الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبادة الأنا

ابراهيم هيبة

2011 / 1 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يوجد وهم على وجه الأرض سبق للإنسان أن تعلّق به مثلما تعلّق بأناه. ما إن تجلس إلى احدهم، حتى يبدأ في تشغيل تلك الاسطوانة المعتادة: "أنا، أنا، أنا". يمكن للإنسان أن يتنازل عن كل شيء- عن ثروته، عن عائلته، وحتى عن الكون – لكنه لا يستطيع أن يتخلى قيد أنملة عن ضمير المتكلم.
عندما تقول بان الحياة لا معنى لها وبأن الله مجرد وهم، لن تثير غضب أحد- سيأخذ الكل كلامك على انه تحليق فلسفي، لكن إن قلت نفس الكلام عن شخص ما، سيعترض عليك بشدة وقد يذهب به الأمر إلى اتخاذ بعض الإجراءات ضدك. هكذا نحن، عندما يتعلق الأمر بالأفكار الكبرى والنظريات العامة نتصرف وكأن الأمر لا يعنينا، لكن عندما تطال هذه الأفكار مجال مشاعرنا النرجسية وخصوصيتنا الفردية، نقيم الدنيا ولا نقعدها. إذا كانت الحياة لا معنى لها، من يمكنه أن يستثني نفسه من شمولية هذا الحكم ؟ ماذا أقول، الأنانية عائق فكري يحول بيننا وبين الفهم الكوني.
لم تحقق الفلسفات والمذاهب الخلاصية، على مر التاريخ، أي تغلغل حقيقي في المجتمعات البشرية؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن الخلاص الذي تقترحه ثمنه تنازل الفرد عن أناه، فالسعادة بالنسبة لهذه الفلسفات لا تتحقق إلا في المجال الذي تنمحي فيه فردانية المرء وتضيع في اللاتمايز الكوني . ولكن من منا سيقبل بسعادة تلزمه بأن ينظر إلى نفسه كنكرة ، فيما كبرياء الواحد منا يجبره على عدم التنازل حتى عن اسمه الشخصي؟ ! حب الذات يولّد العمى، ونحن لا نكره الآخرين و لا نفهمهم إلاّ لأننا لا ننظر إلى أنفسنا كما ينظرون هم إلينا. لو حصل لأحدنا أن يتجرد من أنانيته، للحظة واحدة، ويتأمل ذاته من الخارج، لأحمرَّ من الخجل و لربما انتابته الرغبة في الاختفاء عن الأنظار. كل واحد منا يدعي بأنه يعرف نفسه حق المعرفة، لكن هذه المعرفة لا تكون أبدا بمستوى وضوح وعمق المعرفة التي يكوِّنها الآخرون عنا- إنها نفس المشكلة القديمة: أنانيتنا وعي زائف يقف بيننا وبين الأشياء كما هي.
بما أن التنازل عن الأنا يعتبر شبه مستحيل ويتبدّى كضرب من الخيال الفلسفي، اقترح أن يقوم الواحد منا، وذلك من حين لآخر، ببعض التمارين للحدّ من الزهو وانتفاخ الذات. وليست هذه التمارين شيئا آخر سوى أن يتعود المرء على التفرج على ذاته بنفس الطريقة التي يتفرج بها هو نفسه على مسرحية هزلية، وأن يعتبر أي سوء يحصل له كما لو أنه يحصل لشخص غريب لا تجمعه به أية علاقة. يجب أن اعترف بأن أجمل الإشراقات الفلسفية التي عشتها هي تلك اللحظات التي كان يكتسحني فيها الشعور بكوني مجرد شبح- إنها لحظات لا يعود المرء يلمس فيها أي خيط يربط بينه وبين ذاته، هوة سحيقة تفصل الذات عن وعيها الذاتي. في الحقيقة، لا شيء يسبب الإرهاق والضجر أكثر من الوعي المتواصل بالذات- لذا يجب أن نتمرن على اختزال وجودنا إلى الدرجة الصفر من الوعي، وأن ننخرط في الوجود انخراط النباتات فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجميل والاجمل
منجى بن على ( 2011 / 1 / 11 - 21:46 )
جميل ان تكون ذو عقل فلسفى على ان تكون ذو عقل اجتماعى بدائى والاجمل ان يكون لك عقل علمى..فالفلسفه كما علم النفس مرحلة انتقاليه بين السداجه والعلم غير انهما لم يتخطيا بعد مرحلة المراهقه المليئه بالخرافه الفكريه من كثرت مسطلحات وعبارات لامعنى لها غير التباهى الفارغ والذى لايقدم او يوخر.ان العلم والمتمثل فى الفيزياء والكيمياء لهو تحدى حقيقى للذكاء البشرى ,والانسان الذى يملك رؤيه فلسفيه للاشياء ولديه عقل علمى لاشك بانه سيرى الاشياء بوضوح اكثر..وهذا ما حصل مع داروين عندما جاب العالم حيت لاحظ بان الحياة مجرد عناصر كيميائيه التقت بالصدفه وكونت منطق بديع يسمى المنطق الجزيئى للماده الحيه, فالحياة لايوجد عندها لافلسفه او فكره بل مجرد نظام عشوائى خليط بين الفوضى والنظام,والكائن الحى لايعرف لماذا هو يعيش او لماذا يموت بل مجرد عناصر كيميائيه تتخبط بشكل عشوائى فتجعل شخص ما يعتقد بانه مفكر واخر هو بلا عقل او اشبه بخروف او فار ادمى لاهم له غير النكاح وانجاب المزيد من الطفيليات يربكون اقتصادات العالم ويتم استغلالهم من قبل الاذكياء لا اثارت الفوضى والشغب..سيد ابراهيم تعمق اكثر فى كتب الكيمياء الحيويه

اخر الافلام

.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس


.. رصد ضوء غامض محاط بالضباب في سماء أريزونا




.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا