الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزان الحسنات الكئيب

إكرام يوسف

2010 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أقود سيارتي متجهة إلى شارع جسر السويس..الطريق الوحيد الذي أعرفه يمر من سراي القبة فكوبري العزيز بالله ثم أتجه يمينا آخر شارع العزيز بالله.. وما أن تجاوزت الكوبري بعدة أمتار، حتى فوجئت بشخصين يقطعان عرض الطريق ويقيمان حاجزًا لمنع المرور.. سألت أحدهما فرد قائلاً :" صلاة الجمعة".. ورغم أن موعد الصلاة كان أمامه ساعة.. ورغم أنني لا أعرف العلاقة بين صلاة الجمعة وقطع طريق رئيسي أمام مرور السيارات والناس، إلا أنني امتثلت وقلت له مستسلمة: "أنا لا أعرف كيف أذهب إلى جسر السويس".. رد عليَّ بغلظة وبأعلى صوته "ماعرفش .. الصلاااااااة.. الله آآآآآآآكبر" فهمت من نظرته وطريقة رده المستفز، ظنه أنني غير مسلمة لعدم ارتدائي غطاء للشعر.. وقفت متحيرة أرقب كيف يتصرف الآخرون فوجدتهم يتجهون يمينا ثم يدخلون من حارة شديدة الضيق تحتاج سائقًا شديد المهارة حتى يمر بسيارته منها من دون الاحتكاك بجدران المنازل.
شعرت بالغيظ ، وفكرت للحظة أن أترك سيارتي في عرض الشارع وأذهب إلى قسم الشرطة أطلب من الضابط إخلاء الشارع لعبور المشاة، ويكفي المصلين المساجد الكثيرة المنتشرة في المنطقة. لكنني كنت في عجلة من أمري. غير أنني حزنت لحال بقية سكان المنطقة مسلمين وغير مسلمين، وما يعانونه كل أسبوع قبل صلاة الجمعة بساعة إلى انتهائها.
بعدها بأيام كنت في الإسكندرية، ودخلت إحدى العمارات لقضاء مصلحة، وما أن ضغطت على زر "الأسانسير" حتى أفزعني صريخ بصوت منفر لم أتبين ما يقول، والتفت متساءلة إلى البوابة التي صعدت معي ، فأوضحت لي: "هذا دعاء ركوب الدابة"!! ونظرت حولي فوجدت آيات من القرآن وأدعية ملصقة على جدران الأسانسير بشكل منفر، وإعلان من مجلس إدارة اتحاد الملاك يقول "لوحظ أن بعض السكان يتعمد انتزاع الآيات والأدعية الملصقة على المصعد مما يشوه مظهر العمارة!!" ويتوعد بالطبع بمحاسبة من يثبت عليه هذا الفعل!! ولأنني تعلمت أن الدعاء مقره القلب..ولم نسمع من قبل أن السلف الصالح كان يلصق الأدعية على جدران الحوائط، وإنما يرددونها بقلوبهم.. وأعلم أن آيات الله البينات لها احترامها ولا ينبغي أن توضع في أي مكان عرضة للانتزاع والتشويه، سألت البوابة "ألا يسكن في العمارة مسيحيون؟" ردت بالإيجاب، وأضافت "بالعمارة شقق كثيرة يملكها مسيحيون ومنهم قس"!.. سألتها: "ألم يعترض أحدهم على ذلك؟" قالت: "بصراحة همه ناس طيبين ما بيتكلموش، واحد منهم بس طلب بأدب أن يتركوا أحد المصعدين فيه موسيقى خفيفة بدل الأدعية لكن ماحدش سمع كلامه." ظللت طوال طريقي أفكر فيما لو كنت مكان ملاك الشقق المسيحيين، ما الذي يجعلني أتحمل شراء شقة بما لا يقل عن ربع مليون جنيه، كي أسمع كل يوم ما يتعارض مع عقيدتي عند خروجي من البيت ورجوعي إليه؟
وظللت أفكر في منطق هؤلاء الحريصين على استفزاز إخوانهم في الوطن بلا داع.. لا أقصد بالطبع من يعملون على تفتيت وحدة البلاد، ومن يحرصون على إلهاء المصريين بتوجيه السخط على تدهور أحوالهم في الاتجاه الخطأ؛ نحو بعضهم البعض! ولا أقصد بالطبع الجهات الخارجية والداخلية التي تستهدف إضعاف الوطن وتهديد أمنه القومي ودفع أصحاب البيت الواحد إلى الانشغال في عراك داخلي، غير منتبهين إلى ترك باب البيت ونوافذه بلا حراسة عرضة لتسلل الطامعين .. فهؤلاء يعرفون ما يفعلون.
لكنني أقصد ذلك المنطق الذي نجح البعض في غرسه في عقول البسطاء.. وهو أنهم يتقربون إلى الله ويكتسبون حسنات عبر إيذاء المختلفين معهم دينيا باعتبارهم كفارا يتعين التضييق عليهم وإلزامهم أضيق الطريق وعدم السلام عليهم أو تهنئتهم في أعيادهم... إلى آخر ذلك من خزعبلات شيطانية ألبسوها "عمة" الدين، واعتبروها تقربًا إلى الله. وهي تعاليم لم نكن نسمع عنها هنا في مصر عندما كان البسطاء يرددون "ربنا رب قلوب" وكان الفلاحون البسطاء من المسلمين يسارعون بتلقائية إلى تقبيل يد "أبونا" عندما يسير في شوارع القرية باعتباره "راجل بتاع ربنا" مثله مثل شيخ الجامع. هي تعاليم للأسف يتم الترويج لها بنشاط مكثف، وينفق على ترويجها بسخاء. فذات مرة، عند ركوبي طائرة تتبع خطوط طيران دولة شقيقة، وجدت على كل مقعد من مقاعد الطائرة كتابا فاخر التجليد عنوانه "آداب المسلم"، تصفحته خلال مدة السفر وهالني ما فيه من تعاليم تنضح بالسواد والكراهية للآخرين تحت عنوان "معاملة غير المسلم"، وتساءلت داخل نفسي، ما هو شعور الراكب غير المسلم الذي يجيد العربية عندما يجد كتابًا مثل هذا على مقعده؟
وسط ظروف تدهور يمر بها عالمنا العربي، وضغوط اقتصادية مدمرة، يجد البسطاء ملاذهم في اللجوء إلى الله، ويصبحون عرضة لتصديق كل ما يقال لهم من أجل التقرب إليه سبحانه، وها قد انتشر مؤخرًا دعاء لم يكن متداولاً في مصر، وهو نتاج بيئة التجار " ربنا يجعله في ميزان حسناتك".. ويبدو أن البعض ارتاح إلى فكرة أنه يستطيع بدون جهد يذكر أن يمارس بعض ما قيل له أنه يزيد من حسناته، مثل ترديد ألفاظ معينة عدد من المرات، وارتداء زي خاص، واتباع تقاليد مميزة في تناول الطعام والجلوس ودخول بيت الخلاء وإقامة الولائم والأفراح، والتضييق على غير المسلمين أو حتى المسلمين المخالفين في المذهب والتبرؤ منهم وبغضهم "في الله"! ـ وهو أعجب ما في الأمر ـ معتقدًا أن تلك السلوكيات التي لن تكلفه شيئا يمكنها أن تعادل كفة السيئات الأخرى الحافلة بالكذب والنفاق، والنهب وأكل حقوق الناس وظلم الآخرين، وسلبهم حقوقهم في العيش الآمن.
لك الله يا مصر يحفظك من مؤامرات الطامعين، ويلهم أبناءك البصيرة لتوجيه سخطهم في الاتجاه الصحيح قبل فوات الأوان.. ويا من تقرأون الفاتحة، ويا من تقرأون أبانا الذي في السموات، قولوا معي: آمــــــــــــــــين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه الحسنات هى ظنون كى تعميهم عن رؤية الشر
حكيم العارف ( 2010 / 12 / 14 - 00:37 )
تحية وتقدير للكاتبه ذات الاحساس المرهف ... المسيحيه لاتجازى عن شر بشر ولكن بالخير ... لدرجة ان المسيح قد نبهنا الى هذه النقطه وقال لنا - ستأتى ساعه يظن كل من يقتلكم انه يقدم خدمة لله ....
هذه الحسنات هى ظنون كى تعميهم عن رؤية الشر الذى يقدمونه لغيرهم..

لاعجب انهم لن يؤمنوا بالانجيل الذى مكتوب فيه -كل ماتريدون ان يفعل الناس بكم افعلواهكذا انتم ايضا بهم -...

ولن يقبل مثل هؤلاءان نقطع عليهم الطرق او نعطلهم عن مصالحهم كما يفعلون مع غيرهم ... لانهم يتصرفون وكأنهم الاعلون ... انه الكبرياء
وعندما يجتمع الكبرياء مع الكذب فى عقيده واحده نعرف اننا نواجه الشيطان..


2 - الفقر وما ادراك ما الفقر!!!
سميح الحائر ( 2010 / 12 / 14 - 03:27 )
الاخت الكريمة انه البترول السعودي وفقر الشعب المصري الذي استغلته السلفية السعودية لافراغ مصر العروبة من ثقافتها وجرها الى التخلف باسم الله ورسوله خدمة لآل مبارك لتثبيت حكمهم لان حكمهم هو قضاء وقدر من الله ولا يجوز الاعتراض عليه كما هم حاصل في السعودية. اذا لم يتوقف المد الوهابي السعودي فعلى مصر السلام والحكمة تقول فاقد الشيء لا يعطيه.


3 - الوهابيه وشرها المكنون
نور المصرى ( 2010 / 12 / 14 - 21:39 )
الاخت الفاضله ..المخطط الوهابى السعودى بدأ لغزو ماكانت تسمى (ام الدنيا )منذ السبعينات بعد حرب اكتوبر بمباركة السادات ..بعدها اصبح ينمو باموال الجاز حتى وصل الى اختراق النظام الهرمى كله فى العهد المبارك ...وهدفه هو استئصال مصر من تاريخها الفرعونى والقبطى وضمها الى تاريخ البدو والصحراء حتى اصبحت اسمها (ذيل الدنيا ) وترتيبها فى الفساد العالمى رقم 123 ولايعجب الوهابيون ايضا هذا الترتيب لانه ببساطه اعلى من الصومال والسودان واليمن ..! فهل تعلمين ياسيدتى انهم (السعوديون ) امتلكوا اكثر من نصف الاراضى والشقق السكنيه والاراضى الزراعيه فى مصر فلا ننسى توشكى ... وكذلك اهانوا اكثر من مليون فتاه مسلمه فى عمر الزهور بزواجهم ( المسيار والمسفار وغيره ) فاصبح هناك اكثر من مليون طفل ليس له اب بسبب هذا الغزو ...


4 - مصر مستعمره سعوديه
كامل حرب ( 2010 / 12 / 15 - 00:52 )
الاستاذه الكاتبه للاسف الشديد مصر اصبحت مستعمره سعوديه والمستقبل امامها كالح السواد بعد ان باعها مبارك واخذ الثمن واودعه بنوك سويسرا ,الغريب انه تدين ظاهرى ليس الا والحقيقه ان شباب السعوديه والخليج احالوا مصر الى بيت دعاره كبير ولاننسى جميعا فضيحه تزوير الانتخابات المروعه والتى اشرف عليها شخصيا ديكتاتور مصر الفاسد ,ااسف واقول انه لايوجد امل فى مصر واصبحت فضيحتها بجلاجل


5 - آمـيـــن
بشارة خليل ق ( 2010 / 12 / 15 - 02:09 )
ايها الانسانة الطيبة ليس لمصر امل بالخروج مما هي فيه...الا بمواطنين يحبون بلدهم مثلك...وبنفس السرعة التى غرقت مصر بها داخل بحر البشاعات الوهابية بنفس السرعة ستخرج لتعود الى مكانتها في قلب ووجدان كل ناطق بالضاض


6 - تحية للأستاذة اكرام يوسف المحترمة
هبة كامل ( 2010 / 12 / 15 - 07:22 )
هذا مقال نابع من القلب , وأنت صادقة بدون أي شك , لكن على اخوتنا المسيحية أن يتحملوا هذا العنت الذي فرض علهم من كذا قرن
هكذا يفسروا الأمور والأغلبية هي التي تقرر يا للحزن على مصير أهل الوطن لقد تشتتوا ولا أظن في هجمة المتطرفين الذين أعادوا البلد قرون للوراء لا أزن ستعود اللحمة كما كانت للأسف
أحييك على نظرتك الواقعية وشكراً


7 - هذه اول مرة
محمد الرديني ( 2010 / 12 / 15 - 08:14 )
اسمحي لي ايتها الزميلة ان اقول لك ان هذه هي المرة التي اشارك في هذا التعليق رغم ادعائي باني اقرأ لك بين الحين وآلاخر
انه بلاء البترول كما قال بعض المعلقين الشرفاء ويبدو ان الحل الوحيد هو تدخل اليسار عبر الاستفادة من اخطائه وتقديم رؤية جديدة يتفهمها الناس وبغياب ذلك تظل قوى البترول تعبث بالعقول
شكرا لك


8 - هذا قدرنا
كمال نجيب ( 2010 / 12 / 16 - 12:04 )
الاستاذة الفاضلة
من قدر هذه الامة أن يغلفها الفقر بالإستكانة ولا يظهر عليه الاستنفار إلا القليل لان الجهل يلتزم بعقد شرعي مع الفقر ويسعى من يجمعهم الي التطرف يمينا او يسارا ولان اليسار يقوده المثقفين في اغلب الاحوال كان كل من ينتمي اليه يحمل تحت جوانحه الثورة ومرت مصر بعهود يسارية او تكاد ... حتى ابتلينا باعداء الحرية الذين اتجهوا بدفة السفينة يمينا بدعوى التدين هو الحل واستوردوا مظهر جديد ملبسا خارجيا وداخليا وقذفوا في طريقنا بحملة مباخرهم ليشتم بخورها الجهلاء وبالطبع وان كان هدفهم كراهية الآخر مهما كان دينه كان يجب ان يكون المختلف في الدين اولا .... والحقيقة هي العدو لي هو من ليس انا والموضوع به الكثير من الالم على الطرفين بين جبار ومستكين ... وجاهل يستقوى بالدين وآخر مستضعف بدعوى الاقلية ... فلنبحث عن حل


9 - هذا قدرنا
كمال نجيب ( 2010 / 12 / 16 - 12:08 )
الاستاذة الفاضلة
من قدر هذه الامة أن يغلفها الفقر بالإستكانة ولا يظهر عليه الاستنفار إلا القليل لان الجهل يلتزم بعقد شرعي مع الفقر ويسعى من يجمعهم الي التطرف يمينا او يسارا ولان اليسار يقوده المثقفين في اغلب الاحوال كان كل من ينتمي اليه يحمل تحت جوانحه الثورة ومرت مصر بعهود يسارية او تكاد ... حتى ابتلينا باعداء الحرية الذين اتجهوا بدفة السفينة يمينا بدعوى التدين هو الحل واستوردوا مظهر جديد ملبسا خارجيا وداخليا وقذفوا في طريقنا بحملة مباخرهم ليشتم بخورها الجهلاء وبالطبع وان كان هدفهم كراهية الآخر مهما كان دينه كان يجب ان يكون المختلف في الدين اولا .... والحقيقة هي العدو لي هو من ليس انا والموضوع به الكثير من الالم على الطرفين بين جبار ومستكين ... وجاهل يستقوى بالدين وآخر مستضعف بدعوى الاقلية ... فلنبحث عن حل

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية