الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام القسري

أحمد عصيد

2010 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العقيدة شأن شخصي، أي أنها اختيار حرّ للفرد المؤمن، الذي يقتنع ويمارس فعل التصديق والإنخراط في دين ما، وأداء شعائره عن طواعية، بعد أن يبلغ سنّ الرشد مع تمتعه بكامل قواه العقلية. وباستثناء فترات الحروب القديمة حيث كانت الشعوب تهاجم بعضها البعض بسبب العقيدة ـ أو بذريعة الدين الذي يخفي مآرب أخرى دنيوية ـ وتحاول فرض معتقدها بالسيف أو بالترهيب أو بالإغراء والترغيب، فإن اللحظات التي كانت تلي فترة الحرب والمواجهة العسكرية تعرف إما ارتداد الناس عن العقيدة المفروضة، أو انخراطهم التدريجي فيها بعد أجيال بشكل سلمي، وبدون حروب مقدسة أو أي شكل من أشكال الإكراه والعسف، وفي إطار دولتهم المستقلة عن أي احتلال أو غزو أجنبي، حيث يتمّ ذلك عبر أشكال التبادل الثقافي والمبادلات التجارية والهجرات والتمازجات العرقية والإثنية البطيئة. ومعنى هذا أن فعل الإيمان لا يتمّ إلا في إطار الحرية، بينما يتحول إلى إيديولوجيا تتمّ مقاومتها عندما يكون مخططا خارجا عن إرادة الأفراد بل ويستهدف أساسا حريتهم واختياراتهم المبدئية، ويرمي إلى خدمة أغراض الغير وجعل الإنسان والعقيدة معا مجرد وسيلة لبلوغ مرام غير شريفة.
يعني هذا أن الإيمان في جوهره، سواء في الماضي أو في العصر الذهبي لحقوق الإنسان الذي نعيشه، هو من حيث المبدإ اختيار حرّ مسؤول وعاقل، وليس نسقا تسلطيا مفروضا بإكراه، وأن الذي يجعله كذلك في معظم الأحيان هو الإيديولوجيات السياسية وصراع المصالح التي فتحت شهية الغزو والإحتلال والإنتفاع والهيمنة والتوسع والحكم باستعمال العقيدة، التي جعلت أفعال البشر تعرض على أنها فتوحات تتمّ تحت رعاية السماء.
ويمكن بهذا الصدد اللجوء إلى نصوص الدين الإسلامي نفسها، التي تشير إلى أن "لا إكراه في الدين" أو "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، إذ رغم أن هذه النصوص ليست تعني حرية المعتقد كما هي متعارف عليها اليوم، كما لا تعني التسامح الديني لأنها لا تتضمّن قبول الآخر المختلف، إذ تؤكد قبل كل شيء على أنّ "الدين عند الله الإسلام" و على أن المؤمن "يولد على الفطرة"، مما يجعل المختلف منحرفا و"كافرا"، أي في صورة سلبية ووضعية مرفوضة عقائديا، ويسمح بالتالي بممارسة العنف عليه من طرف المؤمنين الذين يعتبرون وجوده بينهم "استفزازا" لمشاعرهم، رغم ذلك يمكن القول إنها نصوص تفيد وجود إرادة لدى الشخص تمنحه حق الإختيار بين دين وآخر، مع التأكيد على عدم تساوي الأديان في قيمتها في الإسلام، إذ هناك "الدين الحقّ" وهناك الديانات "المحرّفة".
إذا سلمنا بأن العقيدة اختيار حرّ للفرد كما أسلفنا، فإن الثقافة التي تنتشر بين ظهرانينا سواء بتأثير السياسة التي تنهجها السلطة، أو من جراء انتشار إيديولوجيات دينية عابرة للقارات، تكاد أن تُحوّل الدين إلى "عقيدة قسرية". فالنسق السياسي المغربي الذي ما زال يصرّ على الخلط بين الدين والسياسة وشرعية الحكم في غياب الأسس الفعلية للديمقراطية ولدولة المؤسسات، يقوم أساسا على فكرة التنميط الإيديولوجي للمغاربة باعتبارهم مسلمين، و إذا كان أحد ما شاذا عن هذا الإطار فلن يكون إلا من الأقلية اليهودية، ولهذا يتمّ التركيز على إلحاق نعت "اليهودي المغربي" عند ذكر عمران المليح أو السرفاتي، بينما لا يُشار إلى غيرهما بنعت "المسلم المغربي" لأنّ ذلك أمر بديهي بالنسبة للسلطة وللمجتمع الذي يتغذى على إيديولوجيا السلطة ويرضع من لبانها صباح مساء.
في القانون الجنائي المغربي يُتحدث عن العقوبات التي تطال من يأكل في رمضان أو يشتري الكحول بصيغة "من اعتُبر مسلما"، أي اعتبر مسلما من طرف السلطة، مما يعني أنّ الدولة تعتبر المغربي منذ ولادته مسلما بالفطرة وليس عن اختيار، وتحاكمه من هذا المنطلق، إذ لا يحق له تغيير دينه بعد بلوغه سنّ الرشد بدليل عدم اعتراف المغرب بالمواطنين الذي غيروا دينهم إلى المسيحية رغم أنهم يتجاوزون في تعدادهم اليهود المغاربة بعشر مرات (ما بين 35 و44 ألف حسب التقديرات المتداولة).
لهذا أيضا لا تسمح الدولة المغربية بالزواج المدني إذ تفرض على المغربي الراغب في الزواج أن يقوم بذلك في إطار ضوابط المؤسسة الدينية التقليدية وبصك شرعي وبحضور عدول، ورغم أن الزوجين قد لا يكونان مقتنعين بتلك الطقوس الدينية، أو قد يكونان خارج دائرة الإيمان بالأديان أصلا، إلا أنهما لا يجدان خيارا غير ذلك، وهذه من مظاهر الإسلام القسري التي لا غبار عليها.
وفي التعليم يبدو هذا الإسلام القسري بصورة لا تخلو من عنف، فالسلطة حريصة على جعل المغاربة مسلمين بقوة، بل تعتبر ذلك من أهداف التعليم الرئيسية، و من شدّة حرصها على ذلك فهي تزيد من جرعة المواد الدّينية في المقررات الدراسية بطريقة لا عقلانية تؤدي إلى نتائج مضادة لأهداف التربية العصرية ولقيم المواطنة والمساواة بشكل فاضح، وقد يصل الأمر إلى حدّ تقديم معطيات غير صحيحة من أجل ترسيخ الإيمان كما هو الشأن في قلب العديد من السلبيات و إظهارها كما لو أنها إيجابيات، وما يقال عن مجتمع الصحابة في صدر الإسلام أو بعض ما يقال عن الديانات الأخرى في مقارنتها بالإسلام أو ما يروى عن حياة العرب وثقافتهم قبل الدعوة النبوية وتقديمها على أنها "ظلمات الجهل" التي سيسطع عليها الإسلام بنوره فيما بعد إلخ..
وفي وسائل الإعلام تفرض السلطة على القنوات الرسمية البدء بالقرآن والختم به، إضافة إلى الدروس الدينية، ولا تسمح لأية عقيدة أخرى بالظهور بما فيها اليهودية التي تعترف بوجودها بالمغرب منذ آلاف السنين.
وفي الشارع تكتسي العديد من مظاهر العنف الرمزي طابعا مشروعا بسبب تكريسها لنمط من التدين السطحي المبني على النفاق الإجتماعي بشكل كبير، فالرقابة على الأشخاص في رمضان، و الإغلاق الإجباري للمقاهي والحانات، ومحاصرة المرأة العصرية التي أصبحت مهددة بسبب لباسها ومظهرها، حيث النظرات الشزراء والعنف اللفظي والنميمة لها مفعول قهري هدفه إلزام لنساء بنمط من التدين المظهري الخارجي، وهو عنف يتمّ تبريره دينيا بضرورة "الستر" حتى ولو لم تكن المرأة عارية وكانت بلباس أنيق دون أن تضع غطاء الرأس. كما أن أبواق المساجد أصبحت تطلق بشكل احتفالي منذ الفجر بطريقة لا يقبلها الذوق السليم ولا آداب احترام الغير، وأصبحت تبدو كما لو أنها انتهار للناس وانتقام من النائمين أكثر من كونها آذانا للصلاة، ورغم استنكار أغلبية المواطنين لذلك في مجالسهم الخاصة، حيث لا يستيقظ لصلاة الفجر إلا أقلية منهم، إلا أنّ لا أحد يستطيع الشكوى بسبب الخوف من ردود أفعال غير متسامحة. وفي التاكسي ووسائل النقل العمومية إذا كان من الممكن لأي مواطن أن يطالب بتخفيض صوت الشريط السمعي إن كان به موسيقى أو غناء، فلا أحد يجرؤ على المطالبة بالشيء نفسه إن كان الأمر يتعلق بشريط ديني، حتى ولو كان من نوع الأشرطة المزعجة التي ينشرها وُعّاظ جهلة وأميون.
يمثل "الإسلام القسري" أحد مظاهر ردود الأفعال النكوصية ضدّ تحولات المجتمع المغربي وتطوره نحو الحداثة السياسية والثقافية والمجتمعية، وهو إسلام يقتات من الصمت والتواطؤ، مما يجعل طرح ظواهره للنقاش أمرا لا يخلو من أهمية في السياق الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها آخر انفاس الخرافة الدينية
ميس اومازيــغ ( 2010 / 12 / 15 - 19:39 )
ايها الأستاذ المحترم لا تشغل بالك بمثل ما اوردته في مقالتك ان ايمازيغن لبالمرصاد للغزاة الجدد . و اليوم ليس يا استاذ هو الأمس و حفيد ثيهيا اليوم لثائر ثم ثائر ولن تغمض له العين الا بارجاع الأمور الى نصابها.ما يفوق 1400سنة من الأستغلال و التتجهيل و التفقير و التهميش ليست زمنا قصيرا و اليوم يتعين على كل غيور على ثامزغا و ما اريق عليها من دماء ابنائها ان يشمروا على سواعدهم لتقليم اظافر حفدة الغزاة و كل مستلب ومخدر.لو كان الأسلام حقا لأسعاد معتنقيه لما سربلهم الظلام لأكثر من 1400سنة. في الوقت الذي حققت اسرائيل وجودها على الأرض في ضرف 60سنة و فاقت كل الخرافيين الدينيين في كل المجالات رغم تضامنهم وصياحهم وولولتهم وهرولتهم.لا مستقبل سعيد لأخينا سوى العلمانية و ترك ما للسماء لها و ما للأرض لهذه.
ثانميرث ارغان


2 - دين قسري فعلا
ابراهيم الأخصاصي ( 2010 / 12 / 16 - 00:58 )
الكاتب مشكور على ما كتبه فهو عين الصواب لانه يطابق واقع الحال، إنه الجانب الذي لا يناقش في بلدان الدين المسيس، ما قاله المتدخل الثاني في غير محله، فالزواج في إطار الإسلام هو زواج ديني يتم في إطار ضوابط شرعية معروفة في الشريعة الإسلامية وتشغل الكثير من الآيالت و الاحاديث، وهو عقد يجريه عدول وليس أي كان ويعتبر صكا شرعيا يجعل التعاقد مقبولا ديتيا ويجعل الأبناء الذين يتولدون عنه مسلمين أي أبناء -حلال- في إطار الإسلام، ومجال الأحوال الشخصية كله ديني، و ما زالت النساء العصريات يكافحن من أجل تعديل النصوص المجحفة


3 - فقدان المناعة الثقافية المكتسبة
اوشهيوض هلشوت ( 2010 / 12 / 16 - 20:20 )
شكرا للسيد عصيد على مقاله هدا الدي يكشف ما آل اليه الحقل الديني في المغرب بسبب رياح البداوة القادمة من الحجاز معطرة برائحة البترول
ان هده البضاعة المهربة الى المغرب على يد ((تجار المخدرات)) قد افقدت المغاربة دوقهم الليبرالي المتسامح مع الغير وحولتهم الى تابعين دينيا لبدو الخليج بل واصبحوا يحتلون المراتب الأولى في قيادة التنظيمات الارهابية عبر العالم
هكدا اختفى ((الاسلام المغربي))السطحي اسلام التسامح و التعايش الخضرة والماء والجمال....... ليحل محله اسلام الاقصاء والعنف البداوة والصحراء والحجامة وبول البعير...
بريق الأمل في المستقبل هو النكسات المتتالية للخونجة في مناطق ميلادها وانفضاح امرها في الهوامش
تحياتي الخالصة/تانميرت ايرغان


4 - عين الصواب
الزمراني يدير ( 2010 / 12 / 19 - 20:53 )
حقيقة ما ورد في مقال الاستاذ احمد عصيد عن الاسلام القسري الممارس في الكثير من الدول
العربية فهو عين الصواب .فالعديد من المغاربة ينتابهم نفس الشعور تجاه الاسلام القسري
لكن تنقصهم الجرأة اللازمة للجهر بذلك لا لشئ سوى الخوف كل الخوف من رد عنيف رد فعل عنيف تجاههم وهذ ا ما يؤكد مااشار اليه الاستاذ عصيد .


5 - هل حان الوقت
otamki ( 2011 / 12 / 3 - 01:49 )
ما جاء في مقال الأستاد عصيد إن دل على شيء فإنما يدل على رأي ربما يستحسنه الكل سرا لما له من بعد فكري ديني عقائدي فطري ومن خاض فيه جهرا ربما يدخله الأمر في دوامة لا يخرج منها إلا بتكفيره. فهل حان الوقت إذا في ضل هذه المتغيرات والمسميات الربيعيه - الفل والياسمين- التي فاح عطرها عند جيراننا أن يجد أمازيغ شمال أفريقيا إسما لزهرتهم التي يحاولون زرعها في أرض صارت لغيرهم؟


6 - هل حان الوقت
otamki ( 2011 / 12 / 3 - 01:58 )
ما جاء في مقال الأستاد عصيد إن دل على شيء فإنما يدل على رأي ربما يستحسنه الكل سرا لما له من بعد فكري ديني عقائدي فطري ومن خاض فيه جهرا ربما يدخله الأمر في دوامة لا يخرج منها إلا بتكفيره. فهل حان الوقت إذا في ضل هذه المتغيرات والمسميات الربيعيه - الفل والياسمين- التي فاح عطرها عند جيراننا أن يجد أمازيغ شمال أفريقيا إسما لزهرتهم التي يحاولون زرعها في أرض صارت لغيرهم؟

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa