الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة أفاضتها انتخابات مصر البرلمانيّة...!

باهي صالح

2010 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صدقا أقول أنّي شعرت بالخجل أثناء متابعتي لأحداث و إرهاصات انتخابات مصر النيابيّة لأنّي تذكّرت أنّ العالم يتفرّج علينا، و لا شكّ كما رأينا أنّ تلك الإنتخابات تترك انطباعات مخجلة و غاية في السّوء لأنّها توحي بأنّ هذا البلد العريق بتاريخه و حضارته لا يكاد يفرق كثيرا عن موزمبيق أو جيبوتي أو ساحل العاج أو أيّ دولة إفريقيّة صغيرة غارقة في عصور تخلّفها المظلمة...!

و رغم أنّ أغلب الدّول العربيّة سواء بسواء شكلا و مضمونا فيما يخصّ انتخاباتهم و طرقهم العجائبيّة في ممارستهم للدّيمقراطية الّتي بدل أن توزّع السّلطة و تفتح باب التّداول عليها، و بدل أن تفرز الأكفأ من المرشّحين و الأحزاب و الأكثر شعبيّة و طلبا من النّاس كما يحدث في كثير من دول العالم، فإنّها على العكس أي الدّيمقراطيّة العربيّة الفذّة من نوعها تؤدّي إلى اليأس و الإحباط الإجتماعي و الانسداد الكلّي لكلّ العملية السّياسيّة جذريّا و تحويل العمليّة الانتخابيّة إلى تمثيليّة بايخة مضحكة الهدف منها السّخريّة من شعوب أو بالأحرى من قطعان المنطقة و الضّحك عليهم و التّمادي في تكريس و فرض الأمر الواقع المتمثّل في إبقاء صولجان الحكم و توريثه مدى الحياة بيد حاكم وحيد و عائلته، أو بيد جماعة أو قبيلة أو مجموعة من القادة و الجنرالات...!

بيد أنّ الشّيء الّذي دعاني إلى تخصيص مصر التّاريخ و الحضارة بهذا المقال رغم أنّ معظم الدّول العربيّة كما قلت متشابهة هو أهمّية مصر، هو حجم مصر ثقافيّا و سكّانيّا و فكريّا في منطقة الشّرق الأوسط، هو أهمّيتها الأساسيّة بالنّسبة لمحدّدات التّوازنات الإستراتيجيّة و الجيوسياسيّة إقليميّا و عالميّا، و أهمّيتها بالنّسبة لقضيّة العرب الأولى و هي قضيّة فلسطين و مصير الشّعب الفلسطيني، و أهمّيتها أيضا لقضايا التّنمية و مشاريع النّهضة العربيّة المجمّدة منذ عشرات السّنين...!
ليس هناك خيار أمام الدّول العربيّة غير أن تسير في ركاب مصر و هي المحسوبة على عقيدتهم و عروبتهم، فإن تقدّمت مصر تقدّم العرب و إن تخلّفت تخلّفوا...هي دليلهم و منغّم إيقاعهم في مسيرة التقدّم أو الانحطاط بحكم حجمها و طغيانها و أهمّيتها...!

العرب متخلّفون إقتصاديّا و فكريّا و صناعيّا و في كلّ المجالات لأنّ مصر متخلّفة، و الحكّام في الدّول العربيّة يبقون في الحكم مدى الحياة و يورّثونه لأولادهم و أقاربهم لأنّ حكّام مصر يفعلون ذلك، و الحياة السّياسيّة راكدة و مستوى السّياسيين و المعارضة و المفكّرين و النّخب مثير للشّفقة، و الانتخابات الّتي تجري في تلك الدّول مجرّد ديكورات و مسرحيّات مكرّرة مملّة حدّ القرف لأنّ كلّ ذلك يحدث مثله في مصر و هكذا...!

و لن تبدأ مسيرة التّغيير الحقيقيّة إلاّ إذا قرّر الشّعب المصري فِعلها و حينها ستحذو كلّ الشّعوب العربيّة حذوه و ستجد هذه الشّعوب نفسها سائرة في ركاب مصر و منجرفة مع تيّار تحوّلاتها الجارفة شاءت أم أبت...!

قلت و أنا أتابع سير مسرحيّة الانتخابات المضحكة و المقزّزة في آن واحد في مصر..و لسان حال المسرحيّة يصرخ "الكلاب تنبح و القافلة تسير"...أتابع يأس و قلّة حيلة الشّعب المصري المغلوب على أمره بمعارضته و أحزابه و مفكّريه و نخبه و كلّ أطيافه أمام تجبّر و تعنّت و لا مبالاة النّظام و أزلامه بطريقة استفزازيّة قلّ مثيلها، و كأنّ مصر مزرعة مملوكة لآل مبارك و عائلته و الشّعب فيها مجرّد قطيع متهالك من الدّوابّ و الماشية بينهم مجموعة من الكلاب النّابحة الّتي لا تضرّ داخل زريبة القوانين و الأحكام العرفيّة و أجهزة الأمن و المخابرات المكلوبة و المسعورة...!

الملايين من الشّعب المصري حانقون و غاضبون و متململون و يائسون و منفعلون و النّظام المصري لا يأبه و لا تطرف له عين...راكب على قلوبهم و على أرواحهم و هم كارهون...ماض في سياسة الاستعباد و الاضطهاد و التّوريث إلى ما لا نهاية غير آبه لأحد..!

تعود أسباب بوادر أكبر انتكاسة فكريّة و ثقافيّة ونهضويّة وحضاريّة في رأيي للشّعب المصري إلى عشريّة الأربعينات تاريخ بدأ اكتشافات النّفط في بعض دول الخليج خاصّة السّعوديّة، لكن لم تتبلور ملامح تلك الانتكاسة و لم تبدأ مسيرة الاندحار و الانحدار المتسارعة في كلّ المجالات إلاّ عندما بدأت أموال الذّهب الأسود تهطل بلا حساب و بلا توقّف على آل سعود...!

أوصلت ثروة البترودولار الفكر الوهّابي الظّلامي إلى أرض الفراعنه...أوصلت إلى هذه الأرض الفرعونيّة هوس الشّعوذة و التّداوي بالرّقى و ببول الإبل...أوصلت لهم فتوى رضاعة الكبير و الإعجازات الزّغلوليّة المضحكة كانشقاق القمر و غمس الذّبابة و الفوائد الصحّية و السّحرية للحبّة السّوداء...و هكذا صنعت و أدلجت أموال النّفط جماعة الإخوان و موّلت خاصّة منذ عشريّة السّبعينات صحوة الغباء و الهمج و التخلّف و سوء الأخلاق و بغض الآخر، حتّى تحوّلت مصر أمّ الدّنيا إلى مسخرة عالميّة بامتياز في كلّ مجالات و مظاهر الحياة، ليس في الانتخابات البرلمانيّة و الرّئاسيّة فحسب، بل في كلّ أحوال الشّعب المصري الإقتصاديّة و السّياسيّة و الثّقافيّة و تحوّلت هذه الدّولة العريقة و العظيمة بتاريخها إلى مهزلة في الأخلاق و الفكر و في الإعلام و حتّى في مظاهر اللّبس و أصبحنا لا نتحرّج من مقارنتها بدولة إفريقيّة صغيرة لا زال سكّانها يعيشون في العصر الحجري مثل مالي أو النّيجر أو موزمبيق...!

من أهمّ الأسباب في رأيي الّتي عرقلت مسيرة التّنمية البشريّة و المادّية في مصر هي الصّحوة الإسلاميّة الّتي لم تتحمّل مبدأ فصل الدّين عن السّياسة، بالإضافة إلى ما أحدثته تلك الصّحوة من آثار تخريبيّة في عقليّة و شخصيّة الإنسان المصري عموما جعلته يهبط بأدائه في الإبداع و الإنتاج إلى أدنى مستوياته و لا يهزّ هذا الإنسان تخلّف أو فساد بقدر ما يهزّه و يهيّجه خبر عن فتاة مُنعت من ارتداء الحجاب في بلد ما أو مئذنة جامع لم يُسمح بإعلائها في بلد آخر...!

انسحقت مصر تحت عجلات و جنازير دبّابة البترودولار الجبّارة...كلّ ما يجري لمصر اليوم بدأ فقط منذ بضعة عقود، صحيح أنّ الدّيانة الرّسميّة للمصرين هي الإسلام منذ الفتح الإسلامي المبارك للصّحابي عمرو بن العاص سنة 641 ميلاديّة، و بغضّ النّظر عن الجدل القائم عن سلبيات و إيجابيّات غزوة بني يعرب لأرض حضارة الأهرامات، و بغضّ النّظر أيضا عمّا جرّه الفتح الإسلامي على بلاد الفراعنة وما فعله مدّ الدّيانة المحمّديّة في قوانين و تشريعات و اقتصاد وأخلاق و حتّى ذكاء المصريين...فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ وصول العرب إلى مصر و إعادة تشكيل و قولبة ثقافة و فكر شعوبها بقالب ديني و لغوي جديد أتى به الغزاة جاهزا و مشبعا بالحماسة من أهل العربان من سكّان اليمن و شبه الجزيرة العربيّة و ركّبوه دون إذن من أحد على هُويّة كان المصريّون لا يُعرفون إلاّ بها، و على تاريخ أمجاد كانوا في الآنام يُذكرون بها... جاء عمرو بن العاص وجنوده يحملون معهم ثقافة و عادات و أفكار أرض الرّمال، و جاؤوا يستقوون بلواء الدّين و واجب الدّعوة... وما إن نصرهم اللّه و فتحها لهم و احتلّوا و استوطنوا و استقرّوا حتّى باشروا حملة ممنهجة للتّطهير الفكري و الثّقافي و العَقدي أبرزها طمس و محو كلّ ما وجد عليه سكّان مصر آباءهم و عرفوه و ورثوه منهم، في الوقت نفسه كرّسوا و رسّخوا مبادىء و تعاليم دين جديد بكلّ أساليب التّرغيب والإكراه حتّى أبلغوا رسالتهم و واجب دعوتهم درجة التّقادم و التراكم و حتّى أنسوا أهل الدّيار أصلهم و تاريخهم و العناصر المميّزة لهويّتهم و ثقافتهم و أمجادهم القديمة...!

لا شكّ أنّ تاريخ مصر كان سيأخذ منحى و مسارا مختلفا لو لم يصل إليها عمرو بن العاص و يفتحها و يُدخلها راغبة أو مُكرهة حظيرة العروبة و الإسلام...و ربّما كانت مصر و الدّول العربيّة على حدّ سواء..ربّما كانوا سيكونون أفضل حالا و مآلا لو بقيت مصر فرعونيّة و غير محسوبة على بني يعرب و المسلمين...؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بوركت يا اخ باهى
جاك عطالله ( 2010 / 12 / 15 - 21:09 )
اشكرك اخى الكريم على مقالك الرائع والمنصف
اتخيل ان بعث ملوكنا العظام رمسيس او احمس او خوفو او حتشبسوت على ارض مصر اليوم ماذا سيقولوا عنا وعن الاحتلال الصحراوى الذى اوصلنا لمكانة مهينة لنا بعدما افرغوا امراضهم ونزواتهم الشاذة فى المصريين كانهم صندوق القمامة -- اننا نحمل عملاء النظام البترلاودولارى من خونة المصريين مسئولية وهبنة عقل و جسم مصر لصالح اسيادهم وبيعهم لمصر بثلاثين من الفضة و سومهم المصريين سوء العذاب و افلاسهم لمصر من توحش الفساد والسرقات - وانتهز الفرصة لاناشد جميع المصريين الشرفاء الاتحاد و بدء العمل الجماعى لنفض المجرمين عن روح وجسد مصر الطاهرة واعادتها لمجدها الغابر - يكفينا بهدلة وجوع وعرى وعطش و علينا ان ننتفض ونقف وقفة رجل واحد لننشىء الدولة المدنية العلمانية ونستعيد وحدتنا الوطنية ونحاكم الجراد الصحراوى و اتباعه حتى يأخذ جزائه العادل ويجب ان يدرك المصريين جميعا ان الدولة المدنية هى الضمان الوحيد لنا و لابنائنا واحفادنا فى العيش الكريم ولاستعادة امجادنا الغابرة,,


2 - من المستفيد من تدمير مصر
Amir Baky ( 2010 / 12 / 15 - 22:00 )
قام عبد الناصر بالفكر الرئاسى وهدد هذا الفكر ملوك المنطقة. وفى هذا العهد ظهر فطاحلة الثقافة فى الرواية و الأدب و الفن بمصر. فكان لابد من شراء ذمم الرؤساء العرب الحاليين بالمال ليعودوا للملكية سواء بالتزوير أو التوريث. وبعد نجاح هذه الخطة تطور الأمر بإستعمار ثقافى ممنهج للشعب للقضاء على المبدعين و المفكرين عن طريق مخدر الدين. فعندما تتحكم الوهابية بالحاكم و المحكوم يمكنها إعلان تبعية مصر لها. فمليارات الريالات التى دخلت جيوب الحكام و الموالين للوهابية بمصر من الإخوان و بعض الشيوخ و الكتاب كفيل بتحقيق النجاح لخطة إحتلال البلد. فبعد ظهور البترول تم غزو مصر مرة أخرى لأنها أخذت مكان السعودية قرون من الزمن. ولو نضب البترول ستعود مصر لمجدها.

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah