الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة التنوير إلى الأقليات

شريف حافظ

2010 / 12 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان انعزال يهود أوروبا وحياتهم داخل الجيتوهات (مناطق على أطراف المدن، مخصصة لحياة اليهود)، حتى القرن السابع عشر، سبباً أساسياً فى استمرار مُعاناتهم، فكانت بروسيا الألمانية، مثلاً تعانى من مشاكل خارجية موجعة، بينما هم لا يناقشون أو يتكلمون عن شىء آخر، غير الاضطهاد الذى يصيبهم، ولا يمكن أن ننكر أنهم كانوا مضطهدون بالفعل، ولكنهم تجاوزوا محنة الشعب الذى كانوا يعيشون فى أطرافه، ولم يركزوا إلا على محنهم الخاصة، فحق لمضطهديهم، أن يؤكدوا على حجيتهم، بأنهم ليسو منهم، لعدم اهتمامهم إلا بمشاكلهم الذاتية!!.

لقد قام رجل ألمانى مثقف ليبرالى الهوى، من وسط اليهود، هو موسى مندلسون، بإخرج اليهود من محنتهم تلك، ودمجهم فى وسط الحياة الألمانية، بفعل بسيط للغاية، ولكنه كان ذا مغزى مهم جداً، لقد كانت التوراة تُقرأ باللغة اليديشية، وهى التى تدمج ما بين الألمانية والعبرية.

فرأى مندلسون، أن هذا يؤدى إلى المزيد من العزلة، ويجعل من اللغة اليديشية، هى الأهم بالنسبة لليهود فى ألمانيا، ومن ثم تصبح التعاملات اليهودية، مع من هم خارج الجيتو اليهودى، قليلة للغاية.

لقد ترجم موسى مندلسون، التوراة، إلى اللغة الألمانية، مما غير من تعاملات اليهود كلياً وعلى أجيال متعاقبة، وصاروا جزء من الشعب الألمانى، حتى تسيدوا أوروبا فيما بعد، فى جوانب متعددة، أهمها المال والإعلام، لقد خرج اليهود من الجيتو لديهم، ومن ثم اختلطوا واندمجوا مع الشعب الألمانى المسيحى، وأصبحت قضايا هذا الشعب قضاياهم، ومشاكله مشاكلهم، حتى اندثر القمع والاضطهاد حيالهم تماماً، لأنهم أثبتوا بعد خروجهم من عزلتهم السابقة، أنهم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب المدنى!!.

لقد خرجوا من تحت العباءة الدينية للمعبد اليهودى، وصاروا يحيون فى الدولة المدنية بمكوناتها، ولم يكن ولائهم للمعبد بعد ذلك، إلا فى المناحى الدينية فقط، وعبر تنفيذ تلك الفكرة، عن بدء عصر "التنوير اليهودى".

لقد طور اليهود تلك الفكرة، فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى طريقة أكثر ذكاءً لنيل حقوقهم، فكانوا على رؤوس الأشهاد فى معركة الدفاع عن حقوق السود فى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، كانوا يرون أنه بنيل السود لحقوقهم بالولايات المتحدة الأمريكية، ستنال جميع الأقليات الأُخرى حقوقها أيضاً، بما فى ذلك اليهود وبالتالى، فإنهم دخلوا معارك ضارية، من أجل حقوق السود بأمريكا، حتى نالوا حقوقهم معهم، ثم أصبحوا من أقوى الأقليات فى الولايات المتحدة الأمريكية.

إن كل الإستراتيجيات السابقة، إنما تعبر عن الفكرة الأهم، وهى فكرة "الاندماج" أو أن يصبح "الواحد جزء من المجموع"، ولقد اعتمدت إسرائيل، كدولة، تلك الفكرة، فى التطوير الأهم لرؤية موسى مندلسون.

فهى دوماً توضح أنها جزء من العالم، وليست مختلفة أو ذات خصوصية عنه، كما تفعل بعض دول المنطقة، على سبيل المثال، ففى إطار إحدى خطابات نتانياهو فى الأمم المتحدة، وقف يؤكد أن إسرائيل، ساهمت مع العالم، فى الأبحاث حول الخريطة الجينية والتكنولوجيات المختلفة، عاملة على تطوير العالم، من أجل الإنسان فى كل مكان، وفى نفس الخطاب، بدأ وانتهى نتانياهو كلماته، بمن يعتبر نفسه أعلى من العالم، وليس جزءاً منه، وأشار بإصبع الاتهام إلى أحمدى نجاد، الذى دوماً ما يتكلم عن خصوصية بلاده! وهنا، تُعتبر تلك الإستراتيجية، هى إستراتيجية دفاع "ذكى" عن إسرائيل من جانبه، ونوع من التشتيت عن القمع الذى تمارسه إسرائيل يومياً، ضد الفلسطينيين، وما تغتصبه من أرضهم!! ولكن، فى النهاية، أثبتت تلك الإستراتيجية، نجاحها السياسى، بربط اليهود مصالحهم، مع القوى الكُبرى فى العالم!.

إن استمرار الأقليات فى أى مكان فى عزلتهم، وفى تأكيدهم فقط على قضاياهم، دون القضايا الأخرى فى البلد الذى ينتمون إليه، وفى تجنب الحديث حول الشأن العام، والاشتراك فى أعمال محددة فقط، من خلال أوامر من المؤسسات الدينية، والتبعية لتلك المؤسسات، أكثر من التبعية للسلطات الشرعية فى البلاد، والإحساس بهويتهم الدينية، فى الوطن، أعلى من إحساسهم بهويتهم الوطنية، بينما يطالبون بالمواطنة، لن يحل مشاكلهم، بل سيزيدها تعقيداً، فى حين تدخل المنطقة كل يوم، فى مزيد من الفوضى.

إننا وفى مصر، نحتاج من كل مصرى، أن يشعر بمصريته، بشدة، ولا أنكر أهمية الدين، ولكن داخل دور العبادة وفى سلوكياته الدينية المحضة، لأننا عندما نسافر إلى الخارج، إنما نبرز "بسبور" مصرى عليه صورة "النسر"، وليس بسبور عليه صورة "الهلال" أو "الصليب"!! يجب أن يندمج الأقباط والبهائيين والشيعة المصريين، فى قضايا مصر، والدفاع عنها، وألا يظلوا فى عزلتهم، بأوامر عليا من المؤسسة الدينية لديهم أو بشعور إنتماء أعلى إليها، للدفاع عن قضايا لها علاقة بالانتماءات لتلك المؤسسات، وكأنهم جنود لديها، فى دولة داخل الدولة!! يجب وأن يحولوا قضاياهم إلى قضايا مصرية، ويشعروا الجميع، أنهم يتناولون كل شئون مصر، مندمجين مع الجميع، ولا يتناولون فقط أجزاء من تلك الشئون وفقاً لمصالح طائفية!! يجب ألا يشعروا بأنهم أغراب فى بلادهم، بأن يخرجوا من خنادقهم، ويدافعوا عن كل القضايا الوطنية المصرية، ليقضوا على المشكلة الطائفية تماماً، ويكفوا عن منح الذريعة، لمن يقول أنهم ليسوا بمصريين، بينما هم مصريون قلباً وقالباً.

ملاحظة أخيرة، عندما نجلس معاً كمصريين، فى ود جلسات المُصارحة، بعيداً عن التمييز، لا نجد فارقاًُ بين بعضنا البعض، ونجد أننا واحد بالفعل، دون مُجاملات، ولا يُمكن التمييز بين مصرى ومصرى، على أى أساس، بما فى ذلك الدين، فاندماج الجميع، فى بوتقة مصر، هو الحامى الأول لهذا الوطن، ويزيل كلمتى، أقلية وأغلبية، من قاموس حياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين التوير فى المقال ؟
عاطف السكندرى ( 2010 / 12 / 20 - 20:13 )

الأقباط تم عزلهم يا دكتور شريف وليسوا منعزلين وانت تعرف ذلك جيدا

أعتقد يا دكتور إنك محتاج دروس فى التنوير قبل ان تكتب عنه


2 - إلى الأستاذ عاطف السكندري
د.شريف حافظ ( 2010 / 12 / 20 - 20:59 )
وهل تتصور أن اليهود لم يتم عزلهم؟؟؟؟ يا ريت تقرا تاريخ التنوير جيداً!! لن يأتي التنوير على طبق من ذهب، طالما إنتظرته.. إنه يقتلع ولا يمنح.. حاول أن تخطو الأميال الإضافية، بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب!! لقد قرأت جيداً، وقرأت أيضاً عما حدث في السبعينات، من تعمد عزل الأقباط من قبل الأقباط أنفسهم!! إقرأ عن اتلمسكوت عنه من الكنيسة المصرية، بدلاً من لوم من حولك فقط !! التنوير مش الهجوم على الإسلامي فقط!! التنوير هو لوم الكل، والبدء بلوم النفس، قبل أي شئ
تحياتي وأشكرك على لهجتك المهذبة


3 - كيف يكون التنوير ودخان الطائفية يتصاعد؟؟
ممدوح الممدوح ( 2010 / 12 / 21 - 06:21 )
ان اندماج اليهود كان اندماجا في دولة علمانية تومن بـ-الدين لله والوطن للجميع-فكيف تريد ان يندمج الشيعة وانا احدهم او الاقباط او البهائية في دولة وهي تعتيرهم كفارا ولا يجوز لهم تسنم مراكز عليا في الدولة. هل يحق للقبطي المسيجي ان يصبح رئيسا لمصر والاسلام دين الدولة كما ينص عليه الدستور؟؟؟.اخي الكريم طالب بالدولة العلمانية وعندها يكون الاندماج تلقائيا.ما ذنب الاقليات في السعودية وما ذنب الشيعة هناك؟؟. هل هم منعزلون عن الدولة ام انهم كفار لايحق لهم حتى بان يكونوا سفراء لبلادهم؟؟. اخي الكريم اذا ظل الوضع الحالي والتدخل السلفي الوهابي السافر في مصر فلا بد ان ياتي يوم يكون فيه الانفصال القبطي المسيحي عن الحكم المصري امر واقع كا سيحصل للسودان. فرسالة التنوير يجب ان تكون موجهة للدولة ورموزها لا للاقليات مع الحب والتقدير


4 - رداً على الأستاذ ممدوح ممدوح
د.شريف حافظ ( 2010 / 12 / 21 - 20:37 )
يا فندم أنا متفق معك حول ما تفضلت به فيما يخص الأقليات وعلاقتهم بالدولة ولي فيما سبق الكثير من المقالات التي تناقش تعمد الدولة تهميش الأقليات، خاصةً فيما يتعلق بالشأن القبطي في مصر، ولكن اليوم وبينما ثقافة الدولة المدنية تُطرح لتطبق في المنطقة كلها، يستوجب أن نمضي الميل الإضافي مع الدولة، إن كانت جادة فيما تسعى إليه. المقال في مضمونه أيضاً رسالة إلى الأغلبيات، بالوقوف خلف -نهوض- الأقليات، وجعلهم جزء لا يتجزأ من الأوطان، بحيث تغيب في النهاية، كلمات أقلية وأغلبية من قاموس الدول
ولكم مني كل التحية والإحترام


5 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 12 / 22 - 00:45 )
اخي العزيز لم يتقوقع المسيحيين يوما في مجتمعهم ولكن التفرقه والتكفير هي السبب لو اعطيت الفرصه للمسيحيين في البلدان الاسلاميه واعطيت مناصب كما للمسلم ستجد التفاني لاجل الوطن اكثر من المسلم ولكن الاسلام لا يؤمن بذلك لانهم في نظره كفار واقل درجه ليست هناك فرص متكافئه في المجتمع الاسلامي ويعتبرون مواطنين درجه ثانيه ان لم نقل ثالثه وكذلك يعتبرون غرباء في وطنهم الاصلي ..سؤالي لك هل يوجد في مصروزاره سياديه للمسيحي بالرغم من انهم اكثر من عشره ملايين نسمه وقس على ذلك اعطو وزاره ليوسف بطرس خدميه ويمكن عزله في ايه لحضه .زانا لست مصريا بل عراقيا

اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية