الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأب نويل في بلاد المسلمين

أحمد عصيد

2010 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


غاب الأب نويل بلحيته البيضاء وابتسامته الطيبة ولباسه القطني الأحمر عن فضاءات بعض المدن الكبرى المغربية، وانحسرت مع غيابه مظاهر البهجة والإحتفال والمرح التي كانت تعمّ شوارعنا في الأيام العشرة الأخيرة من شهر دجنبر من كلّ سنة، والتي لم يكن ثمة من يعرف أبعادها الدينية بتفصيل، لأن الناس لم يكن يهمّهم غير الإحتفال بمرور سنة حسب التقويم الميلادي، الذي أصبح تقويما كونيا بلا منازع .
عندما كنا صغارا، كانت أيام الأب نويل من أجمل أيام السنة لدينا، كانت تعني الواجهات المزينة بالقطن والألوان ومشاهد الثلوج والأشجار المزخرفة بالكريات الملونة البراقة، كما كانت تعني القصص الملونة الممتعة والرسوم المتحركة التي كانت تزخر بحكايات الأب نويل الذي يأتي من ما وراء السحاب بعربته حاملا هدايا للأطفال، وبقدر ما كان ذلك يدخل السرور على قلوبنا كنا نشعر ببعض الأسف على أنّ أباءنا (الذين لم يدخلوا المدرسة قط) لم يكونوا يشاركوننا معاني الإحتفال والفرح والغبطة، بسبب جهلهم بالقصة من أصلها، وعدم إلمامهم بسياق الأشياء.
اختفاء الأب نويل هذه السنة من فضائنا العمومي كان قسريا و بإرادة السلطة التي رأت عدم السماح بظهور طلعته البهية حرصا على أرواح الناس من الإرهاب الذي حسب رأي السلطة ما زال يتربص بالبلاد والعباد، وهو أمر خطير يدلّ ببساطة على استقالة السلطة من مهامها الرئيسية، والتي هي حماية الناس في أرواحهم وأرزاقهم ومصالحم وهم يمارسون أنشطتهم المختلفة التي يختارونها عن طواعية، والتي لا تخالف القانون ولا تمس بحريات غيرهم أو تضرّ بأحد، التنازل عن الإحتفال والفرح إرضاء للمتطرفين الدينيين هو من علامات التخلف التي ينبغي محاربتها، فالمجتمع لا يمكن أن يرزح كله تحت وصاية أشخاص يعانون من هذيان التعصب الوهابي المقيت والغريب عن ثقافة الشعب المغربي، أشخاص اختاروا الظلمة بدل النور، والكراهية بدل الحبّ، والموت بدل الحياة، وأرادوا أن يخضع الجميع لنمط حياتهم الذي لا يستحق أن يُعاش لدقيقة واحدة.
ليس على السلطة أن تنوب عن المجتمع في اختيار لحظات الفرح والإحتفال ومضامينهما، بل عليها أن تحمي حق الناس في المرح والحياة، وهذا أضعف الإيمان بالنسبة لسلطة ألفت أن تتعامل مع الناس بمنطق العصا والنظرات الشزراء والمعاملة المهينة للكرامة، و إذا أراد المتطرفون أن يجعلوا الشعب يتوقف عن "التشبه بالنصارى والكفار" فليس عليهم إلا الوعظ والإرشاد والدعاية لرؤيتهم القاتمة بالطرق السلمية، عبر الصحافة والأنترنيت والأشرطة السمعية البصرية، وليس لنا إلا أن نأسف على من وقع بين براثنهم من ضحاياهم، و لكن لن يكون لأحد الحق في الإعتراض على حقهم المبدئي في العمل التبشيري والدعوي، فعلى المتطرفين أن يشعروا بنعمة الديمقراطية حتى وإن كانوا يكفرون بها.
لا يريد مروجو الإيديولوجيات الدينية الأجنبية أن يحتفل الناس بأعياد رأس السنة الميلادية، نظرا لما فيها من مرح وحبور وسعادة ورقص وإحساس بالحياة، و لما فيها من أكل للحلوى وسماع للموسيقى، و يشتكون لأن رأس السنة الهجرية لا يشعر بها أحد ولا يحتفل بها أحد، و قد غاب عن نظرهم أن السبب الرئيسي لاحتفال المسلمين بأعياد المسيحيين هو ما فيها من جمال وغبطة ومتعة، وأن ما يجعلهم غير مبالين برأس السنة الهجرية هو أنّ المسلمين قد جعلوها لحظات وعظ وبكاء وتذكير بالنار وبالعذاب ودعاء على اليهود والنصارى بالويل والثبور واليتم وزلزلة الأرض من تحت أقدامهم، أي مناسبة للعبوس والنقمة، فلا يوجد رأس سنة هجرية لم يبدأ فيه الخطباء الدينيون خطبهم بـ " هاهي سنة أخرى تحلّ والأمة في حال من الضعف و الهوان أمام استكبار الغرب" إلخ..
لقد ولد عيسى بن مريم وعاش حياة مليئة بالمعاناة وانتهى حسب عقيدة المسيحيين نهاية دموية فوق الصليب، ولكنهم لم يجعلوا ذكراه مناسبة للبكاء والحسرة والندب وجلد الذات، بل حولوها إلى عيد ابتكروا له كل تقاليد الفرح والإحتفال والتمتع باللذات الدنيوية. مما جعل أمرا طبيعيا تماما أن يقلد المسلمون غيرهم فيما يجعلهم يشعرون ببعض السعادة.
يجهد المتطرفون أنفسهم لإقناع الناس بسوء التشبه بالنصارى، وحتى "مرشدات" السيد أحمد التوفيق يجهدن أنفسهن داخل المساجد لإقناع النساء بعدم شراء الحلوى والإجتماع حولها في رأس السنة الميلادية لأن ذلك من تقاليد الكفار، غير أن الناس ومنهم الأطفال الأبرياء لا يزدادون إلا تعلقا بتقاليد العالم المتقدم، والتي لا يعطونها أية دلالة دينية بقدر ما يجدون فيها أساليب فرح دنيوية. وتعالوا نقارن بين تقاليدنا وتقاليدهم، إنهم يأتون بشجرات الأرز الصغيرة ويعلقون فيها كرات من كل الألوان تضيء بيوتهم، ويأتون بأنواع الحلوى اللذيذة والشوكولاتة، بينما نأتي نحن بالأكباش والأبقار ونصعدها في مصعد الإقامات ونضعها فوق الأسطح وحتى في شرفات الشقق، والنتيجة ليست حتى بحاجة إلى الوصف.
إنهم يلبسون من اللباس أفخمه وأكثره أناقة، ويزينون أماكن احتفالهم بالألوان الزاهية يأكلون ويشربون ويرقصون ويستمعون إلى الموسيقى، بينما نسعى نحن إلى قضاء أعيادنا في الوعظ الديني والتوعّد والإغلاظ في القول والصلاة على قارعة الطرق ووسط الأزقة والشوارع، وإرسال اللحى الكثة والمقززة وتحويل النساء إلى خيام متنقلة مغشاة بالألوان الداكنة، السواد والرمادي والبني، و الحرص على غضّ الأبصار والعبوس واتخاذ سُحنة جنائزية.
إنهم يُهدون بعضهم بعضا الورود والرياحين، و نتبادل نحن عبارات المجاملة والنفاق الإجتماعي مع الكثير من الكلام الذي يدلّ على مقدار عدم فهمنا للحياة وتقديرنا لقيمتها.
السؤال المطروح الآن هو التالي: هل موقف المتطرفين من الأب نويل واحتفالات رأس السنة هو موقف شاذ وغريب ومتطرف أو هو الموقف الذي تعضده النصوص الدينية الإسلامية ؟ ألا يقوم المتطرفون عندما تسائلهم عن موقفهم وتوجه النقد إليهم باستحضار نصوص من القرآن والسنة على سبيل الحجّة والبيّنة في تبرير الإعتداء على الغير ومحاولة إلزامه بسلوكات محدّدة ؟ ما مدى حجّية تلك النصوص وما مدى ارتباطها بموضوع الخلاف، هل مشكلة المسلمين تكمن في القراءات والمواقف والتأويلات والمذاهب والفرق أم في النصوص ذاتها التي هي حمالة أوجه دائما وتعني الشيء ونقيضه، مما يجعل المشكل قائما باستمرار وبدون حلّ في الدين ذاته، و يجعل من اللازم الإحتكام إلى القوانين الوضعية الملزمة باحترام الناس لبعضهم البعض في إطار المساواة في حقوق وواجبات المواطنة بغض النظر عن عقيدتهم أو أصلهم أو لونهم ؟
إن النصوص الدينية التي تنهى عن "التشبه باليهود والنصارى" لا يمكن قراءتها و فهمها اليوم إلا على ضوء ما وصلت إليه المعرفة البشرية في العلوم الإنسانية، والتي أثبتت بما لا يدع مجالا للشكّ بأن عزلة الثقافات تؤدي إلى إطفاء جذوة الحضارة واغتيال روح الإبداع والحياة فيها، كما أثبتت بأنّ الخاصية المميزة للثقافات الإنسانية هي التبادل والتفاعل وليس التخندق في الخصوصيات المغلقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ....قبل فوت الأوان
اوشهيوض هلشوت ( 2010 / 12 / 28 - 20:09 )
مقال في الصميم العزيز عصيد فعلا اننا نحس بالخناق يشتد على اعناقنا بفعل ضغوط هؤلاء الجهلة الضالين عن العصر المتعطشين الى الدم ودوي الانفجارات ورائحة البارود التي -وحدها -تهدئ من نوباتهم الجنونية وصيحاتهم الجهادية الهمجية الهادفة الى هدم الحضارة البشرية واعادة ((بنائها)) وفق النمودج الطالباني او الصومالي او الوهابي البدوي المتخلف
اكيد ادا استسلمنا في المرة المقبلة سيفرضون الخف بدل الحداء والجمل بدل السيارة والحمام الزاجل بدل الهاتف المحمول.... وقبل هدا وداك ستغلق دور الحلاقة والصيدليات ...... والحمامات العصرية ....الى غير دلك من خطوات البرنامج التخربي للمجتمع
انها العبقرية الهدامة التي على الدولة والمجتمع المدني والاحزاب... مواجهتها حفاظا على روح الانفتاح والتسامح المعهودة في المجتمع المغربي والا فسلام على كل يشئ ولنستعد للصوملة(من الصومال) او الأفغنة وفي احسن الأحوال البدونة الوهابية
تانميرت ارغان/تحياتي الخالصة


2 - الوقاية خير من العلاج
جيفري عبدو ( 2010 / 12 / 28 - 20:18 )
يا بن بلدي ان التطرف ينبع من تعاليم ديننا الحنيف
وقد نهينا عن التشبه بالنصارى واليهود وأن نفرح معهم وان فعلنا فنحن منهم
ومأوانا جهنم و العياذ بالله
أبعد هذا تطلب منا أن نشاركهم أفراحهم؟
أنسيت 16 ماي2003 وما فعله المتطرفون؟
أنا معك العالم الآن صار قرية ويجب أن ننفتح على ثقافة الغير وهذا أمر محتوم بفعل القفزة التكنولوجية التي عرفتها الإنسانية لكن كيف العمل مع عقول متحجرة لا زالت تعيش في القرن السابع الميلادي تتحين الفرص للفتك بنا باسم الجهاد والدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف و تعاليمه السمحة و ترى أن جميع الديانات الأخرى باطلة و أهلها مشركون يجب الإبتعاد عنهم و عدم موالاتهم رغم استحالة هذا في عصرنا؟
أما ترى أن الوقاية خير من العلاج وأن منع بابا نويل هذه السنة من الظهور في شوارع البيضاء أولى من باب الإحتراس؟


3 - لهم الدنيا ولنا الاخرة
بشارة خليل ق ( 2010 / 12 / 29 - 00:57 )
بعد دخوله الى البيت مباشرة هكذا بدون مقدمات قافزا حتى على حقيقة اني من هؤلاء الذين يصفهم ان لهم الدنيا قالها لي صديقي محمد ثم انصرف الى غرفته وانا لم اجبه الا بابتسامة استفهام , كنا حديثي العهد باوروبا جئنا للدراسة, لا بد انه لاحظ بذكائه الوافر ان هناك في الخارج الناس تستمتع بالحياة ولا بد انه قارن حياتهم بحياة اهلنا في الوطن البعيد..وبما ان الفطرة السليمة تفترض ان هنالك عدل فقد ارتأى تقسيم الكعكة الى دنيا واخرة...او انه سمع هذا التقسيم من ناشطي الاسلام السياسي انذاك منذ عشرين عودة للاب نويل وكل عام والكاتب والقراء بالف خير .بما اني تعلمت كلهتين جميلتين بالامازيغية من الاخ هلشوت فـــ
اخ احمد عصيد تانميرت ارغان


4 - أن الإيمان بدون أعمال ميت (يع 2 : 20)
علي سهيل ( 2010 / 12 / 29 - 04:25 )
الضعيف يتقوقع وينعزل وخوفا على نفسه يرفض حتى الفرحة والبهجة ويحاول ايضا وبكل الوسائل منعها وتبرير افعاله بالقول بانه يحافظ على الاخلاق والقيم والفضائل وكأن الغير ليس عنده اخلاق او قيم او فضائل، والغريب من كل ذلك نستورد منهم كل شيئ حتى المطابع والورق والحبر الذي نكتب به كلام الله، بل نطبعها بالصين لرخص ثمنها -لا يمسه إلا المطهرون- .
الفكر المسيحي ينطلق من خطيئة آدم عندما طرده الله من الجنة بعد ما أكل من شجرة الخير والشر، ونتيجة هذه الخطيئة عاش آدم وذريته على الارض وموتا يموت، فمن اجل المصالحة بين الله والانسان تتم عملية الفداء، فحاول الانسان منذا القدم تقديم القرابين لله وابراهيم قدم ابنه قرباننا لله وبدله بكبش، حتى اتى المسيح روح الله وكلمته المتجسدة بابن الانسان فمن خلال تالمه وصلبه وموته على الصليب وقبرة وقيامته من بين الاموات وهب لنا الحياة، فبنعمة الايمان تصالحنا مع الله ودخلنا في عهد جديد وهو عهد المحبة للجميع، فالله محب لنا، ولا يوجد حقد او كره لاحد-† 44وأما أنا فأقول لكم : أحبوا أعداءكم . باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (مت 5 : 44)


5 - زرعوا الخوف من كل شيء
مدحت محمد بسلاما ( 2010 / 12 / 29 - 06:42 )
شكرا للكاتب الجريء ولوعيه الثافب.
لقد نشأنا على العداء والخوف من بعضنا في بيوتنا ثم في مدارسنا وبيئتنا وجوامعنا. أمهاتنا المرتعبات لم يعرفن كيف يعبرن لنا عن حبهن الصادق بعيدا عن الخوف والقلق والرعب من سلطان العقيدة الحاقدة. نحن أمة أساسها واهن وتخاف من انهيارها. لذلك تشكو الآخرين - الغرب وبالتالي الكفّار - بأنهم مصدر قلقنا وانحطاطنا. حكامنا وشيوخنا يخافون حتى من رؤية الكفّار كيف يفرحون ويضحكون ويهللون, وعندما يتعرض حكامنا وشيوخنا لأي مرض ، ماذا يفعلون؟ يهرولون سريعا إلى دنيا الكفر للاستشفاء في مصحاتها تماما كما فعل رئيسنا المالك سعيدا في الجزائر لأنهم لا يأمنون حتى للآطباء من بني ملّتهم. يا سيدي، لا خلاص لنا إلا بنقد الذات وبنقد أسباب الخبث والنفاق التي جعلتنا الأمة الأكثر بؤسا ونفاقا وانحطاطا في هذا الكون. وإلى الأمام في هذه الجرأة وهذا الوعي المشجع.


6 - لا ينفي الجميل الامن هو قبيح
الحسن الرحيم ( 2011 / 1 / 2 - 21:17 )
بالرغم من هذه الايات قل من حرم زينة الله التي اخرجها لعباده
يابى التطرف الا ان يفسرها بغير ما تحمله من دلالة بدعوى اته لايفقه لغة القران الا من هم اهلها
الى متى نبقى مسجونين ونرفض باستمرار ما هو جميل هذه الحياة التي هي ملك لنا ونحن ملك لها نتصرف فيها بحرية مسؤولة نحترم فيها الاخر
دعوة عدم التشبه بالنصارى لا يعني الا الجحود بتفوق الاخر وابداع الاخر
لا يعني رفض الاخر الا عجزنا عن الابداع وخلق الفرجة
الحرية والابداع والجمال قيم محاصرة من قبل فكر لا يقدر على تجاوز الموروث الثقيل معتقدا بعدم جواز مناقشة النص المقدس
لا يسعني الا ان اقول مااتعس من لا يزال ينضر الى الجميل بريبة وما اسعد من سلمت روحه من تاثيرات هذا الموروث الثقيل الذي فرض علينا فرضا
ما لنا وثقافة صحراء الوهابيين ما ابعدنا عن الشرق وما اقربنا من الغرب

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa