الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استعادة العقل المصرى هى الأمان الوحيد

نوال السعداوى

2011 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لن يوقف الفتنة الدينية السياسية الدموية فى مصر إلا استعادة العقل المصرى الذى تم تغييبه وحبسه وتخويفه من التفكير، مجرد التفكير، ولا أقول الإبداع وخلق الأفكار والقيم الجديدة، والسلوك الجديد اليومى فى البيت وفى الدولة والمجتمع، القائم على احترام حقوق الآخرين ليس حادث كنيسة الإسكندرية ليلة العام الجديد ٢٠١١ أمرا جديدا علينا، ألم نشهد مثله من قبل، ألم يطالب أصحاب وصاحبات الفكر المستنير بضرورة علاج جذور الفتنة الدينية السياسية؟ ليس باستنفار رجال البوليس لحماية الكنائس بل باستنفار العقول المصرية لتفكر وتستعيد القدرة على التفكير، القدرة على رفض الخزعبلات السياسية الدينية التى أصبحت تعشش فى عقول الأطفال والتلاميذ والمدرسين والأساتذة، النساء والرجال، الآباء والأمهات ورؤساء الأحزاب والجمعيات والفضائيات الدينية السياسية، هى فتنة دينية سياسية وليست مجرد فتنة طائفية، هى إرهاب للعقل المصرى من الداخل والخارج وليس الخارج فقط، إرهاب لكل من يفكر رجلا أو امرأة، ألا تذكرون قضايا الحسبة التى تم رفعها ضد المفكرين من الرجال والنساء، تحت تهمة الكفر لمجرد أنهم فكروا واستخدموا عقولهم ورفضوا التجارة بالدين والسياسة، كيف تخلت الدولة والحكومة والأحزاب والجمعيات عن هؤلاء المفكرين وتركتهم وحدهم فى المعركة، بل ساعدت فى ضربهم ليكونوا كباش الفداء لأنظمة حكم مستبدة فاسدة فى الداخل والخارج معا، الأسرة والدولة معا.

إن التيارات السلفية السياسية الدينية (تسمى اليوم التيارات الأصولية) ليست ظاهرة سياسية جديدة، بل هى قديمة منذ العبودية أو سيطرة طبقة الأسياد على العبيد وجنس الذكور على النساء، لو قرأنا التاريخ لعرفنا أن هذه التيارات السلفية الأصولية تبرز فى عصور الانحطاط الثقافى وتغييب العقل لتمرير قوانين طبقية أبوية استبدادية استعمارية تنهب حقوق الشعوب، النساء والأطفال تحت شعارات دينية مقدسة، تبيح قتل المفكرين والمفكرات بتهمة الكفر والزندقة والخيانة الوطنية، يتم ترويض التلاميذ فى المدارس على الهتاف فى طابور الصباح «الله الوطن الملك» (أو الإمبراطور أو الرئيس)، أى تلميذة أو تلميذ لا يهتف مع التلاميذ يفصل بقرار من وزير التربية والتعليم، أصبحت وزارات التربية والتعليم هى البوليس المتحكم فى العقل، هى الأداة التى تلغى التفكير وتغيب العقل منذ الطفولة، فلماذا لا تحاكموا وزراء التربية والتعليم فى مصر بدلا من استنفار رجال البوليس لحماية الكنائس من مذابح ما تسمونه الاحتقان الطائفى؟ أنه الاختناق العقلى أيها السادة وليس الاحتقان الطائفى، وهو ظاهرة تاريخية قديمة تتجدد على الدوام للقضاء على مقاومة الشعوب.

ليست السلفية الأصولية الدينية السياسية مقصورة على دين واحد أو قومية واحدة، الإسلام مثلا أو العرب كما هو واضح فى هذا العصر، بل هى ظاهرة متكررة فى كل الأديان والقوميات والعصور، لو تذكرنا ما حدث فى القرن السابع عشر، حين غزا المسيحيون الإنجليز السلفيون الأصوليون ما أطلقوا عليه اسم «إنجلترا الجديدة» على الأرض الأمريكية التى استولوا عليها بقوة السلاح. وفى هذا القرن الواحد والعشرين ألا يعلن نتنياهو وجيشه المحتل لأرض فلسطين، أن دولة إسرائيل هى دولة يهودية تؤمن بالتوراة، كتاب الله، الذى وعدهم بالأرض الموعودة لأنهم هم بنو إسرائيل المؤمنون بالإله ياهوه، وقد أمرهم بإبادة سكان الأرض المحتلة لأنهم يعبدون إلها آخر غيره هو ياهوه؟

وهاهو الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش يعلن أن «كل ما ليس معنا ولا يؤمن بحضارتنا الأمريكية المسيحية هو من أهل الشيطان فى «محور الشر»، وفى هذا العصر الحالى أيضا ألم يصدر زعيم المسيحيين فى كنيسة مورمون (وارين جيف) فتوى تؤكد أن من حق الرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء، وقد تزوج وارين جيف بأربعين امرأة على الأقل، وقد قبض عليه البوليس مؤخرا بتهمة اغتصاب الأطفال جنسيا، واتضح أن جماعته المورمون تدفع له ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه إسترلينى شهريا وقد استخدم هذا المال الضخم لإشباع شهواته ونزواته تحت اسم أمر الله، هل تختلف حياة هذا الزعيم الدينى السلفى عن أمراء الجماعات الإسلامية السياسية التى تصاعدت فى هذا القرن؟

إن المذبحة الأخيرة فى كنيسة الإسكندرية ليلة أول العام الجديد ٢٠١١، ليست الا واحدة من مذابح كثيرة حدثت فى السنين الأخيرة وسوف تتكرر حتى تنقسم مصر كما تنقسم السودان إلى جنوب مسيحى وشمال إسلامى، هذه هى الخطة السياسية الدينية التعليمية التربوية أيها السادة، التى يعرفها وينكرها الجميع، «فرق تسد» هى سياسة خارجية وداخلية من سالف القرون لضرب وحدة المقاومة الشعبية فقراء ونساء وأطفالا.

إن المسألة ليست مجرد احتقان طائفى بل هى اختناق العقل المصرى وتغييبه وقتله تحت اسم حماية دين الله من المفكرين الكفرة، والعلاج ليس بزيادة عدد المتاريس ورجال البوليس حول الكنائس بل برفع الحظر عن العقل المصرى، بالحرية الفكرية والثقافية أيها السادة، بمحاكمة علنية لوزراء التعليم والتربية والإعلام والثقافة منذ القرن الماضى، الذين جعلوا الفتاوى والخزعبلات والحجاب والنقاب والرعب من الجحيم وعذاب القبر يقتل عقول النساء والرجال والأطفال، انظروا إلى الأطفال البنات المحجبات المنكسرات المطأطئات الرؤوس فى المدارس الابتدائية، انظروا كيف تؤمن المرأة الجامعية أن من حق زوجها أن يضربها ليؤدبها حسب أمر الله، ومن حقه أن يخونها ويتزوج عليها أربع نساء، آخرهن أصغر منه بنصف قرن، انظروا ما يدور فى الفضائيات من حوار تافه رخيص يتاجر بالتدين الزائف، انظروا العلاقة بين الفساد فى الدولة والعائلة، فى الانتخابات وفى التجارة والبيزنس والسوق الحرة، انظروا أيها السادة وشغلوا العقل المقهور المحبوس على مدى السنين من الطفولة حتى آخر العمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانية هي الحل
محمد زكريا توفيق ( 2011 / 1 / 4 - 15:08 )
يا سيدتي، إننا لدينا مشكلة كبيرة
انظري إلى تعليقات القراء على مقالاتك أو كتابات الدكتور مراد وهبة أو الدكتور يوسف زيدان في جريدة المصري اليوم ، هل هذه شعوب، بالله عليك، يرجى من ورائها أي أمل. لقد انتظرنا كثيرا حتى اسع الخرق على الراقع. جوامعنا مراكز إشعاع للتخلف والتطرف، وليست بها كتاب واحد عن الفلك أو الكيمياء أو الطب أو المنطق أو الفلسفة أو الأدب أوالشعر. بيوتنا خلت من البهجة والسرور والزهور والموسيقى والشعر وقصص نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس. أجهزة إعلامنا وقنواتنا الفضائية لا تعرض سوى ماتشات الكورة وأفلام من عينة كتكوت وإبراهيم الأبيض وأطاطة وعوكل. المسرح في الحضيض. والأغاني تعالى بوس الواوا وخليها تاكلك. يا سيدتي نحن في مرحلة تصحر ثقافي وأخلاقي كبيرة. تقودها ببسالة حكومة تقنوقراطية غير واعية، ومجموعة لواءات سابقون لا يفهمون أهمية الثقافة في حياة الشعوب. ولا يهتمون إلا بمن شاط شوطة وجابت جون ومين يأخذ الدوري وليه إعتزل شاكابالا. الحل كما تقولين دائما يا سيدتي، في بناء العقل المصري من جديد. أو في شعار الدكتور فؤاد زكريا -العلمانية هي الحل-. ولكن كيف؟ ل


2 - مساء الخير
فريدة سمير ( 2011 / 1 / 4 - 22:08 )
فتوى الزعيم مورمون من دافع شهواته ليس بناء عن تعليم الانجيل ليس بأمر الله وهذه فتوى مرفوضه


3 - مكاكمة الوزير
علي البابلي ( 2011 / 1 / 5 - 09:41 )
لماذا محاكمة الوزير فقط وترك المناهج نفسها بدون هذه المحكمة التي لن تحصل الا بعد ذبح ملايين اخرين من الابرياء


4 - استفيدوا من تجربة السودان
إقبال حسين ( 2011 / 1 / 5 - 13:56 )
اشيد بكل كلمة كتبتيها،انتِ عظيمة،تحركوا قبل ان يحدث لمصر ماحدث للسودان،انتهت الدولة المدنية السودانية ،ورجع الفرد السوداني يحتمي بالقبيلة،هل تتصوري يحدث ذلك في هذا القرن


5 - مخزون من التخلف
هيفاء حيدر ( 2011 / 1 / 5 - 21:14 )
مخزون من التخلف بات ينضح به عقلنا ولكن اين المفر من كل هذا الوهن والضعف الذي اصاب الأمة التي نتلظى على ظلال حوافها المشكلة يا دكتورتنا الفاضلة كم علينا أن ننتظر حتى نقرع الجرس مخيف ما وصلنا له من حالة التردي والفقر العقلي والإنحطاط تحت عبائة الدين ومن لف لفه حتى نبقى نجلس في هذا الظلام الدامس نتلمس بالكاد أن نمشي خطوة للأمام بشق النفس ونقول من المسؤول ؟؟نتسائل وجذور الإرهاب والتطرف تعشعش بين جنباتنا وتنمو كالفطر في كل شيء حولنا تسقيها الفتوى تلو الأخرى تغيب الثقافة ولغة المنطق وتحل محلها فضائيات الإنحلال واموال النفط واصوات الدعوة الموهومة بالنصر والفتوحات الكاذبة تلغى دروس المنطق والرياضيات والفلسفة ليحل محلها السحر والشعوذة وكلام الجان وغيرهم ينزل المقدس من النص الى الحديث الى الحجاب والنقاب ويستوي عن شكل الجسد وحركاته ومحرماته ونسأل من المسؤول عن تفجير الكنيسة بعد؟؟؟؟
أشكرك على كل ما ورد في مقالك وأحييك لأنك ما زلتي تدافعين عن انسانيتنا التي نخاف فقدانها في أي لحظة


6 - الخاتمة
سيدتي نوال ( 2011 / 1 / 5 - 21:27 )
تلك الايام دول
كلامك تاريخي حقيقي وانا قرات تقريبا كل كتبك واقتنع بكل كلمة تقولينها
ولكن لي امل
كما ان الاستبداد واللصولية السلفية معروفة على مر التاريخ بنفس سياستها التكهنية فانا ارى انه يعقبها بعد حين يطول او يقصر مرحلة تنوير
شقاؤنا اننا عشنا مرحلة التدهور
ربما نكافح كي يعيش احفادنا مرحلة التنوير وتلك الايام دول


7 - العنف والدم أصبحا علم المنطقه العربية ؟؟؟
أحلام أكرم ( 2011 / 1 / 6 - 16:54 )
إجابة إنسانه عزيزة جدا على قلبي .. متعلمة وخريجة إحدى الجامعات المعترف بها دوليا , قبل سنه حين تكلمت عن حقوق المواطنه والمساواة لجميع من يقيم في المنطقه العربية حين قالت أليست الديمقراطيه حق الأغلبية .. وبما أننا نحن المسلمون الأغلبية فإن عليهم إما أن يرضوا بأحكام قوانينا وإما الرحيل ..
صعقت كيف نجح التطرف في لوي حقائق عن الديمقراطية بحيث تجيبني هذه المثقفه بمثل هذه الإجابه !!! ولم تفطن إلى أنها محرومة من معظم حقوقها في هذه المجتمعات التي ترتكز في دساتيرها إلى القوانين الدينية ..
نعم إن جريمتي سيدة النجاة ببغداد .. وكنيسة القديسين في الإسكندريه تعطي الحق للمجتمع الدولي بأجمعه في التدخل قولا لحث الدوله على حماية أقليات العالم العربي من التطرف والتهور الذي نجح فقهاء الدين في بثة في عقولهم وقلوبهم بحيث أعماهم عن أي روابط إنسانية مع هؤلاء المواطنون الأخوة .. هذه الجرائم تعطي الذريعه الكبرى لإسرائيل لمحاولة التخلص من كل المسلمين من مواطنيها .. وتعطي اليمين المتشدد في الغرب الذريعه لحث حكوماته على الحد من هجرتهم طلبا للرزق .. وتعطي الحكومات الغربية كامل الحق في تقصي كل المتط


8 - مبروك لشعب مصر
نعينع عبدالقادر محمد ( 2011 / 3 / 7 - 17:12 )
منذ سنة تقريبا شاهدت حوارا شيقا للدكتورة المحترمة نوال السعداوي في قناة الحوار وقد أكدت للمذيع عن سؤال : أن الشعب لما يعي وينظم نفسه فهو قادر على التغيير واسقاط النظام والتحرر من الدكتاتورية وفعلا وقع ما توقعته هذه السيدة الكريمة وبقدر ما احترمت رأي الدكتورة بقدر ما صدمت بغباء الصحفي الذي قال لها أن الشعب المصري أول شعب متدين في العالم وقالها بفخر كأنه يقول الشعب أول شعب دمقراطي في العالم مع العلم أن كل ما وقع من تغيير كان سببه الوعي السياسي للشباب والطوق للحرية والكرامة ولا علاقة ولا علاقة للدين بكل هذا. ولم يكن الاسلام هو الحل كشعار للاخوان لان الدين تقي نقي بل الشباب هم الحل الفيسبوك هو الوسيلة التي كانت وراء هذا التغيير للافضل وهذه من تنبؤات السيدة الفاضلة نوال فهنيئا ومبروك للشعب المصري الكريم فهو يستحق. ,

اخر الافلام

.. جد الطفلة -روح الروح- يرزق بحفيدة جديدة


.. فى الجنة يا رفعت .. رسالة وداع حزينة من جمهور الأهلى للاعب ا




.. صاحب مقولة روح الروح جد الطفلة الشــ ـهيدة ريم يُرزق بحفيدة


.. 167-An-Nisa




.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري