الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في حداثة -الما قبل- وديمقراطية -الما بعد-!

ماجد الشيخ

2010 / 12 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تأملات في حداثة "الما قبل"
وديمقراطية "الما بعد"!

ماجد الشّيخ

قد تقارب "الما قبليات" كما "الما بعديّات"، الواقع والحقيقة، وإن في شكل نسبي، عبر الاستدلال والسرديات؛ تاريخية أو ملحمية أو أدبية متداولة أو متماهية أو حتى مسكوتا عنها، لكنها في المحصلة لا يمكنها الوصول إلى استنتاجات دلالية مطلقة، أو حتى قاموسية مغلقة، فـ "الما قبل" و"الما بعد" مصطلحان قد يجري تأويلهما زمنيا من قبل جهة ما، وقد يجري تأويلهما كحكم قيمي من جهة أخرى، لكنهما في كل الأحوال يبقيان يدوران في حلقة إشكالية، ليس من السهل سبر أغوارها، حيث تتموقع الإشكالية في إطارات من الرؤى والنظرات والتنظيرات، وما يترتب عليهما من استنتاجات قيمية في مطلق الأحوال، بالإمكان ردها إلى أيديولوجيا تغييب الواقع ونفيه، كما إلى أيديولوجيا تأكيد ما هو موجود في جنبات هذا الواقع، مما لا يمكن تغييبه أو نفيه؛ طالما أن أيديولوجيا السرديات الكبرى، كما الصغرى، تحتمل وجود الوجه والقفا، المظهر والنقيض في مراحل مختلفة من تبني تلك السرديات التي يجري استهلاكها، كما طبيعة أي استهلاك لأي منتج من منتجات الهلام والفكر والمادة.

هكذا استهلك الواقع العربي كل سردياته "الما قبلية" و"الما بعدية"، حتى بتنا نعيش ما قبل الدولة وما بعدها، ما قبل الحداثة وما بعدها، ما قبل المجتمع المدني وما بعده، ما قبل الأيديولوجيات التي انحلّت وتفككت في بعض مواطنها، وتلك التي يجري إحياؤها في مواطن أخرى، وكأنها تولد اليوم، ولم تكن بالأمس. كل هذا دون أن نرى نتاجات "الما قبلية" و"الما بعدية"، إلاّ على الورق، وفي تحليلات الباحثين وكتبهم وفي مراكز أبحاث تقارب تاريخانية لا تشهد للتاريخ، بقدر ما تشهد عليه كغائب – حاضر، أو كحاضر يغيب كلما أردنا أن نلج بابا نحو المستقبل، فلا نجد أمامنا سوى تلك التاريخانية التي تقدّس جهلها، وهي تنتصب واقفة، جامدة في تعامد وتعام وتعاند تاريخاني، خضوعا وإخضاعا استعباديا لروح طوطم يجري تقديسه، والتعبد له في كهوف ماض قروسطي، تسعى السلفيات الدينية والقومية لتخليده وتبجيله طوطما مقدسا، يُراد للأجيال القادمة أن تواصل تعبّدها له، على طريقة بعض القبائل والشعوب التي نحرت وتنحر مستقبلها، كانعكاس لانتحارها المتمادي في تعبدها لروح الأسلاف.

ولئن لم تتعرف شعوبنا وبلادنا عموما إلى طبيعة الحداثة الممكنة في أزمانها المختلفة، لا الزمنية ولا التقنية، فهي لا تعرف شيئا عن "ما قبلها"، لتعرف عن "ما بعدها"، فنحن هنا في هذه البلاد، لسنا أقواما حديثة، ولا يشغلنا من الحداثة سوى التعرّف على طرائق أكثر نجاعة للهيمنة على السلطة، وعبرها الحجر على الحداثة وحجزها؛ إما في مصحّات عقلية، وإما في سجون الاستبداد السلطوي، ومعها كل من يرتكب "موبقة" المطالبة بإطلاقها، وإطلاقه من سجون عتيقة، فيها تمارس آخر صيحات وصرعات موضة التعذيب الأكثر حداثة، وأبرز منتجات الحداثة اللا إنسانية التي أنتجها "الإنسان الحديث" في بلاد تخرج من حداثتها مضطرة للحاق بتاريخ "الما بعديات" المُعدية، وهي تخترق أيديولوجياتها الصاعدة احتراقا مع صواريخ "التقدم العلمي"، وتكنولوجيا النانو، وإنتاج المنتجات النووية؛ مدنية وعسكرية، وفي ظل أنظمة يُفترض أنها جمهورية، وإذ بها بين ليلة وضحاها تصبح ملكية توريثية، كما في ظل أنظمة فقهية محكومة لفرد يصنع خياراتها، كما في ولايات الفقيه والأمراء والخلفاء المدّعون عصمة لا تُضاهى، في زمن لا عصمة فيه لأحد، أو لدولة، أو لأمة أو لمجتمع، أو لأمة/دولة تُجبر وبالقوة الغاشمة على تسليم خياراتها وتصنيعها لمصلحة الفرد الأحادي السلطوي، وتهيئة ملكيته الخاصة؛ بلادا بأكملها تخضع لخياراته التوتاليتارية.

أين الحداثة فيما تفعله أنظمة التوريث العائلية، هنا في هذه البلاد المنكوبة بديمقراطية التخلف الاستبدادي، وهي تتحول إلى مقاتل ومصارع للاستقرار السياسي والاجتماعي، وتفتح أبوابا مغلقة لحروب أهلية قائمة أو.. قادمة. وهناك في بلاد يُراد لنموذجها "الصمود" و"النجاح"، ولو على حساب شعبها ومستقبلها وتاريخها في القادم من الحداثة الزمنية القادمة؟ بل أين الحداثة في سلفية الاستبداد الخليفي/الفقهي، وهو يقود بلادا بأكملها نحو الخراب، عبر توزيع ثروة البلاد شمالا ويمينا، فيما يقبع أهلها تحت رحمة البازار وقوى السوق من كل طرازات التغييب وغيبة العقل، أو الخيار المسلح بالأسنان النووية، إذا لم يجر اقتسام كعكة النفوذ الإقليمي مع خارج إقليمي مماثل، وخارجا دوليا أكثر تشوّفا وتطلعا لمواصلة ممارسة سلوك امبريالية حديثة، تودي بها أزمة حداثتها المالية المأزومة نحو إيجاد صيغة مساومة مقبولة، للوصول إلى "تشارك إقليمي – دولي" هو الحد الأدنى الفاصل بين الأحادية القطبية، والتعدّد القطبي الفاعل.

لسنا أمام حداثة واحدة أحادية ومتفرّدة، نحن أمام حداثات عدة؛ متعارضة ومتناقضة، لا تقود جميعها نحو التقدم. هناك حداثات متخلفة تعيد مجتمعات ودول/أمم إلى ما كانت مجتمعات ودول/سلطات قبلية وعشائرية، لم تنل أو لم تعرف من الحداثة سوى اسمها، ولم تصب منها سوى ما آلت وتؤول إليه أنظمة توتاليتارية، ثيوقراطية وأمثالهما من أنظمة مشابهة، تعيش حتى اليوم بين ظهرانينا وفي عدد من قارات العالم، منها الشعبوي ومنها السلطوي المتفرّد في سلطانه وفي أحادية سلطاته.

وعلى هذا ليست الحداثة بمثابة طريق واحد يقود إلى التقدم والتنوير والنهضة، هناك حداثات أخرجت وتخرج أمما من مساراتها المتعددة والمتقدمة، لتنحط بها إلى مستوى الخضوع لأنظمة ديكتاتورية فردية وثيوقراطية، عبر ما كرّسته وتكرسه من مسلكيات توريثية، تنحطّ بالديمقراطية إلى "ما قبلها"، وليس إلى "ما بعدها"، إذا صحّ إطلاق مصطلح "ما بعد الديمقراطية" على بلاد ومعطيات لم تتعرّف على الديمقراطية أصلا، وهو مصطلح متداول هذه الأيام في بلادنا، ولدى باحثين ومؤسسات بحثية في بلدان أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah