأ من أخطار ، فإن الحرية نفسها تفسح المجال لإصلاحه .
ــ 6 ــ
يجب أن يكون العدل أساس التعامل بين الحكام والمحكومين ، الرؤساء والمرؤوسين ، الرأسماليين والعمال ، الرجال والنساء ..الخ ، لأن كل ما يمت إلى عالم العمل والعلاقات لا يمكن أن يستقر إلى على أساس العدل ولا يجوز إعطاء فئات .. سلطات تمكنها من أن تحيف على حقوق فئات أخرى ، إن هذا نوع من الظلم الذي يماثل الكفر ، ويجب أن لا يسمح به .
إن كل ما جاءت به الشريعة من أحكام كانت تحقق المصلحة والعدالة ، فإذا جاوز التطور النص أو جعله لا يحقق المصلحة والعدل ، فيجب تغييره بما يحقق المقصد الذي أنزل من أجله ، واجتهادات عمر بن الخطاب معروفة ، وقامت على هذا الأساس .
ــ 7 ــ
إن التحدي العملي الذي يجابه الدول الإسلامية اليوم هو التخلف اقتصاديا وعسكريا وسياسيا واجتماعيا ، ولا يمكن وقف هذا التخلف إلا بجعل "التنمية" معركة حضارية تتم تحت لواء الإسلام باعتبارها النمط المطلوب من "الجهاد" واستنفار كل أفراد الشعب للمشاركة فيها من وضع الخطة حتى متابعتها وتقييمها ويجب أن تكون هذه التنمية إنسانية ، تبدأ من محطة العدالة الممكن تحقيقها لتصل إلى محطة الكفاية المطلوب تحقيقها ، إن الإيمان وحده هو الذي يولد الطاقة المجانية اللازمة ويوظفها لدفع التنمية وتجاوز المعوقات دون حاجة للاستثمارات التي تفسح المجال للتبعية والسير في مسار وإسار الدول الكبرى .
وأي محاولة لتنمية تستسلم لادعاءات البنك الدولي أو تقلد النماذج الأوربية والأمريكية لن تسفر إلا عن مزيد من التخلف والفاقة والتخبط .
وبالمثل فإن أي محاولة لتنمية يضعها خبراء أو حكومات دون أن يكون لها الأساس الإيماني والمشاركة الجماهيرية أو تستهدف مصلحة الأقلية على حساب الجماهير العريضة هي تنمية محكوم عليها بالفشل .
ــ 8 ــ
إن الصورة النمطية لشخصية المسلم التي تتسم عادة بالسلبية والماضوية والتركيز على الطقوس والشعائر ليست هي صورة المسلم أيام الرسول ، ويعود هذا الاختلاف إلى أن قصر مدة الرسالة النبوية والخلافة الراشدة (30 سنة) ، تكن كافية لتعميق جذور الشخصية الإسلامية ، ثم جاء الملك العضوض ، وتدهور الخلافة وسد باب الاجتهاد لأكثر من ألف عام ، وغلبة الجهالة والاستبداد .. الخ ، وتمخض هذا كله عن الصورة المعروفة اليوم والتي تتقبلها وتبقى عليها المؤسسات الدينية والنظم الحاكمة لأسباب تتعلق بالقصور ، أو الإبقاء على المصالح المكتسبة .
ونحن نرفض هذه الصورة ، ونعمل لإحياء إسلامي .
ــ 9 ــ
لا يمكن تحقيق أي إحياء إسلامي إلا بالعودة رأسا إلى القرآن الكريم ـ وضبط السنة بضوابطه وعدم التقيد بما وضعه الأسلاف من فنون واجتهادات تأثروا فيها بروح عصرهم وسيادة الجهالة واستبداد الحكام وصعوبات البحث والدرس ، وانعكس هذا على تفاسير القرآن وأحكام الفقه وفنون الحديث وأقحم فيها مفاهيم دخيلة ومناقضة لروح الإسلام .
لقد كان الإسلام أصلا دعوة لإنقاذ الناس من الظلمات إلى النور ، وإحلال "الكتاب والميزان" أي المعرفة والعدل محل الجهالة والظلم وإشاعة قيم الخير ، والعدل ، والحرية ، والعلم .. الخ ، هي روح الإسلام بينما تكون الطقوس والشعائر هي جسم الإسلام ، والاقتصار عليها ـ دون القيم ـ هو احتفال بجسم لا روح فيه .
هناك حقيقة تصل إلى مستوى البدائه ، وإن أخفتها الغشاوات الكثيفة ، تلك هي أن على كل جيل أن يعيش عصره دون الإخــلال بالقيم العظمى للإسلام ، لأن هذا علامة صحة وتطبيق لعالمية الإسلام وموضوعيته وصلاحيته لكل زمان ومكان ، كما أنه يخالف ما أراده الله تعالى عندما قال "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" .
ــ 10 ــ
إن الإسلام لا يحتكر ـ وحده ـ الحكمة ، ولكنه ينشدها أنا وجدها ، وهو يتقبل كل الخبرات ـ كما أنه يقدم خبراته "فإما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" من هنا فإن النزعة الماضوية الانعزالية واتخاذ نمط المجتمع الذي كان موجودا من قبل باعتباره النمط الأمثل ، والضيق بكل مستجدات العصر من فنون وآداب ، والنظرة المتخلفة للمرأة وحبسها وراء الأسوار ، كل هذا يخالف جوهر الإسلام ، وعالميته وصلاحيته لكل زمان .
وليس هناك خوف من أن يذوب الإنسان المســـلم في الحضارة العصرية ، لأن خيطا وثيقا يربطه بالله والرسول يبقى له قدرا من القيم يكبح جماحه ويحول دون انفلاته وذوبانه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
[email protected]
[email protected]
www.islamiccall.org
gamal-albanna.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اريد حلا
نورس البغدادي ( 2010 / 12 / 16 - 07:48 )
شكرا للأستاذ الفاضل جمال البنا لأنه اوضح لنا مبادئ مانيفستو المسلم المعاصر داعما اقواله بآيات بينات ، وآلسؤال الذي يخطر ببالي هل هناك آيات اخرى تدل الى وجود مبادئ لمانيفستو آخر للمسلم غير المعاصر ؟ وأن كان الجواب بنعم فهل جميع آيات القرآن يصلح تطبيقها لكل زمان ومكان ام يتطلب تجميد بعضها حسب ظروف المرحله ؟ وأن كان الجواب لا ، فلماذا نخصص آيات لمسلم معاصر ونترك الآيات الأخرى كآلآيات الجهاديه مثلا ؟ تحياتي للجميع


2 - حوار من طرف واحد
سيمون خوري ( 2010 / 12 / 16 - 08:53 )
أخي جمال المحترم تحية لك ولجهدك لكن كنا نأمل أن نجد رداً على تساؤلاتنا السابقة على المقالات التي نشرتها ؟ لذا فيبدو أننا في حوار من طرف واحد . وهنا يفضل إغلاق باب التعليقات ، لأنها تصبح غير ذات قيمة حوارية مع الأخ الكاتب . مع التحية لك


3 - عذرا استاذ جمال
شاهر الشرقاوى ( 2010 / 12 / 16 - 13:34 )
إن كل ما جاءت به الشريعة من أحكام كانت تحقق المصلحة والعدالة ، فإذا جاوز التطور النص أو جعله لا يحقق المصلحة والعدل ، فيجب تغييره بما يحقق المقصد الذي أنزل من أجله ، واجتهادات عمر بن الخطاب معروفة ، وقامت على هذا الأساس
****************************

سم فى العسل .


4 - سامحنى دكتور جمال البنا
شاهر الشرقاوى ( 2010 / 12 / 16 - 19:40 )
لقد قالها ابراهيم بن ادهم:

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ..ولا ما نرقع

يا دكتور جمال البنا ..يا شيخنا الجليل ..يا سليل بيت طاهر من رجال الله ..انت تعرف تماما ان الله انزل الاديان وارسل الرسل لنتبعهم ويرفعونا اليه ..وليس ليتبعونا هم ونغيير نحن منهجه وشريعته ..
من ادراك يا سيدى الفاضل بكل مقاصد الله من شريعته الغراء؟؟
هل أطلعك المولى سبحانه وتعالى على قصده من تشريعاته فى القران الكريم .حتى تحدد سيادتكم ان كانت تصلح الان او لا تصلح؟؟؟
عمر بن الخطاب لم يغير فى نصوص القران ولم ينسخ ويلغى .ويعدل ...هو فقط أوقف حد السرقة فى عام المجاعة .
وفرق بين ان توقف نص مؤقتا لصالح الامة وبين ان تلغى وتعدل على الله سبحانه وتعالى ايات فى القران
هل انت احكم واعلم من الله؟؟!!

راجع عقيدتك وافكارك يا استاذى الجليل..فانت .اعطاك الله العمر الطويل.. على وشك لقائه..
فلا تموتن الا وانت مسلم ومؤمن وموحد بالله موقن بعظمته وحكمته
سامحنى شيخنا الفاضل .ان كان فى كلامى تطاول على سيادتكم ..ولكن يعلم الله انى ما اريد لك الا الخير وان تلقى الله وهو راض عنك وانت غير خجلان

والسلام عليك ..


5 - من البيان الشيوعي إلى المانفستو المسلم
الناصر الجزائري ( 2010 / 12 / 17 - 01:39 )
استاذي المحترم هل في المانفستو المسلم المقدم ما يجعل الانسان المسلم يحب العلم والعمل وقكر في الحاضر والمستقبل بمعنى انسان التقدم الحضاري.

اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية