الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احذروا عاشوراء

نصير عواد

2010 / 12 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استمرار الهجمة على المؤسسات الثقافية والحياة المدنية بالعراق في شهر محرم بالذات، مدعوم بتصريحات رئاسة محافظة بغداد وخطباء المساجد ونواب في البرلمان والمرجعيات الدينية، يوقظ الفتنة ويفضح نوايا المخططين والمستفيدين من استمرارها. ففي هذا الشهر الحزين الذي تركت أحداثه بُعدا عاطفيا غائرا في النفوس أثر مقتل آل بيت الرسول(ص) بكربلاء، تزداد حمى التهييج الديني في الشارع العراقي وتنطفئ الحياة والأعراس والأفراح وتُرفع لافتات وشعارات سياسية بلباس ديني قد تزيد من تردي الاستقرار الاجتماعي والسلم المدني، خصوصا إذا عرفنا أن ساسة العراق الذين مروا بدمشق وقم وتشربوا بالدهاء والخبث هم من يمسك بآلة الدولة وبكتاب الله وبأسرار الطائفة وبمفاتيح الجنة وبالقدرة على تطويع مبدأ الصحيح والغلط لخدمة خطاب الحلال والحرام. فهؤلاء الذين لهم أصبع في البرلمان وآخر في الطائفة وثالث في العشيرة ليس من مصلحتهم عقلنة المشاعر الدينية وتقريب الله من القلوب، وسيعمدون إلى تشديد خطاب النهي عن المنْكر على الرغم من معرفتهم بنتائجه المدمرة في مجتمع معروف بالتنوّع القومي والديني والثقافي.
في المسيرات المليونية المشحونة بالمشاعر والعواطف الجياشة يعيش الجمهور على أطراف أصابعه، حزين متوتر، ولو هتف واحد من بين الجموع"بوركت يا زيدي على منع المنْكر" " بالروح بالدم نفديك يا يعقوبي" سوف يرددها الآلاف من السائرين على إيقاع رتيب وفي كل خطوة من خطواتهم إحساس بالذنب على مقتل "آل البيت". ولو رفع آخر صوته مطالبا بغلق المطاعم أو قتل الحلاقين أو إغلاق محلات الأزياء لأشتعل غضب الجمهور وعبثوا بدشاديشهم السود بما يصادفونه من محلات وواجهات وحدائق، بعيون دامعة وأكف لاطمة ورؤوس مشجوجة في حب الحسين. فحين يمتزج الخطاب الحسيني بآي القرآن وبخنق الحريات المدنية سيأخذ العقل استراحة مفتوحة سيكون فيها من الصعب إفهام العامة بأن الخطر الحقيقي اليوم على الوطن وليس على الإسلام، وستزداد صعوبة اختراق المجموعات المنشغلة بلقمة العيش وإقناعهم بمخاطر ما يحدث للنسيج الاجتماعي ومن خطورة تجدد الاقتتال الأهلي الذي سيعاني منه الأضعف والأجمل والأفيد، سيعاني منه المسيحي والمثقف والأستاذ الجامعي، ستعاني منه الزوجة والأم والأطفال.
إن توظيف الحوادث التاريخية والنصوص الدينية في التحريض على قمع الحريات المدنية سيستقطب ويوحد أعداء العراق الجديد من كافة الاتجاهات، سياسية وطائفية ودينية، وستكون فيها المناسبات الدينية أرضا خصبة للمزايدات والشعارات وهضم الحقوق ستكشف عن ديمقراطية أصحاب العمائم وعن صمت المرجعيات الدينية على تهديد السلم الاجتماعي، وتفضح في نفس الوقت كذب وجبن الأحزاب التي ركبت موجة الديمقراطية والعلمانية والدفاع عن الحقوق المدنية، ثم خبا صوتها وأدرت وجهها بعد أن وصل قادتها إلى الكرسي.

في الأيام القليلة الماضية رأينا مسيرات رائعة من قبل المثقفين ومجموعات النساء للمطالبة بالحقوق ولكن على المجتمع المدني ومنظماته وأحزابه والقوى الديمقراطية الساندة له التنبّه إلى الأخطار والمزالق التي ستواجههم في مثل هكذا ظروف، وأن يفتحوا حوارات ويطلقوا شعارات تدافع عن حقوقهم وحياتهم المدنية من دون الانجرار إلى الصراعات الجانبية والتصريحات غير المسؤولة التي تمس مقدسات العامة ومشاعرهم. وعلى القوى الديمقراطية الحية ونخبها المثقفة أن تأخذ بيدها قضية استشهاد الحسين عليه السلام والتوقف عند الجانب الدنيوي وإبراز القيم الإنسانية والثورية التي ضحى من أجلها، في بحوث أو قصائد أو لوحات أو مسرحيات لأنه لا يوجد ما يخيف الديكتاتور والمعمم والظالم مثلما تخيفه الثقافة ومنضمات حقوق الإنسان والرأي العالمي. فكل ما جرى من شحن في الأيام القليلة الماضية يشير إلى حقيقة أن المتصيدين في الماء العكر سيلوون الحقائق والمطالب والاحتجاجات في الصراع الدائر بالشارع العراقي وسيتوقفون فقط عند مفردة"الخمر" وسيستحضرون التاريخ والجغرافيا لتشويه الحقيقة والهجوم على الحريات المدنية حتى لو تطلب ذلك حلفا بين المختلفين على كعكة السلطة، وسيلجئون إلى بلبلة أفكار العامة عبر خطاب سداه الدين ولحمته الديماغوجيا قد يخلط الماء باللبن ويربط الوقوف ضد الفساد بالحريات الشخصية كما رأينا في شعار الصدرين بعد صلاة الجمعة (كلا..كلا للفساد - كلا.. كلا للخمور) وكما سنرى من شعارات في الأيام القلية القادمة في المواكب والحسينيات. فهذه الشعارات، الردّات، التي ورثها الشيعة من ظروف القمع عندما كانوا يوظفونها للمطالبة بحقوقهم ومواقفهم تحوّلت اليوم، بعد تحوّل الضحية إلى جلاد، إلى تهديدات للآخر ولحقوقه ولوجوده.
وهذا الصراع والشحن بين النظام الجديد وبين مؤسسات المجتمع المدني لا يضير أو يؤثر على من هم في موقع القرار، وقد يعتبره بعضهم، من باب التظاهر بالديمقراطية، بأنه ظاهرة صحية في العراق الجديد، ولكن هؤلاء المعممين الممسكين بخيوط اللعبة هم المستفيد الأول من هذا الاحتدام وسيستخدمونه ورقة ضغط في القاعات المغلقة كما استخدموه من قبل في قتل الأبرياء وتفجير دور العبادة في محادثاتهم السرية. وإن وصل المستفيدون من خنق الحريات إلى طريق مسدودة فسوف يبحثون عن وسائل أخرى لتوتير وشق الشارع العراقي قد تُلغى فيها جامعات أو تُغلق فيها متاحف، وما دعوة بعض أعضاء اتحاد الأدباء لتشكيل إتحادا بديلا لأدباء بغداد والتي قد تعقبها دعوات مماثلة لتشكيل جمعيات ومنظمات فرعية هدفها شق وحدة إتحاد أدباء العراق، إلا جزء من استمرار الهجمة على مؤسسات الثقافة العراقية وتكشف عن حقيقة الروح الثأرية التي يتمتع بها قادة العراق الجدد بعد أن فشلوا في الانتخابات التي جرت في اتحاد الأدباء والتي فازت بها القوى الديمقراطية والوطنية. وليس غريبا أن نجد الأصوات التي صرخت عند صندوق الانتخاب "واسستاناه" بعد ظهور النتائج، هي نفسها الأصوات التي لبْت الدعوة إلى تشكيل الاتحاد الجديد وكأن اتحاد أدباء العراق ليس أكثر من بناية وبضعة موظفين وصالة يلتقي فيها الأعضاء لقضاء الوقت وليس لهذا الاتحاد إرثا من الإبداع والحضور والأسماء التي ارتبطت بتاريخ العراق الحديث. فالطلفاحيون الجدد ليسوا بحاجة للثقافة والتعليم والتنوير ومساعدة البلد في الخروج من دوامته بقدر حاجتهم إلى من يوصلهم إلى صناديق الاقتراع من الطائفيين والأميين والبسطاء الباحثين عن بركات شاي"الزهرة" ونذور خبز"العباس" لذلك عمدوا في هذا الظرف العصيب إلى عزل وتشويه المثقف وتصويره على أنه كائنا نرجسيا مخمورا يفكر فقط بحريته الشخصية، جرهم ذلك إلى محاولة تصنيع أزمة"دينية، أخلاقية، اجتماعية" بين المؤسسات الثقافية وبين المجتمع الأهلي عبر طرق ملتوية وأساليب ساذجة وخطاب للمشاعر يصوّر المثقفين العراقيين كما لو أنهم يعملون بالضد من قيم المجتمع العراقي وتقاليده ومشاعره المقدسة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا ما نراه
مازن البلداوي ( 2010 / 12 / 15 - 06:37 )
الأخ العزيز الكاتب
ان ماطرحته هو واقع حقيقي بكل تفاصيله،وان استمرار الوضع السيء للخدمات انما يخدم هؤلاء،كي يبقى الأنسان منقطعا عن تواصله بالعالم ويبقي نفسه متصلا ببعض اولاءك،لكن مالااستطيع ان افهمه هو.........الى متى ستبقى القوى الديمقراطية الليبرالية تعمل منفردة؟ الا يوحدهم الخوف على البلد؟ وبدون الأتصال باية اجندات خارجية....الا يكفي حب الوطن ان يجعلهم يدا واحدة؟
ان هنالك تقصيرا من منظمات المجتمع المدني(الحقيقية) والأحزاب والمنظمات الديمقراطية في اعادة تكييف تكتيكاتها السياسية من نزول الى الشارع وطرح المحاضرات التي تبين التاريخ العراقي وتبين موضوع المآسي التي جرّها التزمت على العراق من 63 الى اليوم على اقل تقدير.....نحن لانر مثل هذه التحركات، ان تشخيص الأمراض لايكفي،العلاج اهم ياسيدي والا مافائدة التشخيص؟

تحياتي

اخر الافلام

.. توافد الحجاج لزيارة المسجد النبوي بعد إتمام مناسك الحج في مك


.. القس دوماديوس: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعاقب الراهب المص




.. بلا قيود يستضيف أم حذيفة أرملة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أ


.. مئات المصلين يتوافدون إلى المسجد الأقصى لأداء أول صلاة جمعة




.. الكنيسة تبرأت من تصرفاته.. ماذا فعل القس دوماديوس إبراهيم عل