الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخوف من الموت يجعلنا نؤمن بالله

بسام البغدادي

2010 / 12 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ الآلاف السنين و الاديان جميعاً تقرع للبشرية طبول الموت... أكثرها مثيرة للضحك هي مهزلة علامات الساعة وآخر الزمان التي كما يبدو موجودة في كل عصر و زمان.. سلطة الآلهة جميعاً وآخرهم الله لاتكمن الا في خوف الإنسان من الموت وفقدانهُ القدرة على البقاء مع الاشخاص الذين يحبهم وفي المكان الذي يحبه لهذا لجأ الإنسان الى أختراع قصة الحياة الاخرى والتي فيها سيلتقي بمن يحب ويكون له تماماً كل مايريد ليس هذا فحسب بل سيكون هذا الوضع المثالي الذي يحبه بلا أنقضاء أو نهاية. فمن كان يحب حبيباً فسيكون حبيبه او حبيبته معه الابدية بكاملها ومن كانت تشتاق لأبنها الذي أختطفه الموت ستعيش مع ابنها الابدية بكاملها ومن كان قد فقد ابيه فسيلتقي ابيه ويعيش معه الابدية كلها.

لا أستطيع أنا أو أي شخص ثاني أن ينكر روعة الابدية هذه التي يتخيلها البعض بل ويتمناها من كل قلبه. الفكرة بمجملها تدغدغ أفكاري بين الحين و الآخر لما فيها من قدرة على الجذب, تماماً مثل الشخص الذي يشتري بطاقة اليانصيب الشهرية, فرغم الامل الضعيف جداً بان يربح وتكون كل مشاكله الاقتصادية محلولة كلياً الى اجل غير مسمى, لدرجة أن أحتمال سقوط طيارة محملة براقصات فلبينيات يتحدثن الفرنسية بطلاقة على رأس الشخص هي أكبر بكثير من أحتمال الفوز الا أن روعة الفكرة التي تدغدغ أفكار الملايين هي التي تجعل الناس تشتري هذه البطاقة, وهذه الناس التي تجعل اصحاب الملايين الاذكياء والذين يملكون شركات اليانصيب يزيدون ثراء وسلطة.

الاديان ورجال الدين هي بالضبط مثل شركات اليانصيب هذه التي تبيع أحلام في الهواء للمسحوقين من البشر, أحلام بعدم الحاجة الابدية للفقراء, أحلام بلقاء الاهل والاحباب لهؤلاء الذين فقدوهم.. أحلام بلقاء شخصيات نحبها ونشتاق لها كثيراً, ليس هذا فحسب بل أحلام تحقيق أمنيات لايتخيلها عقلنا الآن بل وأكثر من كل هذا... الاديان تبيعنا حلم لانستطيع حتى أن نحلم بهِ.. ولاتقول لنا ماهو الحلم بل تقول لنا بأنه لايخطر على بالنا حتى. ونحن تماماً كالاغبياء الذين يشترون ورقة اليانصيب... نشتري هذا الحلم الذي لاندري ماهو, وعندما نموت... سواء كان الحلم كذبة أو حقيقية فلن يكون هناك من نلومه... فقد ذهبنا وذهبوا... وأنتهت حياتنا نطارد هذا الحلم وأنتهينا من الوجود الذي اليه ابداً لن نعود.

عندما أذهب الى عملي أرى بائع بطاقات اليانصيب وهو رجل كبير الجثة ومقعد يجلس على كرسي متحرك يردد نفس العبارة... منذ عشرة سنين وهو يجلس في نفس المكان كل صباح ويردد نفس العبارة.. أشتري اليوم وستفوز.. أشتري اليوم وستفوز... أشتري اليوم وستفوز. على الجهة الاخرى من الشارع يقف عادة ثلاثة أو أربعة أشخاص يحملون بأيديهم مجلات دينية تدعو لدين معين.. كلما صادف أن مر أحدٌ لجوارهم جائت تلك العبارة الكلاسيكية والتي يرموها كمن يرمي الطعم.. عذراً هل فكرت بالموت؟ عذراً هل فكرت بماذا سيحدث بعد الموت؟ عذراً هل تعرف..... الخ

عندما أفكر بالامر اليوم أجد أن الشخص الجالس على اليمين والذي يبيع بطاقات اليانصيب هو بصراحة أكثر ذكاء من الاغبياء المتهندمين والواقفين على الجهة الاخرى من الشارع... هو على الاقل يبيع الناس احلاماً ولو وقتية لكنه يربح قوته اليومي من هذا العمل الغير شريف... أما ماتقوم بهِ تلك الوجوه القبيحة على الطرف الآخر من الشارع هو نشر الرعب في صدور الناس و أجبارهم على الاعتقاد بأنهم هم فقط وليس احداً غيرهم قادر على أنقاذهم من هذا الرعب... بالنتيجة يبيعون بضاعة غير موجودة لزبون خائف تماماً مثلهم... خوفهم دفعهم لدرجة خروجهم الساعة السادسة صباحاً لبيع هذه البضاعة لأناس مثلهم... خوفهم دفعهم لمحاول العثور على أكبر عدد ممكن من الناس المرعوبين من فكرة الموت كي يتقاسموا هذا الخوف معهم.. أنه الخوف من أن أكون وحيداً.. الخوف من الخوف نفسه.

هل تخاف من الموت؟ آسف أذا كانت فكرة الموت تقلقك كثيراً... أحترم خوفك وأتمنى أن تتخلص منه لكنني أود أن أذكرك بأن الخوف يسلبنا قدرتنا على التفكير الصحيح و العقلاني و السليم... الخوف يجعلنا نتصرف بصورة غريزية بحته تدفعنا لأرتكاب أغبى الاشياء في محاولة يائسة منا للتخلص من السبب الذي يجعلنا خائفين... وفي هذه الحالة الموت. لا لن نتخلص من الموت... حتى ولو أعتقدنا بأن لنا حياة أبدية.. سنموت.. حتى لو أعتقدنا بأننا سنتحول الى ذرات من الكاربون تحوم في العدم.. سنموت.. سنموت وستختفي قصصنا وأفكارنا و أحلامنا معنا... سنعود الى حيث كنا قبل أن نكون.. تماماً في نفس المكان الذي كنا فيه قبل مليون سنة أو مليونين سنة.. هل تذكر شئ؟ نعم.. هناك سنكون.. ولا أجد من ضرورة للقلق أو الخوف.. لاننا بكل بساطة لم نكن قبل مليون عام.. ولن نكون بعد أن نموت... هل أنا متأكد من هذا؟ أقولها لك.. نعم

ماذا لو كان هناك شئ بعد الموت؟
لو أفترضنا أن كان هناك شئ بعد الموت... وهذا الاحتمال يساوي أحتمال فوزك ببطاقة اليانصيب العالمية ويساوي أحتمال سقوط طيارة محملة براقصات فلبينينات يتحدثن الفرنسية بطلاقة فوق رأسك... فلا أجد أننا كبشر قادرين على التأثير على حياتنا القادمة بأي شكل من الاشكال تماماً كما كنا عاجزين عن أحداث أي تأثير على حياتنا الحالية من خلال حياتنا السابقة, فلن يكون لحياتنا الحالية أي تأثير على حياتنا القادمة. هل كانت أفعالك في حياتك السابقة سبب سعادتك أو تعاستك الآن؟ فلماذا تعتقد أذن بأن حياتك القادمة ستتعلق بما تفعله في حياتك الآن لدرجة أن خوفك يدفعك لأعطاء أموالك وسلطة عقلك الى أصحاب الالسن السليطة من رجال الدين وكل من هب ودب وتحدث بأسم الإله أي كان؟

الموت هو الحالة الطبيعية للغالبية العظمى من المادة في الكون... حتى لو أفترضنا وجود حياة أخرى غير حياتنا فأن الموت كان وسيبقى هو الحالة الطبيعية والتي تخترقها بعض خطوط الحياة هنا وهناك في هذا الكون العاصف.. ما أن تلبث حتى تخبو وتعود الى طبيعتها الاصلية.. طبيعتها الام.. السكون. الموت حقيقة كما هو الميلاد.. وبين الاثنين فهذه هي حياتك... أنت من يقرر ما أذا كنت ستقضيها خائفاً من نهايتها الحتمية أو أن تعيشها كنعمة أستثنائية قياسياً شبه مُستحيلة عندما نقارنا بكل هذا الكون الميت من حولنا. فعش حياتك وتمتع بها... بدل من أن تقضيها خائفاً من شئ طبيعي جداً, تماماً كموت التفاحة الحمراء التي أقضمها الآن.

بسام البغدادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا هلة
مازن البلداوي ( 2010 / 12 / 14 - 18:52 )
وين ياغايب
عودة مباركة وموشحة بالآس والشموع
أكيد ان الخوف يفعل اكثر من هذا
تحياتي


2 - تحياتي ايها البغدادي
عيسى ابراهيم ( 2010 / 12 / 14 - 23:21 )
لافض فوك يا أستاذ بسام ،واقتنص هذه المناسبة لاشكرك على ترجمتك لكتاب وهم الإله لريتشارد دوكنز ....وفي الحقيقة هذه أول مرة اجد اسمك في الحوار المتمدن مع أنه لك أكثر من عشرين مقال في الموقع .....واتمنى من حضرتكم الاستمرار بالكتابة في هذا الموقع واتمنى بان يكون لك موقعاً فرعياً بأقرب وقت ....
مع تحياتي ومودتي لك ايها الرائع دوماً
عيسى ابراهيم


3 - حياتك جنتك
سالم احمد ( 2010 / 12 / 15 - 01:28 )
حياتك جنتك فابدعها كما تريد. وما أجمل الحياة ان تكون بلا معنى!! لأنه عندذاك تعطيها المعنى الذي تريد!! مع تحياتي


4 - الأستاذ بسام بغدادي المحترم
هبة كامل ( 2010 / 12 / 15 - 07:32 )
أستاذ قرأت لك من فترة بعيدة ترجمة كتاب وهم الاله ثم نسيتك . لكن النوتة التي أخذتها عن ترجمتك كانت تذكرني بك كلما مررت عليها بيت فترة وأخرى ,
أشكر الظروف أن جعلتني ألمح اسمك اليوم كتابتك رائعة وممتازو
وأنا أعجب بتفسيراتك العميقة واتمنى أن أقرأ لك باستمرار
وشكراً على مقال اليوم أيضاً


5 - كنا ميتين قبل ان نولد
مارا الصفار ( 2010 / 12 / 15 - 09:34 )
الخوف من الموت يفعل الكثير
الخوف شل حياتنا وتطورنا ومسيرتنا
شوه افكارنا وافكار اجيالنا القادمة
بعثر طموحاتنا واحلامنا

نحيا ميتون من اجل ان نموت ونعيش فيما بعد - هل هناك سخرية اكثر من ذلك

الخوف من المجهول سلعة المتدينون الرائجة
نتوق جميعا لنتوقف عن شرائها والترويج لها
دمت لنا ايها الشجاع
وللمزيد من النور


6 - لماذا نزلت الأصاطير من سماء الصحراء
حميد كركوكي ( 2010 / 12 / 17 - 10:51 )
مقال رائع ، والله إجحاف بحق الصينيون والجاپان و أمريكا الشمالي والجنوبية وأستراليا ومن ثم أفريقا ومن بعدها أوروپا ، مو ولك الله عنده قنطرات مع أولاد السام ، العبريون والعربيون ؟ وأحنا شنو ؟ كوردي الله مايعرف كوردي ، شلون أبله فقط يعرف عبري و عربي و شوية آرامي ، وحتى ما نزل لوحة حجر أو خشب بالتركي ، ولذلك أسعر أن العجم الفرس و أقارب أبي الترك ! ماعندهم مخ ، ولك مو تطلب منه { الله } كتاب بالتركية والفارسية ، وحتى بالكوردي الأربيلي ، حچاية بايخة ما تسوة عانة ، لكم كتاب طبعت جديدا من قبل العالم الجينات SPENCER WELLS / PANDORAS SEED


7 - أطيب شي
هالة قداح ( 2011 / 7 / 26 - 11:08 )
اطيب شي بهالمقال
التفاحة الحمرا
ما بعرف ذكرتني بنكهة الخطيئة الأولى
عم بمزح ...
تحياتي

اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة