الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة المسيحين او الغربة الوطنية

جورج حزبون

2010 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




كثر القول حول هجرة المسيحيين العرب ، أو هروبهم من الوطن إلى المجهول ، وناقش اجتماع ( السينودس ) في الفاتيكان الموضوع ، واتخذ قراراته وتوجهاته لوقف ذلك النزف والمأساة في آن واحد ، وقد خصصت المجلة المصرية ( وجهات نظر ) عدداً من مقالتها لهذا الأمر وان كان تحت مسمى ( المصريون الأقباط ) ، والأمر في العراق لا يختلف في النتيجة ، والتشنج في لبنان يصب في ذات البحر ، ومعهما وضع جنوب السودان ، رغم كافة العناوين المختلفة ، إلا إن الجوهر يشير لوجود حالة عدم استقرار مسيحي في الشرق الأوسط ، وان هناك أستقواء إسلامي في الأمر.
فماذا عن الوضع في فلسطين مهبط المسيحية ، ولماذا هذا المشهد المؤلم ؟؟ فالجميع هنا تحت الاحتلال ، بل بالعكس فقد تعرض المسيحيون في أقبية التحقيق لما هو أصعب من سواهم ، وذلك لان الاسرائليون ، يفهمون ( أو يريدوا ) الدين بأنه قومية ؟! ودخول المسيحيين دائرة المواجهة مقلقة وقد تجر تضامنا عالميا لا يتوفر للمسلمين بفعل المناخ العالمي ( و الاسلاموفبيا ) ، وخاض الجميع معارك الكفاح الوطني معا ، التعسف ألاحتلالي والحصار والحواجز وغيرها ولم تفرق بين مسيحي ومسلم ، والمسيحيون هم الأكثر خسارة في حرب التهجير عام 1948 بفعل أنهم من كبار الملاكين لعقارين في المدن وأصحاب صناعات كبيرة ومعروفة خلال تلك السنوات ، وبنايات لا زالت قائمة في القدس الغربية ويافا وغيرها تشهد على الضرر والخسارة ، ورغم التهجير العددي الأكثر للمسلمين حيث هي نتيجة هروب جماعي للقرى ، إلا إن الواقع معروف فقد هجر الطرفان وخسر الطرفان وبالخيبة خسر المسيحيون أكثر بكثير.
وتشارك الجميع في كافة مراحل النضال التحرري منذ بداية الصراع ، وتحمل الجميع كشعب واحد المصير ذاته ، صحيح إن هجرة المسيحيين بدأت مبكرا مع حرب 48 وذلك لانهم كانوا يملكون المعرفة والخبرة التي توفر مجالاً للعمل بالخارج ، وكانت تلك الهجرات إلى أمريكا اللاتينية وليس لفرنسا أو بريطانيا أو أمريكا ، فهم لا يستطيعوا العيش في تلك البلدان في حينه لضعف ما يملكون من ثروة أو علم او صنعة ، ولم تتسع لهم تلك الدول لأنهم مسيحيون ، فبريطانيا هي عرابة إقامة إسرائيل وبالتالي المسئولة عن تهجير شعب فلسطين ، والمعنى أنهم لم يعاملوهم كمسيحيين بل كفلسطينيين .
هنا يجب التوقف لإبراز هذا الجانب حيث بعض المنظمات الإسلامية ومن في عدادهم ، يعاملون أو ينظرون إلى المسيحيين نسخة بريطانية أو فرنسية ، مما فاقم الأمور وشوه الانتماء وجعل المسيحيين يعيشون اغتراباً في وطنهم ناهيك عن التعامل كأقلية وليس كمواطنين .

واضح إن سنوات طويلة من الفشل والتراجع الوطني و الاجتماعي والقهر ساهمت هذه العوامل في تفكيك التلاحم والتكافل والانتماء ، كما غذت ذهنية القبلية وهذا ظاهر في اغلب الدول العربية ، ويعكس تراجع وتخلف بينما في داخله تلك المظاهر العصبوية والماضوية والسلفية ، حيث لا أفق للنظر للمستقل بل محاولة للبقاء في الحاضر باستلهام الماضي حفاظاً على الذات والمصلحة والقبلية .
بلا شك فان المناخ العالمي احدث أثرا كبيرا من غياب الاتحاد السوفيتي ، إلى اتفاقات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية وصولا إلى أوسلو بفلسطين ، فقد قراءها الناس علامات فارقة ، بين النصر والهزيمة، وأفق مظلما للثورة والنضال ، فكان الانكفاء ، وحسب الشاعر العربي ، فالنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله .
وفي رصد حركة الهجرة ، فقد تضاعفت في السنوات العشر الأخيرة ، وأخذت شكل نزوح، صحيح أنها كبيرة أيضا إعداد من هاجر من المسلمين ، لكن النسبة والتناسب ذات فرق كبير فقد أصبحت نسبة المسيحيين في فلسطين فقط 1.5% ، ولقد اهتمت السلطة الوطنية في موضوع هجرة المسيحيين لكن يبدو لي على طريقة ( قتله من شدة العناق ) ، فالتعامل مع المسيحيين في تفاصيل الحياة العامة ليس سوياً ، يواجهون تفرقة وضغوط مختلفة ، بدءاً من الاستيلاء على أراضيهم ، وخاصة للمغتربين ، إلى نهج الاستقواء ، إلى التميز في المعاملة لدى الدوائر الرسمية ، مما يعمق الفجوة ويبدأ هنا الاغتراب والهجرة .
تنعقد بين فترة وأخرى تداولت حول الإخوة المسيحية الإسلامية ولكنها ديكور ، ولا تحقق على الأرض شيئاً ، كذلك إبراز الاهتمام لإغراض إعلامية ودبلوماسية لا تساعد ، فلا يجوز مثلاً إنشاء مناصب تحت مسميات ( رئاسية ) لا مهمة لها في الواقع ولا يبررها القانون الأساسي ، وتقتصر مهامها على تنظيم احتفالات حرصاً على تنفيذ طقوس وإظهار المشاركة فيها ، مما لا يؤكد الوحدة بين عنصري الوطن وتنميتها ، إلى جانب تنصيب مسيحيين غير اكفيا في مواقع تجعلهم سخرة بين مجتمعهم أيضا يفسر ذلك انه رشوة عن طريق المحسوبية .
ولا يجوز إغفال الأزمة السياسية ولا إعفاء الاسرائيلين من مسؤولية الضرر الذي ألحقته وتلحقه يوميا بالشعب الفلسطيني وتعبيراته المختلفة ، ولكن هذا يجب إن يكون حافزاً على توحيد الموقف وبناء الثقة بين الجميع على قاعدة المواطنة ، والنظام والمساواة إمام القانون والمراقبة الصارمة لعمل الموظفين ومنتسبي الأجهزة الأمنية ، ومن المهم أيضاً إن تدفع الأزمة السياسية إلى تقديم برنامج سياسي واضح للمجتمع ، والتوقف عن الممالئة للحركات الاسلاموية ، بمحاولات منافستها في مجالها وخطابها ، واعتبار الآخرين أقلية !! ربما وافدة .
ولا اعتقد إن المؤسسات الدينية مؤهلة لهذه المهمة ، بل إن الجهات القادرة على النهوض بالمجتمع وتوحيده بالثقافة الوطنية هي فقط القوى الوطنية والتي عليها إن تبدأ بإصلاح ذاتها داخلياً والانتهاء من مظاهر العشائرية التي تبرز بينها ، إن القضية الوطنية واحدة والشعب واحد وبهذا يمكن وقف الهجرة والمشاركة النضالية وليس المحسوبية وبالكفاءات البرنامج .
والشيء نفسه في بلداننا العربية ، فالمطلوب هو تدمير أوطاننا وتجزئتها وعلينا مواجهة ذلك وعياً وثقافة وطنية .

تصريحات المسئولين الفلسطينيين ، تظهر وكأن قضية التحرر الوطني وإنهاء الاحتلال أصبحت حرجة ، وان لا سبيل لإنهاء الاحتلال إلا عبر الضغط الأميركي حسب تصريح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة لصحيفة قبرصية ، وكذلك بدت لجنة المتابعة العربية ، وقد قررت التوجه نحو مجلس الأمن ، وفي زيارته الأخيرة للمنطقة ، صرح ميتشل ( المبعوث الأميركي ) إن كافة الإطراف طلبت منه مواصلة المتابعة ، ومجلس الشيوخ الأمريكي يقرر استخدام ( الفيتو ) في مجلس الأمن لمنع الاعتراف بدولة فلسطين ، وهكذا تبدو اللوحة السياسية واضحة تماماً ، إذ تقول : لا طريق للحرية الفلسطينية إلا عبر أمريكا ، وان الاحتلال قدر ، وان القيادة الفلسطينية بمختلف مشاربها مغلوب على أمرها ، ويكفي ما تؤديه من إدارة لشؤون الشعب وآمنه وأموره المدنية ، وهي محكومة باعتبارات سياسية ( اتفاقات ومعاهدات ) واعتبارات اقتصادية .
والأمر مختلف لدى الجانب الإسرائيلي ، حيث هو كحليف لأمريكا ، فهو ضامن أنها لن تكون قادرة أو مستعدة ، لإرغامه على موقف لا يقبل به ، فإسرائيل اليوم تعلن أنها تحارب الإرهاب تماماً مثل أمريكا ، وربما في وضع اخطر حيث على حدودها وفي تماس معها ( حزب الله المتحالف مع إيران ) و حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة ، صاحبة المشروع الإسلاموي الانتحاري ، والتي تعلن باستمرار إن وجود إسرائيل مؤقت ، رغم عدم ممانعتها من إشهار هدنة معها ، حيث ذلك لا يتعارض مع عقيدتها الدينية وبالتالي فهي تقاتل مع أميركا في ذات المعركة وتحمل العبء نفسه
إذن الوحدة الوطنية هي الرهان وليست قضية المصالحة بين فتح وحماس هي الوحدة فقط بحيث تقزم وتتوه في اشد مراحل الصراع دقة وحتى لا نعيد تجربة بني الأحمر في الأندلس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساء الخير لجميع الطيبين
حازم الحر ( 2010 / 12 / 20 - 15:46 )
مقال رائع اخي جورج
اسكن في مدينة كانت نسبة الاخوة المسيحيين اكثر من المسلمين ولعقود وكانت تربطهم بالمسلمين علاقة اخوية تقترب من القرابة .
واليوم عدد الاخوة الميسيحيين يعد على الاصابع !! لا انكر ان الاحتلال له يد في هجرتهم واكن الصحوة الاسلامية الارهابية وشتمهم ولعنهم بعد كل صلاة وعلى سمعهم . حتى ان جار لي يحرم ان يقول لهم السلام عليكم !! وبحثت في الكتب الاسلامية ووجدت انها اوامر موثقة من رسول الرحمة والمحبة !!! جعلتهم يهاجرون بالمئات بل بالالوف ومعهم كل الحق ولهم كل محبتي ويسعد مساكم


2 - اصعب ما في الوجود الاغتراب في الوطن
علي سهيل ( 2010 / 12 / 20 - 18:57 )
تناقص عدد المسيحيين في فلسطين يوميا والان تعدادهم أقل من 1% ففي الضفة عددهم اقل من30الف وفي غزة تعدادهم اقل من 1000 نسمة اي اجمالي تعدادهم في الاراضي الفلسطينية اقل من 31 الف نسمة، كان الكل منخرط من اجل تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي فلاحتلال لا يفرق بين فلسطيني واخر لان انتماء الجميع لفلسطين وان الفلسطينين المسيحين لهم خبرة واسعة لمحاربة الاحتلال من خلال اطلاعهم على ثورات العالم وليس لهم مبدأ التكفير للغير، فاكتسابهم وتبنيهم خبرات الثورات العالمية صعب الامر على اسرائيل وايضا من خلال الخطاب السياسي ومخاطبة الغرب بالغة التي يفهمها، وترسيخ مفهوم الانتماء والاخلاص للوطن والتضحيات الجسام التي يقدموها ومازالوا يقدموها لم تشفع لهم عند اخوتهم في الوطن لان الخطاب الاحزابالاسلامية بتكفير المسلم لاخيه المسلم فكيف بالغير مسلم، وشحن العامة ضد الغير مسلمين ادى إلى الاضطهاد والتضيق ولغة التكفير والتشكيك وعدم التميز بين الغرب المسيحي والعرب المسيحيين ولغة الاحزاب الدينية الاسلامية التي تحاول كسب العامة بكل الطرق، شكل عبء اضافي على العرب المسيحين وادى إلى تناقصهم لانهم مغتربون في في وطنهم.


3 - الهجرة والوحدة
عمر عيايدة ( 2010 / 12 / 21 - 13:18 )

بنسبة للهجرة يا عم جورج انا اوفقك عليها ولكن هذه الهجرة لا تقتصر على المسيحين فقط وانما تشمل جميع اطراف المجتمع الفلسطيني بختلاف دينهم وذلك لسوء الأوضاع المعشية وعدم وجود الفرص الكافية والهجرة الأكبر للمسيحين بسبب وجودة الفرصة المهيئة لهم من قبل الدول الغربية ولو أن الفرصة مهيئة عند الفسطنين المسلمين لوجدة أن نصف الشعب قد هاجر وأما بنسبة لتميز بين مسيحي ومسلم لا أجدها في البلد وأنما الكل هناك أخوة ولا نريد أن نأخذ بعض الأخطاء ونعممها على أنها تميز ولكن ان رأينا هناك بعض التميز نكافح هذا التميز من خلال مؤساسات
تجمع مسلمين ومسحين لتثبيت الحقوق داخل المؤساسات الحكومية والمجتمع المدني


4 - ملاحضة لرقم 3
جورج حزبون ( 2010 / 12 / 21 - 13:57 )
ابتداء لا ادري من اين جئت بان الظروف مهيئة للمسيحين بالغرب ؟ ثم انني لا اناقش من موقع طائفي مطلقا فقد ارتبط الموضوع بالحالة الوطنية واهمية معالجة الموضوع وطنيا وليس اداريا ، ولست معمما لحالات انما اعرض ظاهرة وبالتالي فانها مستوجبت الاهتمام ، ولست عارضا لامر تصارعي فانا قادم من رحم العملية الكفاحية ومرتبط تاريخيا وانسانيا بقضية شعبي ، وبذلك هي تحتاج لجبهة داخلية متماسكة ولا جدوى من تبسيط الامور في مرحلة استكمال مهام الاستقلال الوطني


5 - طول عمرك يا زبيبة
بشارة خليل ق ( 2010 / 12 / 22 - 09:52 )
كان وضع التعايش بين المسلمين والمسيحيين مقبولا مع بعض التحفظات الي ان بدا الخطاب العنصري الصريح للاسلام السياسي بالانتشار فيما يدّعون انه صحوة.لا مجال يا استاذي بعد للمراهنة على القلة القليلة الوطنية حقا المتبقية فهي مهمشة ويمارس ضدها نفس الفرز العنصري الفاشي وهي مع المسيحيين العرب من اكثر فئات الشعب هجرة.فالسلطة وحماس هما وجهان لعملة واحدة تماما كما هو الحال في مصر بين النظام والاخوان مع الفارق ان الكثيرين من المعدودين على السلطة يتشحون بوشاح علماني سطحي والا ما قولك في اعتقال حرية المعتقد في قضية الشاب الحسيني (المتهم) بالالحاد؟ ومظاهر الطلبنة في الضفة؟ يا استاذي نحن نعيش في قلب محاكم التفتيش وغارقين في غياهب القرون الوسطة.ما تفسيرك لمنع التبشير حيث هم اكثرية والتمتع بحرية الدعوة حيث كانوا اقلية؟ الا يوضح مدى الظلام الذي يغلق العقول؟
الغالبية لا ترى او تتغاضى عن التفرقة والتمييز والاذلال والنيل من الكرامة على اساس ديني كالمعلق رقم 3 وعندما يحصل ما لا يمكن انكاره يعزونه الى تصرفات فردية لا الى جو عام من التعصب وغياب التسامح والعدل والحرية والمساواة


6 - طول عمرك يا زبيبة
بشارة خليل ق ( 2010 / 12 / 22 - 10:27 )
اصطنعوا لي مشكلة في احد زياراتي مؤخرا للبلاد وللقدس تحديدا,ذهبت لزيارة الاقصى كمعلم تاريخي جميل وفن هندسة وبناء بديع. لانى لم ادخل من بوابة الاقصى االمخصصة للاجانب فلمجرد اني كنت اسير بعكس الجموع المهرولة الى الصلاة انتبه الحراس الاشاوس اني -اجنبي- .لقد صعقت عندما بداوا التحقيق معي لمعرفة هوية الشرطي الذى لم ينتبه للخطر الامني الذي شكلته بدخولي من ناحية السوق برغم مظهري وملبسي الدال على هويتي الدينية الغير اسلامية!!! كنت اود الصراخ فوق رؤوسهم المنحنية خجلا ونظراتهم التي لم تحتمل الموقف المخزي ان هذه بلدي يا....استاذي لا اقولها للاستفزاز بل هو شعوري الحقيقي: فلتحيا اسرائيل مهما حاولوا الافتراء والتدليس عليها فان الواقع يكذبهم مهما قالوا فانها دولة تحترم الحقوق الاساسية للانسان وتكفل كرامة الجميع وحق الدفاع عن النفس للجميع بدون تفرقة
ملاوا الدنيا زعيقا لانها تريد تسمية نفسها بالدولة اليهودية ولا احد فيها يعترض على الديمقراطية بينما هم يرفضون الديمقراطية علنا ويسمون دولهم بالاسلامية.طول عمرك يا زبيبة...ما يحللون لانفسهم يحرمونه على غيرهم ثم يبكون ان طالهم بعض من الظلم الذي ينشرونه

اخر الافلام

.. مسلمون يؤدون -رمي الجمرات- أثناء الحج


.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و




.. 61-An-Nisa


.. 62-An-Nisa




.. 63-An-Nisa