الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يحقّ لنا إغلاق المساجد ؟ قراءة في سطحية الخطاب الإسلاموي

جمال علي الحلاق

2010 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمهيد

من الواضح جداً ، أنّ الصراع الإجتماعي في العراق يأخذ منحىً جديداً ومغايراً الآن ، وهو إشارة صارخة الى أنّ المجتمع العراقي يتحرّك بطريقة صحيحة نحو بناء حياته الجديدة ، فبعد أن تمّ التوصّل الى ما يشبه ( المساكتة ) السياسية بين الأطراف الإسلاموية ، خرج الصراع السياسي الآن الى دائرة أوسع وأشمل ، الصراع الآن هو صراع إجتماعي ثقافي ذو قطبين إجتماعيين ثقافيين ( ديني – علماني ) بشكل عام ، ( إسلاموي – علماني ) بشكل خاص .



هويّات القوى المتصارعة


بدءاً نحن أمام خطّين إجتماعيين يختلفان تماماً في الرؤية وفي الحياة كممارسات وسلوكيّات إجتماعية ، أما الخطّ الأوّل : وهو ( الديني / الإسلاموي ) فيبدو متشكّلاً ، ومتجسّداً ، وله أقطابه كمراجع ووكلاء ومساجد ومدارس وحوزات علمية ، بعد أن خاض صراعاً عنيفاً تحدّدت فيه هويته قسراً ، وثبتت ملامحه ليس إجتماعيا فقط ، ولكن كسلطة سياسية أيضا .

وأما الخطّ الثاني : وهو ( العلماني ) تحديداً ، فإنّه رغم أعداده البشريّة التي تتكاثر بشكل يومي نتيجة لرغبة الفرد العراقي في العيش الحر أوّلا ، ولرغبته في مواكبة التجربة البشرية العالمية سواء على الصعيد التقني أو التشريعي ثانياً ، ورغم كثرة مؤسّسات حركات المدني ، أقول لا تزال كتلة الخطّ العلماني هلامية لم تتجسّد بعد ، والصراع الآن سيسارع في تشكيل مراكزها وأقطابها ، وسيسارع في تثبيت هويّتها ، وهذا ما يجعل الكثير من العلمانيين الآن يقفون على عتبة التفاؤل إزاء ما يحدث ، لكنّنا ، وهذا شرط أساس ، نحتاج الى أن يصاحب تفاؤلنا هذا وعي كلّي واضح لحركة الصراع الإجتماعي الجديد ، وبالتالي أخذ الصراع الى نهايات صحيحة .

القول بهلامية الكتلة العلمانية ليس سلبياً تماماً ، لأنّ الكثير من الناس لا يعرفون إتّجاهاتهم الحياتية الحقّة حتى يوضعوا على المحك ( بالتأكيد سيكون هناك الكثير من الإنتهازيين الذين يتّقنون اللعب على الحبال المتصارعة كلّها ، سكّير ضدّ الخمر ومُصَلٍّ ضدّ الصلاة ) ، ولا بأس أن يبدأ الصراع الإجتماعي من نقطة تبدو عند البعض أنّها في غاية الضآلة والتفاهة ، لأنّها في النهاية ، لو تمكّنا من تكريس الضوء على أبعادها القصوى لكانت ركناً أساساً في تأسيس وبناء المجتمع العراقي الجديد . القضيّة تتجلّى في عدم التنازل والتخلّي عن أيّ حقٍّ مدني يكفله الدستور .


كاريكتيرية إتّخاذ القرار



لم يكن قرار إغلاق النوادي الليلية ومراكز بيع الخمور إبن لحظته ، بل يمتدّ الى عام قبل ذلك ، عندما توقّف المخوّل - في وزارة السياحة - بتوقيع تجديد إجازات الترخيص عن إداء واجبه بحجّة أنّه مسلم ويستحرم ذلك ، وبدلاً من محاسبة المخوّل على التقصير ، وبدلاً من محاسبته على زجّه إعتقاده الشخصي كعائق أمام سير الحياة العام ، وبدلاً من إيجاد شخص مناسب يحترم الإجراءات العملية التي يكفلها الدستور المدني ، وبدلاً من حلّ الأمر دون خلق أزمة إجتماعية تسيء الى صورة المجتمع العراقي ، أقول بدلاً من كلّ ذلك بادر رئيس مجلس محافظة بغداد - بعد أن تمّ رفع القضية إليه - بإصدار قرار الإلغاء ، بحجّة أنّها نوادٍ غير مرخّصة ؟! فالرجل المؤمن هنا لا يتقاطع مع شرب الخمر ، بل مع الترخيص !!

وإذا ما تمّ تغطية قرار الإلغاء هذا بحجّة أنّ النوادي الليلية غير مرخّصة فإنّ ممارسات أخرى سابقة تمّت تغطيتها بدعاوى كإن " لا تتماشى مع ثقافة المجتمع " ، أو " عدم موافقة وزارة الثقافة " دون تحديد سبب ذلك ، أو " عدم موافقة وزارة التربية " ، أو تبريرات مشابهة كما حصل مع إلغاء فعاليات مهرجان بابل الثقافي الدولي 2010 ، أو إلغاء مهرجان الأغنية التراثية في البصرة ، إضافة الى منع إحدى فرق السيرك من تقديم عروضها هناك ، كذلك إرهاصات بوادر منع تدريس المسرح والموسيقى داخل معهد الفنون الجميلة .

أنّ التحايل في التبرير هو محاولة في إقصاء السبب الرئيسي الذي يتجلّى في ( ذهنية التحريم ) التي تقف وراء كلّ ذلك .

وإذن فقرار أغلاق النوادي الترفيهية له جذور سابقة كلّها تصبّ في مجرى واحد يقود الى تكرار تجربة ( قندهار ) سيئة الصيت .

وبالتأكيد كان هناك إحتجاجات ندّدت بعمليات المنع والإلغاء ، لكنّها تنديدات لم يتم تفعيلها إجتماعياً ليؤسّس عليها ، أما الآن ، ومع قرار إغلاق النوادي الليلية فإنّ التنديد والإحتجاج أخذا بعداً وثقلاً آخرين بعد تظاهرة إتّحاد الأدباء والكتّاب في شارع المتنبي ورفع شعار " بغداد ليست قندهار " ، وبعد رفع القضيّة الى القضاء العراقي من قبل مؤسّسة المدى للثقافة والفنون .

ينبغي الإنتباه الى عملية تصعيد الإحتجاج التي جاءت بطريقة سياسية ذكيّة لعبها كلّ من ( الزيدي ) في بغداد ، و( اليعقوبي ) في البصرة ، ثمّ توالت الإصطفافات الدينية / الإسلاموية ، ليس فقط من قبل وكلاء ومراجع فئويّة ، بل من قبل أدباء وكتّاب أيضا ، أقول أنّ الذي قام بتصعيد عملية الاحتجاج هم الإسلامويون أنفسهم ، لأنّهم – وبحسب إعتقادهم – يمكن أن يسرقوا الشارع بدفعه الى إدانة الخمر ، وبالتالي إدانة العلمانيين عبر تسطيح الصراع وإفراغه من جوهره الإجتماعي .



تعميم ومبرّرات واهية



إنطلق ( الزيدي ) في أنّ شكاوى من قبل أهالي بغداد هي التي كانت الدافع الأساس وراء إغلاق النوادي الليلية ، وسانده ( اليعقوبي ) ببيان يفتقر الى الكثير من الأدب ، ويفتقر أيضاً الى التعامل بلغة متحضّرة مع ( آخر ) لا يشبهه ولا يتطابق معه ، ولو جاز لهما بفعل إدّعاءاتهما الواهية أن يقوما بفعل الإغلاق ، فإنّنا وباستخدام نفس آليات منطقهما الضعيف هذا ، واتكاءً على ما عاناه المجتمع العراقي من تكريس الحقد والكراهية نتيجة الذبح المجّاني العلني من قبل الطوائف الإسلاموية السياسية المتناطحة منذ عام 2003 ، يحق لنا أن نتساءل هل يجيز لنا ذلك المطالبة بإغلاق المساجد والمدارس والحوزات العلمية في العراق ؟! علما أنّ ما حدث من مجازر لا إنسانيّة تحت مسمّيات دينية طائفية لا يمكن مقارنتها بأيّ حدث إنساني آخر .

التعميم هو إحدى آليات إشتغال العقل الإنفعالي ، يستثمره السياسيون في تحريك الدمى للقضاء على أيّ محاولة في التغيير . ولكي نصل الى مجتمع مدني يؤمن بمبدأ ( حريّة الآخر ) لا بدّ من تفعيل حسّ التأمّل والتفكير السليم القائم على قراءة الواقع الإجتماعي لا باعتباره مناخاً واحداً ثابتاً ، بل متعدّداً متجدّداً ، بعد أن إنفتحت البلدان على بعضها ، وتحوّلت الأرض بفضاءاتها الواسعة الى أصغر من قرية صغيرة .

ينبغي عدم قراءة الصراع بشكل بسيط ، الصراع الآن مركّب بطريقة معقّدة ، ومع هذا فهو واضح جداً ، ويحتاج الى بعض العلامات المرورية هنا وهناك حتى يكون طريق المواصلة سالكا .

لقد حاول الأسلامويون حتى الآن إفراغ الإحتجاجات من عمقها الحقيقي ، وهي المطالبة بالحقوق الفردية التي أقرّها الدستور المدني ، إنطلاقاً من أنّ الحقّ الفردي الذي كفله الدستور يتقاطع مع الشرع الديني الجمعي .



الخروج على الدستور خروج على الأخلاق



بدءاً ، أزمة ( الديني / الإسلاموي ) أنّه لا يستوعب أن يكون هناك ( آخر ) مختلف ، لا يستوعب أنّ يكون نصّه المقدّس متوقّفاً على من يعتقد بقداسته فقط ، ولا يستوعب أنّ دستور الدولة المدني المتّفق عليه هو الممثّل الأكثر شرعيةً لأخلاق الشارع العراقي ، لأنّ الدستور لا يتوقّف عند حدود دين واحد أو حزب أو إتّجاه سياسي واحد ، الدستور يمثّل المكوّنات العراقية بأكملها ، وعليه فالدستور المدني هو الأخلاق العامة ، وبالتالي فإنّ الخروج على الدستور المدني هو خروج على الأخلاق العامة . وما يفعله الإسلامويون الآن هو بالضبط الخروج على الأخلاق العامة ، وهو ما يجب مقاضاتهم عليه .



حلبة الحقوق المدنيّة



الصراع الآن ليس محصورا بقضية الخمر ، رغم إصراري بأنّ شرب الخمر شأنٌ فردي ، وحقٌ من حقوقه التي يكفلها الدستور المدني ، أي أنّ شرب الخمر لا يتقاطع مع الأخلاق العامة للمجتمع العراقي .

الصراع الآن هو في حلبة ( حقوق الفرد المدنية ) ، حقّه في اختيار شكل واتّجاه الحياة المدنية التي يريد ، والتي يكفلها له الدستور المدني . الصراع الإجتماعي الآن يتمحور بين شريعة دينية لفئة معيّنة وبين الدستور المدني العام ، بين فئة تعتقد أنّها تمثّل الكلّ بالإكراه ، وبين المجتمع المدني الذي يرى بساط حقوقه يُسحب من تحت الأقدام شيئا فشيئا ، ويرى أنّ له الحقّ في الدفاع عن حقوقه التي تُغتصب بإستمرار .

ينبغي الإنتباه ، أنّ المنع سيقود الى منع ، والإلغاء سيقود الى إلغاء ، فإذا ما تمّ السكوت عن ممارسة قسرية واحدة فإنّها ستقود الى ممارسات قسرية كثيرة ، وبالتالي سيتم تجريد الدستور وإفراغه من أيّ صبغة مدنيّة ، وسيجد العراقيون أنفسهم في قندهار آخرى خاضعة لفئة بعينها تعتقد أنّها تمثّل الأخلاق العامة ، وما يشذّ عنها يشذّ عن الحق والأخلاق .



القضاء أو الطرف المستقل



قلنا أنّ الكتلة العلمانية لا تزال هلامية ، وأنّها الآن في دور تشكيل المراكز والأقطاب ، ولكي تواصل الصراع مع الإسلامويين ، وفي نفس الوقت تحافظ على توازن كفتي الصراع ، لا بد هنا من البحث عن وجود طرف ثالث في الصراع الإجتماعي الآن ، طرف مسقل ، غير منحاز ، ويتكئ على النصّ الدستوري في إجراءاته وتعاملاته ، وأعتقد أن لا طرف آخر يمكن أن تتوفّر فيه هذه الشروط والصفات سوى القضاء العراقي ، من هنا أرى أن مبادرة مؤسّسة المدى للثقافة والفنون في إحالة الصراع الإجتماعي الى القضاء كان إجراءً عملياً ذكياً جداً ، على الصعيدين السياسي والإجتماعي ، لأنّ هذه الخطوة ستجعل ( الآخر / الإسلاموي ) أكثر تهذّباً في الخطاب ، وتجعل عيون الشارع العراقي تّتجه الى حكم القضاء ، وليس الى شعارات إسلامويّة إنفعالية تفتقر الى قراءة متأمّلة واعية . القضاء وفق الدستور هو العمود الفقري لخلق مجتمع مدني متحرّر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل صائب
عبد الرزاق محمد ( 2010 / 12 / 19 - 18:47 )
شكرا اخى جمال تحليلك صحيح وصائب وقد وضعت الامور فى محلها وعلى قوى اليسار والقوى التقدميه والعلمانيه ان تتوحد لمواجهة هذه الهجمه الظلاميه الشرسه ضد الحريات العامه المكفوله بالدستور وعلى القضاء العراقى ان يقول كلمته ونحن لانشك بنزاهة وحيادية القضاء العراقى تحياتى


2 - الى أين ؟؟؟
سلام صابر ( 2011 / 1 / 8 - 09:58 )
نسبة انتشار المخدرات في الدول الخالية من محال بيع الخمور مرتفعة جدا , ومثال على ذلك السعودية وايران ...الخ .
لان الامر طبيعي عندما يغيب الخمر عن الساحة سيبحث الانسان المليء بالهموم ويحاول ان ينسى بعض من همه سيبحث عن شيء اخر يجعله ينسى , وهناك من يبحث عن راحة البال والسلطنة وما شابه فبالتاكيد سيجرب المخدرات بدلا من الخمر , والامر المضحك المبكي ان الخمر لم ينقطع الان في العراق بل زاد سعره وتعسرت طريقة شرائه . فلا اعرف ما الذي يفكرون به ؟ هل هو تصعيب للحياة باي شكلٍ كان ؟ ام هي طريقة لجعل المخدرات اكثر انتشارا باعتبارها من اكثر المواد الصالحة للتجارة وبالتاكيد سيربحون اموالا كثيرة .
كل ما اريد قوله الان : الى اين ؟؟؟؟ هل سنصبح مثل باقي الدول المشهورة بالمخدرات ؟ هل سينتهي شبابنا بطريقة اخرى وهي المخدرات ؟
لماذا ننتقد المسيحيون عندما يهاجرون ؟ وهو يحس بالغربة في وطنه , فالخمر ليس بالامر الحرام عليهم وعلى ديانتهم . هل هي طريقة لجعل العراق مليء بالمسلمين ؟
وبالتالي سنصبح مثل كثير من الدول التي من النادر ان تجد ديانة اخرى فيها .

عاشت الايادي ايها الجمال . نتمنى ان نرى ابداعات اكثر

اخر الافلام

.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة


.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا




.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد