الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردود الفعل على انفجار الإسكندرية -- المقاربة الخاطئة لمعالجة الإرهاب

منعم زيدان صويص

2011 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما هو الانطباع الذي يخرج به المراقب لردود الفعل العربية على الانفجار أمام كنيسة للأقباط في الإسكندرية يوم السبت الأول من يناير؟ المتعطش للكلام -- ونحن امة تحب الكلام -- سوف يكتفي ويروي غليله ويقول أن الحكومات والمنظمات والشعوب قد قامت بواجبها، فهي قد شجبت الانفجار وأدانت الذين قاموا بهذا "الاعتداء على الإخوة المسيحيين" ودعت إلى التهدئة واستراحت بعد أن حملت المسؤولية "لجهات خارجية" لم تسمها. أن السواد الأعظم من الناس سيفهم أن المقصود "بجهات خارجية" هو إسرائيل والغرب بوجه عام، وقليل منهم سيفسر التعبير "جهات خارجية" على أنهم محترفو الإرهاب أو منظمه القاعدة أو الخاضعين لتعليماتها وإيديولوجيتها. فبعد ساعات قليلة نقلت أكبر قناة فضائيه عربيه عن "مصادر" لم تسمها انه يُشك أن "أصابع الموساد" تقف وراء التفجير "ولاسيما أن مصر اكتشفت حديثا شبكة تجسس إسرائيلية." ولكننا لم نقرأ أو نسمع أحدا يقول بأن العرب والمسلمين ككل يتحملون مسؤولية معينة وأن عليهم أن يبحثوا السبب الحقيقي الذي يدفع بشاب في مقتبل العمر ليضحي بحياته لكي يقتل الناس بهذه الطريقة. لا شك أن شابا كهذا يؤمن إيمانا راسخا بأنه ينفذ واجبا مقدسا وانه سيرضي الله وانه سيذهب إلى جنات الخلد التي وعد بها الشهداء. ومن الذي أقنعه بذلك؟ ومن الذي اقنع الذي أقنعه؟ أليسوا المتخلفين ومخلفات بعض علماء الفقه التي تمتد على مدى أربعة عشر قرنا؟

أنا لا اقصد أن الدين الإسلامي هو الذي يدفع بهذا الاتجاه، فنحن نعلم أن مثل هذه العمليات لم تحصل في التاريخ الإسلامي إلا زمن الحشاشين، الذين حاربهم المسلمون طويلا. وسُمي الحشاشون بهذا الاسم لأن قائدهم حسن الصباح، الذي عاش في القرن الحادي عشر،واتخذ من قلعة ألموت في بلاد فارس مقرا له، دربهم على فنون الاغتيال وكان يعطيهم الحشيش ويناموا مع نساء جميلات وفي اليوم التالي يقول لهم أنهم كانوا في الجنة وأنهم إذا نفذوا تعليماته وماتوا اثنا عمليات الاغتيال التي ستسند إليهم سيذهبون للجنة التي رأوا عيٌنة منها في الليلة السابقة. ولذلك أُُطلق عليهم اسم الحشاشين ودخلت الكلمة اللغة الإنجليزية ولغات أوروبية أخرى ولكنها حرفت إلي (Assassins). أن الحشاشين هم رجال القاعدة في هذا الزمان والقارئ يعرف من هم زعماؤهم الحاليون.

أن نلوم الشباب الذين ينفذون العمليات الانتحارية ليس عدلا وهو تهرب من المسؤولية يعادل بفظاعته هذه الجرائم. فهؤلاء الشباب هم في الحقيقة شهداء المبدأ المزروع في أدمغتهم وهم يؤمنون بما يفعلون. وأقول الشباب لأنه من النادر أن نفذ رجل، أو امرأة في سن الكهولة عملية انتحارية -- واقصد بالكهولة، كما يعرفها القاموس العربي، العمر الذي يبلغه من "وخط الشيب رأسه وجاوز الثلاثين. " المنظمات الإرهابية ترسل الشباب ليقتلوا أنفسهم بين أعدائهم. فأمثال الشيخ الظواهري والشيخ أسامه، وهم ليسوا بالقليلين، لا ينفذون عمليات انتحارية لأنهم بالغون وناضجون بما فيه الكفاية ولأنهم يتشبثون بالحياة كلما تقدم بهم العمر.

إن الشباب في العلم العربي والإسلامي الكثير الخصوبة لا يحصون وسيبقون يمدٌون الإرهابيين بما يحتاجون من الانتحاريين. وبما أن هؤلاء يؤمنون بما يفعلون فلن يستطيع احد في الدنيا أن يتغلب عليهم، فإذا آمن الشاب بأنه على حق وأنه مستعد للموت في سبيل ما يؤمن به فإن كل قوى العالم لا تستطيع أن تتغلب عليه. وكثيرون من الذين شجبوا وأدانوا هجوم الإسكندرية دعوا إلى مهاجمه المخططين للإرهاب، أو الكهول الذين يرسلون هؤلاء الشباب، ولكن هذا أيضا سوف لن يجدي لأنه حتى لو مات هؤلاء فستعوضهم مصانع الإرهاب الموجودة في العقول وفي الكتب. فلم تستطع الولايات المتحدة، بالتعاون مع أعتى القوى في العالم أن تدمر مصانع ألإرهاب هذه طوال العشر سنوات الماضية ولن تستطيع. وفي الحقيقة أن أحدا لا يستطيع أن يوقف هذه الإرهاب إذا لم يستطع أولا إيقاف الظلم الذي انزله الغرب على شعوب العالم الإسلامي وخاصة شعب فلسطين وإذا لم يستطع تعطيل هذه المصانع العقلية التي تخرج الإرهابيين. إن الطريقة التي تعامل بها الغرب مع الإرهاب والقاعدة كانت خاطئة وحققت عكس ما كان الغرب يسعى إليه. فالتقتيل الذي حصل ويحصل في أفغانستان وباكستان وأماكن كثيرة من العالم كان يمكن تجنبه لو كان التركيز مُنصبٌا على مصانع الإرهاب في العقول وعلى التفسيرات الدينية القديمة والتي تمتلئ بها كتب ألفقهاء الذين عاشوا في عصور الظلام.

بعد هجمات سبتمبر على نيويورك سنة 2001 تصرف العرب والمسلمون تصرفا عجيبا. بعضهم أيدها معتبرا أنها ثأر لموقف الغرب، وخاصة أمريكا، من القضية الفلسطينية وتأييدهم لإسرائيل، وقد اتخذ كثيرون موقفا شامتا تجاه ما حصل. وكان من الممكن أن يفسٌر هذا منطقيا لو أن القاعدة أعلنت بوضوح أن الهجوم كان ثأرا لما حدث للشعب الفلسطيني، ولكن هذا لم يحدث. في الحقيقة لم تنفذ القاعدة أي هجمات على إسرائيل، لا في الأرض الفلسطينية ولا في إسرائيل نفسها ولا في العالم، وكان الهدف المعلن للقاعدة هو "إخراج الصليبيين من جزيرة العرب. " ولو أن القاعدة ومؤيديها أعلنوا بوضوح أن هدفهم هو إسرائيل ومؤيدوها الغربيون لأصبح موقف إسرائيل محرجا ولابتعد عنها الغرب تدريجيا أو على الأقل اجبروها أن تنصاع لمطالب المجتمع الدولي. ولكن قادة القاعدة العرب لم يفعلوا ذلك أبدا بل أعلنوا الحرب صراحة على الشعوب الأوروبية والشعب الأمريكي وجعلوهم يضاعفون تأييدهم لإسرائيل ولقادتهم و بدأوا يتوجسون خيفة من المسلمين في بلادهم. إن آخر الإحصائيات تشير إلى أن حوالي نصف الشعوب الأوروبية والأمريكان يعتقدون أن المسلمين يشكلون خطرا عليهم. ولا يخطر ببالهم أن لإسرائيل أية علاقة بكل هذا.

كان التناقض في المواقف عجيبا. بعض المثقفين وقادة الرأي في العالمين العربي والإسلامي، بعد هجمات سبتمبر، أيد في البداية -- وبعضهم لا يزال يؤيد إلى الآن -- نظرية المؤامرة. كثيرون قالوا أن هذا من صنع اليهود، وكثيرون خرجوا بنظريات تقول أن الهجمات من تخطيط المخابرات الأمريكية. ومن الطرافة بمكان أن المثقفين العرب في كثير من البلدان الغربية، وبعضهم يصدر صحف عربيه هناك مستفيدين من الحرية والأمان في تلك البلدان، اظهروا احتراما للقاعدة ونكرانا لجميل البلدان التي يعيشون فيه ويحتمون بها، وبعضهم كان دائما يسمي قائد هذه المنظمة، بكل احترام، "الشيخ" أسامه بن لادن. وكانوا يظهرون على فضائيات عربية وفي برامج حوارية يدافعون عنه وعن الظواهري، ويحللون أفكارهم، يمدحونهم ويتحدثون عن "انتصاراتهم." وكان هذا عاملا مشجعا للشباب المسلم، حتى في تلك البلدان، للانضمام إلى القاعدة، وقد رأينا ما حصل في لندن وأماكن أوروبية أخرى وفي عدة أماكن في العالم العربي والإسلامي.

إذا اعترف العرب أن عليهم تدمير مصانع الإرهاب في عقول الذين يشجعون الإرهابيين وإعطاء تفسيرات أخرى لمحتوى الكتب الدينية فمعنى هذا أنهم يعترفون بأنهم هم المسئولون عن هذه الأعمال وأن الفكرة هي التي يجب أن تحارب وليس الأفراد. هل يستطيع العلماء المسلمون أن يفسروا التعاليم الدينية بطريقة تنسجم مع العصر الحالي؟ بعضهم استطاع، مثل الشيخ يوسف القرضاوي. ففي كتابه عن "فقه الجهاد" يقول القرضاوي:

"إننا نستطيع أن نعيش في ظل إسلامنا في عالم ينادي بالسلام لا الحرب وبالأمان لا الخوف، وبالتسامح لا التعصب وبالحب لا بالكراهية... نستطيع أن نعيش مع الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وجماعات حماية البيئة. والحق أن مشكلتنا الكبرى مع إخواننا المتشددين الذين أغلقوا على أنفسهم النوافذ وأصروا على وجهة نظر واحدة. آفتهم أنهم يحيون في الماضي لا في الحاضر، في الكتب لا في الواقع."

ويقول القرضاوي انه في ظل "الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن." ويقول إن غير المسلم يجب ان يسمى "غير مسلم" وليس "كافرا،" ويضيف: " أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل ممن يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 1 / 8 - 08:05 )
أخي الكاتب المحترم ، مع تقديري لوجهة نظرك ، لي ملاحظة هنا جانبية حول موضوع حركة - الحشاشين - كما أسميتها . هذه الحركة وغيرها جزء من الحركات السياسية المتمردة في التاريخ الإسلامي والتي جرى عملية تشويه لمواقفها وسلوكها لإعتبارات تتعلق بالحكم الإسلامي في حينها ومحاولته القضاء على الحركات المعارضة له. لذا ما أوردته أنت في هذا المقال من وجهة نظري تاريخياً غير دقيق ولا يمكن مقارنته بما يجري حالياً من عمليات إرهاب ضد المواطن . وهي تماماً كمن يوصف العلمانيون الأن بأنهم ... الخ المعزوفة الشهيرة . وهي جزء من حملة التحريض الموجهة ضد القوى الديمقراطية من قبل النظام السياسي وأبواق الجهل والعفن .مع التحية لك


2 - الحشاشون -- رد على السيد خوري
منعم زيدان صويص ( 2011 / 1 / 8 - 14:05 )
أقدر وجهة نظرك في هذه الصدد مع أنها تختلف عن وجهة نظري. وأنا اعلم أن التاريخ العربي الإسلامي فيه كثير من التشويه والتزوير وأنصاف الحقائق. والنقطة الرئيسية في المقال هي التركيز على الأفكار الهدامة التي يدخلها الإرهابيون الأصوليون في رؤوس الشباب المتحمسين. إن الشبه بين هؤلاء الشباب والحشاشين أن رؤوسهم محشوة وينفذون القتل كالآلات متأثرين بتعاليم دينية خاطئة. إن الأعمال الإرهابية التي نراها الآن لم تكن تحصل في التاريخ الإسلامي إلا زمن الحشاشين الذين تتحدث عنهم كتب التاريخ ومن ضمنها كتب الغربيين والمستشرقين. وقد استغل الإرهابيون في العصر الحديث كل وسائل الشر والاختراعات الجهنمية الحديثة واستعملوا وسائل الاتصال وحظوا بالدعاية لإعمالهم وترويجها من قبل أقوى الفضائيات ووسائل الإعلام التي تتحجج بحرية الرأي.

إن الهدف السامي للفكر الحر والعلمانية هو تثقيف الناس وليس انتقاد معتقداتهم بطريقة مباشرة وجارحة، ولا تخلو ما نسميه الأديان السماوية الأخرى من الأخطاء التي تبرز ويزداد أذاها للناس في بيئة الجهل والتخلف. ولا يفيد إلقاء الكلام على عواهنه إذا أردنا أن نقدم شيئا يفيد الناس.

اخر الافلام

.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah


.. 178--Al-Baqarah




.. 170-Al-Baqarah