الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الإسلام دين الدولة والاعتراف بيهودية إسرائيل إلى العلمانية

نائل جرجس

2010 / 12 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين والدولة..


من الإسلام دين الدولة والاعتراف بيهودية إسرائيل إلى العلمانية

د. نائل جرجس
دكتور في القانون الدولي لحقوق الإنسان - فرنسا

تنصّ جميع دساتير الدول العربية على أنّ الإسلام دين الدولة، باستثناء لبنان وجيبوتي وأيضا سوريا التي يكتفي دستورها على الإشارة إلى نّ الإسلام دين رئيس الجمهورية. هذا بالإضافة إلى اعتبار الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع أو حتى المصدر الرئيسي في بعض الدول، كاليمن ومصر. في حين أنّ الكثير من التشريعات القانونية المبنية على أساس ديني والمطبقة حاليا، خاصة في مجال قوانين الأحوال الشخصية، تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان. كما أنّ تطبيق هذه التشريعات يؤدي إلى فرض الدين على الآخر غير المؤمن بالأديان التوحيدية كالعلماني مثلا أو حتى البهائي وغيره من المنتمين إلى أقليات دينية غير معترف بها رسمياً، والذي يجب أن يتبع في أوراقه الشخصية لأحد هذه الأديان في خرق واضح لمبدأ الحرية الدينية المنصوص عليها في العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

أمّا بالنسبة لإسرائيل التي تدّعي الديمقراطية، فإنّ تشريعاتها مبنية على أساس صهيوني عنصري كما بيّنه الدكتور سامي الذيب في كتابه (التمييز ضد غير اليهود في إسرائيل، مسيحيين كانوا أم مسلمين). كما تركّز هذه التشريعات على إعطاء حق العودة والاستيطان ليهود العالم أجمع، على حساب تهجير الفلسطينيين وتشريدهم. هذا وعلى الرغم من تلبية هذه الدعوة من طرف الكثير من اليهود غير أنّ هناك العديد منهم يأبى مشاركة الاحتلال، بل ومنهم من دافع عن القضية الفلسطينية كالراحل اليهودي المغربي عمران المالح.
وفي الآونة الأخيرة ازدادت المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، خاصة بعد وصول حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى السلطة. ويذهب البعض إلى ربط نجاح عملية السلام بهذا الاعتراف، ضاربين بعرض الحائط الوجود العربي الكثيف في إسرائيل من ناحية وحق الفلسطينيين المهجّرين بالعودة، من ناحية أخرى.

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّه ليست الدولة الدينية وحدها المسؤولة عن التمييز ضد فئة من مواطنيها إنما نجد ذلك أيضا في إطار دول قائمة على أيدلوجيات أخرى، فمثلا اعتبار العربية أو العروبة كأساس أيديولوجي جامع لكل القاطنين في العالم العربي من مسلمين ومسيحيين وغيرهم هو أمر غير مقبول، بالنظر إلى معايير حقوق الإنسان، رغم نجاحه في توحيد صفوف المسحيين والمسلمين في فترة من الفترات، لكن هذه الأيدلوجية أثبتت عجزها عن استيعاب غير العرب كالأكراد وغيرهم، كمكون أساسي من النسيج العربي. وكذلك الأمر بالنسبة للأكراد أنفسهم، فإنه من غير الممكن تأييد قيام دولة كردية، على أساس عرقي، رغم أننا نؤيد إعطاء الأكراد حقوقهم المشروعة، لأنّ هذه الدولة ستؤدي حتما إلى التمييز ضد غير الأكراد ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

في الحقيقة لا يمكن لأية دولة أن تحمل أيدلوجية سواء أكانت دينية أو عرقية أو سياسية أو غيرها لأن ذلك سيؤدي وبشكل حتمي إلى هدم مبدأ أساسي ألا وهو المواطنة، وهو الكفيل وحده باستئصال التمييز في المجتمع.

الدولة العصرية، التي لا يمكن بدونها احترام حقوق الإنسان ومعاملة جميع مواطنيها على قدم المساواة، هي الدولة المدنية العلمانية، أي دولة المؤسسات التي تقدّم خدماتها للمواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم.
وحتى نتجنب الخلط ولكي لا تُفهم العلمانية بشكل مغلوط مبني على مغالاة بعض الدول الأوروبية في تطبيقها، فإننا نقصد بها هنا، نظام حكم يقوم على أساس فصل الدين عن الدولة والقوانين بشكل يؤدي إلى بناء مجتمع مدني قائم على الحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وأمام القانون. وبهذا تضمن العلمانية حق الشعب في التشريع بما يؤدي إلى إقصاء رجال الدين عن التدخل بالحياة السياسية وتعزيز سيادة واحترام القوانين، وتعزيز روح التسامح، وحرية الاعتقاد والتعددية.
ولذلك، لا يجوز الخلط بين النظام العلماني و اللاديني لأن هذا الأخير يمكن أن يكون مشابها لنظام ”الدين الرسمي للدولة“، حيث أن النظام اللاديني ينفي حق الأفراد في ممارسة حريتهم وشعائرهم الدينية, كما أن نظام “الدين الرسمي للدولة” يقرّ لأحد الأديان فوقية على الأديان الأخرى بما يؤدي أيضا إلى خرق الحرية الدينية للأشخاص المنتمين إلى غير دين الدولة الرسمي. في المقابل، إنّ النظام العلماني, كما هو مبين سابقا, يقر حياد الدولة تجاه جميع الأديان وبالتالي الحرية الدينية والمساواة كحق أساسي لجميع المواطنين دون استثناء.

إنّ إعلاء شأن الدين وعدم الزجّ به في السياسة أصبح ضرورة حتمية، حيث أثبتت التجربة بأنّ الدول تستغل الدين للاستبداد والقمع ولذلك، يقول المفكر الإسلامي خالد محمد خالد في كتابه المشهور من هنا نبدأ: إذا مزجنا الدين بالدولة فسنخسر الدين ونخسر الدولة. ومن هنا لابدّ من الاستعاضة عن هذه الأيدلوجيات الحاكمة من إسلاموية وقومجية ويهودية وغيرها، بإقامة تيار مدني حرّ قائم على مفهوم ” الأنسنة“. بما يعني تعزيز مبدأ المواطنة واحترام حقوق الإنسان، وخاصة الحرية الدينية والمساواة أمام القانون، وهذا ما سيضمن احترام مبدأ التعددية الدينية والعرقية واستئصال كافة أنواع التمييز وتطوير التعاون المشترك الإنساني بين كافة الدول والشعوب في منطقة الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي تُعتبر مهداً لحضارات العالم كلّه، تستحق أفضل مما هي عليه في الوقت الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا د. نائل
بشارة خليل ق ( 2010 / 12 / 23 - 11:39 )
انا ولدت في دولة اسرائيل واعلم مدى تطبيقها لحقوق الانسان من عدمه واقول لك ان نسبتنا في الدولة هي نفس نسبة الاقباط في مصر: برغم الشرذمة المعهودة لعرب اتفقوا على الا يتفقوا فهنالك تمثيل كامل بعدد البرلمانيين العرب في الكنيست (11 من 120)حتى انهم سمحوا بتشكيل حركة اسلامية انشقت فيما بعد لشمالية وجنوبية ووزير عربي وحرية الرأي والحريات العامة والخاصة اكثر من مكفولة ولن يفيد انكار هذا لان الواقع يكذبه.يمكن لاي مواطن عربي او يهودي اخضاع راس الدولة لقضاء ليس في اسرائيل من هو فوق القانون ويكذبون ويدلسون ان قالوا ان هنالك ارادة ممنهجة لجعل العرب مواطنبن درجة 2
هذا فقط لكي يبرروا مساوئهم حيث هم اغلبية
بالمقابل انظر الى حال الاقباط في مصر والحقوق المداس عليها بنعال الصلف والعنصرية ثم ياتون ليولولوا ان ارادت اسرائيل تسمية ذاتها باليهودية وهم انفسهم سبقوها بنفس الفعل الذي يحرمونه عليها, قبل ان ينتقد اي كان اسرائيل فلينظر الى نفسه ويقارنها بهذه الدولة الصلبة بديمقراطيتها شائوا ام ابوا الاعتراف بهذا.الحقيقة اقوى من التلاعب بمسميات الامور ومحاولات قلب الحقائق والكذب والمراوغة والتدليس


2 - الرجاء الاستناد الى الحقائق
عماد يوحنا ( 2010 / 12 / 26 - 19:02 )
انا اتففق مع الاخ بشارة.
هناك ممثلين للعرب والمسلمين في الكنيست.
اين هم النواب اليهود في النهال المسماة بالبرلمانات في الدول العربية والاسلامية؟
الرجاء الاستناد الى الحقائق

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا