الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أطروحات من أجل ماركسية مناضلة
سلامة كيلة
2010 / 12 / 22ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
¨الكتاب: أطروحات من أجل ماركسية مناضلة
¨تأليف: سلامة كيلة
¨الطبعة الأولى: 2002
دار التنوير- دمشق
منشورات الوعي الجديد
منشورات الوعي الجديد
دار التنوير- دمشق
مقدمة
ربما كانت سنوات نهاية الثمانينات وبداية التسعينات (1990 ـ 1991) من القرن الماضي تحتمل الحلم بأن تعاد صياغة رؤية الماركسية العربية، وأن تعاد ـ كذلك ـ صياغة دور الحركة الماركسية في الوطن العربي، وربما أعطت “البيريسترويكا” دفعاً من أجل تجديد الحركة الماركسية عموماً، حيث أبانت عن هشاشة التيار الذي كان يعتبر “ملحقاً” بالاتحاد السوفياتي، والذي كان يستمد تصوراته من “الماركسية السوفياتية”، ووجوده من شرعية دعم الدولة السوفياتية. وكذلك فتحت باب انتقاده من داخله، ومن تقبل قطاعات فيه انتقاد ماركسيين من خارجه، بمعنى أن “حيوية” كانت قد بدأت قامت على أساس “إعادة بناء” الماركسية، جعلت الحلم بأن تتأسس حركة ماركسية تمتلك شرعيتها الخاصة، وقادرة على وعي الواقع العربي، وكذلك على الحلم بتغيير هذا الواقع، جعلته ممكناً، وبالتالي جعلت المبادرة من أجل بدء حوار ماركسي ممكنة كذلك.
ولم تسهم الانهيارات الأولى (أوروبا الشرقية)، ومن ثم انهيار الاتحاد السوفياتي، في التراجع عن هذا التوجه، ربما إلى أواسط التسعينات (عام 1995). وربما كان الإصرار أشد على “إعادة التأسيس”، حيث بدت الأمور أكثر جدّية، وبدا التحدّي أكبر.
لكن انهيارات التسعينات من القرن الماضي عالمياً (انهيار المنظومة الاشتراكية)، وبالتالي عربياً (هزال وتهمشَّ وتفتّت الحركة الشيوعية العربية)، جعلت كل هذه الأحلام وهماً. فلقد أصبح التفكير بالحوار، وبإعادة صياغة التصورات والممارسة مسألة تبدو مستحيلة، لأن “البشر تلاشوا”، أقصد لأن الماركسيين غرقوا في أوهام اللبرلة والعولمة و”الدمقرطة” من جهة (ولقد شمل ذلك قطاع كبير منهم في لحظة من اللحظات)، أو إنحكموا إلى حالة من الإحباط واليأس والضياع من جهة أخرى، لهذا تحوّل النشاط الماركسي إلى نشاط إفراد يحاولون التعبير عن مواقفهم كتابة، كما أن الشك و”الكفر”، وانتقاد اليقين سادت كلها، وأصبحت عنصراً مهيمناً، مما دفع الحوار إلى الخلف خطوات واسعة، لأن أحداً لا يستطيع أن يدافع عن أي شيء، سوى أعداد قليلة حاولت ذلك.
في هذا الوضع أصبح الحلم بالحوار مستحيلاً، كما أصبح التفكير في إعادة صياغة الفكر والممارسة الماركسييَّن، من “أوهام” الذين لا زالوا يفكرون بطريقة جامدة!!
* * *
ما أنشره هنا كتب في تلك السنوات التي كان الحلم فيها ممكناً (أعوام 1990 ـ 1991)، وكانت أساس حوارات تهدف إلى إعادة صياغة الرؤية الماركسية والممارسة الماركسية، كما كانت تطمح لأن يكون الحوار الماركسي عربياً، وأن يفضي إلى تأسيس “مركز ماركسي عربي”. وربما كانت تحوّلات التسعينات من القرن الماضي قد تجاوزت الأفكار والمطامح، كما تجاوزت الإمكانات، لكن اعتقد بأن الوضع يفرض إعادة الحوار حول ما جاء في الورقتين المنشورتين تالياً، حيث أن موضوعات أساسية كانت ولا زالت، وبالتالي تحتاج إلى البحث والحوار، موجودة في ثنايا الورقتين (ماهية الماركسية، الطبقة ضمن الأمة وبالتالي المسألة القومية، اختيارات التطور، الوحدة القومية، الديمقراطية والنظام السياسي…).
ولا شك في أن المهمات العملية أصبحت متجاوزة، حيث أن الأحزاب الماركسية العربية هزلت وتفككت وانحطت أكثر مما يجب، وبالتالي أصبح أفق التفكير بإعادة بناء الحركة، أي بالممارسة، مرتبطاً ـ في الغالب ـ بمبادرة أفراد، وعبر استقطاب قطاعات جديدة، لكن يبقى الحوار من أجل بلورة تصور نظري، هدفاً أساسياً، وهذا ما دعاني إلى إعادة طباعة هذا الكتاب.
أطروحات من أجل ماركسية مناضلة
الماركسية في العالم محط نقد، وفي الوطن العربي محط تهديم. فالفكرة الأساسية التي تتداولها الأقلام عندنا هي “انهيار الشيوعية”. و”نهاية الماركسية” و”فشل الاشتراكية”. ونرى أن كل هذا بلا جدوى، إذ سوف يظهر التطور، أنه كان “حلم” فئات، و”كابوس” أخرى.
وربما كان ضرورياً إظهار تهافت هذه الأفكار، رغم كل ما نسمع بما يجري في العالم، لكن أثرنا قبل كل شيء أن نطرح وجهة نظر ماركسية، تعالج مشكلات الوطن العربي، لتحدد أهداف التقدم الأساسية، ودور الماركسيين العرب في تحقيقها، ومن ثمَّ المهمات الملقاة على هؤلاء من أجل تحقيق التقدم العربي، حيث لن يكون الحوار حول “فشل” أو “انهيار” أو “نهاية” الماركسية مفيداً، دون تحديد صحيح للمهمات السياسية والعملية للماركسيين العرب ذاتهم. فهم من يجب عليهم أن يحفروا مجرى جديداً للتقدم، في خضمِّ هذه الهزّة العاصفة على الصعيد العالمي، وهذه الأزمة الكبيرة التي يعيشها الوطن العربي اليوم.
إذن، يجب أن تثبت الماركسية جدارتها من جديد. أن تثبت أنها قادرة على وعي الواقع ووعي أفق تغييره. وفي الوطن العربي، تبدو الحاجة ملحّة لتأسيس تصورات جديدة، تأسيس خط جديد، يتجاوز إشكالية قديمة، ويحدد أفق التقدم العربي، حيث أصبح واضحاً ـ رغم كل الحديث عن فشل الماركسية، أو عدم راهنية دورها ـ أن هذا التقدم، لا يتحقق إلا بدور قيادي للماركسيين أنفسهم، إلا بأن يعتبر الماركسيون أن تحقيق التقدم العربي مهمتهم. من أجل ذلك، لابدّ من رؤية جديدة، من تصوّر جديد.
مدخل انتقادي
بات حاسماً أن نحدد مهماتنا. كما بات ضرورياً علينا أن نعتبر أن مرحلة جديدة تفرض نفسها، وأن كل تصوراتنا النظرية والسياسية قد غدت بعيدة عن واقع المجتمع، وعن مسار الحركة الاجتماعية. لقد غدونا “جُزُراً” منعزلة. متنافرة متناثرة، وفي نفس الوقت همّشتنا الحياة، لأننا لم نستطع التعبير عن الطبقة التي من المفترض أننا لسانها، وعقلها المفكِّر، وعن الأمة التي من المفترض أيضاً، ونحن نسعى لتحقيق مصالح الطبقة العاملة، أن نحقق مصالحها في هذه المرحلة. ولا شك أن تقييم التجربة الماضية ضروري، ولكن من الضروري بمكان الاعتراف أن الزمن قد تجاوزنا، وأن حركة المجتمع قد وضعتنا في ذيلها، وأن تصوراتنا وأفكارنا، وكل رؤيتنا، قد غدت قديمة، أقدم ممّا نتصوّر، أو نظنّ.
وهذا الاعتراف لا يسقط الدور الذي لعبه أيَّ من الأحزاب، أو القوى الماركسية، ولا يعني شطب تجربة ثلاثة أرباع القرن من النشاط الماركسي في الوطن العربي، ولا يجعلنا نستخفّ بأيَّ كان، وبدور أيٍّ من هذه الأحزاب والقوى. بل أننا ننطلق من كل ذلك، لنقول أن المطلوب أكثر من الدور الذي مُورٍس، ومن النشاط الذي خِيْصَ، ولنقول أيضاً أن الظروف الواقعية راهناً تتطلب دوراً جديداً، ونشاطاً مختلفاً، إضافة إلى أنها تتطلب إعادة النظر بالبنية الفكرية التي تشكلت، والتي حافظت على “ثبات” طيلة عقود، دون أن تلحظ الواقع، ودون أن تلحظ كل التطورات التي شهدها الوطن العربي خلال هذه الفترة الطويلة. وبالتالي نؤكد أننا استمرار لهذه التجربة، ولكل التراث الماركسي الذي أروى التربة العربية، وأننا ورثة هذا التاريخ، نمجِّد كل الإيجابيات، ونعتزّ بكل النضالات، لكن نرى أن كل ذلك لا يجعلنا نغضّ النظر عن كل الأخطاء، وخصوصاً عن الخطأ الأساسي الذي جعل الماركسية لا تكون خياراً بديلاً، والطبقة العاملة، المتحالفة مع الفلاحين الفقراء تحديداً، ومع الطبقات الثورية الأخرى، لا تكون القائدة لنضال ثوري، يحقق تقدّم الوطن، ويضمن اجتيازه أعتاب الثورة الديمقراطية، على طريق تحقيق الاشتراكية.
إذن، نحن ننطلق من تجربة ثلاثة أرباع القرن (تقريباً)، لا نتبرأ منها، ولا نلقيها خلف ظهورنا، أو نرميها في سلّة المهملات، على العكس من ذلك، نعتقد أن علينا أن نمحِّص النظر فيها، وأن نقيِّمها برويَّة ودقة، لكي نستفيد منها، إنها تجربة تستحق الدراسة، حيث يمكن أن يفهم أسباب الفشل المتكرر، ومن أجل أن نفهم الجذور التي قادتنا إلى ما نحن فيه، إلى أن نتحوّل إلى مجموعات هامشية، مهما كبر حجم بعضها، وإلى جزر منعزلة في خضمِّ الحركة الجماهيرية، وإلى أن لهث وراء هذه الحركة، عاجزين عن فهمها، وعاجزين عن فهم مطامحها، وبالتالي عاجزين عن التأثير فيها.
إنها تجربتنا التي من الضروري أن ندقق فيها، أن نُعمِل النقد فيها، من أجل أن نبدأ تجربة جديدة، تستفيد من إشكاليات الماضي، ومن كل الأخطاء التي تراكمت، ومن أجل أن نعيد للماركسية دورها الحقيقي. إننا بحاجة إلى دور جذري للماركسية، دور ينزع عنها الطابع الإصلاحي الذي تقولبت به عربياً، من أجل أن تكون المرشد لعملية التغيير الثوري، لكي نحقق تقدم الوطن العربي. إن التجربة الماضية اختلَّت أولاً في هذه المسألة، وسرى الاختلال إلى مختلف المسائل، لنجد أنفسنا في الموقع الذي نحن فيه، موقع العجز والانعزال.
فإذا كانت التصورات السياسية، والمواقف التكتيكية خاطئة، بشكل عام، فإن المشكلة لم تكن في سوء فهم هذا الموقف، أو ذاك فقط، بل كانت المشكلة في العجز عن استيعاب الماركسية، في عدم القدرة على امتلاك منهجها، أي في العجز عن فهم جوهر الماركسية، بغض النظر عن استيعاب هذا الموقف أو ذاك، أو هذه المسألة أو تلك، فالماركسية لم تُقرأ أصلاً، سوى من خلال شكلها الرَّثّ، الشكل الإيديولوجي الذي تبلور في الاتحاد السوفياتي منذ سيطر ستالين، هذه الإيديولوجيا التي تحوي كل شيء في الماركسية سوى منهجها، لأنها حوّلت بعض النصوص والمواقف التي حددها ماركس أو انجلز أو لينين اعتماداً على المنهج، وانطلاقاً من الظروف الملموسة، حوّلتها إلى “قوانين”، و”نصوص مقدسة”، مما جعلها لا تعود تحتاج إلى المنهج، إلى الجدل المادي، فالنصوص جاهزة، وهي التي ـ من المفترض ـ أن تحدد الواقع، أن يقاس بها الواقع، وهنا قَلْب لأوّل ميزة للماركسية، ميزة اعتبار أن الواقع هو محدد الفكر.
إذن، لابدّ من فهم جديد للماركسية، لابدّ من عودة إلى الماركسية، الماركسية باعتبارها منهجاً، ورؤية علمية، بغض النظر عن كل النصوص والتصورات والأفكار التي طرحت في زمانٍ ومكانٍ محددين، ولا شك أن المنهجية الماركسية هي وحدها التي تحدد قيمة النصوص، لأنها تحدد مدى جدارتها في التحوّل إلى قوانين، على ضوء مقدرتها على فهم الظروف الواقعية، وتحديد التصورات المطابقة لها.
لقد أحللنا “النصوص” محل الواقع، وأسقطنا المنهج، الجدل المادي، فمسخت الماركسية، في نفس الوقت الذي مسخ فيه الواقع. وإحلال “النصوص”محل المنهج، كان نتاج تخلّفٍ في الوعي، وعجز عن دراسة الماركسية دراسة علمية، فاستمر الوعي السائد، الوعي المتخلف الذي يسكن بنيان المجتمع العربي، هو وعينا. وبالتالي جاءت “النصوص الماركسية” غطاءُ لوعينا المتخلف هذا. كما أننا تمسكنا بالنصوص الموافقة لهذا الوعي، وأهملنا كل النصوص الأخرى، وفسرّناها تفسيراً قاصراً نابعاً من هذا الوعي أيضاً. بمعنى أننا لم نتجاوز وعينا القديم ـ الذي كان نتاج بنية إقطاعية متخلفة ـ لنستوعب الماركسية، بما هي وعي جديد، وعي تولّد على ضوء التطور الهائل الذي حققته الرأسمالية، بإلغائها الوعي الإقطاعي القديم، وفتحها الأفق لتقدم علمي هائل، كانت الماركسية قمة من قممه. بل إننا قزمنا هذا التطور العلمي الهائل، إلى بضع نصوص أدمجناها في البنية الفكرية السائدة لدينا، البنية المعبّرة عن بقايا الإقطاع.
لذا عجزنا عن فهم الواقع فهماً علمياً ماركسياً، وقبلنا تصورات القوى الطبقية الأخرى، مع تردادنا لشعارات عامة، مبهمة حول الاشتراكية، ولهذا صرنا ذيلاً لهذه القوى.
لهذا، وعلى ضوء فهم جديد للماركسية، نتساءل حول: ما هي مهامنا حينما نكون في هذا الوضع؟ حينما نكون عاجزين عن أن نلعب الدور المنوط بنا، أي دور تفسير الواقع وتغييره؟ إننا في مرحلة فاصلة، فإما أن نجدد وعينا، ومفاهيمنا وبنيتنا، أو نتهمش إلى الحدّ الذي لا نعود قوّة على الإطلاق؟ وبالتالي فنحن معنيون بإعادة النظر في وعينا، ورؤيتنا ومفاهيمنا، ودورنا. معنيون بأن نواكب الحركة الواقعية، وأن نكون في طليعتها. لذلك من الضروري أن نقف لكي نتساءل: ما هي مهماتنا؟ ما هي مهماتنا الراهنة؟ ما هو دورنا الواقعي؟
الماركسية والعرب
إن البحث من جديد في إشكاليات الماركسيين، تفرض تحديد أساس ضروري. يكون مبتدأ الحوار. ولقد كان التحديد السابق ينطلق من خصوصيات كل قطر، فيكون البحث قطرياً. ولا شك أن الظروف الماضية، ومستوى الوعي الذي تبلور خلال كل هذه التجربة، يفرض الانطلاق من أننا عرب، ولهذا من الضروري البدء من كوننا ماركسيين عرب، نناقش قضايا الوطن العربي، ونبحث في المشكلات الواقعية التي نعيشها. إن البدء من هذه النقطة يعيد الأمور إلى نصابها، ويجعل من الممكن أن نبحث في المشكلات بشكل صحيح، وأن نحدد المهام التي تخدم حركة التقدم العربي.
إن تحديد الأرض التي نناضل عليها، ينطلق من الارتباط بطبقة تنتمي إلى أمة محددة. فمهما كانت الاختلافات عميقة بين منطقة وأخرى، ومهما نشأت من خصوصيات، فإن المحدد الأساسي، ليس الاختلافات ولا الخصوصيات، بل الطابع القومي لطبقة محددة. لأنه انطلاقاً من تحديد هذا الطابع، يمكن تحديد كل المشكلات الواقعية التي تعيشها الطبقة، أي يمكن تحديد الخصوصيات وبالتالي يمكن تحديد التكتيك الضروري لمواجهة هذه المشكلات. لقد أبرز التطور التاريخي الطبقات كما أبرز الأمم، ولقد تكونت هذه وتلك في إطار التطور المادي التاريخي، وتكونت الأولى في إطار الثانية. وكل أشكال التفتيت والتجزئة لم تفصل هذه عن تلك، بل كان التحامها أساس إعادة الوحدة إلى كل أمة تجزأت.
لقد طغت في السنوات الماضية، أفكار تربط الطبقة بالدولة، وليس بالأمة، لهذا تأسست الأحزاب على أساس قطري، وانطلق الماركسيون من الأقطار لكي يحددوا استراتيجيتهم وتكتيكهم. ونعتقد أن خطلاً حكم هذه الرؤية من الأساس، وأفرز جملة تصورات خاطئة، أسهمت في انحسار دور الأحزاب الماركسية، وفي عجزها عن أن تتحوّل إلى أحزاب جماهيرية، وأن تلعب دوراً تغييرياً جذرياً في الوطن العربي. ولقد نبع الخطل من هذا الربط الخاطئ بين الطبقة والدولة، أي تحديد طابع الطبقة انطلاقاً من انتمائها لدولة (وليس لأمّة)، أو لكيان “موهوم” تأسس انطلاقاً من نشوء الدولة القطرية، وهذه مشكلة في المنهج، كانت نتاج قلب التصور كله، فبدل أن تكون البنية التحتية (الاقتصاد، والطبقات) هي محددة البنية الفوقية (الدولة، الإيديولوجيا)، أصبحت الدولة هي المحددة، وأدت إلى تقليص إمكانات انتشار هذه الأحزاب، لأنها عزلتها عن حركة الأمة الصاعدة، حركتها نحو التوحّد، التي كانت تظهر في شكل شعور قومي عربي، سرعان ما يتحوّل إلى تمظهرات حزبية، تلعب دوراً سياسياً، من أجل، ليس الوحدة القومية فقط، بل ومن أجل التقدم والاستقلال أيضاً.
فالطبقة ليست مقولة اقتصادية فقط (وهي مجموع الأفراد الذين يقومون بنشاط اقتصادي محدد في إطار نمط إنتاج معيّن)، بل هي أيضاً جزء من مجموعة بشرية لها انتماؤها القومي. وانطلاقاً من هذا وذاك، تمكن دراسة واقعها، والظروف المحيطة بها، والتي منها تفتتها في أقاليم مختلفة، و في دول مختلفة، أو توّحدها في إطار دولة واحدة. إن التطور التاريخي يؤسس لتكوّن مجموعات بشرية لها طابعها القومي، تنزع إلى تأسيس دول قومية، من خلال دور محدد لطبقة معينة. وبالتالي فإن الطابع القومي هو أساس في تحديد انتماء الطبقة، بغض النظر عن كونها وجدت في دولة واحدة، أو في عدد من الدول. ولقد كان التفكك والتفتت والتجزئة منطلق البحث عن الوحدة، وكانت مشكلة الوحدة القومية أصلاً، مشكلة الأمم المفككة، ولقد تبلور الشعور القومي في حالات السعي من أجل التوّحد القومي.
إن تحديد هذه المسألة سابق لتحديد الأهداف أو الحديث عن الخصوصيات، والظروف المختلفة، لأن هذا التحديد هو الذي يعطي للخصوصيات وللظروف المختلفة معانيها المحددة، وأي حديث عن الخصوصيات والظروف المختلفة خارج هذا الإطار يعني الحديث عن أمم مختلفة، لكل منها "خصوصياته"، وظروفه المختلفة. لهذا من الضروري الحسم في هذه المسألة، فالطبقة هي مجموع أفراد يقومون بنشاط اقتصادي محدد في إطار نمط إنتاجيٍّ معيّن، وهم جزء من مجموع أكبر هو: الأمة، هذه الأمة المجزّأة إلى دول عديدة. هنا يرفع مفهوم العرب، فوق مفاهيم القطار، يتحدد الانتماء العربي على الضد من الانتماءات القبلية، والطائفية، والإقليمية والمحلية، و”الدولتية”. ومفهوم العرب مفهوم تاريخي، تبلور في إطار تطور المجموعات البشرية منذ المشاع، وأخذ صيغته الواضحة منذ الدعوة الإسلامية، بينما أخذت المسميات الأخرى طابعها من أشكال التجزئة الإقطاعية التي نشأت بعد انهيار الإمبراطورية العربية، وخصوصاً بعدما فرض الاستعمار خريطته السياسية، ليقيم دولاً، تتسمى بتسميات لها أساس تاريخي، لكنها لم تكن تعني تكوّن أمم معيّنة.
والماركسيون في الوطن العربي معنيون بأن ينطلقوا من كونهم ماركسيين عرب، يبحثون في مشكلات الوطن العربي، ويدرسون بنيته الاقتصادية الاجتماعية، والفكرية والسياسية، وهم انطلاقاً من ذلك، يمكنهم البحث في خصوصيات كل قطر، أو إقليم، أو منطقة، أو قطاع. إن تحديد هذا الأساس يسمح، وحده، بتحديد الخصوصيات، ولا خصوصيات إلا بذلك، فالخاص يعني صراحة، وجود ما هو عام، وبالتالي فحين الحديث عن سمات خاصة لهذه المنطقة أو تلك، ننطلق من أن سمات عامة تسود، وأن قضايا عامة تربط الوطن. وتتحدد التصورات الاستراتيجية عادة انطلاقاً من السمات العامة، أما الخصوصيات فتدرج في إطار التكتيك. وفي هذا الإطار تكون السمات الخاصة التي تتواجد في هذه المنطقة أو تلك، أو في هذه الدولة أو تلك، مشكلات “من الدرجة الثانية”، خاضعة للتكتيك.
وما يهمنا أولاً هو تحديد الرؤية الاستراتيجية، لهذا من الضروري أن نتناول القضايا العامة (الأساسية، المركزية). إذن يجب أن نبحث في مهماتنا كماركسيين عرب، يسعون من أجل تحقيق تقدم الوطن العربي، من خلال تحقيق وحدته القومية، واستقلاله، ونهضته الاقتصادية الاجتماعية، الفكرية والسياسية. إننا نعتبر أنفسنا معنيين بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء العرب، بغض النظر عن الاختلافات الموجودة في إطار هؤلاء، بين قطر وآخر، أو بين منطقة وأخرى في داخل ذات القطر. لهذا فنحن معنيون بتأسيس الوعي المطابق لمصلحة هؤلاء المشتركة، وبالتالي نبذ كل أشكال الوعي، الإقليمية والطائفية والمحلية والقبلية… الخ، ومحاربة كل مظاهرها، بما يسمح بتأسيس وعي منسجم، مطابق لمصلحة هؤلاء كونهم عرباً. وهنا نعمل من أجل إرساء الوعي المدني الحديث، الوعي الذي يربط الفرد بالأمة، بالوطن، أي نسعى من أجل تأسيس وعي بالمواطنة لدى طبقة بعينها، في إطار سعينا من أجل تحديد أهدافها ومهماتها ودورها الواقعي.
إذن لابدّ من أن نعمل كماركسيين عرب، متجاوزين “وعي” القرون الوسطى، ذاك “الوعي” التفتيتي، التجزيئي، الذي تكوّن في إطار سيادة نمط الإنتاج الزراعي الطبيعي، وحيث أصبحت القرية بالنسبة للفلاح عالماً قائماً بذاته، في مجتمع فلاَّحي من الأساس. وإذا كان هذا “الوعي” قد اخترق الفكر الماركسي العربي، نتيجة تخلّف الوعي بالماركسية، وعدم القدرة على تجاوز ذاك “الوعي” القادم من القرون الوسطى، فلابدّ من أن نسعى من أجل أن نفهم الماركسية، كونها منهجاً ثورياً، وكونها تؤسس وعياً حديثاً، يتضمن حلاً علمياً للمسألة القومية، كأساس صحيح لتحديد الدور العالمي، وتشكيل تحالف أمم حرّة مستقلة ومتقدمة. ولابدّ من أن نهزم الأفكار “الأممية” التي تكون غطاءً لكل أفكار القرون الوسطي، من أجل تأسيس أممية صحيحة، تخدم تحقيق تقدم كل الأمم.
لذا علينا، كماركسيين عرب، أن نبحث في المشكلات الأساسية في الوطن العربي. أن نبلور تصوّراً يخدم تحقيق التقدّم العربي. وأن ندرس الواقع من أجل أن يكون تحديدنا دقيقاً، وأن نسهم في تحديد التكتيك الصحيح. إن البحث في المشكلات الأساسية، وتحديد رؤية بشأنها، تسهم في فهم الخصوصيات، وتحديد ما هي الخاصيات التي تميّز هذه المنطقة عن تلك، وهذا القسم من الطبقة العاملة عن ذاك؟ وبالتالي أن نحدد التكتيك الملائم، الذي ينطلق من هذه الخصوصيات، ويسهم في حلّها، أو في دمجها في الإطار العام للعمل.
إن معارضة الرؤية الشمولية (التصور الاستراتيجي…) بالخصوصيات، لا يفعل سوى تكريس التفتت، والعجز عن تأسيس حركة ثورية جماهيرية، قادرة على تحقيق التقدم، لا يفعل سوى إيجاد التناقضات المفتعلة، وتضخيم المشكلات المحدودة، مما يفرض معارك غير مبررة، تشتت حركة التقدم، وبالتالي تسهم في تكريس التخلف الاقتصادي الاجتماعي والسياسي، وفي تعميق التبعية، مما يعني أن يصبح شعار الاستقلال، مفرغاً من محتواه، وتصبح كل الشعارات اليسارية، و”التقدمية” لا معنى لها، سوى خلق الأوهام، وجرّ بعض الفئات وراء هذه الأوهام.
لقد نشأت اختلافات كبيرة حول مفهوم الأمة، ومفهومها في الوطن العربي. وإذا كانت سادت رؤية ستالينية في هذا المجال، انحكمت للمنهجية الستالينية اللاهوتية الجامدة، الميكانيكية، والمادية المبتذلة، فإن الظرف الراهن يفرض البحث العلمي في هذه القضية، انطلاقاً من المنهجية الماركسية، وليس من بعض النصوص التي صاغها ستالين، من أجل تصفية هذه الأزدواجية الموهومة التي تعيشها بعض الفئات الاجتماعية، وفئات واسعة من الماركسيين العرب، ونقصد ازدواجية القطري والقومي، ازدواجية العرب ككيان، والقطر ككيان آخر مختلف، ,”بديل”. أو موازٍ، أو طاغ. مما كان يخلق شرخاً عميقاً في “الذات”، ويشوّه البرنامج، والأفكار والتصورات، ويؤدي إلى تحديد استراتيجية ملتبسه، وتكتيك خاطئ. إننا معنيون بتحديد صحيح لمفهوم الأمة، وإعطاء المسألة القومية قيمتها الفعلية، انطلاقاً من أن أي تقدم نحو تأسيس مجتمع عالمي وأممي، لا يتحقق إلا بعد تحقق المسألة القومية، وانطلاقاً من تحققها.
علينا أن ننطلق من أننا ماركسيين عرب، وأن الحوار الديمقراطي بيننا يستوعب الاختلافات الناتجة عن الفروقات في مستويات التقدم بين منطقة وأخرى، ويستوعب الخصوصيات في كل المناطق، لكن على ضوء الرؤية الشاملة، والتصور الاستراتيجي. لهذا نشدد على ضرورة الانطلاق من كوننا ماركسيين عرب، وأن نشدد النقد ضد كل النزعات المنبعثة من القرون الوسطى، من أجل أن يكون بإمكاننا أن نلعب الدور الذي ينقل المجتمع العربي، من بقايا القرون الوسطى إلى العصر الحديث، وهذه هي المهمة التي نقف أمامها، والتي تفرض نفسها من أجل أن نصبح أمة حديثة، موحدة ومتقدمة ومستقلة، على طريق تحقيق الاشتراكية.
إننا ماركسيون عرب، مهمتنا البحث في مشكلات الوطن العربي، من أجل تحديد التصور الذي يسهم في توضيح طريق التقدم العربي، والذي يحكم نشاطنا العملي، ويسهم في إعطاء النشاط الجماهيري أهدافه العميقة، وبالتالي نتائجه المنطقية، أي أن يقوده نحو الانتصار.
بصدد مهماتنا السياسية
لكن ما هو الإطار الذي نعمل فيه؟
ما هي المهمات التي يطرحها الواقع، المهمات التي يسهم حلها في تحقيق التقدم؟ وبالتالي ما هي المشكلات الواقعية، المشكلات المحددة في الواقع، التي تحتاج إلى حل جذري؟
إن الانطلاق من البحث في مشكلات الوطن العربي، يسهم في تحديد أدق للمشكلات الواقعية، ويسمح بتحديد المهمات التي تسهم في تحقيق الحل الجذري، حيث لا يبدو ممكناً تحقيق تقدم حقيقي (جذري) في منطقة بمعزل عن الوطن كله، وهذا نابع من أن تحقيق التقدم ينطلق من حل المشكلة الأساس التي تنتظم كل الوطن العربي، والتي على ضوء حلها يمكن حل المشكلات المختلفة في مختلف المناطق، ولهذا سوف نحلل المشكلات انطلاقاً من هذا الإطار، تاركين الخصوصيات والمشكلات المحلية أو “القطرية” لكي تدرس في الإطار التفصيلي وانطلاقاً من الإطار العام هذا، إن تقدم العرب مرتبط بتحقيق المهمات العامة، وأي انطلاق من الجزئي لا يفعل سوى الدوران في حلقة مفرغة، وتشتيت القوى الذاتية، دون تحقيق أي من المهمات، سواء العامة، أو التكتيكية (الخاصة).
وبالتالي نعود إلى السؤال حول: ما هي المهمات التي يطرحها الواقع العربي اليوم.
كان الحوار حول نمط الإنتاج السائد في الوطن العربي إشكالياً، خصوصاً في المرحلة السابقة للحرب العالمية الثانية، نتيجة استمرار سمات النمط الإقطاعي المتخلف، الموروث منذ القرن الحادي عشر، وتداخله مع إشكال محددة ادخلتها الرأسمالية الأوروبية منذ القرن التاسع عشر. لهذا كان نمطاً هجيناً هو المنتشر، رغم أن المسألة الفلاحية كانت هي المسألة الأساسية ورغم استمرار هيمنة الطابع الاقطاعي، لكننا لا نستطيع قول ذلك بعد قرنين من بدء التغلغل الرأسمالي، حيث غدت الرأسمالية هي السائدة وقول ذلك لا يحسم الأمور بسهولة، لأن هذا التحديد إشكالي أيضاً، حيث أنه رغم سيادة النمط الرأسمالي لم يتحقق التقدم بفعل تقدم القوى المنتجة، بل تحقق بفعل التغلغل الرأسمالي الأوروبي، ثم الأميركي، لهذا ساد نمط الرأسمالية التابعة، القائمة على أساس سيادة قطاع التجارة ـ الخدمات، وهو النمط الأكثر طفيلية في الرأسمالية، بينما لم تتطور الحرف، وتدمرت كل المحاولات التي قامت لتطوير الصناعة، وإذا كان تطوراً معيناً أصاب الزراعة في مرحلة أولى، فقد تراجع دورها، رغم تغلغل العلاقات الرأسمالية إلى أقاصي الريف.
لذا ورغم انتشار العلاقات السلعية، والعمل المأجور، لم تتطور القوى المنتجة محلياً، بل كانت القوى المنتجة في المركز الرأسمالي هي التي تنجندل حولها العلاقات الرأسمالية محلياً. وهذا أساس تكون نظام التبعية، القائم على أساس سيطرة رأسمالية محلية تابعة، تعمل في التجارة ـ الخدمات، في إطار العلاقة الشاملة داخل النظام الإمبريالي العالمي. لذلك تأسست البنية السياسية المطابقة لمصلحة هذه الطبقة، والتي كانت تقوم على أساس نفي الثورة الديمقراطية، وتكريس البنية الإيديولوجية القديمة (أو يمكن القول دمجها في إطار جملة مفاهيم حديثة)، وتكريس التفكك القومي، والسلطة المطلقة.
إن التقدم، يقوم على أساس تكوين قوى منتجة، بعدما انهارت الزراعة كقوة إنتاج، ولم يعد ممكناً تجديدها في الإطار التقليدي القديم، وأي حديث عن التقدم يتجاوز هذه المسألة، لا يعدو أن يكون حديثاً زائداً. إن تأسيس بنية صناعية، وتطوير الزراعة وفق الأساليب الحديثة، وبالتالي تكوين البنية المطابقة لذلك هي المهمة الحاسمة في تحقيق التقدم، وهذه هي المسألة التي شغلت كل الذين عنوا بتحقيق التقدم، وكانت المسألة الجوهرية في كل المشروعات التي عبرت عن سعي في هذا الاتجاه، منذ محمد علي باشا، ومحاولات البرجوازية العربية في النصف الأول من القرن، ثم محاولات الحركة القومية العربية بعد الحرب العالمية الثانية. وهي المسألة الراهنة أيضاً، حيث أن التقدم في عصر الصناعة، لا يكون إلا بتأسيس بنية صناعية حديثة.
وإذا كانت الرأسمالية قد سادت في الوطن العربي، فإن المطلوب ليس تحقيق البنية القومية المناسبة فقط، بل تأسيس البنية التحتية الضرورية لتحقيق التقدم، والقائمة على أساس الصناعة، وهذا يعني أن البرجوازية التي سادت غدت غير معنية لا بتطوير الصناعة، ولا بتأسيس البنية الفوقية المناسبة، بل أنها كونت ببنيتيها التحتية والفوقية الموافقتين لمصالحها. كما أنه يعني ليس تجاوز الرأسمالية، ما دام تكونها “قاصراً” كرأسمالية تابعة، بل تحقيق المهمات التي لم تحققها، ما دام من غير الممكن تجاوز المشكلات الواقعية.
إذن تتمثل المهمة الأولى في: كيف يمكن تحقيق التطور الصناعي؟ كيف يصبح الوطن العربي مجتمعاً صناعياً حديثاً؟ وحينما نتحدث عن الصناعة، لا نتحدث عن الصناعات الاستهلاكية التي انتشرت بهذا القدر أو ذاك في مختلف الدول العربية، بل نتحدث عن الصناعات الخاصة بإنتاج وسائل الإنتاج، والتي تسمح بتحقيق التطور الصناعي المستقل، وتقود إلى تأسيس السوق القومية، وتؤسس البنية المتمحورة على الذات، والمؤسسة لقانون القيمة الخاص بها.
نصرّ هنا على مسألة بناء الصناعة، كونها أساس أي تقدم حديث، وأساس اللحاق بالعصر، وتعتقد أن أي حديث عن بناء سياسي حديث، وعن الاستقلال والتحرر والديمقراطية، دون البحث في هذه المسألة، لا يقود إلى تحقيق التقدم الحقيقي، وإن كانت حدثت بعض التراكمات الجزئية على هذا الصعيد. ونعتقد أن التفكير بالتقدم، دون التفكير بها، لا يعدون أن يكون وهماً، ولا يقود سوى إلى الدوران في حلقة مفرغة.
لكن ليس صدفة أن تسود الرأسمالية، دون انتشار الصناعة رغم أن الصناعة كانت أساس التقدم الرأسمالي، ولم يكن صدفة أن تتشكل الرأسمالية في الوطن العربي كرأسمالية تابعة، تعمل في قطاع واحد من قطاعات الرأسمالية الحديثة (الصناعة، الزراعة، التجارة المال، الخدمات…) ونقصد قطاع التجارة ـ الخدمات، لقد رغبت البرجوازية المحلية الناشئة، في فترات مختلفة، في أن تكون برجوازية صناعية، وناضلت من أجل ذلك، لكنها فشلت، لأن التطور الصناعي في المركز الرأسمالي، وصل مرحلة من التطور لا تسمح بتحقيق التقدم الصناعي في الأطراف، ليس لأنه يهزم هذه المحاولات بالقوة العسكرية فقط، ولا بالمنافسة الاقتصادية والضغط السياسي، بل لأن التطور الرأسمالي ذاته، دفع الرأسمالي المحلي للعمل في القطاع الأكثر ربحية، (والأكثر ضمانة كذلك) الذي هو قطاع التجارة ـ الخدمات، وهذا الأمر هو الذي يجعل الرأسمالية المحلية تبقى غير معنية بتحقيق التطور الصناعي، وأن تظل جزءاً تابعاً في إطار النظام الإمبريالي العالمي.
لهذا فإن مشروع تحقيق التقدم الصناعي، يطرح مسألة التناقض مع الرأسمالية المحلية التابعة، لأنه يلغي دورها كوسيط يعمل في استيراد السلع المصنعة في المركز الإمبريالي، كما يتناقض مع مصلحة الرأسمالية في المركز أيضاً، لأنه يفرض الاستغناء عن سلعها، كما يفرض تصفية رساميلها الموظفة في القطاعات الخدمية والمالية، والاستخراجية، وبالتالي يفرض سلبها التراكم الرأسمالي الهائل الذي تحققه من أطراف النظام الإمبريالي هذا، هنا يكون البحث في تحقيق التقدم الصناعي بحثاً في التناقض مع الإمبريالية ومع الرأسمالية المحلية التابعة، وتكون تصفية الرأسمالية المحلية التابعة، أساساً لتحقيق التقدم، ومن أجل إنهاء نظام التبعية، وبالتالي يفضي إلى البحث في مهمة أخرى، تكتسب طابعاً سياسياً، ونقصد أن مشروع التقدم الصناعي يعني التناقض مع الإمبريالية، ومع إفرازاتها المحلية، ومع أشكال وجودها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاستيطانية (الكيان الصهيوني)، وهذا ينقلنا إلى المستوى السياسي، الذي سوف نشير إليه تالياً.
لكن، لنشوء الصناعة وتقدمها، وقدرتها على أن تصيغ بنية المجتمع، وتفتح آفاق تطوره، شروطاً ضرورية، من غير الممكن تجاوزها، فالتفكير بتحقيق التطور الصناعي يفرض توفير الأيدي العاملة، وتوفير المواد الأولية، كمسائل أولية ممهدة، لكن الأهم هو توفير السوق القادرة على استيعاب تطوير صناعي كبير وسريع. إن الانتباه إلى البيئة التي من الضروري أن تنشأ فيها الصناعة، مسألة هامة من أجل الوصول إلى بناء اقتصاد متمحور على الذات، وإلى سيادة قانون القيمة الخاص بالوطن العربي، من خلال القطع مع السوق الإمبريالي العالمي، في الجانب المتعلق بالبنية المنتجة أساساً (وليس في الجانب المتعلق بالعلاقات التجارية، التي من المستحيل قطعها بأي حال من الأحوال). هنا يكون السوق الواسع شرطاً ضرورياً وحاسماً في تحقيق التقدم، خصوصاً أن المسألة تتعلق بالتقدم بعدما اكتملت سيطرة النظام الإمبريالي العالمي، وبعدما أصبح التقدم معركة ضد الرأسمالية المسيطرة فيه، ولا شك أن كل محاولات تقدم البلدان الصغيرة إما فشلت، وإما قامت على أساس “مساعدات” البلدان الاشتراكية، وهي مساعدات كبيرة إلى حد أنها كانت العامل الأساسي في تحقيق التقدم.
وإذا كانت هذه الشروط، يمكن أن تتحقق في إطار أمم وشعوب، فإن طرحها في إطار قومي يبدو طبيعياً، وضرورياً، وممكناً، بل مناسباً لطبيعة التكون القومي للعرب، حيث أنه يحقق لحمة أمة تفككت وتفتت، دون أن تنتهي كأمة، وظل النزوع القومي، نزوعاً عاماً، يفور كلما نشأت محاولة للتقدم (محمد علي، البرجوازية العربية، الحركة القومية العربية)، لهذا يكون البحث في توحيد السوق القومي العربي، مسألة هامة من أجل تحقيق التقدم الصناعي,. وهذا يقودنا إلى المستوى السياسي مرة أخرى. إذن، يفرض البحث في تحقيق التقدم الصناعي ـ الذي هو أساس كل تقدم حديث ـ البحث في المستوى السياسي، المستوى الذي يسهم في تحقيق التقدم الصناعي. إن المسألة هذه تبدو، في الوطن العربي ـ وعكس الشكل الذي تطور في أوروبا الرأسمالية، حيث تطورت الصناعة “عفوياً” وفرضت سوقها والنظام السياسي المطابق ـ مسألة “إرادية”، بمعنى أن البحث في تطور الصناعة ـ ما دامت لم يعد من الممكن أن تتطور “عفوياً” ـ يفرض البحث في توحيد السوق القومي المناسب لتطورها.
هنا نصل إلى تحديد المهمة الثانية، وتتصل بالمستوى السياسي، وهي في أساسها تعتمد تهيئة الظروف لتحقيق المهمة الأولى، مهمة تحقيق التقدم الاقتصادي، وتأسيس البنية الفوقية المطابقة له.
إن القضية الأساسية، في هذا المجال، هي مسألة تحقيق الوحدة القومية العربية، في إطار حل مشكلة الأقليات القومية المتداخلة مع العرب، سواء من خلال استقلالها إذا كانت أمماً، أو توفير الحكم الذاتي لها إذا كانت من الأقليات. (وهنا يأخذ الأكراد جانباً مهماً، لأن مشكلتهم أنهم أمة مجزأة وموزعة في دول مختلفة تعاني من سيطرة أمم أخرى، ولهذا من الضروري التحديد أن لهذه الأمة حقها المطلق في التوحد والاستقلال، وللعرب دور كبير في مساعدة الأكراد على تحقيق ذلك، ويجب أن تكون جزءاً من أي برنامج ثوري يهدف تحقيق التقدم في الوطن العربي). وهذا يعني، ليس تغيير النظام السياسي في البلدان المختلفة فقط، بل أن هذا التغيير يهدف إزالة الدولة القطرية، وتهديم كل القوانين والحدود المكرسة قطرياً، من أجل تأسيس دولة عربية موحدة، وهنا يجري البحث في كيف تخدم الخصوصيات، وكيف يخدم التنوع، الوصول إلى هذه النتيجة؟ كيف يكون هدف إزالة الدولة القطرية والوصول إلى الوحدة القومية هو هدف كل الصراعات في هذه الأقطار؟ بمعنى كيف لا تقود الخصوصيات إلى “الانفلات” من العام العربي، وبالتالي تصبح غطاءاً من أجل الحفاظ على الكيانات القطرية؟
لهذا فإن هدف الوحدة القومية العربية، هدف عام، تتحدد على ضوئه التكتيكات المتعلقة بالخصوصيات في مختلف المناطق والأقطار، ويكون المحدد لمجرى التطورات المحلية. إن الوحدة القومية العربية، هي التي تهيئ الظروف لتحقيق التقدم، وتؤدي إلى قيام كتلة كبيرة، في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، قادرة على المنافسة، وعلى الصمود في ظل سيادة التكتلات العالمية، والنزوع العالمي إلى إقامة التجمعات الواسعة، ولهذا من الضروري محاربة كل النزعات “المحلوية” والإقليمية، والقطرية، والطائفية، التي تناقض النزوع الوحدوي، والتي تكرس ليس التجزئة فقط، بل تكرس التخلف الاقتصادي الاجتماعي، وتعمق من تبعية مختلف أجزاء الوطن العربي في إطار النظام الإمبريالي العالمي.
لكن تحقيق ذلك متداخل مع ـ ومرتبط بـ ـ مسألة تحقيق الاستقلال القومي وإذا كانت “الدول” العربية قد استقلت سياسياً، فإن سيطرة اقتصادية لازالت قائمة، بل أنها تترسخ، حيث أن الوطن العربي، لازال جزءاً تابعاً في إطار النظام الإمبريالي العالمي، وهذا يعني التحكم بآليات النشاط الاقتصادي لمصلحة الرأسمالية في المركز الإمبريالي، وبالتالي نهب الدخل القومي، من خلال تلك الآليات (توظيفات الرأسمال المالي، التجارة، الديون…). وهذه مسألة لا تتحقق إلا بتغيير آليات النشاط الاقتصادي، بما يخدم مصلحة العرب، مصلحة تقدم الأمة العربية. وكما أوضحنا، لا يتحقق ذلك، إلا بإلغاء اختيار اقتصادي اجتماعي سائد، وهو اختيار الرأسمالية التابعة، وتسويد اختيار جديد يضع بعين الاعتبار مسألة التقدم العربي، وهذا يعني إسقاط الاختيار السائد، بإسقاط الطبقة المستغِلّة الحاكمة، ويجب أن يلتقي هذا الهدف، مع هدف تحقيق الوحدة القومية العربية، أي أن يخدم إسقاط الطبقة المستغِلّة الحاكمة، في هذا القطر أو ذاك، ليس إعادة إنتاج الدولة القطرية، لأن إعادة الإنتاج هذه سوف تعيد إنتاج التبعية، وتسهم في تكريس التخلف، بل أن يهيئ لإزالة الدولة القطرية.
كما أن استقلال “الدول” العربية، أتى في نفس الوقت الذي عمل الاستعمار فيه، على إبقاء بعض المناطق محتلة (فلسطين، الأهواز، الاسكندرون، سبتة ومليلة…) بل أن بعضها أصبح نقطة ارتكاز من قبل قوى تعمل في مصلحة المشروع الإمبريالي (الكيان الصهيوني) من أجل ضمان استمرار “الخريطة” التي رسمتها الدول الاستعمارية، ثم تبنتها الإمبريالية الأميركية، أي من أجل محاربة حركة التقدم العربي، بأبعادها الاقتصادية (تحقيق التقدم الصناعي) والسياسية (الوحدة القومية)، ولضمان بقاء الوطن العربي جزءاً تابعاً في إطار النظام الإمبريالي العالمي، وهذا يعني أن هناك مناطق محتلة، وأن احتلالها يخص العرب عموماً، وأن القوى المحتلة جزء من القوى الواقعية المعنية بالتصدي لمشروع التقدم العربي.
إن تحقيق الوحدة القومية، والاستقلال القومي مرتبطان ـ من جهة ـ بتحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي، لأنهما مدخل هذا التقدم، ومرتبطان ـ من جهة أخرى ـ كما هو مرتبط تحقيق التقدم ـ بالصراع الطبقي ضد الطبقة المستغلة ـ الحاكمة، وبالصراع القومي ضد السيطرة الاقتصادية للشركات الاحتكارية الإمبريالية، وخصوصاً الأميركية، وضد الأدوات التي تعمل في خدمة هذه الاحتكارات، وفي أساسها الكيان الصهيوني، لذلك من الضروري الإجابة على أسئلة عديدة منها: كيف تسقط الطبقة المستغلة ـ الحاكمة، الطبقة الرأسمالية التابعة، لأن هذه المسائل تتعلق بالدور العملي لنا، وتشكيل الممهد لتحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي، وبالتالي من الضروري تحديد الأشكال الخاصة بالنضال من أجل ذلك.
لقد أشرنا إلى المعادل السياسي للتطور الصناعي والخاص بحل المسألة القومية العربية (الوحدة القومية، الاستقلال القومي، حل مشكلة الأقليات القومية)، لكن ما هي طبيعة النظام السياسي الضروري لتحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي؟ أي ما هو شكل البناء الفوقي المعادل، الذي يستوعب اختيار التطور الاقتصادي الاجتماعي؟ وهنا نسأل أيضاً، وقبل ذلك عن طبيعة النظام الاقتصادي الذي يجب أن يسود لكي يكون ممكناً تحقيق التقدم الصناعي، وبالتالي التقدم الاقتصادي الاجتماعي الشامل؟
إن تحقيق التقدم الصناعي يفترض توفر تراكم مناسب لرأس المال، ولما كانت البرجوازية غير معنية تماماً، فيكون للدولة دور مركزي في هذا المجال، هنا تلعب الدولة دوراً أساسياً في تحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي([1])، لكن ذلك لا يعني الهيمنة على كل مجالات الاقتصاد، وبالتالي إلغاء أشكال الملكية الأخرى، بل يعني أن تعمد إلى بناء القطاع الأساسي الذي زاغ عنه رأس المال المحلي، وأن تسمح لأشكال الملكية الأخرى بالتواجد والتطور والمنافسة أي أن يكون قطاع الدولة هو السائد، ليس بالقوة، بل بقوة دوره الواقعي، قدرته على المنافسة، جدارته بأن يؤسس البنية الأساسية للاقتصاد، في إطار السماح للقطاعات الأخرى بالمنافسة، وهذا يعني تعايش أشكال مختلفة من الملكية (الخاص، قطاع الدولة، والقطاع المشترك، والتعاوني…) في إطار الهدف الأساسي وهو تحقيق التقدم، مما يعني ضبطاُ لقطاع التجارة ـ الخدمات، ولقطاع المال ـ البنوك، حيث تكون مدخل سيادة الرأسمالية التابعة، وإعادة إنتاج نظام التبعية، كما يعني إلغاء تأثير المنافسة الخارجية، من خلال دور الدولة الحمائي.
في هذا الإطار تبرز الحاجة إلى دولة مركزية، لكن ديمقراطية، خصوصاً أن التفكك والتفتت الذي يعيشه الوطن العربي ـ من جهة ـ والخصوصيات والتنوع الموجود فيه ـ من جهة أخرى ـ يفرضان المركزية والديمقراطية معاً، بمعنى أن تكون دولة موحدة مركزية، لكن يتسم النظام السياسي فيها بالديمقراطية، ورغم عدم إمكانية صياغة ذلك الآن، لكن يمكن التأكيد على قيم عامة في هذا المجال، بغض النظر عن الشكل الذي يمكن أن يتخذه النظام السياسي هذا. وهذه القيم العامة هي، ضمان فصل الدين عن الدولة وعن السياسة عموماً، حرية الرأي والتعبير والإضراب والتظاهر، والصحافة، وتعدد الأحزاب، استقلال القضاء، وديمقراطية النقابات والاتحادات والمؤسسات، وضمان تحرر المرأة، ويبقى شكل النظام السياسي خاضع للظروف في حينها لكن انطلاقاً من هذه القيم العامة.
تبقى مهمة ثالثة، غالباً ما تهمل، خصوصاً أن فهم مسألة تحالف قوى مختلفة لتحقيق مهمام ديمقراطية عامة، أصبح يعني تجميد أي صراع بينها، وإهمال الجانب الإيديولوجي الذي يبدو كمجال ساخن، وقابل لتفاقم الصراع. ونقصد هنا المستوى الإيديولوجي، حيث لا يمكن التقدم، ولا تحقيق الثورة الديمقراطية دون هزيمة الإيديولوجيا القديمة، والوعي اللاهوتي السائد، ودون اكتساب قيم ومفاهيم حديثة، واوّل ما يعني هذا الحديث فصل الدين عن السياسة، وتكريس قيم الحرية والديمقراطية والمواطنة. وهذه معركة الفكر العقلاني كله، وإن كانت الماركسية معنية بأن تلعب الدور المركزي فيها. وهذا جانب من المستوى الإيديولوجي، حيث لا تقف المعركة عند الإيديولوجيا القديمة فقط، بل أنها تطال الأيديولوجيا الحديثة، من أجل تأكيد الأيديولوجيا الأكثر جدارة في تكوين التصور الذي يخدم مصلحة الطبقة التي تعبر عنها، في نفس الوقت الذي يخدم مصلحة الأمة كلها، وهي هنا تمتص كل ما هو إيجابي في الإيديولوجيات الأخرى، وتدمجها في بنيتها، في نفس الوقت الذي تعمل على كشف إشكالية هذه الإيديولوجيات.
وهذه معركة، ليس من الممكن تجاوزها، مهما كانت أهمية التقاء هذه الإيديولوجيات، لأن الالتقاء سياسي بالأساس، وليس إيديولوجياً، ولأنه يعبر عن اتفاق على أهداف محددة، تطرحها هذه الإيديولوجيات في سياقات مختلفة.
وإذا كنا تحدثنا عن مهمات ثلاث، فلأنها تمثل ثلاثة مستويات لا يمكن تجاوزها، إذا كنا نهدف إلى تحديد رؤية علمية لعملية التقدم، لكن لابد أن نشير إلى أن المعادل السياسي للتطور الصناعي، والخاص بحل المسألة القومية العربية، هو الأساسي في هذه المرحلة، لكن على أساس أنه يهدف إلى تطبيق الاختيار الاقتصادي الاجتماعي ودون تناسي قيمة المستوى الإيديولوجي راهناً وفي المستقبل، وأساسية المُعادل السياسي هذا، ومركزيته راهناً، لا يعني أنه الوحيد، بل يمكن تحقيق هذا القدر أو ذاك من المستويات الأخرى في إطار تحقيق هذا الهدف الأساسي، ووفق ما تطرحه الظروف الواقعية.
لكن أي الطبقات قادرة على أن تلعب الدور المركزي في تحقيق هذا التصور العام؟
قلنا قبلاً أن البرجوازية حققت شكلها الممكن في إطار النظام الإمبريالي، وبالتالي فمن الخرافة الحديث عن دور في هذا المجال، رغم أنه من الممكن أن تحقق بعض الخطوات في إطار خدمتها لمصالحها وفي إطار تأزمات النظام الإمبريالي العالمي (تحقيق بعض التطوير في مجالات صناعية محددة، البحث عن شكل معين لسوق عربي، بعض أشكال الوحدة، أشكال من النظام الديمقراطي…) لكن دون أن تكون معنية بكل هذه المهمات، التي هي وحدها التي تجعل الوطن العربي يدخل الحضارة الحديثة.
أما البرجوازية الصغيرة فهي إما تكتنز الإيديولوجيا القديمة، وبالتالي تطرح حلولاً رجعية سلفية، وهذه سمة القطاعات التقليدية منها (أصحاب الحرف القديمة، وأصحاب المهن التجارية القديمة، الفلاحون الذين لم يندمجوا في إطار السوق بعد…)، أو تمتلك مطمحاً برجوازياً، وتطرح المشروع البرجوازي للتقدم، سواء مباشرة أو مغلفاً بغلاف “اشتراكي” وهذه سمة الفئات الحديثة من البرجوازية الصغيرة (أطباء، مهندسون، أساتذة، مالكين صغار…) وهذا المشروع يصطدم بعالمية الرأسمالية، وسيطرة النظام الإمبريالي العالمي، مما يسمح بأن يفشل في تحقيق التحول الرأسمالي، ويقود ـ بالتالي ـ إلى الاندماج في إطار النظام الإمبريالي العالمي، دون تحقيق أي من الأهداف الأساسية.
يبقى دور الطبقة العاملة العربية، وهذا ما نرى ضرورة البحث فيه، خصوصاً أننا ماركسيون، نعتبر أن الماركسية هي وسيلة تأسيس الوعي المطابق لمصلحة الطبقة العاملة على وجه التحديد، ولأننا نعتبر أن هذا الخيار هو الخيار الوحيد الممكن من أجل تحقيق كل تلك المهمات التي حددنا إطارها، ومن أجل الانتقال إلى الاشتراكية.
إذن ما هي ممكنات الخيار الماركسي، خيار الطبقة العاملة العربية؟
لكن قبل البحث في ذلك، ننبه إلى أنه من الضروري التفريق بين قدرة طبقة على أن تلعب دوراً قيادياً فاعلاً في تحقيق تلك الأهداف، وبين أن تشارك في تحقيقها، لكي لا نقع أسرى رؤية أحادية لا ترى سوى الطبقة العاملة، ولا تعترف بنضالات الآخرين، ولا تقيم أي اعتبار لدورهم، وتتجاهل ـ بالتالي ـ أن تلك المهمات تفرض تحالفاً من طبقات مختلفة معنية بتحقيقها بهذا القدر أو ذاك من الانسجام، وبالتالي نشير إلى مركزية هدف تأسيس تحالف طبقي، وكذلك هدف تأسيس تحالف سياسي، حيث تشارك طبقات مختلفة، وأحزاب مختلفة في تحقيق الثورة الديمقراطية هذه، فالطبقة، أي طبقة، ليس بالضرورة أن تتبع الحزب الذي يفترض نظرياً أنه يعبر عن مصالحها، المسألة ليست بهذه الميكانيكية، فالحزب يعبر عنها حينما يكون منسجماً مع مصالحها، وقادراً على أن يلعب دوراً عملياً من أجل تحقيق هذه المصالح، فقد أيدت الطبقة العاملة العربية الأحزاب القومية حينما شعرت أن هذه الأحزاب هي التي يمكن أن تحقق مصالحها ـ ليس المصالح الضيقة فقط، أي المطالب الآنية، بل والمصالح العامة أساساً ـ ويمكن لفئات واسعة من البرجوازية الصغيرة أن تدعم حزباً ماركسياً، تشعر أنه يعبر عن مصالحها.
ونؤكد ذلك، من أجل إزالة اللبس الذي يسكن العديد من الماركسيين، الذين يعتقدون أن الربط ميكانيكي بين الطبقة وحزبها، وبالتالي يحسبون حجم الطبقة وقوتها، لمصلحة الحزب الذي يفترضون أنه يعبر عنها ، وإذا كنا سوف نبحث لاحقاً في مسألة التحالف الطبقي، انطلاقاً من مقدرة حزب العمال والفلاحين الفقراء، على تشكيل تكتل شعبي واسع، من أجل تحقيق أهداف تهم هذا التكتل كله، وليس العمال والفلاحين الفقراء فقط، فإننا نؤكد أيضاً على أهمية التحالف السياسي، سواء كان “استراتيجياً” أي يوحّد مجموعة أحزاب من أجل تحقيق الهدف الراهن، هدف تحقيق التقدم العربي، وبالتالي نفترض أن هذه الأحزاب تعمل من أجل تحقيق نفس الأهداف الراهنة، أهداف الثورة القومية الديمقراطية بغض النظر عن رؤيتها لها، وتحليلها النظري، وتصويرها للمرحلة الأبعد (اشتراكية، أم رأسمالية؟) وهذا شكل من أشكال التحالف السياسي الأكثر ثباتاً. أو سواء كان التحالف “تكتيكياً” أي يهدف إلى تحقيق هدف بعينه، بغض النظر عن الاختلاف في الأهداف الأخرى، أو بالتصور النظري.
في كل الأحوال، التحالف السياسي، ليس مستقراً دائماً، ولا يعني الاتفاق التام، أو التركيز على قضايا الاتفاق، وتجاهل كل القضايا الأخرى، بل أنه تحالف يفترض الصراع الإيديولوجي، ويفترض التناقض والاختلاف، وبالتالي التفكك.
الخيار الماركسي
خيار العمال والفلاحين الفقراء
ارتبطت الماركسية في الوعي الماركسي السائد بتحقيق الاشتراكية، كما تبلور “تصور” يعتبر أن الطبقة العاملة تتكون حينما تتكون البرجوازية، وتصبح الطبقة السائدة. ووفق هذا “التصور” تلعب الماركسية دوراً في نشر الوعي لدى الطبقة العاملة، وتنظيمها في حزب يلعب دوراً في تحقيق الاشتراكية، ومن هذه الزاوية أصبحت الماركسية في الأمم المتخلفة، وفق القالب هذا، تلعب دوراً انتظارياً، حيث انتظرت تطور هذه الأمم ودخولها الرأسمالية، وفق السمات العامة للرأسمالية، أي وفق السمات الأوروبية تحديداً، من أجل أن تقوم بدورها في تحقيق الانتقال إلى الاشتراكية، لهذا تحولت إلى “فكر تنويري عام” إلى “فكر حالم” يتحدث عن جنّة موعودة، لكن بعد حين، بعد أن نؤيد الرأسمالية، وندعمها، ونقدّم لها “المشورات” و”النصائح”، نرشدها إلى طريقها القويم، الذي يخدم مصالحها. وبهذا أصبح دورها يتقوم في إعطاء تصورات عمومية عن الواقع، دون أن يكون لها دور عملي بما يخدم مصلحة الطبقة العاملة، سوى الدفاع عن حقوقها المطلبية.
إذن يبدو غريباً أن نعتبر أن الخيار الماركسي، أن دور الطبقة العاملة، هو الخيار الوحيد الممكن من أجل تحقيق ثورة هي ديمقراطية الطابع، رغم أن الماركسية المنتصرة، لم تلعب سوى هذا الدور، وظل تصور أن تتحقق الاشتراكية في البلدان الرأسمالية المتقدمة حلماً بعيد المنال، لهذا يمكن القول أن التصور الماركسي منذ لينين، انطلق من مسألة أن يلعب الحزب الماركسي دور قيادة الثورة الديمقراطية، أن يسعى لتحقيقها من أجل الانتقال إلى الاشتراكية. فلماذا نطرحه نحن، كخيار وحيد ممكن؟ خصوصاً أن فكرة “عدم نضج” التطور البرجوازي، وبالتالي ضعف (وأحياناً يجري الحديث عن غياب) الطبقة العاملة وعجزها عن أن تصبح القوة القائدة، هي الفكرة المنتشرة. إن مهمتنا الأولية هي الإجابة على ذلك، مادمنا نطرح خياراً بديلاً عن الخيار الماركسي السائد في الوطن العربي، الخيار الذي يعطي للماركسية دوراً مساعداً، ويحدد للطبقة العاملة دوراً مطلبياً فقط، فاصلاً الاقتصادي عن السياسي. إننا معنيون بان نحدد أسس هذا الخيار، أن نحدد الظروف الواقعية التي تجعله خياراً ممكناً. أن نحدد ميزان القوى الطبقي أولاً، وأن نحدد قدرة كل طبقة على التماسك، أي أن نحدد ليس ميزان القوى الطبقي من ناحية العدد فقط، بل قدرة الطبقة على أن تلعب دورها كطبقة، وهذا يقود إلى البحث في مسائل الوعي والتنظيم لديها.
فما هي نسبة الطبقة العاملة العربية في إطار ميزان القوى الطبقي؟ وهل الطبقة العاملة هي وحدها من يسعى الماركسيون لتنظيمه؟ إلا يمكن لهم تنظيم الفلاحين الفقراء؟
إن الخيار الماركسي ينطلق أولاً من تحالف العمال والفلاحين الفقراء، وهذا أساس هام وضروري في نفس الوقت. فما هي نسبة هؤلاء إلى مجمل الطبقات؟ يمكن أن نورد بعض المعطيات (مع الإشارة إلى حاجتنا إلى دراسة ذلك بالتفصيل، لأنه من أساس تحديدنا لدورنا). فإذا أخذنا مصر، كممثل للمنطقة الأكثر تبلوراً على الصعيد الطبقي، والأكثر تقدماً على الصعيد الاقتصادي، نجد أن نسبة الطبقة العاملة إلى السكان (بما فيها العمال الزراعيون) تبلغ 40%، سواء أخذنا نسبة العمال إلى قوة العمل (5.6 إلى 14.6 مليون) أو حسبنا نسبة الطبقة العاملة (التي تضم ليس العمال فقط، بل عائلاتهم أيضاً) إلى السكان (حوالي 20 مليون إلى 50 مليون)([2]).
وهذا يعني أن نسبة الطبقة العاملة في مصر إلى مجموع السكان العرب هي 10% (وفق المقياسين سابقي الذكر). وفي تونس النسبة قريبة منها في مصر، حيث تبلغ نسبة العمال إلى مجموع قوة العمل حوالي 40%، (550 ألف إلى 1.780 مليوناً) ([3])، وهي قريبة من ذلك بقياس حجم الطبقة العاملة إلى السكان (2 مليون إلى 7.5 مليون). وفي الجزائر تبلغ نسبة الطبقة العاملة إلى السكان أقل من 40% بقليل (حوالي 4 مليون إلى 17.91 مليون) وأكثر بقليل من حيث نسبة العمال إلى مجموعة قوة العمل (988.7 ألف إلى 2.337 مليون) ([4]). وفي العراق تبلغ نسبة الطبقة العاملة إلى السكان حوالي 30% (3.5 مليون إلى 12.4 مليون نسمة 1978)، وتبلغ نفس النسبة بقياس العمال إلى قوة العمل (905 ألف إلى حوالي 3 مليون نسمة 1978). وفي سوريا تبلغ نسبة الطبقة العاملة إلى السكان أقل من 20% بقليل (1.6 مليون إلى حوالي 9 مليون سنة 79) وحوالي 20% بقياس العمال إلى قوة العمل (450 ألف إلى 2.2 مليون سنة 79) ([5]).
وبالتالي يمكن أن نقول إن نسبة حجم الطبقة العاملة في كتلة الدول العربية الأساسية (ونقصد بها المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السودان، العراق، سوريا، والأردن، والتي بلغ عدد السكان فيها سنة 1987، حوالي 160 مليون من أصل 202 مليون عدد سكان الوطن العربي) يتراوح بين 40% و20% في كل الأحوال (رغم أننا أهملنا الفرق الزمني، حيث أن هذه الأرقام يتراوح تاريخ حسابها بين 1978 و1986، ولاشك أن هذه السنوات شهدت تحوّلات في مصلحة زيادة حجم الطبقة العاملة وليس العكس). وهذه نسبة هامة، تشكل ثقلاً، وتسمح بتأسيس قوة فاعلة. ولكن، لابدّ أن نكمل البحث في حجم الفلاحين الفقراء، ونقصد بالفلاحين الذين يملكون أرضاً، لكنها لا تكفي معيشتهم، فيضطرون للعمل عند الآخرين، ونأخذ هنا مقياس الملكية، رغم اختلاف الإنتاج من منطقة إلى أخرى. لكن سوف نشير إلى المستوى الذي لا يكفي معيشة، وهو امتلاك أقل من خمسة هكتارات.
ففي مصر، بلغ عدد الذين يملكون أقل من خمسة افدنة 3.317 مليون شخص، ويشكلون نسبة 95.3% من مجموع الذين يملكون([6])، أو 13 مليون فلاح([7])، على أساس مجموع الذين يملكون وعائلاتهم، ويساوي هذا الرقم حوالي 25% من السكان، وفي تونس، بلغ عدد الذين يملكون أقل من خمسة هكتارات 150 ألف شخص، أو 42.1% من مجموع الملاّك([8]) أو 750 ألف فلاح بحساب عائلاتهم، ويساوي هذا الرقم حوالي 12% من السكان، وفي المغرب، بلغ عدد الذين يملكون أقل من خمسة هكتارات 1.09 مليون فلاح، ويشكلون نسبة 74% من مجموع الذين يملكون([9]) ويساوي 5 مليون فلاح، بحساب عائلاتهم ويساوي هذا الرقم حوالي 28% من السكان، وفي سوريا بلغ عدد الذين يملكون أقل من خمسة هكتارات حوالي 400 ألف فلاح، ويساوي 50% من مجموع الذين يملكون([10]). وبحساب الفلاح وعائلته، يبلغ عددهم حوالي مليوني فلاح، ويساوي هذا الرقم حوالي 22% من مجموع السكان.
ومع تأكيدنا على ملاحظة سابقة حول الفرق في السنوات الخاصة بالإحصاءات، نشير إلى أن تمايز الفلاحين اتسع خلال عقد الثمانينات، وازداد حجم المفقرين. لكن هذه الأرقام تعطي مؤشراً إلى قوة إضافية تدعم قوة الطبقة العاملة([11])، وليشكل تحالف العمال والفلاحين الفقراء أكثر من نصف السكان ويكون ممكناً توحيد قوة كبيرة قادرة على أن تلعب دوراً مركزياً في الصراع، وتكون القاعدة الاقتصادية الاجتماعية لتأسيس حزب ثوري قادر على أن يلعب دوراً حاسماً في إطار الصراع الواقعي. أليس هذا أساس حاسم من أجل تأسيس القوة القادرة على أن تلعب دوراً كبيراً؟ ألا يشكل ذلك خياراً حاسماً؟
إن الدراسة الواقعية لوضع الطبقة العاملة، والفلاحين والفقراء، تظهر خطل الرؤية السائدة، التي تنطلق، من ضعف (أو حتى غياب) الطبقة العاملة، وتتجاهل شقها الريفي (العمال الزراعيين)، كما تتجاهل حليف ثابت لها، هو الفلاحين الفقراء، الذين يشكلون قوة أيضاً، وهي قوة يزداد حجمها، كلما اتسعت الأزمة الاقتصادية، وازداد تمايز الطبقات في الريف، وبالتالي تقود هذه الرؤية إلى أن يلعب الحزب الماركسي دوراً هامشياً، لا يفعل سوى تكريس ميزان قوى مختل، يقرّ بالدور الحاسم للطبقة البرجوازية (أو البرجوازية الصغيرة، التي سوف نشير إليها لاحقاً)، والتخلي عن الطبقة التي من المفترض أن يعبّر عنها الحزب الماركسي، (الفلاحون الفقراء) لكي تقاد من قبل البرجوازية، وأن تصبح احتياطياً لها، أو للبرجوازية الصغيرة، ويصبح الحزب الماركسي، ممثلاً لمجموعة صغيرة من الفئات البرجوازية الصغيرة المتعلمة، أو المثقفة، تستقطب بعض العمال، لتوجههم نحو النضال المطلبي فقط.
لذلك، علينا أن ننطلق من قوة الطبقة العاملة الواقعية، ومن حتمية تحالفها مع الفلاحين الفقراء، وأن يكون هذا الأساس الاقتصادي الاجتماعي، المنطلق لتأسيس الحزب الماركسي.
لكن، إضافة إلى ذلك، يمكن أن نشير إلى أن البرجوازية الصغيرة، التي مثلت الخيار البديل والتي تشكل ثقلاً على الصعيد الطبقي، كبيراً، ليست طبقة سوى بالمعنى المجازي، وإذا كانت قادرة على أن تتوحد في لحظة، فإن تناقضاتها لا تسمح سوى بأن تتوحد في إطار أهداف عامة أولاً، وأن تكون وحدتها غير ثابتة، وقابلة للانقسام، والتفكك إذا ما انتصرت حيث تسحق أقلية ارتقت (أو نزعت إلى الارتقاء) طبقياً، الأكثرية، أو إذا نشأت صعوبات حقيقية أبعدت إمكانيات الانتصار. لكن الأهم من ذلك، أن قوة كبيرة موحدّة ومتماسكة، قادرة على استقطاب فئات عديدة من هذه الطبقة. قلنا أن البرجوازية الصغيرة ليست طبقة سوى بالمعنى المجازي، وعلنيا توضيح ذلك الآن. ينبع هذا الحكم من مستويين، يتعلق المستوى الأول بكونها تتكون من فئات مختلفة، وأحياناً متعارضة، كما أن بعضها ليس له موقع في النشاط الاقتصادي المباشر. وهذه الفئات تنقسم إلى قسمين أيضاً، قديمة (أي هي استمرار لبقايا نمط الإنتاج القديم، الذي إنهار) وحديثه. ففي المدينة نجد الحرفيين (وهي فئة قسمها الأساسي قديم، وأن تأسست فئة حديثة منها) والتجار الصغار ـ بائعو المفرّق ـ (وهي فئة قسمها الأساسي قديم أيضاً ولقد أصبحت تضم أشكال حديثة)، وهاتان هما الفئتان المرتبطتان بنشاط اقتصادي مباشر. ثم هناك المهنيون (الأطباء، المهندسون، المحامون، الصحفيون، والكتاب…) وهذه فئة حديثة،وهناك ثالثاً، المدرسون، والطلاب، وهما فئتان حديثتان، ويبقى رابعاً الموظفون في دوائر الدولة ـ وهذه فئة كبيرة ـ أو في الشركات والمؤسسات المختلفة.
وفي الريف نلاحظ نفس الإشكالية، حيث تضم الفلاحين الصغار والمتوسطين وهم الفئة الغالبة (وهذه فئة قديمة، تحدثت بعض أقسامها)، وهناك التجار، وهم فئة قديمة، تحدثت بعض أقسامها، ثم يأتي ثالثاً، المهنيون، وهم قلّة بسبب نزوع هذه الفئة إلى العيش في المدينة، ورابعاً المدرسون والطلاب وخامساً الموظفون.
وهذا التنوع، سواء في المدينة أو في الريف، وانشقاق هذه الطبقة إلى فئات قديمة تنزع في إطار التطور الاقتصادي الاجتماعي إلى الزوال، وحدثية، يجعل إمكانات ضمهّا تحت قيادة التحالف العمالي ـ الفلاحي، مسألة محققة، وما يدعم هذه الفكرة، التطرق إلى المستوى الثاني، المتعلق بوضع البرجوازية الصغيرة، حيث تتمايز هذه الفئات (ليس كفئات فقط، بل داخل كل قسم فيها) إلى شرائح عليا، لديها دخل يمكنها من أن تنال بعض الرفاه، وبالتالي تكون قادرة على تحقيق مستوى معيشة حسن، وشرائحٍ دنيا تُدفع لأن تتحّول إلى شرائح مفقرة، حيث يصبح وضعها أكثر صعوبة ـ أحياناً ـ من وضع الطبقة العاملة، وخصوصاً أن شعورها بالحرمان يكون أعلى نتيجة فقدانها “امتيازات” كانت في متناول يدها.
أن تعمق الأزمة الاقتصادية في المجتمع، واختلال مستوى المعيشة، نتيجة انخفاض الأجور قياساً بمتطلبات الحياة (ارتفاع الأسعار، انخفاض قيمة العملة المحلية..) تجعل شرائح متسعة من البرجوازية الصغيرة ثورية، وتعمل من أجل التغيير. وفي هذا الإطار تطرح فكرة التحالف الطبقي، حيث يسعى التحالف العمالي الفلاحي، من خلال الحزب، إلى كسب تأييد هذه الفئات، وإلى تنظيم نشاطها في إطار الخطة الشاملة التي يحددها. كيف يتم ذلك؟ لا شك أنه يحتاج إلى أطر، وأشكال تنظيمية مختلفة، وفي هذا الإطار تطرح مسألة اللجان الشعبية، والنقابية والنوعية، وهيئات العمل الشعبي…الخ.
إن اعتماد الحزب الماركسي على قاعدة من العمال والفلاحين لا يجب أن يمنع سعيه إلى تكريس التحالف الطبقي، بل أن إمكانيات نجاحه تعتمد على هذه أيضاً. إنه قادر على أن ينظم نشاط فئات عديدة من البرجوازية الصغيرة في إطار الاستراتيجية التي يحددها، خصوصاً، أنه يسعى إلى تحقيق ثورة، أهدافها، هي أهداف ليس الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء فقط، بل أهداف البرجوازية الصغيرة الحديثة بالأساس، لأنها أهداف برجوازية أصلاً، أي أهداف كانت من مهام البرجوازية، ولأنها تخدم مصالحها. ولقد سعت الطبقة العاملة إلى حلّها، نتيجة عجز البرجوازية، ولأنها تخدم مصالحها هي أيضاً، وما دام التقدم لا يتحقق إلا بحلّ المشكلات الواقعية. إن إيلاء مسألة التحالف الطبقي أهمية، هو ما نؤكد عليه، ونعتبره من أسس الانتصار. كما نعتبر أن التحالف العمالي الفلاحي هو القادر على تحقيق ذلك، بأكبر قدر من الانسجام والتماسك. وفي هذا الإطار، يمكن ـ إذا استطعنا تحقيق ذلك ـ أن ينشأ حزب قادر على أن يكون القائد الفعلي، من أجل تحقيق الثورة الديمقراطية. دون أن ننسى أن تحالفاً سياسياً، من الضروري أن ينشأ، مع كل الأحزاب التي تعبر عن هذه الشريحة أو تلك من شرائح البرجوازية الصغيرة، والتي تسعى، سواء إلى تحقيق الأهداف العامة للثورة الديمقراطية أو بعضها.
إذن، أشرنا إلى الممكنات الواقعية، إلى الطبقة في ذاتها، إلى الطبقة كمقولة اقتصادية، وهدفنا من ذلك توزيع القوى الطبقية، من أجل تحديد ميزان القوى الطبقي، لكن هذا جانب من الموضوع، حيث يمكن لحزب برجوازي، أو برجوازي صغير أن يقود كل هذه الطبقات، وهنا يكون مدى انسجام البرنامج مع طموحات هذه الطبقات هو المحدد. ونقصد هنا، ليس المصلحة الضيّقة لهذه الطبقة أو تلك، لهذه الفئة أو تلك فقط، بل نقصد الأهداف العامة التي تخص الأمة التي يتوقف على حلّها تحقيق التقدم العام، وبالتالي تحيق تطوير في أوضاع هؤلاء، وهذا يفرض البحث في ممكنات الخيار الماركسي على الصعيد النظري، فما هي هذه الممكنات؟
المسألة هنا، لا تتعلق بتحديد الأهداف العامة فقط، لأن الواقع يطرح هذه الأهداف، لتصبح واضحة محددة. وبالتالي تمثل مشروعاً “مجرّداً” يطفو في مرحلة محددة، ويمكن لأي من الطبقات المعنية بتحقيق التقدم أن تعتبره مشروعها، طبعاً يكون القفز عن هذا المشروع ـ في المقابل ـ تجاوزاً لحركة الصراع الواقعية، وبالتالي نزوعاً نحو الهامشية، لكن يفرض هذا البحث في جانبين، الأول، يتعلق في مدى انسجام الطبقة المحددة مع ذاتها، وبالتالي تمسكها بالبرنامج إلى النهاية. والطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، هم الأكثر تماسكاً في هذا المجال، لأن التحوّلات الواقعية، التي يمكن أن تصيب أي من الفئات البرجوازية، وتدفعها إلى التخلي عن هذا البرنامج، وتغليب مصالحها الطبقية، أن هذه التحولات، لا تصل إلى الحدّ الذي يدفع إلى تغليب مصلحة ضيّقة، سوى لدى أقسام ضئيلة منها، وبالتالي تبقى أية مساومة عاجزة عن حلّ مشكلاتها، لهذا تستمر بالتمسك بهذا البرنامج. إن تحقق هذا البرنامج، هو وحده الذي يفتح لها أفق التقدم الحقيقي، لهذا تكون هي الأكثر جدارة في تحقيقه.
الجانب الثاني (وهو ما يحتاج إلى عناية) يتعلق بما تقدمه الماركسية كمنهج ومرشد عمل، من أدوات من أجل تأسيس الإيديولوجيا المطابقة لمصلحة الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء، وفي تحديد التكتيك الذي يخدم تحقيق ذلك البرنامج. ونقصد قيمة المنهجية الماركسية في فهم مسار الحركة الواقعية، والقدرة على تقديم الحلول المناسبة لكل المشكلات التي يحويها هذا المسار، فالمسألة لا تتعلق بتحديد الرؤية الاستراتيجية فقط، بل تتعلق أيضاً بتحديد التكتيك الذي يفضي إلى تحقيقها، هنا علينا الوقوف عند المنهجية الماركسية، من أجل تفحصّ قدرتها على أن تكوّن وعياً مطابقاً لمصلحة الطبقة العاملة العربية، يخدم نشاطها الثوري، ويضيف عاملاً يجعلها قادرة على أن تصبح قوة فاعلة ومنظمة، في نفس الوقت الذي يحدد لها الهدف النهائي.
ولا شك أننا غدونا معنيين بالدفاع عن المنهجية الماركسية، وبتأكيد قدرتها على إعطاء التصور العلمي للواقع، خصوصاً أن الماركسية الرائجة أسقطتها، نتيجة تخلف الوعي، ورفض الثقافة، وإحلال كراسات “مبسطة” بعيدة عن العلم، وتعبّر عن شكل من أشكال الدعاية الإيديولوجية، محل الماركسية، محل العلم الماركسي، لهذا أصبحت الماركسية تساوي (كما في الرياضيات المبسطة) جملة من “القوانين” و”الأفكار” و”النصوص”، المنتزع بعضها من ماركس، والموضوعة في سياق خدمة أهداف إيديولوجية محددة ـ لا تتطابق والماركسية. مما جعل الماركسية الرائجة هذه عاجة عن أن تؤسس الوعي المطابق لمصلحة العمال والفلاحين، ولمصلحة تقدم الأمة العربية في ظرفها الراهن، بل جرت استعارة مفاهيم “عامة” باعتبارها تشكل وعياً مطابقاً للطبقة، على اعتبار أن جملة “القوانين” و”الأفكار” و”النصوص” هذه عمومية، ما دامت الماركسية أممية.
كما قادت مساواة الماركسية بجملة “القوانين” و”الأفكار” و”النصوص” إلى الشك فيها، في اللحظة التي ظهرت إشكالية هذه “القوانين” و”الأفكار” و”النصوص”, لقد فهمت الماركسية على أنها “إيديولوجيا”، هذا ما أفضى إليه وعي الماركسيين الذي لم يرتق إلى استيعابها كونها منهجية أصلاً، كونها أدوات تتعلق بآلية التفكير، قبل أن تكون قوانين تخصّ الواقع، أو تصورات مؤسسة على واقع معيّن. فالقوانين، والتصورات قابلة للسقوط، ما دام الواقع يتحرك، يتطور، ويأخذ أشكالاً جديدة، أما المنهجية فهي التي تسمح لنا فهم هذه الحركة، وهذا التطور، وتحديد القوانين والتصورات المطابقة للواقع الجديد. إن الأفكار والتصورات والقوانين تسقط كلما تقادمت، تذهب إلى ملفات التاريخ، تصبح جزءاً منه، أما المنهجية فإن لها طابعاً “ثابتاً”، ولا ينهي هذا الثبات سوى تطور العلم، واكتشاف منهجية جديدة، وهذه تحتاج إلى قرون عديدة من التطور. ولم يشكك التطور العلمي بالمنهجية الماركسية بعد، بل أن هذا التطور يدعمهَّا، كما أن مناهج برجوازية حديثة، أخذت منها ما يجعلها تؤسس تصورات تطابق مصالحها.
إننا معنيون بالتمسك بالمنهجية الماركسية، بالدفاع عنها ضد كل نزعات الشك، والعبث، والفوضى التي تجتاح قطاعات من الماركسيين، كما أننا معنيون بأن تكون أداتنا في تحليل الظروف الواقعية، وفي تحديد مسار تطور الحركة الواقعية، وفي تحديد الأفكار والمفاهيم التي تخدم مصلحة العمال والفلاحين الفقراء، في تحديد التكتيك الضروري من أجل انتصاره، ولأنها القادرة على تأسيس الوعي المطابق لمصلحة هؤلاء، وبالتالي تسمح بتكوين حركة مستقلة لهم، لأنها تنزع من وعيهم، كل المفاهيم والأفكار الزائفة، التي تبثها الطبقات الأخرى، وتجعلهم يتبعونها، يستلبون لها، ويقبلون قيادتها، فتذوب كطبقة، وتلعب أدواراً في خدمة تلك الطبقات. كما تسهم في تأسيس التنظيم المستقل لهم، الذي هو وحده القادر على تحقيق مصالحهم.
ولا شك أن مهمتنا تتمثل ليس في تحديد الأهداف العامة التي تخص الأمة، والتي تخص الطبقة فحسب، بل في تأسيس جملة المفاهيم والأفكار والتصورات التي تخص العمال والفلاحين الفقراء، والتي تسهم في تشكيل وعيهم المطابق لمصالحهم، أي في أن تصبح الماركسية، ليس جملة “قوانين” و”أفكار” و”نصوص” عامة، و”مجردّة”، بل أن تصبح إيديولوجيا طبقة واقعية في ظرف وزمان محددين، أن تصبح إيديولوجيا العمال والفلاحين الفقراء العرب، من خلال تعبيرها عن مصالحهم، وتحديدها مشكلاتهم، وسعيها من أجل تحقيق أهدافهم، منطلقين من أن الواقع هو محدد التصورات والأفكار، وليس العكس، ومعتمدين المنهجية الماركسية كطريقة في البحث والتحليل والدراسة للوصول إلى التصورات والأفكار المعبّرة عن واقعنا.
وهذه مهمة نظرية كبيرة، من الضروري أن نبدأ بها، من أجل أن نؤسس الوعي المطابق لمصلحة الطبقة التي نعبّر عنها، وأن نحدد الاستراتيجية الخاصة بتحقيق تقدمنا، لأننا بذلك نستطيع الاسهام في تحويل الطبقة، من كونها “طبقة في ذاتها” (أو الطبقة كمقولة اقتصادية)، إلى “طبقة لذاتها”، إلى طبقة تعي مصالحها وتعرف الطريق الذي يوصلها إلى تحقيقها، وفي هذه الحالة فقط، تستطيع أن تلعب دورها المستقل، وأن تتأسس حركتها المستقلة.
وتطرح المهمة النظرية هذه، مسألة الدور الإيديولوجي الذي يجب أن نلعبه، في تأسيس إيديولوجيا طبقة تناضل من أجل تحقيق مصالحها، وفي كشف زيف الإيديولوجيات الأخرى، خصوصاً من يدّعي منها أنه يعبّر عن مصالح العمال والفلاحين الفقراء العرب. أمامنا مهمة النضال الإيديولوجي، من أجل بلورة وعي هؤلاء، من أجل أن يتوضح الطريق الموصل إلى الاشتراكية.
في هذا الإطار يطرح الخيار الماركسي في التطور، الخيار القائم على أكتاف طبقة تمثل أكثر من ثلث السكان، ومتحالفة مع طبقات أخرى، لتشكل ثقلاً حاسماً، يمهدّ لتحوّلها إلى قوّة، والقائم أيضاً على أساس قدرة الماركسية كمنهجية على تأسيس الوعي المطابق لمصلحة هذه الطبقة، والقادرة على تحديد دورها العملي، بما يجعلها قوّة فاعلة، وقادرة على تحقيق التقدم المضطرد، مما يسمح لها بأن تنتصر.
لكن الخيار الماركسي، ليس إيديولوجياً فقط، ولا طبقة بما هي مجموعة من الأفراد يعملون في مهنة معينة، وفي إطار نمط إنتاجي محدد فحسب، بل هو التكثيف لكل ذلك، هو الحزب. الحزب كمثقف جماعي، وكمنتج للإيديولوجيا، وكمنظم لحركة الصراع الطبقي، كمنظم لنشاط الطبقة، وهي تخوض نضالها الثوري من أجل تحقيق أهدافها. وبالتالي تنطرح مهماتنا العملية من أجل بلورة التصور النظري، الذي ينقل الطبقة من “طبقة في ذاتها”، إلى “طبقة لذاتها”، من الطبقة كمقولة اقتصادية (مجموع أفراد) إلى قوة ثورية فاعلة، والذي يفرض تأسيس الحزب القادر على أن يكون قوة دفع لها، ينظم نشاطها، ويحدد التكتيك الصائب، ويلعب الدور السياسي المطابق لدورها الاجتماعي. فإذا كان واضحاً أن العمال والفلاحين الفقراء العرب، يشكلون قوّة من حيث ميزان القوى الطبقي (على صعيد العدد) فإن التماسك الإيديولوجي الذي يحوّل هذه القوة إلى أن تكون الحاسمة، هو من مهماتنا، إننا المعنيون ببلورة التصور المطابق لمصلحة هؤلاء، ولا ثبات جدارة الماركسية في أن تكون المنهجية الوحيدة القادرة على تقديم التصور الذي يحقق مصلحة العمال والفلاحين الفقراء، ومصلحة الأمة العربية في نفس الوقت. هذه مهمتنا الراهنة، التي يتوقف عليها دخول هؤلاء ميدان الصراع الطبقي بوعي ووضوع رؤية، ودقة في الأهداف وجدارة في التكتيك، من أجل أصول إلى الانتصار، الذي يعني ليس قيادة هؤلاء للمجتمع فقط، وأن يصبحوا الطبقة السائدة فحسب، بل يعني أساساً تحقيق التقدم العربي، الذي يخصّ الأمة كلها.
ونحن معنيون بإنجاز المهمة الراهنة هذه، من أجل أن ينفتح أفق التقدم العربي.
الحزب والطبقة
إن اختيار الماركسية كرؤية منهجية، وأداة تحليل، لا يعني الحديث عن ماركسيين طليقين، أو عن مجموعة “مستقلة بذاتها”، تسكن فوق الطبقات، وإن أشارت إلى صلتها بطبقة، بل نتحدث عن الماركسيين العرب الذين باختيارهم الماركسية، يختارون الارتباط بطبقة، هي الطبقة العاملة، وبالفلاحين الفقراء، يختارون اعتبار مصالح طبقة، مصلحتهم الخاصة، وبالتالي يصبحون جزءاً فاعلاً في بنيتها، ويحددون مواقعهم على أساس الدور الذي عليهم أن يلعبونه في نطاق هذا الارتباط. إن أي انفصال عن الطبقة ونشاطها يجعل الماركسيين مجموعة منعزلة، لا يحق لها اعتبار نفسها ممثلة لها، ولا يؤهلها لأن تلعب دوراً في تحقيق مصالحها، بل ربما تتحوّل إلى مجموعة تعمل على تكييف وعي الطبقة العاملة، لمصلحة الطبقة البرجوازية، من خلال برنامج إصلاحي تقدمه، لا يخدم سوى البرجوازية.
هنا يجري الانتقال من الحديث عن الماركسيين العرب، إلى الحديث عن الحزب الماركسي العربي، الحزب الذي يوحِّد هؤلاء، والذي يتأسس على أساس شكل من العلاقة بينهم، لكن الذي يقيم هذا الشكل بالارتباط بطبقة، وانطلاقاً من دور هذه الطبقة الواقعي، وفي سياق السعي من أجل تحقيق أهدافها، إننا نتحدث عن تكوين واقعي، ينسجم مع بنية واقعية. ليس في إطار القبول بالواقع، والاستسلام له، بل بما يخدم تطوير الحركة الواقعية، ودفعها باتجاه انتصار الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء، انتصار اختياراتهم في تحقيق التقدم، وتحوّلهم إلى طبقة سائدة، هذه هي مهمة الحزب، وهذا هو دوره، أو وفق ما يقول لوكاش “إن الشكل التنظيمي مرتبط في نظر لينين أوثق الارتباط بتوقع أزوف ساعة الثورة” ([12]). إن الحزب هو التعبير السياسي عن الطبقة، الذي يعمل من أجل تحديد أهدافها السياسية التي يسهم تحقيقها في تحقيق تقدمها، ويعمل ـ بالتالي ـ بارتباط وثيق بها، ومن خلال تطوير نشاطها، عن طريق بث الوعي الذي يؤهلها إحداث قطيعة مع وعي الطبقة السائدة، ويجعلها تناضل من أجل تحقيق أهدافها السياسية، كما عن طريق تطوير أشكال تنظيمها، وتنظيم نشاطها، بما يجعله أكثر فاعلية، أكثر قوة، وأكثر تأثيراً.
وهذا يدعونا إلى البحث في وضع الطبقة، وإلى تحديد شكل الحزب.
لقد تحدثنا عن الطبقة بما هي طبقة، الطبقة كمقوّلة اقتصادية، وكان هدفنا توضيح حجمها الواقعي، وهذه خطوة لابد منها، وهي خطوة أولية وأساسية، خصوصاً أن الاتجاه الغالب من الماركسيين العرب، ونتيجة نظرة “فوقية” يرددون أحاديث عن غيابها، أو عن ضعفها وتخلفها، مبررين بهذه المسألة كل تصوراتهم الإشكالية، ملقين على الطبقة مشكلة العجز عن لعب دور فاعل، والالتجاء إلى دعم البرجوازية، ومساندتها من أجل تحقيق “التقدم البرجوازي” !! لهذا كان ضرورياً أن نحدد حجمها الواقعي، من أجل تحديد ميزان القوى الطبقي، وبالتالي من أجل تحديد حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه. ولاشك أن كل حديث عن غياب الطبقة العاملة، أو عن ضعفها ـ على ضوء المعطيات السابقة ـ لا يعدو أن يكون غير علمي، ويدل على الجهل بالبنية الطبقية القائمة، أو يشير إلى هروب من مناقشة فعلية للواقع، من أجل نشر أفكار إصلاحية، تعبّر عن راديكالية برجوازية، أكثر من تعبيرها عن اختيار بروليتاري.
لكن من الضروري الإشارة إلى الدور العفوي الذي يلعبه العمال والفلاحون الفقراء، نتيجة الظروف الاقتصادية التي يعيشونها. وهنا ننتقل من الطبقة كمقولة اقتصادية إلى الطبقة بما هي قوة اجتماعية، تتعرض للاضطهاد، وتخوض النضال الطبقي دفاعاً عن ذاتها. وإذا كان مهماً معرفة حجمها، فإن معرفة نشاطها مسألة حاسمة أيضاً، لأن الحزب لا يخترع نشاط الطبقة، بل ينطلق في نشاطه من النشاط الواقعي للطبقة، ويعمل على تطويره، تنظيمه وإعطائه أساسه الواعي، ولهذا علينا أن ندرس النشاط الواقعي للعمال والفلاحين الفقراء العرب، أن ندرس دورهم العفوي. ولا شك أن ما جرى خلال السنوات العشر الماضية أبرز هذا الدور، حيث غدت الانتفاضات الجماهيرية، والإضرابات العمالية علامة بارزة لعقد الثمانينات، وربما كانت العلامة الأبرز. إن تفاقم حالة النهب الاقتصادي التي تمارسها الرأسمالية التابعة، والرأسمالية العالمية، تزيد من حدّة التمايز الطبقي، عكس تنظيرات الكثير من الماركسيين الذي ينظرّون لمسألة تمييع الصراع الطبقي، وإلى اختفاء التناقض الجذري بين رأسمالية تابعة، وجماهير شعبية مسحوقة، بينما تظهر الدراسات الاقتصادية حدّة التمايز الطبقي في المدينة والريف، ويؤكّدها النشاط الذي تمارسه الطبقات المسحوقة، دفاعاً عن ذاتها. إنها تعيش حالة الاضطهاد الطبقي، حالة الجوع والحرمان، حالة الفقر المدقع، نتيجة الاستغلال الطبقي وتعمقه. وبالتالي فإن حالتها هذه تفرض عليها النضال بغضّ النظر عن رغباتنا. إنها تدفع لكي تدافع عن وجودها، تقاتل كي يُسمح لها إعادة إنتاج ذاتها، تجديد ذاتها، كي تعيش. وهذه الحالة، حالة موضوعية، يفرضها نمط العلاقات الاقتصادية السائد، حيث تنسحق الطبقات الشعبية (العمال والفلاحون الفقراء، الفلاحون المتوسطون، البرجوازية الصغيرة في المدن)، كلما ازداد نهب الرأسمالية التابعة، ونهب الشركات الاحتكارية الإمبريالية، وهي الحالة التي تدفع الجماهير إلى النشاط للدفاع عن ذاتها، من أجل أن تحافظ على استمرار حياتها.
لذا، ومن أجل أن نلعب دوراً فاعلاً، علينا أن نرى الطبقة في إطار نشاطها الواقعي، في إطار نضالها الثوري، وبالتالي علينا أن نرى الأشكال والصيغ التي تخوض بها النضال، وتمارس بها دورها، لكي يكون ممكناً لنا أن نندمج فيها، في نفس الوقت الذي نسهم فيه في تطوير هذا النضال. وهذا يعني العمل في مواقعها، تنظيم الفئات الأكثر فاعلية ونشاط ووعي منها، الفئات الأكثر تأثيراً ومقدرة على التحريض والتنظيم، والقادرة على أن تكون لولب النشاط الثوري، والمؤثرة في بقية أفراد الطبقة. الحزب هو مجموع الناشطين من الطبقة، والعاملين في مواقع تواجدها، وإذا كانت هناك حاجة إلى أعضاء “معزولين”، أو “محترفين”، فمن أجل تنسيق نشاط هؤلاء، وتنظيم عملهم، وكذلك “للتفرّغ” من أجل الإنتاج النظري.
إن هذا النمط من الأعضاء الحزبيين هو وحده الذي يساعد على تنظيم وتطوير نشاط الطبقة، كما أنه وحده القادر على معرفة مشكلاتها، وتلمّس أحاسيسها، وتحديد إمكانات دورها، فالحزب هو “العصب الحساس” للطبقة، كما هو منظمها، وفي هذا الإطار له ـ وبالتالي للأعضاء ـ مهمات على صعيد تأسيس الوعي المطابق لمصلحة الطبقة، فهو منتج الإيديولوجيا المطابقة لمصالحها، إنه منتج التصور النظري، الذي يعبّر عن مصالح الطبقة، والذي يؤسس قيمها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفلسفية والأخلاقية ويقوم بمهمات ثلاث هي:
ً- بث الوعي الإيديولوجي الذي يطابق مصالح الطبقة، نشره بين أعضائها من أجل هزيمة الوعي الزائف الذي ترسخ لديها سواء عبر الموروث الثقافي، أو من خلال الجهاز الإيديولوجي للطبقة الحاكمة (التربية، المدرسة، الإعلام، الثقافة…).
ً- تحديد الأهداف السياسية والاقتصادية، التي يسهم تحقيقها في تحقيق تقدّم الطبقة، وحصولها على حياة أفضل.
ً- نقل النضال، من شكله المطلبي إلى شكله السياسي. أي العمل على انتقال الطبقة من النضال من أجل تحسين ظروفها المعاشية الآنية فقط إلى النضال من أجل استلام السلطة، وبالتالي تحسين ظروف المجتمع ككل.
وهذه مهمات إيديولوجية سياسية، لكنها ـ في نفس الوقت ـ مهمات عملية، يقوم بها الحزب من خلال الدعاية الإيديولوجية والتثقيف، ومن خلال التحريض السياسي والمطلبي والديمقراطي. ولهذه الأشكال من العمل صيغ تنظيمية مختلفة (لجان الدعاية الإيديولوجية، لجان التثقيف، لجان التحريض، لجان العمل المطلبي، لجان النضال الديمقراطي…)، تشملها بنية الحزب، وتترابط في نمط من العلاقات مناسب، يحتمل هذا التنوع في أشكال العمل، لكنه يمركزها، وينظمّها في إطار هيكلية فاعلة. ونحن هنا نشير إلى خطل الشكل السائد، الذي يقوم على أساس “هرمية بيروقراطية”، غير مرتبطة بالنشاط الجماهيري، لا تمتلك المرونة الضرورية للارتباط بهذا النشاط، وبالتالي فهي تعزل جسم الحزب عن الطبقة، وتعتبر أن العضوية الحزبية تفرض الانسلاخ عن الطبقة عملياً، لتتشكل بنية مغلقة منعزلة. إننا ندعو إلى شكل جديد، شكل يرتبط بالطبقة، من أجل تطوير تنظيمها، ويكون قادراً على أن يحقق هذا التنوع في المهام العملية، ويكون منتجاً للإيديولوجيا، في ظروف تفرض ـ في الغالب ـ النشاط السرّي.
إن الحديث عن تطوير تنظيم النشاط الجماهيري، لا يعني بناء جهاز بيروقراطي، ينعزل عن هذا النشاط بحكم كونه قد تأسس في صيغة بيروقراطية. بل يعني الانطلاق من تنوع النشاط الجماهيري ومن تنوع الأشكال التي يوجدها هذا النشاط، كما ينطلق من الحاجة إلى تأسيس أشكال العمل التنظيمي في مواقع النشاط الجماهيري، ومن أجل بث الوعي والتحريض، لهذا تكون المركزة ضرورية، المركزة التي تعني توحيد نشاط الفئات الأكثر فاعلية ووعي من الطبقة، وتوحيد هذا التنوّع كله. وبالتالي لا تقود إلى نشوء سلطة مطلقة، تقف فوق التنظيم، وتضبط نشاطه وفق مشيئتها، بل تقود إلى نشوء سلطة مهمتها التنسيق والإشراف، في إطار عمل متنوع، ومتعدد المجالات، (وربما متناقض التصورات). وهذا يفترض أن تكون الديمقراطية وحرية البحث في مشكلات الواقع، والانتقاد، والانتقاد الذاتي، مسائل بديهية، أوّلية، ومقرّة من الجميع. إن سيادة الديمقراطية هي وحدها التي تستوجب الحديث عن المركزية، هي التي تعطي الشرعية للمركزية، ولا تكون المركزية، سوى شكل تنظيم الديمقراطية، وشكل تنظيم النشاط العملي. ونشدد هنا على كلمة شكل، لأن المركزية، في اللحظة التي تتجاوز كونها شكلاً تؤسس لنمط آخر من العلاقات، نمط السلطة المطلقة، القائمة على أساس سيطرة فرد.
إن حرية البحث والحوار والنقاش، حرية التفكير والانتقاد، مسائل ضرورية من أجل الإنتاج النظري، ولكي يقوم الحزب بمهمة من المهمات التي يتصدى لها، ولقد كان النزوع إلى الفردانية، وإلى سيطرة الفرد، يلغي هذه المهمة، مما جعل الأحزاب لا تلعب دور المنتج الإيديولوجي، فأسهمت في تكريس النشاط العفوي للجماهير، بل أنها تحوّلت إلى النشاط العفوي، مما أعلى من شأن “التكتيك” على حساب الرؤية الاستراتيجية، وكرّس ما يمكن أن يسمى بـ “العقل التكتيكي”، فأصبح الحزب قوّة ضغط، بدل أن يكون قوّة تغيير، وتحوّل إلى “كتلة مغلقة” بدل أن يكون جهازاً يمتلك المرونة الضرورية من أجل أن يستوعب النشاط الجماهيري، وأن يعمّق عنصر التنظيم فيه.
لهذا نشدد على أن يتأسس الحزب بالارتباط بطبقة، بحيث يضم العناصر الفاعلة منها، ولتتحوّل هذه العناصر إلى محور نشاط الطبقة ككل، أن تسعى إلى دفع هذا النشاط إلى الأمام، في إطار مهمات عملية متنوعة، وفي إطار مهمة إيديولوجية سياسية واضحة. وجهاز الحزب هو أشكال الارتباط بين هذه العناصر. كما علينا أن نشدد على أن تنشأ أشكال الارتباط هذه على أساس ديمقراطي.
بصدد المهمات العملية
للماركسيين العرب
إن تحديد التصور الذي من المفترض أن نعمل من أجل تحقيقه مسألة هامة، حيث يحظى تحديد التصور الاستراتيجي بالأولوية، فهو الإطار الذي يحكم النشاط العملي. لهذا فإن السؤال الأساسي، الذي يطرح من أجل توحيد الماركسيين العرب، هو: ما هي الأهداف العامة، المعبّرة عن مصلحة العمال والفلاحين الفقراء العرب، وعن مصلحة الأمة التي يشكل تحقيقها، تحقيق التقدم؟ وما هي الصيغة الممكنة التي من خلالها يمكن أن يلعب العمال والفلاحون الفقراء العرب دورهم في تحقيقها؟ وما هي مهمات الماركسيين في هذه العملية؟
ولا شك أن الحوار حول هذه القضايا، هو ما يجب أن يشغل الماركسيين العرب. وهي القضايا التي من المفترض أن يُقيَّم الماركسيون انطلاقاً منها. وهي أساس تحديد إصلاحية هذه الفئة أو ثوريتها، قطرية هذه الفئة أو امتلاكها الوعي المدني الحديث، انسجام هذه الفئة أو تفككها. وفاعلية هذه الفئة أو عجزها. إنها أساس التقييم، وأساس الاختلاف، كما هي أساس الاتحاد. نؤكد على ذلك لأن الانقسام القائم، الذي تبلور منذ زمن، قام على أساسٍ مختلف، انطلق من الانقسام العالمي (سوفياتي، تروتسكي، ماوي، الشيوعية الأوروبية..)، أو من اختلافات جزئية، نبعت من اعتبار قضية أو بعض القضايا هي وحدها الأساسية، التي تحدد حتمية الانقسام (مسألة الوحدة العربية، قضية فلسطين، الكفاح المسلّح..)، وبالتالي فقد كان انقساماً شكلياً، أو كان انقساماً ظاهرياً، حيث لم يطل الاختلاف جوهر الرؤية أو طالها جزئياً فقط. ونقصد أن مسألة استيعاب المنهجية الماركسية ظلت متقاربة في كل الأحوال، رغم التباين الجزئي، وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى بعض مظاهر هذه الإشكالية، فأولاً ساد نقل تصورات تبلورت لدى أحزاب أخرى (السوفياتية، التروتسكية، الماوية). وثانياً: جرى اتباع أسلوب الحفظ، والتمسك الحرفي بنصوص ماركس ـ أنجلز ولينين. ولقد نشأ الاختلاف أحياناً من معارضة الشكل الأول بالثاني.
لهذا كان الاختلاف شكلياً، ما دامت المنهجية هي ذاتها. وما دامت المنهجية الماركسية ظلت غائبة. ونقول أن الاختلاف كان شكلياً، رغم حدّة الصراعات التي سادت، ورغم أن هذه الانقسامات أوجدت مجموعات منعزلة، متناقضة، متناحرة، منغلقة داخلياً ومعادية لسواها.
هذه هي المفارقة التي يجب أن نقف عندها، مقدرين مجهود كل هذه المجموعات صغيرها وكبيرها، معتبرين أن المطلوب هو الاستيعاب الأفضل للمنهجية الماركسية، وإلى اعتبار البحث في مشكلات الواقع هو أساس الاتفاق، أو الاختلاف. ونؤكد أن التقسيم “الإيديولوجي” على أساس “الخطوط” التي سادت في الحركة الشيوعية العالمية، قد سقط. كما سقط التناقض على أساس رؤية مجزؤة. فقد سقطت الخلافات التي سادت في المرحلة الماضية، والتي أصبحت أساساً في التقسيم الحزبي المحلي، لقد تجاوزها الزمن، فما جرى في البلدان الاشتراكية أشار إلى ذلك، لكن مشكلات الواقع عندنا، وطبيعة الاختلافات بين هذه المجموعات كانت تشير إلى أن الاختلاف ليس عميقاً، ولقد اتخذ بعضه طابعاً دينياً، طابع التمسك بأنبياء، تقديس أنبياء (ستالين، تروتسكي، ماو). فإذا كانت نشبت خلافات بين تروتسكي وستالين في العشرينات، أو بين قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي في الستينات، فإن الظروف المحلية هناك هي التي استدعتها وكانت مصالح البلدين ورؤية الفئة الحاكمة فيهما لمصالحها، ودورها العالمي، السبب الحاسم فيها، لكنها لم تصل لأن تصبح اختلافات في المنهج، بل نبعت من تحليل مختلف لظروف الاتحاد السوفياتي ولدوره العالمي. ولهذا فلم تشكل أساساً لانقسام في الوطن العربي.
إن مقياسنا هو الواقع العياني أولاً، والمنهجية الماركسية ثانياً، بغض النظر عن التعاطف مع هذا المفكر الشيوعي أو ذاك، أو مع هذه التجربة أو تلك، أو مع هذه الفكرة أو تلك. لأن دورنا هو تحليل الظروف الملموسة في الوطن العربي، وتحديد الاستراتيجية التي تسمح بتغييرها. وأي تغليب لميل “خارجي”، أو تعاطف مع هذا المفكر أو تلك التجربة، لا يفعل سوى الزوغان عن البحث في المشكلات الواقعية، وتغليب ما هو ثانوي، على ما هو رئيسي. وبالتالي افتعال معارك “وهمية”. إن الواقع هو محدد التصورات، وإن الواقعي هو محدد العالمي. وإن رؤيتنا لطريق تطورنا، هي محددة علاقاتنا الأممية. حيث من الضروري أن نبدأ من الملموس، من العياني.
وهذا يعني أن نسقط المحّرمات الماضية، وأن نزيل “الحدود” التي أقمناها على أساس “موهوم”، وأن نبدأ من كوننا ماركسيين، ننطلق من المنهجية الماركسية، ونتمحص في كل الأفكار والمفاهيم الأخرى التي جاء بها ماركس وأنجلز، ولينين وبوخارين، وتروتسكسي وستالين، و… وماوتسي تونع. ونسعى للبحث في مشكلات الوطن العربي، من أجل تحديد رؤية استراتيجية لتطوره، ورؤية لدورنا في تحقيق هذا التطور، لكي يكون اتحادنا وثيقاً، ومؤسساً على الوعي، وعلى رؤية علمية لتطور مجتمعنا، ويكون اختلافنا حول السبل التي تحقق تقدمه. وبالتالي يكون لحوارنا قيمة، ولنشاطنا فاعلية.
لهذا فحين نتحدث عن الماركسيين العرب، نقصد كل الماركسيين “المستقلين”، الذين خرجوا من الأحزاب القائمة، أو الذين لم ينتموا إلى أحزاب، وهم كثر، كما نقصد المجموعات الماركسية التي أخذت تتبلور لشعورها أن الأحزاب القائمة لا تعبّر عن مطامحها. ونقصد ثالثاً: الأحزاب الشيوعية، ذات التاريخ الطويل، والتي امتلكت تجربة، هي مجال نقدنا، والتي غدت فئات واسعة فيها قابلة لأن تنتقد تجربتها، وأن تعيد النظر في المفاهيم السائدة لديها. ونقصد رابعاً: الأحزاب الماركسية التي نشأت منذ الستينات، سواء انشقت من الأحزاب الشيوعية، أو كانت نتاج تبلور الوعي لدى فئات في الأحزاب القومية (البعث، القوميين العرب، الناصرية..)، والتي حاولت نقد تجربة الأحزاب الشيوعية، وعملت على بلورة تصورات اعتبرتها متقدمة عما تطرحه هذه الأحزاب. ونقصد خامساً: المجموعات التروتسكية التي ظلت غريبة، منعزلة، ومحاصرة، ومحاربة في نفس الوقت.
إننا نقصد كل هؤلاء، وغيرهم، متمسكين بالأساس بكوننا جميعاً نعتمد المنهجية الماركسية أداة في التحليل والبحث والعمل، وبكوننا معنيين بمشكلات الوطن العربي، وبتحديد التصورات التي تسهم في تحديد الرؤية الهادية لحركة الجماهير الشعبية، والهادفة إلى تحقيق التقدم.
لهذا، وفي إطار هذا التنوع، يكون الحوار هو نقطة البدء. يكون النقاش، والنقد والبحث هو البداية الضرورية. متجاوزين الكثير من الحساسيات السابقة، ورافضين الانغلاق وسماع “الصوت الواحد”. معتبرين أن التنوع في الأفكار بداية هامة، تسمح بأن يغتني الحوار، وأن يتعمق، ويتناول مختلف القضايا. إننا معنيون بالاعتراف بالتنوع، كأساس للحوار، وبأن الحوار هو الذي يؤسس التصورات الموحدة كما أنه محدد الاختلاف. كما أننا معنيون بتكسير كل التصورات التي تكرس الانغلاق، وتمنع الوحدة، تحافظ على هذه المجموعات المتنافرة المغلقة، من أجل أن نؤسس إطاراً أوسع. إطار يتسع لنا جميعاً. إننا معنيون بإزالة كل الأوهام التي تعيق وحدتنا، سواء تلك التي تعلي من الحزب لكي تجعله مطلقاً، مقدساً، لا إمكانية لمسّه، أو تلك التي تسقط الآخرين، معتبرة ذاتها المطلق الذي يمتلك الحقيقة كلها. باختصار نحن معنيون بتجاوز تشرذمنا الراهن، لمصلحة حزب أوسع، وبنية أكثر قيمة.
لذلك علينا أن نرفع من قيمة الحوار، أن نعتبره شأناً عاماً، وضرورياً في نفس الوقت، أن نعتبره نقطة البدء. البداية الضرورية، الموصلة إلى الوحدة. وإذا كانت التجربة الماضية غيبّت الحوار، وأحلّت “المتاريس” محلّه، واعتمدت “الهجوم” والاتهام، والتسخيف، بدل النقاش والحوار والانتقاد، فإن تقدم الوعي يفرض علينا تجاوز هذه الأساليب “المتخلّفة”، التي لا تعبّر سوى عن وعي سلفي، وعي “عامي”، لا يعرف العلم والحضارة، وبالتالي لا يعرف الماركسية. وإذا كان نمط من الحوار بدأ يفرض نفسه وإن بخجل وتردد، فإن مهمتنا أن نوسِّع هذا الحوار، أن نحارب التردد المنتشر، وأن نعمل من أجل أن يبدأ حوار حقيقي، حوار فاعل وعميق. لذا علينا أن نقتنع بهذه المهمة، بقيمتها الحاسمة، وأن نبدأ.
وللحوار ثلاثة محاور، أولها: البحث في مشكلات الوطن العربي. وهذا محور عام، رغم أنه حاسم، ويخصنا كما يخص الكثير من الكتاب والباحثين، لكن تتقوم مهمتنا في محاولة رؤية الواقع بشكل علمي.
وثانيها: البحث في التصورات التي تخصنا، تخص دورنا كماركسيين، معنيين ليس بتفسير الواقع فقط، بل بالسعي من أجل تغييره. أي البحث في التصورات التي تسمح لنا تحقيق التقدم. وثالثها: نقد الاتجاهات الفكرية الأخرى إظهار تناقض مفاهيمها، وتبيان إمكانية هذه المفاهيم على تحويل الواقع.
لكن كيف يمكن أن يتحقق الحوار؟
إننا نبحث في مهمات عملية، من أجل أن يكون الحوار جاداً، وأن يفضي إلى نتائج ملموسة. ولعل النتيجة الأهم هي اتحاد الماركسيين العرب، في حزب مستقل، يعبر عن مصلحة العمال والفلاحين الفقراء العرب، ويقود نضالات الجماهير الشعبية، من أجل تحقيق الثورة القومية الديمقراطية. لهذا فإن للحوار هدف “مسبق”، هدف محدد. ومهمة الحوار ـ كما أوضحنا سابقاً ـ هي تحديد نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف، وبلورة الرؤية التي تشير إلى أهداف النضال الراهن، وتحدد آفاقه المستقبلية، إن مهمة الحوار هي تحديد استراتيجية النضال القومي الديمقراطي، من أجل تحقيق التقدم العربي، وتهيئة الظروف من أجل تحقيق الاشتراكية طبعاً دون أن نغفل أن المسألة لا تتعلق فقط بتحديد الأهداف الراهنة، بل أن حواراً دائماً ومستمراً بهدف إلى بلورة التصور المطابق لمصلحة العمال والفلاحين الفقراء العرب أي بلورة إيديولوجياً تعبّر عن وعي هؤلاء من الضروري أن يتحقق، لأن المسألة لا تتعلق بالأهداف فقط، بل بمجمل الرؤية الخاصة بهؤلاء.
وإذا كان الحوار المباشر ضروري، ولقد نشط في السنوات الأخيرة، فإنه يبقى صيغة أولية، لا تقود إلى بلورة التصورات بشكل كامل، حيث يكون الحوار المكتوب أكثر جدوى في هذا المجال، خصوصاً أن الحوار المباشر محدود، بينما يمكن للحوار المكتوب أن يكون شاملاً. لهذا من الضروري الانتقال إلى الحوار المكتوب، وهذا يطرح الصيغ الممكنة لذلك، وإذا كانت الكراريس والنشريات ضرورية، ويمكن أن تسهم في هذا الحوار الواسع، فإن مركزه الحوار، جعله ينجدل حول محور واحد، مسألة ضرورية، لأنها تسهم في مركزه العمل كله. وفي هذا الإطار يكون السعي من أجل تأسيس مجلة نظرية، مسألة محورية، لكي تكون وسيلة الحوار حول كل القضايا التي أسرنا إليها سابقاً، كما تكون وسيلة مركزة الحوار، وإعطائه الجدية الضرورية لنجاحه. إذن نحن بحاجة إلى مجلة نظرية، لكي تكون وسيلة الحوار بيننا، ولكي يكون حوارنا شاملاً.
إننا بحاجة إلى الحوار أولاً، وبالتالي فنحن بحاجة إلى مجلة نظرية تكون وسيلة هذا الحوار.
لكن من الضروري أن تكون خطواتنا أشمل، وأن يكون نشاطنا العملي منسقاً، وموحّداً، من أجل أن نلمّ شتات طال، وأن ننسّق كل الخطوات الضرورية لتحقيق تقدمنا. وهذا يفرض البحث في الصيغ الممكنة، والضرورية في نفس الوقت، وهو يطرح ثلاثة أشكال، أولها: السعي الجدي من أجل تأسيس مركز تنسيق، يكون معنياً بإدارة الحوار الشفوي والمكتوب، وتنسيق النشاط العملي كله. ثانيهاً: تنظيم اللقاءات المنتظمة، والخاصة بالحوار، وبالنشاط في نفس الوقت. وثالثها: العمل من أجل عقد كونفرنسات، وهذه خطوة متقدمة، لكن ضرورية.
والهدف مزدوج، حيث يواكب الاتفاق النظري، خطوات عملية من أجل اتحاد الماركسيين العرب، وتكوينهم حزبهم المناضل.
إن مهمة تأسيس حزب الماركسيين العرب، مسألة حاسمة وضرورية، ما دامت الأحزاب القائمة وصلت إلى طريق مسدود، وما دامت الماركسية غدت هدفاً لحرب شعواء تشنها الطبقات الأخرى، معلنة سقوطها. وما دام القضاء على التبعثر الراهن، وصهر التجمعات الماركسية المنتشرة كالفطر، مسألة لا تتحقّق إلا بتأسيس الحزب القادر على استيعاب طموحات الماركسيين، والقادر على لملمة كل هذه التجمعات، وعلى الارتباط بالعمال والفلاحين الفقراء، باعتباره قوة دافعة في إطار الصراع الطبقي، قوة تعمل على زيادة فاعلية نشاط هؤلاء من خلال تحديد الأهداف التي يؤدي تحقيقها إلى تحقيق تقدمها، ومن خلال بث الوعي المطابق لمصالحهم، ومن ثم تطوير نشاطهم العفوي، وإعطائه شكلاً منظماً، مستمراً ومتصاعداً.
إذن أمامنا مهمات راهنة، مهمات عملية من أجل بلورة التصور النظري المطابق لمصلحة العمال والفلاحين الفقراء العرب من جهة، وبلورة الأطر التنظيمية من جهة أخرى. علينا أن ننتقل إلى النشاط العملي، أن نقوم بكل الخطوات العملية الضرورية، من أجل أن نتبلور في حزب، ومن أجل أن يكون قادراً على أن يكون فاعلاً في الصراع الطبقي. علينا أن نتقدم، أن نتجاوز التشتت، وننهي التردد، ونصفّي التشوش، سائرين نحو الوضوح نحو الوحدة. إننا نعيش ظروفاً صعبة، ونشهد مرحلة فاصلة.
إننا نعيش نهاية مرحلة، كان لها أحزابها، وبداية مرحلة، تفرض أن نهيء قوانا لكي نكون في الطليعة، نكون القادرين على أن نتمتع بالجرأة والحسم، والفاعلية، وبوضوح الرؤية، ودقة الهدف، لكي نؤسس دوراً افتقدناه في السنوات الماضية، ولأننا افتقدناه، لم تتصاعد الاندفاعة الجماهيرية، التي بدأت منذ العشرينات، واتسعت منذ أواسط الأربعينات، فانتكست، وانهار ما بد أنه تقدم. وكنا مع المهزومين، الذين يعيشون اليوم أزمة عميقة. لهذا علينا أن نهيئ لدور جديد، دور يمكن أن يضيف جديداً في الصراع الواقعي، ويمكن أن يسمح بتحقيق التقدم الحقيقي.
إن الخيار الماركسي، خيار العمال والفلاحين الفقراء، هو الخيار الوحيد الممكن، الذي يفضي إلى تحقيق الثورة الديمقراطية العربية، ويهيئ الظروف الواقعية من أجل الانتقال إلى الاشتراكية. وهو خيارنا، الذي يجب أن نحققه، أن نهيئ نظرياً وعملياً من أجل أن يصبح خياراً واقعياً وممكناً، لكي يكون الخيار الوحيد فعلاً، وبهذا نجنِّب الوطن العرب ويلات ومآس سنين جديدة، ونفتح أفق تقدم جديد.
إذن علينا أن نبدأ. علينا أن ننظم خطواتنا، أن يتطور الحوار الخجول والمشوش، إلى حوار جدي فاعل، وواضح الهدف. وأن ينتهي التشتت، والانعزال، والتقوقع، من أجل أن ينصهر في حزب مستقل وثوري.
الحوار أولاً، والحوار أخيراً.
ومن أجل ذلك علينا أن نقوم بكل الخطوات الضرورية، التي تجعل الحوار مثمراً.
وأن نعمل من أجل أن نرتقي بوضعنا، لكي نصبح حزباً فاعلاً، وقادراً على أن يضيف جديداً في إطار الصراع الطبقي.
بصدد مهماتنا الراهنة
الماركسية تغلغلت في الوطن العربي، منذ قرن، وتشكلت أحزاب تعتنقها منذ ما يقرب من سبعين سنة، ولقد كانت فاعلة في التطور الفكري الذي تحقق خلال كل هذه السنوات. كما كانت فاعلة في المجال السياسي، وفي النشاط الثوري، وكان تأثيرها متفاوتاً بين مرحلة وأخرى، كما كانت تصوراتها مطابقة للواقع إلى هذا الحد أو ذاك في مراحل معينة.
واليوم يتصاعد تأثيرها الفكري، ويتسع اهتمام المناضلين بها، في نفس الوقت الذي يتراجع فيه دورها السياسي، ونشاطها العملي، في وضع تزداد فيه الأزمة الاجتماعية الشاملة، ويتعمق الصراع الطبقي، ويتوضح الصراع ضد النظام الإمبريالي العالمي.
لهذا ـ ومع تصاعد الصراع الطبقي، واعتماداً على المستوى الفكري المتحقق ـ تنطرح مهمة التأسيس من جديد تأسيس التصور الماركسي، وتأسيس العمل الماركسي، من أجل أن تستعيد الماركسية دورها الفاعل، من أجل أن تفعل ما كان يجب أن تفعله منذ سنوات، ومن أجل أن تتحول الأزمات الاجتماعية إلى صراع طبقي حقيقي يقود إلى التغيير ويفرض حلولاً علمية وثورية لمشكلات تقادمت، وأخرى نشأت مع تعميق السيطرة الإمبريالية، وهيمنة الرأسمالية التابعة.
مدخل
من أجل ذلك، علينا أن نتحاور من جديد، أن نسعى لتأسيس جديد للمشروع الماركسي العربي، بعد أن بدت الأمور واضحة بعد تجربة طويلة نشطت فيها الأحزاب الشيوعية والقوى الماركسية العربية، وقدّمت تضحيات لا شك فيها. لكن وضعها الراهن يوضح عمق المأزق الذي تعيشه، حيث توضحت عدم مطابقة تصوراتها وبرامجها مع حركة الواقع، وبدا أنها تتحدث حديثاً غريباً عن الظروف الواقعية. كما ـ بالتالي ـ تقوقعت بعيداً عن الطبقات، في بنية مؤسسية معزولة عن الطبقات والصراع الطبقي بعيداً عن العمال، وعن نشاط الجماهير الشعبية، ومن ثمّ كان طبيعياً أن تتفكك، وتنقسم وتهزل.
إن ما يمكن قوله، أن أزمة متراكبة حكمت هذه الأحزاب، أن المال الذي وصلت إليه يوضح أن مقدرتها على وعي الواقع كانت محدودة، وإنها قدمت تصورات لا تشير إلى وعي عميق للواقع، ولا تعبر عن فهم ماركسي في الغالب.
وهنا نلمس مسألة جوهرية تتعلق بالماركسية، حيث اعتنقتها بصفتها تصورات “فلسفية” منجزة، بصفتها “قوانين) و”تعاليم”، وبالتالي يمكننا القول إن الماركسية بصفتها منهجية، كونها ـ في الجوهر ـ هي الجدل المادي، ظلت غائبة، بل شطبت، وجرى تحويلها إلى بضع “قوانين”، مثلها مثل أبسط مفهوم في الماركسية، فحفظت نصاً دون أن تتحّول إلى آلية لعمل العقل، من أجل أن تكون أداة وعي الظروف الواقعية وإنتاج “الإيديولوجيا” المطابقة لها.
لقد ساد مفهوم مبسّط للماركسية حوّلها إلى لاهوت، إلى فلسفة مثالية، وإذا كانت اتخذت لدى بعض الأحزاب صيغة عاميّة ترفض الفكر والثقافة والعلم، فقد اتخذت لدى أحزاب أخرى صيغة "ثقافية"، لكنها ظلت في جوهرها تحمل نفس الرؤية المنهجية، القائمة على أساس نصّي يقوم على أساس التطبيق الميكانيكي لأفكار، لماركس وإنجلز ولينين، بعدما جرى تحويلها بطريقة غير علمية إلى “قوانين”.
كما أن المآل الذي وصلت إليه يوضح أنها لم تستطع التعبير عن الطبقة التي اعتبرت نفسها نظرياً أنها ممثلتها، أي الطبقة العاملة. وإذا كانت حاولت في بعض المراحل التعبير عن الأهداف المطلبية لها، فإنها بالإجمال لم تستطع وعي المصلحة الشمولية لها، في مستوياتها الإيديولوجية، السياسية والمطلبية، وبالتالي لم تصبح أحزاباً عمالية، أحزاب ترتبط بالطبقة العاملة وتناضل معها وبها من أجل تحقيق التطور العام في المجتمع الذي يخدم مصلحة طبقات أخرى إضافة للطبقة العاملة، وتحقيق وضع أفضل للطبقة العاملة ذاتها، مما جعل هذه الطبقة تندفع لتأييد أحزاب أخرى، قومية أو دينية في بعض الأحيان، وجعل هذه الأحزاب تبدو أحزاباً غير جماهيرية معزولة ومهمشة.
هل كان كل ذلك أمراً طبيعياً؟
هل كان اعتناق الماركسية والاشتراكية هو الذي يدفع الطبقة العاملة والجماهير الشعبية عموماً إلى الابتعاد عن هذه الأحزاب؟
على الأقل أن هذه الأحزاب في بعض المراحل أصبحت جماهيرية، مما يدلل على أن السبب ليس في اعتناق الماركسية والاشتراكية، بل أن أسباب أخرى هي التي أدت إلى ذلك، وأساسها أن الطبقة العاملة والجماهير الشعبية عموماً، تدعم وتنتظم في الحزب الذي ترى أنه يعبّر عن أهدافها السياسية والمطلبية، والذي يناضل دفاعاً عنها، خصوصاً في المفاصل الأساسية، حينما يتفاقم الصراع الطبقي، وتندفع هي للدفاع عن ذاتها، حينما تتفاقم الأزمة العامة في المجتمع.
إن المنحى العام لهذه الأحزاب هو أنها عبّرت عن فئات من البرجوازية الصغيرة، ونقصد أن تصوراتها ونشاطها كان انعكاساً لمصالح فئات من البرجوازية الصغيرة، لهذا قولبت الماركسية في حدود هذه المصالح وبما يخدم تصور سياسي طرحته، وبالتالي كان ضرورياً أن تنتقي من الماركسية ما يفيدها فقط، وأن ترفض المنهجية المادية الجدلية (بشكل غير واعٍ) وتحوّلها إلى بضع نصوص و”قوانين” و”تعاليم” مكدّسة في الكتب. لقد عملت على أن تقزّم الماركسية إلى المستوى الذي يناسب مصالحها ووعيها، كما أن برنامجها هذا كان بعيداً عن أن يلامس مصلحة الطبقة العاملة، وإن لامس في بعض الأحيان فئات واسعة من الجماهير الشعبية في إطار تصور عمومي، وبالتالي أن تظل منحصرة في فئات من البرجوازية الصغيرة وأن تعمل على إلحاق الطبقة العاملة بمصلحة هذه الفئات.
هذا هو طابع خطابها الموّجه للطبقة العاملة، خطابها المطلبي الإصلاحي على وجه التحديد.
ولهذا تبلورت في صيغة بنى مؤسسية بعيدة عن الصراع الطبقي، مع وجود محدود للطبقة العاملة فيها، وفي إطار دور ملحق بدور البرجوازية (بمختلف فئاتها).
لقد غدت مؤسسات مفكوكة الصلة بالطبقات، محصورة في فئات برجوازية صغيرة تمارس طقوساً بيروقراطية، أو "ثقافية". وبالتالي كان طبيعياً أن تتفكك أو تنغلق، حالما استنفذت الفئات الاجتماعية التي تعبّر عنها دورها المستقل، وفرض عليها إما الالتحاق الكامل بالبرجوازية (وخصوصاً البيروقراطية، والتابعة) أو وعي موقعها الحقيقي ـ كموقع خارج إطار الطبقة العاملة ـ، وبالتالي البدء بالبحث عن طريق جديد.
في هذا الوضع علينا أن نتحاور من جديد، من أجل تأسيس جديد، يتجاوز إشكالية الحركة الماركسية القديمة ويؤسس فعلاً جذرياً.
علينا أن نعمل من أجل تأسيس نمط حزبي آخر يتجاوز النمط القديم جذرياً، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تحقيق وعي ماركسي للماركسية.
فالماركسية هي منهجية بالأصل، إنها الجدل المادي، الذي يعني صياغة جديدة لنشاط العقل ولآلية عمله، قبل أن تكون “قوانين” و “تعاليم”، وأفكار وتصورات بل أن كل هذه القوانين والتعاليم والأفكار والتصورات لا تعني شيئاً بمعزل عن الجدل المادي، لهذا من الضروري تحقيق انتقالة في وعينا تقوم على أساس القطيعة مع المنهجية المتوارثة (التي هي لصيقة بنا، نتوارثها دون وعي منا)، وتمثُّل المنهجية الماركسية، مما يطرح مسألة الوعي، أي كيف نكتسب الوعي الماركسي؟
كيف نحقق الصعود بالفكر إلى المستوى الذي يجعلنا قادرين على تحديد المصالح الجذرية للطبقة العاملة ولباقي الجماهير الشعبية؟
إن تحقيق هذه الانتقالة مسالة ضرورية، لكي نكون جديرين بأن نصبح ماركسيين، بالمعنى الأصلي للماركسية، أي أن نصبح ماديين جدليين.
وإذا كانت الثقافة (الإطلاع الجاد على الماركسية الأصلية وتمثُّلها) ضرورية في تحقيق ذلك فإنها لا تتحقق تماماً إلا بالقطيعة مع مصالحنا الطبقية الراهنة، حيث لا يمكن اعتبار الماركسية تيار ثقافي فقط، إنها بالأساس ـ بما هي تعبير عن رؤية جذرية ـ تعبر عن مصالح جذرية في المجتمع، هي مصالح الطبقة العاملة لأنها متميزة طبقياً منذ البدء، وأي تجاهل لهذه الحقيقة لا يفعل سوى ثلم الماركسية، وتحويرها.
لهذا ومن أجل تأسيس جديد، من الضروري، بل من الحاسم أن نعي بنيتنا الراهنة، وأن نقرر الارتباط بمصلحة الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء، ومصلحة الجماهير الشعبية في لحظتها الراهنة.
إننا ـ كما يجب أن نكون ـ جزء من الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، إننا جزء عضوي منهم، ومهمتنا أن نؤسس انطلاقاً ـ من الجدل المادي ـ الإيديولوجيا المطابقة لمصلحتهم، وأن نحدد الأهداف الضرورية من أجل تحقيق تقدمهم (الأهداف السياسية والمطلبية)، ومن ثم أن نسهم في تنظيم نشاطهم، الذي يتسم بالطابع العفوي، وبالتالي فإن مهمتنا أن ندخل عنصرا الوعي والتنظيم لهذا النشاط، وهنا يجب أن نشدد حول طبيعة الوعي، فنحن ـ كما أشرنا سابقاً ـ معنيون ببلورة الأفكار والمفاهيم الماركسية المطابقة لمصلحة العمال والفلاحين الفقراء، وبالتالي فنحن ندخل الوعي العلمي المطابق لمصلحة هؤلاء.
كما إننا نحارب كل وعي زائف يتسلل سواء كان موروثاً من الماضي، أو كان من صنع البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة، سواء كان سلفياً أو قومياً متعصباً أو إصلاحياً. كما إننا نسعى من أجل تنظيم نشاط الطبقة في صيغ مختلفة، من شكلها البسيط إلى شكلها المعقد، من التنظيم المطلبي البسيط إلى الحزب، وبالتالي فنحن معنيون بتأسيس التنظيم المستقل للطبقة، التنظيم الذي يقود نشاطها ويجعلها قوة منظمة موحدة في الصراع الطبقي، وفي الصراع من أجل الاستقلال والوحدة.
ويتوضح كل ذلك من خلال التصور الفكري السياسي الذي يجب أن يتبلور، فهو الذي يشير إلى مقدرتنا على وعي الماركسية وامتلاك الجدل المادي، ومقدرتنا ـ بالتالي ـ على فهم الواقع، والارتباط بالطبقة العاملة، والجماهير الشعبية. لهذا من الضروري أن نحدد المفاصل الأساسية التي تكوّن الواقع، وأن نحدد رؤيتنا لها، من أجل البدء من البداية الصحيحة، فليس مطلوباً أن نتفق حول كل تفاصيل الواقع، ولا مطلوباً أن نكتب “نظرية” كاملة شاملة، بل أن المطلوب هو أن نتفق حول المفاصل الأساسية، لتبقى القضايا الأخرى خاضعة لحوار مستمر، وقابلة للاتفاق والاختلاف، فنحن نسعى من أجل بنية تنظيمية مختلفة، تقوم على أساس الوحدة في إطار التنوع والاختلاف.
ولا شك أن الحركة الماركسية القديمة اخفقت في تحديد موقف صحيح من مجمل المفاصل الأساسية ـ رغم وجود تفاوت فيما بينها في المواقف، ورغم صحة بعض مواقف بعضها من هذه القضية أو تلك ـ نتيجة كل الأسباب التي أشرنا إليها سابقاً. لهذا يجب أن نكوّن مجال حوار عميق من أجل تأسيس جديد أولاً، ومن أجل هزيمة الوعي الزائف ثانياً.
إننا معنيون ـ إذن ـ بتحديد الموضوعات الأساسية، التي يشكل وعيها، وعي حركة الواقع، كما يشكل تحقيقها تحقيق التقدم في بنية المجتمع العربي.
لقد أصبحت الماركسية بديلاً راهناً، لقد كانت بديلاً منذ البدء، لكنها هربت من هذه المهمة، واليوم أصبحت بديلاً واقعياً، لهذا تنطرح مهمات كبيرة، المهمات التي تجعل الماركسيين العرب بديلاً واقعياً.
وإذا كانت أولى مهمات الماركسيين تفسير الظروف الموضوعية، فإن مهمتهم أيضاً تتعدى ذلك إلى العمل من أجل الفعل في الصيرورة الاجتماعية، من أجل خوض الصراع الطبقي، وتنظيم النشاط الجماهيري، لتحقيق الهدف الأساسي، وهو انتصار الاشتراكية.
واليوم وعلى ضوء انهيار منظومة فكرية وسياسية وعملية سادت لسنوات، وعلى ضوء الفشل في تحقيق المهمات التي طرحها الواقع منذ بدء عصر النهضة العربية. تنتصب أمام الماركسيين العرب، مهمات نظرية وعملية من أجل بلورة مشروع ماركسي عربي لهذا وجب علينا معالجة ثلاثة زوايا أساسية:
الخطاب الماركسي العربي.
التصور البرنامجي.
الصيغة الإجرائية (العملية) المطلوبة من أجل الوصول إلى ذلك، وإلى بدء تبلور النشاط الماركسي.
الخطاب الماركسي العربي
الماركسية ـ في جوهرها ـ منهجية، هي الجدل المادي الذي يفتح الأفق لتأسيس قانونيات محددة في حقول النشاط المختلفة، كما ـ وبمساعدة هذه القانونيات ـ يؤسس لتصور إيديولوجي، مطابق لمصلحة طبقية محددة، في زمان معين.
ولا شك أن “التجريد” الذي اتبع في الماضي، والذي كان يهدف إلى تحويل الماركسية إلى “فلسفة” (بالمعنى القديم للفلسفة)، وبالتالي إلى “فكرة” تلد الواقع، توجد الواقع، أدى إلى تشويش في الماركسية، وإلى تحويلها إلى “فلسفة مثالية”.
من هنا وجب علينا نبذ "الفلسفة" من جديد، والعودة إلى الماركسية بما هي علم، بما هي منهجية تهدف إلى وعي الواقع، وعي صيرورة الواقع، ومن ثم تحديد أفق لهذه الصيرورة.
إننا معنيون بوعي الواقع العربي، في صيرورته، في حركته من الماضي إلى الراهن، ومن ثمّ تحديد الرؤية (التصور) التي تسهم في تحويله ثورياً، التي تسهم في تحقيق التقدم العربي. ولا شك أن الجدل المادي هو الأداة التي يمكنها تحقيق ذلك. من خلال نشاط الماركسيين الفكري.
فأولاً: ـ علينا أن نؤسس الخطاب الماركسي العربي ـ ولكلمة عربي موقعها الحاسم هنا، حيث أن قيمة الماركسية في أنها تمدّنا بطرائق قيّمة من أجل البحث في المشكلات الواقعية، من أجل تأسيس تصور نظري مطابق لظروف محددة، ولمصلحة الطبقة العاملة في وضع محدد. ونحن ماركسيون عرب، معنيون بتحويل الواقع العربي، في سياق صياغة اشتراكية للعالم. وبالتالي، ليس من مهمتنا تكرار “القوانين” و”التعاليم” الماركسية، ولا البحث في الظروف الواقعية عن ما يناسب “قوانين” و”تعاليم” و”تصورات محددة قبلياً”.
إن مهمتنا ليس اجترار “النصوص الماركسية”، نصوص ماركس وإنجلز ولينين، وستالين، وتروتسكي وماوتسي تونغ، ولا التفسير الفقهي لها، بل إننا معنيون بوعي الواقع، وبالتالي تأسيس الخطاب الماركسي العربي. الخطاب المعبر عن الطبقة العاملة العربية، وعن صيرورة التقدم العربي، في سياق وعي الواقع العالمي، وتحديد المهمات العامة للبشرية كلها، المهمات التي توحّد البشرية كلها.
إننا معنيون بتأسيس تيار فكري انطلاقاً من البحث في كل المشكلات العربية، إننا معنيون بأن تتحدد “وجهة نظر” ماركسية في كل القضايا التي تخص العرب، وتهمهم، من التاريخ والتراث إلى الراهن، وفي المستويات الاقتصادية الاجتماعية والفكرية السياسية، والعملية، والثقافية، والروحية.
هنا نحن أمام مهمة كبيرة، خصوصاً أن البحث الماركسي محدود في العديد من هذه القضايا ومشوش في القضايا التي تخص أفق التقدم.
لكن للبحث في هذه القضابا مستويان:
مستوى تاريخي يتعلق بالتطور التاريخي للعرب، تكوّن العرب كأمة، تطور أنماط الإنتاج، طبيعة الدولة والفكر والدين والأسطورة، وهذه قضايا ذات قيمة عامة تتضاعف أهميتها كلما ارتبطت بما هو راهن، وإلا ظلت جزءاً من وعي التاريخ، ولا شك أن الخلاف حولها ليس حاسماً في إطار العمل الحزبي ولا يقود إلى انشقاق.
والمستوى الثاني يتعلق بالواقع الراهن ولاشك أن التاريخ جزء منه، لكن يتركز همّنا في وعي الواقع الراهن، من أجل تحديد التصور البرنامجي، كما من أجل تأسيس إيديولوجيا مطابقة لمصلحة الطبقة العاملة وهزيمة الوعي الزائف المتشكل في التاريخ أو الذي تشكله الطبقة المسيطرة، وكذلك من أجل وعي حركة الواقع وتحديد دور عنصر الإرادة في توجيه هذه الحركة بما يحقق مصلحة الأمة العربية.
إننا معنيون بتحليل طبيعة البنية الاقتصادية الاجتماعية القائمة، والأشكال الفكرية والسياسية الموافقة لها، معنيون بدراسة ظاهرة التفكك وقيام الدول العديدة، بتحديد نمط الفكر السائد، أزمة الطبقات وأزمة الفكر، أسباب استمرار تأثير الدين والفكر الديني، مسألة الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، أزمة الماركسية وأسباب هامشية دور الماركسيين، مسائل التأخر والتبعية، وضع الكيان الصهيوني… الخ.
إننا باختصار نسعى لأن نبحث في كل البنية بمستوياتها المختلفة، من أجل تأسيس إيديولوجيا مطابقة لمصلحة الطبقة العاملة، ولمصلحة التغيير، لكن لا بدّ من التأكيد أن تكونها مرتبط بالممارسة، بالنشاط العملي، بالصيرورة الواقعية، أي أنها تتبلور في سياق النشاط وإن كانت أساسياتها ضرورية منذ البدء، بمعنى إننا نميز بين الخط العام والثراء النظري، بين تحديد المفاصل الأساسية، والبحث في كل المسائل الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والمستقبلية.
وثانياً: ـ ينطرح علينا تحدي أزمة الماركسية والاشتراكية، ونحن معنيون بتأكيد احقية الأدوات التي نستخدمها، والنظام الذي ندعو إليه، إننا معنيون بتوضيح الفارق بين الماركسية كمنهج (الجدل المادي)، والماركسية كمنظومة، وكبنية إيديولوجية منتجة في ظرف وزمان محددين، من أجل أن يظهر ثبات الأول، واعتباره طرائق عمل العقل، وهو بذلك ذو قيمة عليا مطلقة الصحة ـ إلى الوقت الراهن ـ من الضروري التمسك به ـ كطرائق لعمل العقل ـ واستخدامه كأداة في تحليل الظروف الواقعية، وإنتاج منظومة المفاهيم والأفكار ـ البنية الإيديولوجية ـ المطابقة لهذه الظروف في إطار مصلحة طبقية محددة.
إننا نعتبر أن المنظومة الماركسية المتكونة سابقاً، منظومة ممكنة النقد، وهي ليست قوانين ملزمة بالإطلاق، إلا ما وافق الظروف الواقعية، وهنا نحن نعتبر أن الواقع هو المحدد لمدى فائدة هذه المنظومة أو بعض نصوصها، انطلاقاً من رؤيتنا المادية الجدلية لهذا الواقع.
وبالتالي، فإذا كانت العديد من الأفكار قد شاخت، ولم تعد قوانين أخرى صالحة، فإن جوهر الماركسية لا زال حيّاً، لأن العلم لم يتجاوزه بعد، كما أن كل أشكال تجديد الفكر البرجوازي “نهشت” من الماركسية، أو أنها فشلت في أن تؤسس منهجية بديلة، تتجاوز الماركسية، لهذا نعتقد أن الماركسية لا زالت قادرة على وعي الواقع علمياً، وكذلك على تجديد ذاتها.
أما الاشتراكية، وحيث انتشر الشعور بهزيمتها وفشلها ولا واقعيتها، أو عدم نضج الظروف المؤاتية لتحقيقها فإننا معنيون بالدفاع عن القيم العليا للاشتراكية، كما أننا معنيون بتوضيح أسباب الأزمة العميقة التي دخلتها المنظومة الاشتراكية واحتمالات المستقبل. أن الفكرة التي من الضروري أن لا نتغافل عنها، هي أن عملية التقدم لا تتحقق بوتيرة واحدة صاعدة دائماً، بل إن في عملية التقدم تقهقراً، وأن الانتكاسات حتمية، كما هي عملية التقدم ذاتها.
لكن النزوع الإنساني نحو العدالة والمساواة والتجدد سوف يستمر ولسوف يبقى النزوع نحو تهديم سيطرة أقلية مستغِلّة، ولا شك أن مقدرة الماركسية على التجديد هي المدخل من أجل صياغة هذا النزوع علمياً، وتحديد “القوانين” الأدق، الأكثر علمية، التي تعيد فتح أفق التقدم الاشتراكي، واعتماداً على إشكاليات التجربة المتحققة، والمشكلات التي أفضت إلى الأزمة الراهنة. والاشتراكية ليست قوانين مجردة فقط، إنها بالأساس صيغة مطابقة لصيرورة التطور الاجتماعي.
لهذا فنحن معنيون بوضع الاشتراكية كقوانين في سياق الحركة الواقعية لمجتمعنا، معنيون بتحديد أهميتها الواقعية، من أجل أن نوضّح الضرورة المطلقة لدعوتنا الاشتراكية، وحاجتنا لها، والاحتمالات الواقعية لتحقيقها.
إننا هنا أمام تحدٍ إيديولوجي راهن، لا نستطيع القفز عنه، لأننا معنيون بأن تصبح أفكارنا ذات نفوذ، أن نبرر للجماهير الحاجة الواقعية لدورنا.
وثالثاً: ـ إن مهمة عامة تفرض نفسها، هي المهمة المتعلقة بالبحث النظري الماركسي في تطوير الماركسية ذاتها، في البحث من أجل إغناء الماركسية وتطويرها، وتجديدها بشكل مستمر.
هنا نحن ندخل في البحث الأكثر تجريداً، البحث الهادف إلى تأسيس تصورات ماركسية عامة وإعادة إنتاج القوانين العامة على ضوء مدى مطابقتها للصيرورة الواقعية، مدى علميتها، انطلاقاً من دراسة جادة للماركسية (كأيديولوجيا وتاريخ وتراث، كمنهجية وقوانين وأفكار..) لكن أيضاً ـ وبالأساس ـ من خلال دراستنا للظروف الواقعية.
إننا في هذه المجالات الثلاثة ـ نشير إلى دور الفكر، وقيمة الوعي، نشير إلى الإيديولوجيا التي تعني وعي صيرورة الواقع وتحديد أفق التقدم، إننا معنيون بالعمل من أجل تأسيس تصور نظري يكون أساساً لوعي ماركسي جديد، يسهم في تحديد دور جديد للماركسيين العرب.
التصور البرنامجي
ولأننا لسنا مهتمين بالفكر فقط، بل نعتبر أن مهمة الفكر هي توضيح المسار الواقعي، وعي الواقع، وعي صيرورة الواقع. ولأننا معنيون بالنشاط الواقعي، من الضروري تحديد التصور البرنامجي، خصوصاً أن التمايز عن الخطوط والكتل الأخرى، لا ينبع من موقف لفظي، بل من الضروري أن ينبع من رؤية مختلفة، وإذا كانت الرؤية الفكرية بمجملها مختلفة، كما أشرنا في الفقرة السابقة، فإن التصور البرنامجي مختلف بالضرورة، خصوصاً في مفاصلة الأساسية.
والتصور البرنامجي يشمل الأهداف السياسية العامة، المتعلقة بتطور الوطن العربي، الأهداف التي يتوقف على حلها تطور المجتمع العربي، كما يشمل التصور حول دور الطبقة المختلفة في تحقيق هذه الأهداف، وبالخصوص التصور حول دور الطبقات العاملة العربية، ولعل هذه المسألة الأخيرة هي التي تحدد جذرية النشاط وثوريته، وهي بالتالي التي تحدد الفارق بين الثوري والإصلاحي، الواقعي والمثالي في الماركسية.
لهذا من الضروري صياغة ورقة الموضوعات السياسية.
1 ـ آفاق التطور الاقتصادي الاجتماعي:
في هذا الإطار تطرح مسألة التقدم العربي، كمسألة محورية. إن هدفنا الجوهري هو تحقيق التقدم العربي وعلى ضوء ذلك يمكن أن نحدد أهدافنا، ولا شك أن كل هدف يجب أن يفضي إلى هذا الحلم، حلم أن نصبح أمة موحدة متقدمة، قادرة على تحقيق العلاقات المتكافئة عالمياً.
لهذا تطرح مسألة الخيار الاقتصادي الاجتماعي، الذي يفضي إلى تحقيق هذا التقدم. وهنا يطرح دور الطبقات كما يطرح الخيار الرأسمالي أو الاشتراكي، أو صيغة من الصيغ الانتقالية إلى هذه أو تلك.
فأي الطبقات هي الأقدر على قيادة التقدم هذه؟
إن تحقيق التقدم، مسألة ترتبط بمصلحة الجماهير الشعبية عموماً، لكن السؤال ينصّب على الطبقة الأكثر جدارة في تحقيق التقدم، الذي يحقق مصلحتها كما يحقق مصلحة الجماهير الشعبية.
ولا شك أننا نعتبر أن الطبقة العاملة العربية، بالتحالف مع الفلاحين الفقراء هي الجديرة بتحقيق هذه المهمة الكبيرة، حيث أصبح التقدم لا يتحقق إلا “بالقطع” مع النظام الإمبريالي العالمي، التمّرد على آلياته، وتأسيس آليات خاصة، تخرج الوطن العربي من دائرة النهب الإمبريالي، وتؤسس له مفاعيل اقتصادية محلية. وهذا لن يكون ممكناً إلا حينما تكون الطبقة العاملة العربية، هي قائدة التقدم، هي الفاعلة فيه.
هي يعني ذلك أن خيارنا الآن، هو الخيار الاشتراكي؟
ربما كان الرابط الميكانيكي بين الطبقة العاملة والثورة الاشتراكية، هو الذي يقود إلى هذا الاستنتاج الذي نعتقد أنه متسّرع، لكن الطبقة العاملة أيضاً لا تسعى لتحقيق الرأسمالية، إنها ضد الرأسمالية.
إن الضرورة الحاسمة لدور الطبقة العاملة القيادي، وعدم نضج الظروف الواقعية لتحقيق الثورة الاشتراكية، يفرضان تحقيق برنامج حدّ أدنى بالنسبة لهذه الطبقة، وهو برنامج الحّد الأعلى لطبقات أخرى ( الفلاحون، البرجوازية الصغيرة المدينية)، وهو برنامج الثورة الديمقراطية البرجوازية بالأساس، الذي فشلت البرجوازية في تحقيقه، لكنه ظل راهناً، وظل الخطوة الأولى على طريق التقدم.
لكن قيادة الطبقة العاملة لعملية التقدم، وكون هذه العملية تتم على الضد من النظام الإمبريالي العالمي، على الضد من الرأسمالية، يوسمها بميسم اشتراكي معيّن، يتطور كلما تحققت الأهداف الديمقراطية. مع ملاحظة الأهمية الحاسمة لتحقيق الأهداف الديمقراطية وأهمية أن يبنى الأساس الاقتصادي الاجتماعي، والإيديولوجي السياسي، والثقافي العام للاشتراكية. هذا ـ على الأقل ـ ما تعلمنا إياه الأزمات الراهنة للاشتراكية.
فالتقدم السريع ـ الذي يمكن أن يكون أحياناً ضرورياً ـ يخلق ارتباكات، ويؤسس لأزمات كبيرة، قد تطيح بعملية التقدم. كلها أن الدور القيادي للطبقة العاملة الذي لا يعني استلام السلطة فقط، بل يعني بالأساس الهيمنة على القطاعات الأساسية، التي تعني التأييد الشعبي، والهيمنة على المؤسسات الاجتماعية، والهيمنة الإيديولوجية، والمقدرة الدائمة على مسك الأهداف الأساسية، الواقعية، الضرورية لعملية التقدم، والتي توّحد قطاعات شعبية واسعة. إن هذا الدور هو الضامن لتحقيق الاشتراكية، وحيث يستطيع أن يزيد من دور الجماهير العمالية والشعبية في المجال السياسي، ويدفعها من أجل أن تصبح هي السلطة الفعلية، هي المقرر والفاعل.
إذن، الطابع الديمقراطي هو المهيمن في الوقت الحاضر، خصوصاً أن مهمات ديمقراطية كبيرة تنتصب أمامنا، لا يمكن أن تتحقق الاشتراكية دون تحققها. وإذا كانت المهمات السياسية حاسمة (الوحدة القومية، الاستقلال القومي) فإن مهمات اقتصادية تفرض نفسها، حيث أن سمة الاقتصاد العربي عموماً ـ في الغالب، في الإجمالي ـ إنه اقتصاد تجارة /خدمات/ مال، وهذه سمة كل اقتصاد رأسمالي تابع، حيث تضمر قوى الإنتاج، يتهمش القطاع المنتج، الذي هو في كل اقتصاد “طبيعي”، القطاع الأساسي، حيث يسبق الإنتاج الاستهلاك، وبالتالي تكون مهمة تأسيس “قوى الإنتاج” مهمة ضرورية، ومن أولى مهمات الطبقة العاملة بعد استلام السلطة، وهذه مهمة إضافية تزيد في تأكيد الطابع الديمقراطي لعملية التقدم. بالتالي نحن معنيون بتحديد الأهداف الاقتصادية الاجتماعية.
مسألة تطوير الصناعة كقضية محورية:
ومسألة تطوير الصناعة قضية محورية حيث لا تقدم ـ في هذا العصر ـ دونها، واعتماداً على التطور الصناعي. لكن تطرح أيضاً مسألة تطوير الزراعة بالتوازي مع ذلك، مسألة دور الدولة الاقتصادي، ومدى إمكانية الاستفادة من الرأسمال الخاص.
فك التبعية وطبيعة العلاقة مع السوق العالمي:
حيث يكون من الضروري تأسيس قوى إنتاج محلية، حيث لا تقدم دون ذلك، هذه المسألة التي هربت منها الرأسمالية السائدة في الوطن العربي، التي تبلورت على شكل رأسمالية تجارية (كومبرادورية) توظف رأسمالها في الاستيراد، والعقارات، والقطاعات الخدمية، والمضاربات المالية.
لهذا تقوم عملية “ردم الهّوة” (التي تعني تجاوز المسافة بين نشوء رأسمالي “مظهري” متمحور في القطاع الثالث “التجارة/ الخدمات/ المال” وبين غياب قوى الإنتاج الرأسمالية (بالأحرى الصناعية”) على أساس بناء الصناعة، الصناعة الحقيقية، أي الصناعة الثقيلة (الصناعة الأم التي تنتج الصناعة) اعتماد التطور التكنولوجي، فهذه هي أسسّ التقدم الحديث وأساس صياغة نمط الإنتاج القادر على تأسيس مجتمع متطور.
لكن، وعلى ضوء هذه المسألة، لابد من تطوير الزراعة وتحديثها، بحيث تلبي الحاجات الأساسية للجماهير الشعبية، وتقّدم المواد الأولية الضرورية للصناعة. ولا شك أن هذين الهدفين يسلتزمان بنية اقتصادية متكاملة (من الخدمات، إلى التبادل والتوزيع، إلى التعليم والثقافة، إلى العلاقات التجارية مع السوق العالمي) كما يستلزمان ـ يوجبان ـ أن تلعب الدولة دوراً اقتصادياً مركزياً، لتصبح هي “الرأسمالي” الذي يتمركز رأس المال عنده، والذي يعيد توظيفه في تحقيق كل هذه العملية (التصنيع الثقيل، الصناعات الأساسية، التطوير الزراعي، التوزيع، العلاقات مع السوق العالمي. بالأحرى الاستثمار في القطاعات الأساسية الضرورية لعملية التقدم، وتحقيق التوازن في التطور الاقتصادي..) فهي تحتاج إلى مركزة كبيرة لرأس المال، ولا يستطيع، ولا يهدف الرأسمالي الخاص إلى تحقيقها، حتى لو توفرت له كل الظروف المناسبة، ولكن من الهام هنا التأكيد على الحاجة إلى جذب الرأسمال الخاص للاستثمار في القطاعات الإنتاجية، من أجل الإسهام ـ وإن أمكن ـ في عملية التقدم.
وإذا كانت مهمة الطبقة العاملة (المتحالفة مع الفلاحين الفقراء وقطاعات البرجوازية الصغيرة) حينما تصبح في السلطة، تحقيق تطوير نوعي في الاقتصاد، والتركيز على تكثيف تأسيس قوى الإنتاج، فإن مهمتها الأخرى (الموازية، المترابطة) هي أن تحقق توزيعاً عادلاً للثروة يحقق ارتفاعاً مضطرداً لمستوى معيشة قطاعات الشعب المختلفة، والعمل على استمرار تناسب الأجور والأسعار، من أجل تحقيق هذا الغرض. وكذلك العمل على تحقيق ضريبة تصاعدية على الأرباح، تمنع نهب الرأسمال وتحويله إلى القطاع الخاص، كما تمنع اختلال هذا التناسب، من خلال إبقاء تحكّم الدولة بتوزيع الثروة.
إن تأسيس قوى إنتاج محلية، ليست عملية سهلة، بل إنها جوهر عملية الصراع الراهن (ولا شك أن الصراع من أجل الوحدة، والاستقلال، مظهراً هذا الصراع) لأن الإمبريالية العالمية تحارب هذه العملية بالذات من أجل أن تفرض البنية الاقتصادية الاجتماعية المناسبة لتطور المركز الإمبريالي، ولنهب الإمبرياليين. إنها تصيغ هذه البنية بالشكل الذي يحقق لهؤلاء الإمبرياليين مجالاً أوسع لنهب الرأسمالي المحلي، وتحويله إلى المركز الإمبريالي. لهذا تفرض تهميش الصناعة من أجل استيراد سلعها، ولكي تنهب المواد الأولية، وتفرض سيادة الاقتصاد الحر ـ رغم أنها في المركز ألغت فكرة الحرية التامة من خلال قوانين مختلفة، ولكن أصلاً من خلال عملية التمركز التي فرضت عملية التحكم بالأسواق المحلية ـ من أجل أن تصبح رساميلها هي القوة المسيطرة في الاقتصاد المحلي، لتراكم الأرباح الهائلة. لهذا فإن الخروج من هذه الحلقة، وتأسيس قوى الإنتاج المحلية، في جوهر النضال من أجل التقدم، إنها جوهر عملية الصراع من أجل الاستقلال والوحدة، وبالتالي ليس من الممكن تحقيق ذلك إلا بفك الارتباط بالنظام الإمبريالي العالمي، عن طريق فرض. ما كان يسمى قديماً “الحماية الجمركية” أي عن طريق السيطرة على السوق المحلي، والسماح لمفاعيله الاقتصادية بأن تعمل بحرّية، أي بدون تأثير قوة خارجية مؤثرة، وهذا لا يتحقق إلا بتحكّم الدولة في العلاقات الاقتصادية مع الخارج.
ولا شك أن تأسيس الصناعة، والمقدرة على تحقيق فك الارتباط، يفرضان تأسيس السوق الواسعة، السوق التي تستوعب التطور الصناعي، وتؤسس كتلة اقتصادية ضخمة قادرة على أن تعمل في عالم لا يتسم فقط بتبلور الكتل الاقتصادية الكبيرة، بل ـ وبالأساس ـ تسيطر فيه المراكز الإمبريالية، وتصيغه على هواها. إن محاربة الإمبريالية لبناء الصناعة، وحاجة الصناعة ذاتها ـ ونقصد كما أشرنا سابقاً، ليس الصناعات الاستهلاكية، بل الصناعة الثقيلة أساساً ـ إلى السوق الواسعة، يطرح المسألة القومية العربية برمّتها، ولا يمكن أن تأخذ هذه المسألة، بالنسبة لنا نحن الماركسيين العرب، معناها الحقيقي، ووضعها الطبيعي، إلا في هذا الإطار، مع تأكيدنا على الطابع الروحي الذي يرتبط بها والذي يتناغم مع رؤيتنا لعملية التقدم كلها.
2. المسألة القومية في الوطن العربي:
ما هي عناصر المسألة القومية في الوطن العربي؟
إذا كان هدف توحيد السوق القومي مسألة حاسمة والعنصر الأساسي في المسألة القومية، فإنها أوسع من ذلك، إنها:
أولاً: مسألة الوحدة العربية من أجل تأسيس السوق الواسعة. وهي:
ثانياً: تصفية كل أشكال الاستعمار التقليدي والاستيطاني. وهي:
ثالثاً: تحقيق الاستقلال القومي اقتصادياً وسياسياً. وهي:
رابعاً: مسألة حقوق الاقليات القومية (الاستقلال للأمم، الحقوق الثقافية والحكم الذاتي للاقليات).
ولا شك أن التأسيس لهذه القضايا يطرح للنقاش مفاهيم مفصلية، منها مسألة الأمة العربية، الوحدة العربية والطرق المفضية لتحقيقها.
هل العنف ضروري؟ وإلى أي مدى؟ وهل يمكن عن طريق ديمقراطي؟ ما هو الشكل الديمقراطي الممكن، هل أن التعبير عن رأي الجماهير الشعبية، لا يتحقق إلا عن طريق الانتخابات والاقتراع؟ ألا تؤيد الجماهير خطوة قسرية؟ كما تطرح موضوعات مثل الموقف من الكيان الصهيوني، ومن الصراع العربي الصهيوني، ومن طبيعة حقوق الأقليات.
إننا ننطلق من أن العرب أمة قديمة، توحدت في إطار الإمبراطورية العربية الإسلامية في ظل سيطرة إرستقراطية إقطاعية عربية، اضطهدت فقراء العرب، كما اضطهدت الأمم والشعوب الأخرى، لكنها تجزأت مع انهيار نمط الإنتاج الإقطاعي (المتميز جذرياً عن الإقطاع الأوروبي) وسيادة نمط زراعي إقطاعي، يقوم على الاقتصاد الطبيعي، مع غياب السوق والنقد، حيث لم تعد حاجة إلى السوق، ولا كان ممكناً وجود سلطة مركزية، رغم المحاولات التي تحققت، ورغم “توحيد” الإمبراطورية العثمانية للكتلة الأساسية من العرب. ولقد عمل الاستعمار الأوروبي الحديث على تكريس هذه التجزئة، والإمعان فيها، ومن ثم إعطائها طابعاً سياسياً، وحقوقياً، محلياً وعالمياً (أي في إطار النظام الدولي الذي تأسس منذ الحرب العالمية الثانية) وحارب كل محاولات التوحّد، وخاض حروباً حقيقية ضد القوى التي حاولت تحقيق الوحدة العربية (محمد علي باشا سنة 1842، والناصرية سنة 1967، والعراق سنة 1991)، لهذا غدت الأمة العربية مجزأة في دول مهمتها إجهاض عملية التقدم، حيث يبدو مستحيلاً التقدم القطري، ولا تقدم جذري إلا في إطار عربي، كما تبدو الإمبريالية حارسة نظام التجزئة هذا وحريصة على تكريس الوضع القائم.
من هذا المنطلق تتوضح أهمية الوحدة العربية، فهي المدخل لتحقيق التقدم العربي، وبهذا يبدو تحقيق هدف سياسي، رافعه تحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي. من هنا تأخذ مسألة الوحدة العربية قيمتها الفعلية، كما أن قيمتها في إطار الصراع مع النظام الإمبريالي العالمي، تحدد الطريقة (وربما الطرق) المفضية إلى تحقيقها، حيث يبدو أنها لا تتحقق إلا في إطار صراع شامل.
ـ إنها تفترض وجود حزب (أو أحزاب) يعمل (أو تعمل) في الوطن العربي.
ـ كما تفترض نهوضاً جماهيرياً عربياً.
ـ وتفترض ثالثاً وجود قوى مسلحة.
إن تحقيق الوحدة العربية هدف أساسي في هذه المرحلة، من أجل تهيئة الظروف لتحقيق التقدم. وإذا كنّا لا نرفض أية صيغة من صيغ الوحدة، فلا بدّ من أن تكون لنا رؤيتنا لها، وصيغتنا التي ننشدها، ولا شك أننا نختار الطريق الديمقراطي في تحقيقها، لكن مع ملاحظة أن الديمقراطية لا تعني “الاستفتاء” فقط، ولا تعني القبول بالأمر الواقع، وتبرير التجزئة، كما لا تعني اعتماد آلية عفوية تترك لكل قطر “حق” السير “الحر” بمعزل عن المجموع العربي، وتمنح للأنظمة المسيطرة “حق” الفيتو ضد الوحدة، ورغماً عن إرادة الجماهير. ولهذا فمسألة الوحدة مرتبطة بسعينا من أجل هزيمة الرأسمالية التابعة في كل قطر، ومساعدة القطر المنتصر للأقطار الأخرى، وبالتالي لا تعتبر هذه العملية منافية للديمقراطية، بل جزء منها، ما دمنا نعمل في إطار عربي، ولا نقسم الجماهير وفق “جنسية” أقطارها.
إننا نسعى لتأسيس دولة عربية متحدة في إطار فيدرالي تفتح أفق التطور الاقتصادي الاجتماعي، وتجعل العرب قوة عالمية، في عصر التكتلات الاقتصادية الكبيرة.
وفي هذه المسيرة نسعى لإنهاء الكيان الصهيوني، ككيان استيطاني استعماري، وكأداة قمع بيد الاحتكارات الإمبريالية العالمية. وهذا لا يعني أننا نحارب اليهود واليهودية، فالدين اليهودي جزء من تراثنا كما المسيحية والإسلام، وبالتالي فنحن نتعاطى معه من هذا الأساس، في سياق دراستنا لتاريخنا، وحضارتنا، حيث لا يمكن لنا فهم تاريخنا الاقتصادي والسياسي والفكري، دون دراسة الدين اليهودي، إنه حلقة في تطورنا، أما اليهود فإننا نميز بين اليهود العرب، اليهود الذي أقاموا في الوطن العربي منذ فجر الحضارة، واستمروا فيه، وهم جزء من التكوين البشري الذي هيّأ لتبلور العرب كأمة، مثلهم مثل السريان والفراعنة والبربر، والكلدان والآشوريين، والقبائل اليمنية.. الخ. وبين اليهود القادمين من أمم أخرى.
لذا من حق اليهود العرب الإقامة في أية بقعة عربية مع التأكيد على حقهم في أن يحصلوا على حق أقلية.
إننا نسعى ـ بالتحديد ـ لإنهاء الكيان، في إطار الصراع ضدالإمبريالية وأدواتها، لتحقيق الاستقلال القومي، ولتكون فلسطين جزء من الدولة العربية الموحدة.
ونرى أنه لا بد من حل مسألة الاقليات حلاً ديمقراطياً، ولا شك أن الأكراد ليسوا أقلية، بل أنهم جزء من أمة مجزأة ومحتلة، لذا فإن لهم حق الاستقلال الكامل في حدودهم التاريخية، أما الذين هاجروا إلى المناطق العربية، فمن حقهم العودة إلى وطنهم أو البقاء في الوطن العربي، وبالتالي تجري معاملتهم كأقلية. أما الأقليات فإن لها حقوق ثقافية (استخدام لغتها، مدارسها الخاصة، الصحف والإذاعة، الاهتمام بتراثها وفلكلورها…) والاستقلال الذاتي في مناطق تمركزها، وتضم هذه الأقليات، الأقليات اللصيقة بالعرب (السريان، البربر، اليهود، الكلدان، الآشوريون..) وسكان جنوب السودان وكذلك المجموعات البشرية التي هاجرت إلى الأرض العربية من مناطق أخرى (الأرمن، الشركس، والأكراد الذين قطنوا مناطق عربية، المهاجرين اليهود الذين يقررون البقاء في الوطن العربي بعد إنهاء الكيان الصهيوني…).
3. المسألة الديمقراطية:
ثم بالتوازي مع الخيار الاقتصادي الاجتماعي، وعلى ضوء تحقق المسألة القومية بفروعها المختلفة، تطرح طبيعة النظام السياسي الذي نسعى من أجل قيامه.
هل هو ديمقراطي؟ وما هي الصيغة الديمقراطية في ذلك؟ هل يقر تعدد الأحزاب وحرية الرأي والانتخاب والعمل النقابي والمطلبي؟ هل هو علماني؟ ما هو موقع الدين فيه، كيف يستوعب الخصوصيات والتمايزات القائمة في المناطق المختلفة في الوطن العربي؟ كيف يكون صيغة مناسبة لكل هذا التنوع الطبقي، والديني، والثقافي والسياسي، والاثني؟
الديمقراطية قيمة حضارية عامة، لابدّ من التمسك بها. وإذا كانت الماركسية الدارجة في بعض مراحلها رفضتها باعتبارها قيمة برجوازية، وكل قيم البرجوازية شر، فلابدّ من التأكيد على أنها ـ رغم أنها كانت نتاج الفكر البرجوازي، ونتاج النظام السياسي البرجوازي ـ معطى موضوعي فرضه التطور التاريخي. إنها التجسيد العملي لمفهوم الحرية، هذا الهدف الذي يراود النزوع الإنساني على مرّ العصور، وبالتالي لابدّ من أن تكون حاضرة في أي مشروع ماركسي، خصوصاً أنها في جوهر المنهجية الماركسية (مبدأ التناقض، والتناقض يفترض الوحدة لكي يؤسس لمبدأ آخر هو نفي النفي وحيث التناقض لا يعني التضاد وفق المعنى الدارج، الذي يعني التعدي، يعني الحرب).
من الضروري إذن أن تعبر السلطة عن مصلحة الأغلبية دائماً، (بالمعنى الطبقي السياسي) أن تدافع عن حقوق الأغلبية، أن تحقق ما يوافق مصلحة الأغلبية، كي تؤسس شرعيتها الواقعية من هذا المنطلق يمكن التأكيد على المسائل التالية:
أ ـ الإقرار بحرية الرأي، والصحافة والنشاط الثقافي.
ب ـ حرية العمل الحزبي، والإقرار بالتعددية التي غدت حاجة ملحة، لا نعتقد أنه يمكن الإقرار بالديمقراطية دون الإقرار بها.
ج ـ حق تأسيس الاتحادات والنقابات، وحق الإضراب والتظاهر.
د ـ الإقرار بفصل الدين عن الدولة، وعن السياسة بالإجمالي مع التأكيد على حرية المعتقد، وحق ممارسته.
ر ـ الإقرار بحقوق المواطن الأساسية (حق التعليم، حق العمل، حق الرعاية الصحية، حق السفر والمراسلة…).
و ـ الإقرار باستقلالية القضاء.
ز ـ سلطة رقابة العمال، والمنتجين عموماً، على الإنتاج والإقرار بحق تشكيل لجان في المصانع وفي أماكن العمل المختلفة.
ح ـ حق الانتخاب، الاقتراع السري.
هذه المبادئ أساسية لابدّ من التمسك بها، في إطار السعي لتحقيق التقدم العربي، وفي إطار دولة فيدرالية عربية تأخذ بعين الاعتبار التنوع والخصوصيات، والتمايزات التاريخية، وتقرّ حقوق الاقليات (الحقوق الثقافية والحكم الذاتي).
4 . البرنامج المطلبي:
لكن من الضروري أيضاً أن نصوغ برنامجاً مطلبياً، بهدف تكتيل الطبقات الشعبية، وتفكيك السلطات الطبقية المسيطرة، إننا معنيون بالدفاع عن لقمة الخبز وعن الوضع المعاشي لمختلف الطبقات الشعبية، والمشاركة في نضالها لرفض المستوى المعاشي المنخفض، ضد حالة الانسحاق، حالة الإفقار المطلق التي تعيشها، وبالتالي النضال من أجل ربط الأجور بالأسعار ومن أجل الحصول على حقوق أولية تتعلق بالضمان الصحي، والتعليم والرفاه.
إننا معنيون بالدفاع عن الحقوق المطلبية للجماهير الشعبية ومعنيون بأن نعي الظروف الواقعية لها، وبمشكلاتها الراهنة وليس فقط بالمهمات الاستراتيجية التي تحقق مصالحها على مدى أبعد، لذا علينا أن نحدد حقوق العمال والفلاحين الفقراء حقوق الموظفين والمهنيين والتجار الصغار، حقوق الفلاحين المتوسطين، وحقوق المثقفين والطلبة، وحقوق المرأة. لهذا من المفترض أن نحدد بشكل دقيق هذه الحقوق، في الإطار العربي العام، وفي كل قطر. لكن يمكن الإشارة هنا إلى عدد من الحقوق الأساسية: توفير فرص العمل، تناسب الأجور والأسعار، الضمان الصحي، توفير المسكن، التعليم المجاني، واستقلالية المدارس والجامعات وضمان مستوى علمي متفوق فيها، حق العمل النقابي، وحق الإضراب، حرية الصحافة، والحريات الديمقراطية، إلغاء التمييز بين المرأة والرجل في العمل، وضمان حق الأمومة للمرأة.
وإذا كان للبرنامج المطلبي أهمية تحريضية راهنة فإنه جزء من البرنامج الديمقراطي المستقبلي أي بعد قيام الدولة العربية الموّحدة.
وما دامت الدولة القطرية قائمة، وما دام النضال الواقعي يتحقق في إطارها تطرح هنا مسألة الأنظمة المسيطرة، والموقف منها وعلاقة ذلك بمسألة الوحدة القومية. هل أن النضال من أجل استلام السلطة يعني إعادة تأسيس الدولة القطرية؟ أم نحدد برامج انتقالية، ونسعى من أجل تجاوز هذه الدولة في إطار المشروع الأشمل؟
إن وجود الدولة القطرية يفرض النضال من أجل هزيمة الطبقة المسيطرة، والبدء بتحقيق خطوات في مجال التقدم الاقتصادي الاجتماعي، وتسويد سلطة ديمقراطية، لا تعيد إنتاج الدولة القطرية، بل تؤسس صيغة مؤقتة (انتقالية) تنتهي حالما يكون ممكناً تأسيس شكل وحدوي، كما من الضروري إبراز الطابع العربي على حساب القطري.
5 . الطابع الدولي والموقف الأممي:
لكن من الضروري ملاحظة أننا نخوض النضال العربي، في إطار الوضع الدولي الراهن، وكما أشرنا فإن القضايا الأساسية التي تتعلق بتقدمنا تواجه بالموقف الإمبريالي، وبالنظام الإمبريالي العالمي، لهذا من الضروري أن نحدد موقعنا في إطار الصراع العالمي، أن نحدد رؤيتنا للنظام الإمبريالي العالمي، وموقفنا من هذا الصراع، وكذلك الدور الأممي الذي نحن جزء منه.
فلا زالت سمة سيطرة الإمبريالية عالمياً، هي السمة السائدة وإذا كان الصراع بين معسكرين ـ الرأسمالي والاشتراكي ـ بارزا في العقود الماضية، وكان هناك من يعتبر أنه الصراع الرئيسي في العالم، فإن نهاية “الحرب الباردة” بعد الهزات التي شهدتها “البلدان الاشتراكية”، التي أطاحت بقيادة الأحزاب الشيوعية في معظمها، فرضت أن نحدد طبيعة التناقضات على الصعيد العالمي بشكل أدق.
إن الصراع بين الأمم المضطّهدة المستّغلة، وبين حفنة من الإمبرياليين، هي السمة الأساسية ـ كانت ولا زالت ـ في هذا العصر، لأن الطابع العام للعالم، يتمثل في سيادة النظام الإمبريالي العالمي رغم وجود نظام آخر منافس ـ كان، وربما يعود ـ وإذا كانت البلدان الاشتراكية القائمة ـ التي كانت، والتي لا زالت ـ معنية بهزيمة الإمبريالية، فإن “حربها” ليست حرباً مباشرة، بل أن دورها يتمثل في دعم ومساعدة الأمم المضطهَدة. كما أن طبيعة السيطرة الإمبريالية، وأشكال النهب الممارسة ضد الأمم المضطِهدة، تجعل عملية الصراع عملية واقعية، موضوعية، وراهنة. وبالتالي لا تخضع لتكتيكات دول، وإلى الحاجة الموضوعية إلى تعايش أنظمة مختلفة (رأسمالية واشتراكية)، بل أن منطق التعايش في هذه الأمم المضطّهدة منطق استسلامي، وبالتالي تدميري.
إن الصراع ضد الإمبريالية هو السمة الراهنة للنظام العالمي وأن صراع الأمم المتخلفة والتابعة ضد النظام الإمبريالي العالمي، ومن أجل التحرر، تحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي، هو السمة الأكثر بروزاً، والمسألة الأكثر مركزية في الوضع العالمي الراهن، أن الهدف الأساسي يتمثل في إنهاء النظام الإمبريالي العالمي، وتحرر الشعوب، لهذا يكون ضرورياً تأسيس تحالف قوي بين ماركسيي هذه الأمم، وبين حركاتها الثورية.
من هذا المنطلق، فإن ماركسيي الأمم المضطّهَدة المستَغلة هم رأس الحربة في النضال من أجل تقويض النظام الإمبريالي العالمي، وتأسيس عالم متطور مسالم ومتعاون. لكن هذه العملية تفرض أيضاً ـ وأساساً ـ التحالف مع ماركسيي البلدان الاشتراكية، وماركسيي البلدان الإمبريالية، إن المهمة الأساسية التي تفرض نفسها عالمياً، هي مهمة هزيمة الإمبريالية وإنهاء نهبها، واستغلالها للأمم المتخلفة، من أجل إنهائها كنظام، وتأسيس نظام اشتراكي عالمي على أنقاضها.
إن هدف استقلال هذه الأمم وتقدمها، هو الهدف الأساسي حيث تعمل الإمبريالية على إبقائها متخلفة، وعلى تهميشها، ودفعها نحو الدمار. المهمة إذن، هي مهمة انتصار الاختيار الماركسي، اختيار التقدم الاقتصادي الاجتماعي، والاستقلال السياسي، وتحقيق الخطوات الضرورية من أجل إنضاج البنية الداخلية لتحقيق الاشتراكية، ولا شك أن تجاوز الاشتراكية لأزمتها الراهنة وإعادة بناء المجتمع في البلدان التي عرفت بالبلدان الاشتراكية، إعادة بناء الاقتصاد، إعادة بناء النظام السياسي في إطار الاشتراكية، وبما يسمح بتحقيق ثورة صناعية، تمتّن من اقتصادها، وتزيد من رفاه الشعب، من جهة وبما يجعل الملكية هي ملكية المنتجين، ويؤسس للتعبير الحّر، ويلغي الاغتراب، من جهة ثانية. إن تحقق ذلك يسمح بتقدم نضالات الشعوب في الأمم المتخلفة ويفتح الأفق لتأسيس نظام عالمي جديد، يحقق مصالح الشعوب عامة.
إننا نعتقد بضرورة تصاعد نضالات الأمم المتخلفة ويقع على الماركسيين فيها عبء قيادة هذه النضالات، كما نعتقد بضرورة أن يعاد بناء الاشتراكية وأن تتصاعد نضالات الطبقة العاملة، وكل الحركات الديمقراطية، والمدافعة عن حقوق الإنسان والداعية إلى حماية البيئة، في البلدان الرأسمالية من أجل إنهاء النظام الإمبريالي العالمي، وتأسيس نظام اشتراكي عالمي جديد.
لهذا يكون مهماوحاسماً صياغة علاقات أممية جديدة توّحد نشاط الماركسيين في مواجهة تصاعد النهب الإمبريالي، وتضخُّم العدوانية الإمبريالية، وحالة التدمير التي تدفع إليها مختلف الأمم. ومن أجل التحضير لتصعيد النشاط الثوري العام، في مرحلة تفاقم أزمة الإمبريالية الأمريكية، حاكمة النظام الإمبريالي العالمي ومقررة بنيته.
إننا أمميون لا شك في ذلك، لهذا نعتبر أن الأممية لا تقوم إلا على أساس تحالف بروليتاريا أمم. والأممية تقيض النزعة العالمية أو الكوزموبوليتية، القائمتان على أساس العدمية القومية. وهي ـ بالتالي ـ لا تعني إلغاء الارتباط القومي، إلغاء الطابع القومي والالتحاق بأمة أخرى، أو إدعاء التخلص من أي ارتباط قومي. إننا ندعو إلى تحالف برولتياريا الأمم، تحالف ماركسيي الأمم، من أجل صياغة جديدة للنظام العالمي، تقوم على أساس التكافؤ والرفاه، والسلم، ومن أجل بناء اشتراكية عالمية متطورة.
إننا ندعو إلى صياغة جديدة للعلاقات بين ماركسيي العالم، تقوم على أساس التكافؤ، والعلاقات النديه، وتقّر بالتنوع، والعلاقات الديمقراطية، وتعتمد الحوار والنقاش وسيلة في صياغة الأهداف العامة المشتركة، وتهدف إلى إيجاد أهداف مشتركة في النضال ضد النظام الإمبريالي العالمي ومن أجل عالم جديد، خالٍ من الحروب، ويلغ حالة عدم التكافؤ في العلاقات بين الأمم، ويحقق ظروفاً أفضل من أجل النهوض والتقدم ومن أجل تحقيق اشتراكية عالمية متطورة.
6. مسائل التنظيم:
إن المسألة المركزية في تصورنا السابق هي طبيعة الدور الذي تحدد للماركسيين العرب، وللحزب الماركسي، حيث من الضروري أن يطرح هذا الحزب على عاتقه مهمة، غابت عن العمل الماركسي في السابق ـ سوى في حالات محدودة ـ، وهي مهمة أن يأخذ على عاتقه قيادة النضال الطبقي والنضال القومي معاً، أي أن يسقط فكرة المراهنة على حزب أخر في تحقيق المهمات الثورية لأن هذه المهمات، رغم طابعها الديمقراطي، إلا أن تحقيقها يمثل انقلاباً جذرياً في تطور الوطن العربي، لهذا لن تحققها إلا قوّة جذرية، إلا حزب يعمل من أجل تغيير بنية المجتمع جذرياً.
هنا يطرح دور الطبقة العاملة العربية ودور الماركسية، أي دورنا نحن في إطار تعبيرنا عن مصلحة الطبقة العاملة مصلحتها الاستراتيجية (أي مصلحتها في تحقيق التقدم العربي) ومصلحتها التكتيكية (أي المطلبية) وفي ارتباطنا الوثيق بها، اندماجنا فيها، اتحادنا بها، انصهارنا فيها، وتحوّلنا إلى عصب لها، ومَسْكنا مفاصل حركتها الأساسية، من أجل تنظيم نشاطها، ولا بد هنا من أن نشدد على كلمة تنظيم، لأننا لا نخترع نشاطها، أو نولّف “نشاطاً ذهنياً”، بل أننا ننظم نشاطاً تمارسه بعفويتها، ونتيجة مشكلاتها وأزماتها، وتحقيقاً لمطامحها، ننظمه من أجل أن تزداد فاعلية، فتتحول إلى قوّة تغيير. وفي هذا الإطار تطرح مهمتنا الأخرى المرتبطة بتنظيم نشاطها، وهي مهمة بث الوعي في أوصالها، محاربة الوعي الزائف الذي تعمل القوى المستغلِة، ويعمل التاريخ من أجل تكريسه.
هذا يطرح دور الماركسية، دورنا كماركسيين نستخدم المنهجية الماركسية في فهم الصيرورة الواقعية وتحديد الخطوات التي تجعل هذه الصيرورة واعية تحقق مصلحة الطبقة العاملة ومصلحة التقدم.
من هذا المنطلق تنطرح جملة أسئلة هامة:
ما هي طبيعة الحزب، وشكل ارتباطه بالطبقة العاملة، علاقاته الداخلية، مهمته الآنية، ومهمته الاستراتيجية (بما هو حزب)؟
كيف يقود الطبقات الأخرى؟ ما هو شكل هذه العلاقة بين الحزب بما هو “عصبة” حسب لينين، والحركة الجماهيرية الواسعة بكل تنوع مصالح طبقاتها؟
ما هو موقف الحزب من العمل المطلبي؟ أو بشكل أدق كيف يدافع عن القضايا المطلبية والديمقراطية العامة؟
ما هي أشكال النضال الممكنة والضرورية؟ أشكال الصراع، الاقتصادي والإيديولوجي والسياسي؟
هذه قضايا تحتاج إلى البحث الجاد، لكن من الضروري التأكيد منذ البدء على الطابع الديمقراطي للحزب، على مقدرته على استيعاب التنوع، وعلى توحيد المختلف، على أن ترتبط حرية الاختيار التي يحققها العضو بانتمائه للحزب بالمقدرة على إبداء الرأي، وعلى الانتقاد والاختلاف والصراع، فالحزب خليه حوار وصراع وعمل.
كما لابدّ من التأكيد على أن الحزب لا يضم فقط فئات متعلمة ومثقفة، أنه يضم مثقفين ومتعلمين من نوع خاص استطاعوا تمثُّل المنهجية الماركسية وبالتالي تجاوزوا المصالح الضيقة لطبقتهم ليندمجوا بالطبقة العاملة. لكن القاعدة الواسعة للحزب ستكون من هذه الطبقة بالذات ومن الفلاحين الفقراء. حيث يجب أن يضم الحزب الفئات الأنشط، والأكثر فاعلية من هؤلاء، لكي يستطيع تنظيم نشاط الطبقة، وقيادتها لتحقيق مصالحها. فمن غير الممكن أن يقوم حزب يتسم بغلبة الفئات البرجوازية الصغيرة في صفوفه بهذه المهمة.
ولابد من التأكيد على أهمية البرنامج الديمقراطي العام، برنامج الثورة القومية الديمقراطية، والبرنامج المطلبي المحدد للطبقة العاملة، وللفلاحين الفقراء، وللفئات المختلفة من البرجوازية الصغيرة، من أجل تشكيل تحالف طبقي واسع، يقوم بأعباء تحقيق هذه المهمات الكبيرة. كما من أجل تشكيل تحالف سياسي، يضم الأحزاب القومية والديمقراطية المعنية بتحقيق الأهداف السياسية العامة، أهداف الثورة القومية الديمقراطية، أو أي منها، أن التركيز على دور الحزب الماركسي لا يعني إلغاء الأحزاب الأخرى، ولا تجاهل دورها، فهو يصّر على أن تكون جزءاً من هذا التحالف الواسع، وأن تلعب دورها في الصراع، لكنه يعني أن يلعب الحزب الماركسي دوراً متزايداً في الصراع، وأن يستقطب الجماهير الشعبية، وأن يصبح الفاعل والمؤثر، والقوي فيه، لأن مقدرته النظرية ووعيه للصيرورة الواقعية، وبالتالي مقدرته على تحديد رؤية استراتيجية صحيحة، وتحديد التكتيك الضروري، تجعلان منه القوة القادرة على تحقيق النقلة النوعية في الصراع، وتحقيق الانتصار.
في المهمات الإجرائية
إذن نحن أمام مهمة من شقين: شق نظري سياسي، وشق تأسيسي عملي، ولا شك أن الشق النظري السياسي، هو الشق الأكثر أساسية، وأن حله مسألة حاسمة في تحقيق تقدم في مجمل النشاطات، لأنه دون تصور نظري سياسي، لا يمكن لنا أن نؤسس بديلاً حقيقياً، لأننا لن نستطيع التعبير عن حالة موجودة في الواقع، وهي حالة البحث عن تصور ثوري جديد، يعبّر عن المصالح الجذرية للأمة العربية، وللطبقة العاملة العربية معاً. ولأن وعي الواقع، وتحديد المهمات السياسية، التي يسهم تحقيقها في تغييره، مسألة حاسمة قبل العمل من أجل تحقيق هذا التغيير. فوعي الواقع، الخطوة الأولى من أجل تجاوز العفوية، أن التصور النظري السياسي هو الخطوة الحاسمة الأولى، لكنه دون جهد من أجل تنظيم مجمل الحركة، لا يعدو أن يعبّر عن نزق مثقفين، وثرثرة أنصاف المتعلمين.
لهذا علينا أن نحدد الخطوات الضرورية لتنظيم النشاط ولتحقيق التبلور النظري السياسي، أمامنا جملة خطوات عملية، لكن قبل ذلك لابد من ملاحظة وضع الماركسيين، من أجل أن نحدد الخطوات الممكنة والضرورية والفاعلة، حيث يمكن لنا ملاحظة أربعة سمات:
ـ حيث يسود التشتت والتفكك والتنافر والتضاد، رغم أن التمايز يبدو لفظياً في أغلب الأحوال، ليس لأنها تتفق على الأهداف الأساسية، بل لأنها تتفق في الابتعاد عن هذه الأهداف، وفي سيادة المنطق النصّي بديلاً عن الجدل المادي.
ـ وتسود أزمة الوعي، والقصور عن بلورة رؤية شمولية، أي غياب المقدرة على الانطلاق من رؤية شمولية نتيجة أزمة استيعاب الماركسية كمنهجية.
ـ وتتسم بتخلف التجربة والخبرة.
ـ سيادة الفردانية والعصبوية التنظيمية، والمنطق الحلقي.في نفس الوقت الذي تنتشر فيه المراهنات على تحول ما في البنيات القائمة، أو على دور فرد أو فئة. كما تنتشر ظاهرة عدم القطع مع التصورات والأفكار السابقة، مع الماركسية المتداولة، وأن جرى الإدعاء بالقطع مع هذا الفرد أو ذاك أو جرى القطع المطلق ليس مع التصورات السابقة فقط، بل مع الماركسية كلها، مع إبقاء علاقة ما شكلية ببعض “شعاراتها”.
في هذا الخضم يجب أن نسير، وفيه يجب أن نبني حركة من نوع جديد، أن نبلور المشروع الماركسي العربي، الذي يتجاوز كل المشاريع والخطابات السابقة، ويتمايز عنها، ويؤسس شرعية لماركسية جديدة، تكتسب قيمتها من علمية تصوراتها، ومفاهيمها، ونضالية وثورية دورها.
في هذا الإطار يمكن أن نحدد النقاط التالية:
1 ًـ علينا أن نسعى من أجل تجاوز وضع الماركسيين بمختلف اتجاهاتهم، والتجاوز هنا لا يعني التمايز الشكلي على الإطلاق، بل يعني الفهم العميق للأفكار المطروحة، ولجذر الإشكالية التي تعاني منها، والعمل من أجل تجاوز كل الإشكالية، بمختلف تلاوينها، مع التأكيد على أننا نعتبر أن كل التراث الماركسي الماضي تراثنا، وأننا ورثة الماركسية القديمة، والمعنيين بتبلور ماركسية مناضلة، لهذا تطرح مهمات إجرائية مختلفة منها:
أ ـ الحوار الفكري والصراع النظري معها، وفيما بينها. مع الدعوة للعمل الموّحد في إطار تصور جديد.
ب ـ الدعوة من أجل تنظيم لقاءات حوار ونقاش فكري، وبلورة مهمات عملية.
ج ـ وهذا يفرض ضرورة إصدار مجلة تحمل على عاتقها مهمة الحوار والنقاش والصراع الفكري.
2 ًـ علينا أن نسعى من أجل توحيد المنظمات الثورية حقاً، أو التي تسعى لأن تكون ثورية.
3 ًـ علينا أن نسعى من أجل الارتباط بالطبقة العاملة، وبالفلاحين الفقراء، وتنظيم أكثر فئاتها نشاطاً و(أو) فاعلية و(أو) وعياً.
إننا نسعى لتحقيق ذلك، من أجل أن يفضي إلى تحقيق المهمتين معاً:
* التبلور النظري السياسي
* وتنظيم مجمل نشاط الحركة.
الفهرس
مقدمة........................................................ 5
أطروحات من أجل ماركسية فاضلة...................... 9
1 ـ مدخل انتقادي ......................................... 12
2 ـ الماركسية والعرب .................................... 16
3 ـ بصدد مهماتنا السياسية.............................. 22
4 ـ الخيار الماركسي، خيار العمال والفلاحين الفقراء. 35
5 ـ الحزب والطبقة......................................... 48
6 ـ بصدد المهمات العملية للماركسيين العرب......... 54
بصدد مهماتنا الراهنة..................................... 63
1- مدخل.................................................... 66
2- الخطاب الماركسي العربي............................. 72
3- التصور البرنامجي..................................... 76
4- في المهمات الإجرائية................................. 93
([1]) يمكن أن لا يعني ذلك تداخل المشروعات الاقتصادية العامة بالبنية البيروقراطية للدولة، وبأجهزتها السياسية، بل يمكن أن تُختار صيغة تكرس استقلالية هذه المشروعات في إطار الدولة. وفي إطار رقابة عمّالية
([2]) المعلومات حول مصر مستمدة من: د. سعيد حافظ (الطبقة العاملة المصرية، ماهيتها، وخصائصها الهيكلية) مجلة قضايا فكرية الكتاب الخامس مايو 1987 الصفحات 26 ـ42
([3]) المعلومات حول تونس مستمدة من دراسة الهادي اليتمومي منشورة في: مجموعة كتاب “التكوين الاجتماعي ـ الاقتصادي في الأقطار العربية” المعهد العربي للتخطيط بالكويت 1983 (ص184).
([4]) المعلومات حول الجزائر مستمدة من: سمير نوف “الجزائر التصنيع والتقدم الاجتماعي الاقتصادي” منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية دمشق 1988 (ص179).
([5]) المعلومات حول سوريا مستمدة من دراسة للدكتور رزق الله هيلانة منشورة في: مجموعة كتاب “التكوين الاجتماعي ـ الاقتصادي في الأقطار العربية” مصدر سبق ذكره (ص494).
([6]) د. إبراهيم العيسوي “المأزق والمخرج، أزمة الاقتصاد المصري وسبل مواجهتها” كتاب غير دوري ـ أمانة التثقيف ـ حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، الكتاب الخامس مارس 1987 (ص259).
([7]) د. بكلانوف “الطبقة العاملة في مصر المعاصرة” مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي 1988م.
([8]) د. محمود عبد الفضيل “التشكيلات الاجتماعية والتكوينات الطبقية في الوطن العربي” مركز دراسات الوحدة العربية شباط 1988 (ص90).
([9]) نفس المصدر (ص83).
([10]) د. رزق الله هيلانة في: مجموعة كتاب “التكوين الاجتماعي الاقتصادي في الأقطار العربية” مصدر سبق ذكره (ص494).
([11]) مع ملاحظة أن عدد من الدول التي لم نذكرها، يسود فيها الاقتصاد الريفي، وبالتالي فإذا كان حجم الطبقة العاملة أقل مما هو في البلدان الأخرى فإن حجم الفلاحين الفقراء أكبر بكثير (مثل السودان ـ اليمن الشمالي ـ موريتانيا).
([12])جورج لوكاش، نيكولاس بوخارين، روجيه غارودي “في الفكر اللينيني” دار الحقيقة (بيروت) دون تاريخ، (ص37).
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تساؤلات
السّموال راجي
(
2010 / 12 / 23 - 21:48
)
قبل كلّ ما كتبت رفيقي أليس من الرّئيسي حتّى لا أقول المركزيّ أن يتمّ تحديد أسباب إنهيار الإتّحاد السّفياتي بالتخلّي عن مبدأ الصّراع الطّبقي الذي تبنّاه قادة الإتّحاد بعد 1953 وتذيّل أرامل موسكو اليوم أي الأحزاب -الشّيوعيّة-العربيّة لمقولات خروتشوف ومن تلاه بغباء منقطع النّظير؟؟
هناك ملاحظة كثيرا ما أسوقها لك رفيقي وهي ضرورة التمعّن جيّدا في التّجارب اللّينينيّة التي إنبثقت في فترة أواخر السّبعينات والثّمانينات وخاصّة في شمال إفريقيا
2 - حول الاشتراكية رد على السموأل راجي
سلامة كيلة
(
2010 / 12 / 23 - 22:27
)
أولاً، أرجو ملاحظة أن الكتاب هو أوراق عمل كتبت سنة 1990 أي قبل انهيار المنظومة الاشتراكية. وبالتالي لم يكن المطروح حينها هو البحث في الانهيار. ثم ثانياً موضوع تقييم التجربة الاشتراكية تناولته قبل ذلك بشكل مختصر في كتاب نقد الحزب، ثم، بعد ذلك في سنة 1993 في كتاب نشر سنة 2002 هو الاشتراكية أو البربرية. في كل الأحوال مسألة ربط انهيار الاشتراكية بالتخلي عن الصراع الطبقي موضوع يحتاج الى بحث، حيث يجب الاجابة على سؤال لماذا جرى التخلي عن الصراع الطبقي من حزب بناه ستالين، بعد وفاته بقليل؟ ألم يكن هؤلاء الأعضاء هم من قادهم ستالين؟ المسألأة تتعلق بطبيعة تكوين المجتمع وإفرازاته على صعيد السلطة. على كل هذا موضوع آخر يمكن مناقشته في وقت لاحق.
أما أن الأحزاب الشيوعية قد تبنت مقولات خروتشوف فهذا صحيح جزئياً، لأنها قبل خروتشوف كانت قد تبنت مقولات ستالين حول طريق التطور الرأسمالي، والتحالف مع البرجوازية، وبالتالي أكملت ذلك بالحديث عن -التعايش السلمي-.
أما عن التجارب اللينينية التي انبثقت أواخر السبعينات أوائل الثمانينات في شمال أفريقيا فلم أفهم ما القصد، آمل أن تفيدني.
3 - المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات
عمر الارجاني
(
2010 / 12 / 24 - 01:00
)
حاولت غير ما مرة ان اتخيل المجتمع الشيوعي الخالي من الطبقات والاستغلال حيث وسائل الانتاج مشاعة وعلاقاته مختفية فكنت كل مرة اصطدم بعقبة ما تخيب ضني في ايجاد هكذا مجتمع،انا لا ارفضه بل ربما قصورا في الادراك منعني من الوصول الى تخيله،فهل بامكان الاستاذ سلامة كيلة ان يساعدني في فهم مثل هذا المجتمع:نوعية سلطته وعلاقتها بالمواطن،عقلية انسانه،انتاجيته،حوافز الحياة...علاقات افراده.كيف مثلا علاقة الطبيب بالفلاح وعلاقة مهندس المعمار بعامل البناء..الخ، ومن يضمن دوام، وباية وسائل،هذا المجتع وعدم قيام بعض افراده للاستجابة لغرائزهم التسلطية،وهل الانسان صناعة
ان فهم تفاصيل المشروع المقترح من شانه ان يساهم في اعتناقه من طرف شرائح عريضة من المجتمع
4 - عن المجتمع الشيوعي إجابة على الاستاذ عمر
سلامة كيلة
(
2010 / 12 / 24 - 10:36
)
مع الأسف أن النقاش يتجاوز ما جاء في الكتاب، الذي لا يطرح إلا ما يتعلق بتحقيق التطور في الوقت الراهن، وبالتالي يكون الحديث عن الشيوعية مبكراً جداأ. حتى أن الاشتراكية لا تطرح فيه، لأن واقعنا يفترض تحقيق المهمات الديمقراطية في إطار السعي لتحقيق الاشتراكية.
على كل، يشير ماركس الى أن الواقع يطرح الأسئلة التي يمكن للبشرية أن تجيب عليها، وواقعنا يطرح الأسئلة التي تتعلق بتجاوز التخلف والتجزئة والسيطرة الإمبريالية، لهذا حاولت أن أطرح تصوراً حول ذلك. أما الشيوعية فمن المبكر تحديد طبيعة التكوين المجتمعي الذي سوف ينشأ حينها،ما نستطيعه اليوم هو الاستفادة من التجربة الاشتراكية المتحققة من أجل بلورة تصور أوضح حول طبيعة النمط الاشتراكي.
5 - اينك من ماركس يا كيلة
سلمى فؤاد
(
2010 / 12 / 25 - 07:11
)
استجابة لماركس يهم كيله بالإجابة على الأسئلة التي يطرحها عالم اليوم ولعل أحد البعثيين العفالقة طرح أسئلته على كيله فهم بالإجابة على أسئلة الوحدة والحرية والإشتراكية
لكن ما شأن ماركس بأسئلة عفلق الفاشية؟
هموم ماركس انحصرت في انتقال البروليتاريا من النظام الرأسمالي إلى النظام الإشتراكي فمن أين أتيت يا كيلة بالتخلف والتجزئة والتحرر من الإمبريالية. وإذا ما كنت ماركسياً حقاً فعليك أن تحدد القوى الإجتماعية التي ستحقق أهدافك القومية
والسؤال الأخير هو هل هناك ماركسية غير مناضلة لتتقدم حضرتك لتطويرها لتغدو مناضلة
أرجو من الرفيق كيلة أن ينظم إلي للنضال من أجل حماية الماركسية من أدعيائها
6 - رد على سلمى فؤاد-2
سلامة كيلة
(
2010 / 12 / 25 - 09:03
)
إن تحقيق المهمات الديمقراطية هي الأولوية في وضع البلدان المخلفة، وبالتالي مهمة الشيوعي هي العمل على تحقيقها لكي يحقق الانتقال الى الاشتراكية.
ثالثاً يبدو أن المعلق لم يقرأ الكتاب حيث يطالبتي بتحديد القوى الاجتماعية، فالكتاب يشير بتفصيل الى هذه المسألة. وهذا من إشارات -المماحكة- وتقصد التعليق، من أناس لا مهمة لهم سوى ذلك، لأغراض أظن أنها باتت معروفة. ولقد أشار إليها خالد صبيح في مقال نشره الموقع. لهذا يأتي التعليق من أسماء لا علاقة لها بالكتابة، وتبدو أنها شخص واحد ينشر بأسماء مختلفة.
للأسف أن الموقع لا يراقب وبالتالي لا يمنع -المناكفين- والذين يتقصدون التشويه والتعمية.
أخيراً لاشك في أنني منضم منذ زمن طويل لمحاربة أدعياء الماركسية من مثل حضرتك.
7 - رد على سلمى فؤاد-1
سلامة كيلة
(
2010 / 12 / 25 - 09:06
)
أولاً يبدو أن المعلق ليست لديه معرفة بماركس، وما عرفه عنه شفاهة هو انه قال بالانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية فقط. هكذا يختصر ماركس بفكرة مبسطة ساذجة. ولا يعرف بأن البيان الشيوعي ناقش المسألة القومية والتحرر، ومقدمات إنجلز لطبعات البيان توضح دعمه للوحدة الايطالية والألمانية وتحرر بولندا. كما أن أول برنامج للحزب الشيوعي اللماني تضمن هدف توحيد ألمانيا وتحقيق المهمات الديمقراطية فيها.ولم يقل بنتقال ألمانيا الى الاشتراكية، لأنها كانت لازالت إقطاعية ومهمات التحرر والوحدة هي المهمات العملية.
وثانياً إنه من قبيل الخفة ربط المسألة القومية بالبعث، فما طرحه عفلق هو إجابة على أسئلة الواقع، وإن كان طرحها من منظور مثالي. ولا يخيف أن يقال أن عفلق -الفاشي- قد طرحها، فهذا أسلوب ساذج وسطحي في تناول المسائل.
هذه أسئلة الواقع لا يراها العميان.
8 - ديمقراطية من؟
سلمى فؤاد
(
2010 / 12 / 26 - 17:35
)
ديمقراطية اي طبقة التي يجب ان يحققها الشيوعي ؟ البرجوازية ام البروليتاريا؟ ام هناك ديمقراطية أخرى؟
9 - ديمقراطية العمال والفلاحين الفقراء
سلامة كيلة
(
2010 / 12 / 26 - 19:41
)
شكراً على هذا السؤال، لكنه يوضح بأن المعلق لم يقرأ الكتاب، حيث ينطلق من بناء سلطة العمال والفلاحين الفقراء، وبالتالي يؤكد أنهم الأقدر على تحقيق الديمقراطية، حيث ستكون ديمقراطية الأغلبية.
10 - مفكر القرن الواحد والعشرون
سلمى فؤاد
(
2010 / 12 / 27 - 16:42
)
في القرن التاسع عشر ظهر ماركس ليقول بان اوربا مركز العالم وان الثورة الاشتراكية ستنطلق منها وفي القرن العشرين ظهر لينين ليقول بان البروليتاريا الروسية هي الاكثر وعيا وان الثورة الاشتراكية لابد ان تنطلق من روسيا اما في القرن الواحد والعشرون ظهر كيلة ليدعو الى انطلاق الثورة الاشتراكية من وطنه العربي
.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم
.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة
.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.
.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة
.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال