الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقليعة العثمانية الجديدة

شبلي شمايل

2010 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد أن عجزت الحركة الإسلامية عن انتزاع نفسها من المودودي وسيد قطب، وبعد الفشل الذريع الذي تعرضت له التجربة السودانية (تمزيق البلاد وإفقار الناس وإبقاء فتيل القتال والقتل وقياس التدين بالقدر الذي يضغط فيه البنطال على جسد المرأة)، والمجازر الشنيعة التي رافقت التجربة الصومالية (منذ أسلمتها وتسليم أمرها للمحاكم الشرعية وطالبانهم الشباب المجاهد). والإنحدار الفسادي الإستبدادي للأحزاب الإسلامية في العراق.. بدأ بريق "الإسلام هو الحل" يخفت، ولم يتبق من عروس تعرض في سوق الزواج السياسي إلا رجب طيب أردغان وحزب العدالة والتنمية. فجرت عملية ترجمة أردغان إلى اللغة العربية على مبدأ ابن خلدون (إذا عربت خربت)، فصار الإخوان وأهل السلف، يتحدثون عن مآثره الدينية وورعه وخوفه الله في وحدته ومكتبه وسفره، وعندما شرب الرئيس التركي غل الماء أمام بعض زواره في رمضان، لم يتورع أحد الإسلاميين عن الكتابة بأن "الله أهداه لكثرة سفره وأشغاله شربة ماء النسيان". وعندما حافظ على علاقات بالإسرائيلي قالوا إنما يريد بها رفع الضيم والحصار عن غزة هاشم، وعندما فتح قناة تركية عربية لا تختلف عن قنوات الإستهلاك المصرية، كتب صحفي عربي عن تدرج حزب العدالة في الأحكام حتى لا ينفر الناس من الإسلام". باختصار أكثر منه ابتسار، طلع من بيت الزط مؤذن، كما يقول المثل الشعبي، فبدأت عملية النسخ والاستنساخ، فولد حزب عدالة هنا وآخر هناك، باعتبار أردوغان قد جمّل الإسم والمكان، فخطى الخطوة بعض السوريين الإخوان، على مبدأ العصرنة والتحديث والمتجددات، فأطلقوا اللحية والعبادات، وروجوا لكراهية الأقليات، وأطاعوا الله ومن يدفع من السفارات والحكومات.. وتبعهم بعض المغاربة، فدخلوا البيوت من أبوابها الملكية، وصاروا صوت الحداثة الشبابية الإسلامية التي يحملها أمير المؤمنين.. وفي مصر تنازعت الرؤوس، فصار الأمر إلى حالات فردية وأقلام صحفية واستشارات تركية مدفوعة سلفا.. وللحق أن يقال، كان أكثر الناس براعة، الإخوان الفلسطينيين في جزيرة أمير قطر، حيث وظفوا مركز الدراسات الاستراتيجية للترجمة عن التركية واكتشاف عبقريات أوغلو والنيو عثمانية.
المأساة ياعالم، أن الحزب الإسلامي الوحيد الذي وضع في الزبالة كل برامج الأحزاب الإسلامية في العالم، أي رفض الحدود الجالدة الراجمة القاضمة للإعضاء، أو تعديل الأحوال الشخصية، احتراما لدستور البلاد العلماني (وليس العثماني!)، وقمة طموحه قبول الحجاب في الأماكن العامة لا منع السفور في البلاد، ولا يطرح أي تعديل على الدستور العلماني أو قضية فصل الدين عن الدولة بل يؤيد ذلك، ولا ينتقد أتاتورك، بل على العكس من ذلك تقف تركيا ثلاث دقائق صمت صباح ذكرى وفاته، وقد منعت وحجبت اليوتوب في تركيا لمدة عامين لأن الموقع تعرض لمؤسس تركيا الحديثة وليس من أجل نشر الرسوم الكاريكاتورية.
ومع ذلك تروج الجزيرة والرسالة والإصلاح وشخصيات اتحاد علماء المسلمين لما تسميه العثمانيون الجدد.. فعن أية عثمانية يتحدثون.
لم تمت الخلافة العثمانية إلا بعد أن طال مرضها وصارت عالة على البشر من الترك والكرد والعرب والعجم، وما عمليات التجميل باسم الوحدة الإسلامية واستمرارية الخلافة الإلهية، من سيد قطب إلى بعض العلمانيين الإنتهازيين لهذه الحقبة، إلا وضاعة في الفكر والثقافة والأمانة. وإن كان بعض الإسلاميين الجامعيين يرون في عائلة الألوسي استمرارا للفقه والنشاط التفسيري، أو في بعض القراء علماء دين، فقد تخلفت المعارف وتراجعت الثقافة وانتشرت الأمية وعم الفقر.. ما معنى السفر برلك الذي يتحدث عنه المسنين، وكيف نشأت جاليات كبيرة في الأمريكيتين لولا المظالم والمجاعات. يصف أسامة عانوتي الوسط الديني في بلاد الشام في القرن الثامن عشر فيقول: " الموقف الذي تشبث به رجال الدين، وأصحاب السلطان من خلفهم، هو الذي أقره الغزالي، وظل سائدا في الأعصر التي تلت، وما كان موقف ابن تيمية من الفلسفة في القرن الرابع عشر (يقصد قولته: ليس في الإسلام فلاسفة).. إلا تأييدا للمبدأ الأساسي الذي نادى به الغزالي، وذاع شيوعا مذهلا في جميع البيئات الدينية رأيا فاصلا في القضية لا رجوع عنه، ولا هوادة فيه، فلا عجب إذا، بعد أن سيطر هذا المبدأ العام على العقل، ألا نتبين في نتاج القرن الثامن عشر، أبحاثا فلسفية بالمعنى الذي شاع إبان النهضة العباسية، أو خلال هذا القرن بالذات في أوربة، ولسنا قادرين أن نجد في بلاد الشام أدباء وعلماء ومفكرين وفنانين قد اطلعوا على يقظة الغرب، وما أنتجه من نظريات جديدة في القضايا الماورائية، والنفسية والاجتماعية، في مختلف الميادين، وما حصلته من نتائج فكرية بدلت الحياة تبديلا كاملا، وأعدت العدة لثورة عارمة تقلب أوضاع المجتمع، بعد أن غيرت من نظرة الناس إلى العالمين المحسوس وغير المحسوس. فقد كان مفكرونا يعيشون في بيئة مقفلة مسيجة، يتفلسفون بعقول القدامى، ويتغذون بنتاجهم، ويسيرون في الخط الذي رسم لهم".
هذه العثمانية القديمة لا تنتج أردغان، وإنما الوهابية وسعيد حوى وعبد القادر عودة. والسيد أردوغان، رغم وجهة نظرنا المختلفة مع سياسته الداخلية، هو الإبن البار، وليس الإبن الضال، للعلمانية التركية، وعندما يطرح تغييرا فإنما يصب هذا التغيير في ديمقراطية أكبر لا في إسلامية أضيق، من هنا، ننصح إسلاميي العالم العربي بالتوقف عن جعل العلمانية شيطانهم الأكبر، لأنه بدونها، سيبقون في القرون الوسطى، يعيشون في قبور ابن تيمية وابن قيم الجوزية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah