الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنرفع جدار الفصل بين الدين والدولة في مجتمعاتنا العربية

بشار السبيعي

2011 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما يخوض الفرد في جدال أو نقاش ديني مع الأخرين في الغرب ، يستطيع أن يلتمس مدى بُعد الأخر عن التعصب والتزمت في الشأن الديني بسهولة يقف عندها عاجزاً عن فهم تلك الظاهرة التي يرى فيها غرابة بعيدة كل البعد عن مفهوم الدين والعقيدة في الشرق. وكأن الإله الغربي قد فقد ، بعد قرون من علمنة المجتمع الغربي ، قدسيته ومفعوله على المؤمنين به والعابدين له في تلك البلدان المتقدمة. ومن أتاحت له فرصة الحياة أن يعيش في ذلك العالم الغربي لفترة طويلة من الزمن ، وكان عنده الفضول المعرفي لدراسة أسباب هذه الظاهرة الإيجابية في المجتمعات الغربية ، يصل تدريجياً لفهم تلك الظاهرة و يستطيع أن يكتشف الأحداث والعوامل التاريخية التي أدت في النهاية ألى فقدان قدسية فكرة الإله الواحد الذي كان عليه من منظور المعتقد الإبراهيمي التقليدي عبر القرون أن يحمي مخلوقه المفضل ، الإنسان ، و يقف إلى جانبه في صراعه الآزلي ضد قوى الشر المتمثلة بإبليس أو الشيطان كما عرفته تلك الديانات السماوية ، ولكنه آثر على أن يترك عباده المخلصون يقتلون بعضهم بعضاً عبر القرون ويشعلون الحروب العالمية فيما بينهم ، ويسعون إلى تدمير كوكب الأرض وماعليه بتصنيع الأسلحة الفتاكة يوماً بعد يوم وبيعها بالغالي والرخيص لمن أراد أن يدمر أخوه الإنسان بحجة الدفاع عن النفس أو الأرض أو الوطن.

ومع أن علمانية الدولة في العالم الغربي إستطاعت أن تفرض نفسها بشكل مؤثر وملحوظ على جميع الأصعدة السياسية والثقافية والإجتماعية في مجتمعاتها ، لكنها لم تستطع من أن تبعد بعداً تاماً عن مبادئ الفكر اللاهوتي المسيحي-اليهودي لتلك المجتمعات وتطرد كلياً ماتبقى من ذلك المعتقد في حساباتها في إدارة شؤون أمنها القومي والوطني. وقد يخطئ من يظن أن إحترام الحريات المدنية والشخصية التي تضمن حرية المعتقد والدين لمواطنيها في العالم الغربي تمتد طبيعياً ألى جميع زوايا الحكم و إتخاذ القرار وإدارة السياسات الخارجية لتلك الدول ، وهذا ما يتبلور اليوم في الصراع المعاصر للثقافة الدينية بين العالم العربي الإسلامي والعالم الغربي المسيحي-اليهودي.

ونستطيع أن نجزم اليوم أن مفهوم الإله في العالم العربي الإسلامي التقليدي لم يستطع أن يرقى ألى التطور الملحوظ لمستوى نظيره في العالم الغربي المسيحي-اليهودي ، ويتوسع في تعريفه لطبيعة وصورة وماهية ذلك الإله لعدة أسباب أذكر من أهمها : تخلف البلدان العربية والإسلامية في مجال الأبحاث و العلوم عامة في القرون الأخيرة الماضية مما جعل تلك المجتمعات النامية فيه عرضة لسيطرة الدين ورجاله على الفكر والثقافة الشعبية ، و خضوع معظم أراضيه تحت وطآة الإحتلال المباشر والغير مباشر من قبل القوى الإستعمارية الغربية العظمى مما عطّل عملية البناء والتنمية المحلية وقوض الإستقرار والأمن فيها، وأخيراُ إنعدام الحريات الدينية والثقافية والسياسية مما أدى ألى عرقلة النمو الثقافي والفكري والإجتماعي فيه.

و تتحدث المؤلفة والكاتبة البريطانية كارن أرمسترونغ في كتابها الشيق "تاريخ الله" ( A History of God: The 4000-Years Quest of Judaism, Christianity, and Islam “1993) ، كيف إستطاع الغرب أن يُوَسِّعَ مفهوم الإله الإبراهيمي التقليدي ويفتح مجال للعقل و السؤال والتفكير في صورة وطبيعة وماهية هذا الإله ، الذي إستطاع أن يحيا لعدة قرون بمفهومه الإبراهيمي التقليدي الذي يُحاسب و يَمتحن و يُكافئ و يُعذب مخلوقاته الإنسانية كما يحلو له. وقد حدث ذلك في غضون بضعة قرون قليلة عبر الأفكار التي طرحها العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين بدءاَ من "باروخ سبينوزا (1632- 1677)" و "فرانسوا ماري أرويه المعروف ب فولتير (1694-1778)" و مروراً ب "جون لوك (1632-1704)" و "ديفيد هيوم (1711-1776)" و "إيمانويل كانت (1724-1804)" و "آرثر شوبنهاور (1788-1860)" و "فريدريك نيتشه (1844-1900)" والكثيرون غيرهم الذين طرحوا أفكاراً جديدة زعزت ، إن لم تكن بالفعل هدمت ، حصن اليقين في القدرات الخارقة لذلك الإله وزرعت بذور النهضة الإنسانية التي إستطاعت في النهاية أن تُدرك قدرات العقل الإنساني على صُنع حاضره ومستقبله عبر العلم والمعرفة و تضع حجر الأساس للعلمانية من دون أي تدخل لاهوتي.

ويلتمس الفرد مدى تأثير ذلك الفكر اللاديني على المجتمعات الغربية في أي نقاش أو جدل يخوضه مع شرائح المجتمع بمختلف إنتماءاتها العرقية والدينية. وكأن المجتمع بكافة أطيافه قد آثر على أن لايخوض في غياهب ومتاهات الإيمان والمعتقد التي لاتجدي ولاتنفع إلا على الصعيد الشخصي والروحي للفرد. ويلاحظ الذي يعيش في المجتمع الغربي لفترة طويلة من الزمن أن مسألة الإيمان والمعتقد الشخصي للفرد لاتدخل في حسابات التعامل بين الأفراد على صعيد العمل أو الصداقة أو العلاقات الإجتماعية والثقافية إلا في حالات إستثنائية نادرة. وتبقى مسألة المعتقد الديني للفرد مسألة شخصية بحتة في العالم الغربي. وتنعدم العواطف والحدة في نقاشها من التعصب أو التزمت أو التشدد إلا في حالات إستثنائية ونادرة ، وهذه الميزة التي يختص بها المجتمع الغربي تبدو وكأنها مفقودة تماماً في عالمنا العربي!

ولايمكن لنا هنا إحصاء جميع العوامل التاريخية و الثقافية والإجتماعية التي تلعب الدور الأكبر في تدين المجتمع العربي وتدعم التطرف والمغالاة في قدرة الإله الذي أصبح يدغدغ مخيلات رجال الدين الإسلامي في المنطقة ، ويحضهم على تفسير مظاهر التغيير المناخي والجفاف في الشرق الأوسط بربطها مباشرة بالإنحلال الأخلاقي في مسلسلات عربية كانت قد تطرقت لموضوع الدين والتطرف ، ويربط شحّ المطر بتوبة الممثلين المشاركين في تلك المسلسلات، كما حصل مؤخراً مع شيخنا السوري الكبير البوطي. ولكن وفرة الفتاوى الإسلامية وتخبطها بين إرضاع الكبير وعدم مشاركة المسيحيين في إحتفالاتهم الدينية في الأونة الأخيرة ، تدعو المرء للتفكر بمصداقية ذلك الإله المتربص لنا في كل شاردة و واردة لما نقوم به من عمل في هذه الحياة الدنيا ليُحاسبنا في الأخرة؟ أليس هناك أمور أكبر وأعظم وأهم في هذا الكون الواسع الشاسع تُشغل ذلك الإله عن تفاهة و صغائر أمورنا الشخصية؟

مع تقدم العلم والمعرفة ، تتنافس أصوات رجال الدين الإسلامي وحراس الفضيلة على موقعها في المجتمعات العربية والإسلامية في عقول المؤمنين الصالحين لتثبت أنها المفوضة شخصياً من الإله على الدعوة ألى الإيمان والعمل الصالح في مجتمعات تتصارع فيها قوى الخير والشر منذ الأزل.

علمانية المجتمعات العربية الإسلامية لايمكن لها من أن تجد المساحة الواسعة للحراك المدني من دون مساعدة حكومات الدول العربية في تأسيسها وزرع جذورها في تلك البلدان من خلال تغيير المناهج التعليمية والتربوية فيها. ولكن عقبة فصل الدين عن الدولة في تلك المجتمعات لازالت العائق الأول والأخير في وجه ذلك التحدي. ولابد لتلك الحكومات في إعادة النظر في دساتيرها الموضوعة ونسف كل مايتعلق بالدين الرسمي منها حتى لايبقى آثر لديانة رسمية في دوائر أو مؤسسات الدولة ، مع الحرص والإصرار على تبنّي حرية المعتقد والدين وإحترام جميع العقائد الدينية فيها. ألم يحن الوقت بعد كل المحن والمآسي التي مرت ولاتزال تمر بها البلدان العربية بسبب التعصب والتطرف الديني على رفع جدار الفصل بين الدين والدولة؟

ظاهرة التعصب والتزمت الديني في المجتمعات العربية هي أحدى العوامل الهامة التي يمكن أن تترأس قائمة أسباب تخلف تلك المجتمعات. وإنعدام منظومة علمية ثقافية لمحاربة تلك الظاهرة يفتح المجال واسعاً أمام المزيد من التطرف والتعصب والتشنج في التعامل مع الأخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah