الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرامي بقدرة قادر ..مدير الأمن ..؟!!

سلام كوبع العتيبي

2011 / 1 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حاميها حراميها .
والعكس أيضا هنا صحيح كما ترى .. حراميها حاميها .
والمثلان العاميان الساخران. ينطبقان على شخصية مثيرة من شخصيات التاريخ الصغير .. بيدوك .
اسم ذو رنين موسيقي . ولكن ما ابعد الفرق بين الموسيقى التي نحبها ويستريح إليها وجداننا , وبين تلك التي إلفها وعاش على أنغامها ( فرانسوا بيدوك ) . طق طق . طق . طق .
موسقاه ,صلصلة السيوف وقرع الخناجر , وقرقعة الرصاص , وصرخات الذين أوقعهم سوء طالعهم في طريقه من الأبرياء .. ومن اللصوص أيضا
فضيفنا اليوم أثقل ضيف حل بساحة احد . ضيفنا ( أكرمك الله عزيزي القارئ ) عريق في الإجرام . ويتساءل بيدوك ضاحكا :
- إلا تفارقني تلك الوصمة أبدا حتى بعد كل ما فعلت ؟.
- ياعزيزي بيدوك,لم نكن لنستضيفك لولا انك صرت أسطورة عصرك وزمانك وبلادك أيضا .. أسطورة النصف الأول من القرن التاسع عشر في فرنسا .
من لص عريق في الإجرام ضارب بجذوره الفاسدة في أعماق ارض الضياع , إلى .. إلى .. هه .. (والله إنا نفسي لا اصدق ) و.. لا اقوي على نطق الكلمة .
- قلها ياسيدي .. قلها . فهي حقيقة واقعة دخلت التاريخ الصغير كما قلت منذ لحظة . قل : من لص عريق في الإجرام , إلى مدير الأمن في باريس .
***
وبيدا بيدوك خطوته الأولى الحاسمة نحو بهو التاريخ الصغير بداية مدرية . فهو يدخل مركز الأمن وسط باريس في احد أيام الخريف الممطرة من عام 1827 وقد امسك برجل طويل عريض من خناقه فير تعد في يديه كعصفور بلله المطر . ويصيح به الشرطي :
- دع الرجل أيها المجنون .. دعه . انك توشك إن تخنقه . الم تسمع ما قاله لك الكابتن مدير الأمن ؟. دع الرجل .دعه . انك تكاد تخنقه رغم انه طويل عريض كا لجدار . ولكنك أطول واعرض واقوي . هو كالطفل بالنسبة لك .
- حسنا سأدعه إذا أمرت أيها المدير احد رجالك الكسالى بالقبض عليه في الحال
- من أنت أيها المجنون ؟.
- إنا ؟. إنا ؟. إنا بيدوك .. فرانسوا بيدوك
- ياالهي . بيدوك ؟. اقبضوا عليه . هه . أخيرا .. وقعت بأيدينا يا بيدوك . اقبضوا عليه . ويضحك بيدوك قائلا :
- على رسلك ياكبتن هاردي . ولا تظن انك أنجزت ما عجزت شرطة فرنسا كلها من انجازه . لا فضل لك في اعتقالي . فقد جئت إليك بنفسي وأطلعتك بلا عنف على اسمي . الايخطر ببالك مثلا إن بيدوك لا يفعل ذلك الابامر ؟.
- أحيطوا , أوف منك . لا ترتكب حماقة يا كابتن هاردي واستمع في هدوء إلى ما سوف أقول :
- إذا كان وجود هؤلاء الجنود وبنادقهم مصوبة إلى يريح بالك ويهدئ من اضطرابك , فلا باس ولا ضير في تحملهم إلى إن انتهي مما عندي . إلا تسمح لي بالجلوس ؟. اطمئن فلن ادخل في تلا فيف المقعد كما زعم بعض المغفلين حيث فررت من مكتب مدير سجن ارأس
- حسنا .اجلس .ولكن إياك إن تتحرك .
- لابد إن أتحرك .فقضيتي طويلة وسأحتاج إلى .. إلى إن أدخن سيكارة وربما يتحرك قلبك الرقيق فتقدم لي فنجانا من القهوة في هذا النهار البارد
- هيا قل ما عندك . وبعدها نضع الحديد في يدك . أنت مطلوب لأكثر من مئة تهمة احدها الفرار من الليمان .
- إيه . لنبدأ بهذا الذي قبضت عليه وهو يدخل العطور الذي املكه في شارع الأوبرا .
- ماذا ؟. أنت تملك محلا لبيع العطور وفي اكبر شوارع باريس أيضا ؟. أنت اللص القاتل الهارب .
- وما ذنبي إذا كانت شرطة باريس لاتقوم بعملها على خير وجه ؟.المضحك يا كابتن هاردي إن هذا اللص سبق إن عمل في عصابتي في يوم من الأيام ولقد سرقني وهو لا يعلم إنني رئيسه السابق فرانسوا بيدوك ملك اللصوص في باريس .
- وأي عيب في هذا وفي استطاعتك أيها المجرم إن تخدع أمك في حقيقة شخصيتك ؟.
- المهم . ضبطته وهو يسرق من خزينة المحل . كان في استطاعتي تأديبه بطريقتي ولكن رأيت إن أتي به إلى الشرطة لتؤدبه بطريقتها القانونية .
- هه. ما اشد استقامتك وما أكثر احترامك للقانون ؟. هيا اقبضوا عليه ودعونا ننتهي من هذا الهراء .
- لا تتسرع يا كابتن هاردي . فالحق . إنني ساجد فرصة ما حدث , لأتيك وأحدثك عن القانون حديثا عجيبا .
- أوه . تكلم .. تكلم وبسرعة .
- لا . ليس قبل إن نصير وحدنا .
- هاه ؟.
- اعني إنا وأنت فقط . هل تخشاني يا كابتن هاردي ؟. أعدك إن لا افر . ومع هذا فأنت مسلح بمسدسين وسيف في حزامك وانأ كما تراني , ليس معي غير قبضتي . دعهم يفتشونني وبعدها يخرجون كي اسر إليك أعجب حادث .
- هراء . أنت تدبر شيئا لا ادري ما هو ولكن الأسلم إن لا ابقي معك وحدنا في غرفة واحدة
- يا كابتن هاردي . حديثي إليك يهم جدا وزير الداخلية لكونت فوشيه
- هاه ؟. ماذا ؟. ما دخل صاحب السعادة الكونت فوشيه في هذا ؟.
- ستعرف إذا أمرت رجالك بالخروج لنبقى وحدنا .
- حسنا . فتشوه ثم ,قفوا عند الباب الغرفة .
- بل يبعدا يا كابتن عن الباب المغلقة حتى لا يحاول احدهم التقاط كلمة مما سأقول لرئيسكم .
***
و ... فتشوه ولم يجدوا معه شيئا من السلاح . مجرد بضع قطع من النقد وقارورة عطر في حجم القلم . ثم خرجوا .
- وألان ماذا عندك ؟.
- انظر أولا إلى هذه الورقة . توقيع الكونت فوشيه إليك .
- هه ؟. ماذا ؟. عفو عام عن كل جرائمك صادر من وزارة الداخلية وعليه توقيع الوزير ؟.
- لا تنس . خاتم الدولة أيضا .
هه. وكله مزور من الإلف إلى الياء دون شك . إن لك عشرين سابقة في التزوير . لقد زورت توقيع ثلاثة من مدراء السجون بالإفراج عنك فهل تعجز عن تزوير توقيع الكونت فوشيه ؟.
- في استطاعتي طبعا تزوير .. ولكن هذا الذي على الورق ليس مزورا . انه فعلا توقيع الوزير فوشيه .
- لا لا . لا اصدق . ولسوف أطلق النار .
- ولماذا لم تصدق ؟. إذن استمع إلى ما عندي إلى نهايته ثم صدق أولا تصدق بعدها .
- قل وأوجز .
- لقد قررت بعد إن نلت حريتي وصرت آمنا من مطاردة الشرطة بشان هذه الورقة التي بيدي .. قررت إن اقلب حياتي رأسا على عقب . من لص محترف هارب من الليمان إلى شرطي يثير الرعب في قلوب اللصوص والقتلة , ويعاون العدالة على أعداء القانون .
- لقد انكشفت يا بيدوك . حاميها حراميها .
- إنني اقدر إنسان في فرنسا على معرفة حماة اللصوص . لا تنس إنني كنت زعيمهم . لماذا لا تفيدون من خبرتي ؟.
- إذا كنت قد انتهيت من هرائك .فسامر بوصمك في السجن حتى اذهب وأتحقق بنفسي من صحة توقيع صاحب السعادة وزير الداخلية الكونت فوشيه .هذه المرة لن تفر أيهما المجرم .
- حسنا . ستضعني في سجن المركز ألان وسافر منه كالعادة بعد دقائق قليلة . وعلى هذا فانا في انتظارك في دكانه العطور في شارع الأوبرا . بلغ تحياتي للكونت فوشيه .
***
ووضعوه في السجن . وشدوا عليه الحراسة وذهب الكابتن هاردي إلى مكتب وزير الداخلية الداهية الكونت فوشيه :
- انه يزعم يا صاحب السعادة إن هذا توقيعك عن العفو العام عن كل جرائمه . ولكن المؤكد يا صاحب السعادة إن التوقيع مزور . فلا احد يصل براعة بيدوك في التزوير ولا اشك يا صاحب السعادة من إن ...
- التوقيع غير مزور ياهاردي .
- غير .. غير مزور ياصاحب السعادة ؟. هل .. هل افهم من هذا إن ...
- أهناك شي أخر يا كابتن ؟.
- أ.. أ. اجل ياصاحب السعادة . لقد عرض علينا عرضا مثيرا .
- وما هو ؟.
- طلب إن يصبح شرطيا في قوة امن باريس . يريد إن يعاون العدالة ويتوب ياصاحب السعادة . فإذا كنتم قد عفوتم عنه فذلك دليل على إنكم واثقون من صدق توبته وأنكم على استعداد ....
- لا لا لا . لا يثق يفيدوك إلا الحمقى . الطلب مرفوض ياهاردي .
- يا صاحب السعادة سأخبره بهذا .انه في سجن المركز . فقد قبضت عليه لأعرف منكم صحة توقيعك
- فيدوك ليس في سجنك ألان يا كابتن هاردي
- ماذا
- لقد فر منه وجاء إلى هنا يطلب مقابلتي لكنني رفض .إيه . من يدري ؟. لعله لا يزال في المبنى
***
وخرج الكابتن هاردي ذاهلا يتحدث نفسه :
لماذا أعطاه فوشيه هذا العفو العام ؟. عفو عام وعن ماذا ؟ عن فيدوك اخطر لص في تاريخ البلاد ؟. هه . صحيح انه كان ذو رباطة جاش ,وصحيح انه قاد مظاهره في سجن ارال ابتهاجا بعودة الملك لويس الثامن عشر إلى العرش ولكنه في السجن نهاية الأمر ولص خطير جدا أيضا . جرائمه أكثر من مئة وفي سجله ثلاث مرات فرار من اعتى سجون فرنسا . كيف حصل على هذا العفو العام
***
ووجد الكابتن هاردي .. وجد بيدوك في انتظاره إمام مبنى وزارة الداخلية وما إن رآه حتى ابتدره بقوله :
- العفو العام صحيح يا بيدوك ولا ادري كيف ؟. ولكن صاحب السعادة وزير الداخلية رفض اقتراحك
- لقد أدركت ذلك حين رفض مقابلتي . إيه . أسف ياعزيزي هاردي إذا كنت قد اضطررت إلى تخدير رجالك كي أتمكن من الفرار منهم في السجن
- بالله عليك كيف فررت ؟. لقد فتشوك إمامي بدقة وحرص .
- بزجاجة العطر ياعزيزي .
- ماذا
- كان بها كلوروفيل . انه مخدر ولكنه غير ضار . إلى اللقاء ياعزيزي
- لا بل وداعا . إنا أحب إن أراك .
- ولكنك ستراني ياعزيزي والسيدة الجميلة العظيمة التي حصلت من فوشيه على العفو العام وتحصل على موافقته على الالتحاق بالشرطة . سأختار العمل في القسم الذي ترأسه يا كابتن وعلى هذا فسنتقابل كثيرا
- أ .. بيدوك . بالله عليك .أ.. من هذه السيدة الجميلة العظيمة التي استطاعت إقناع الوزير الداهية الخطير بالعفو عنك ؟.
- ولا تكن مثرثرا باسمها في كل مكان .
- لا لا . أعدك إن لا أكون مثرثرا في أي مكان .
- أنها صاحبة السمو الملكي الأميرة ميري تيريز .
- ماذا ؟. ياالهي . عمة صاحب الجلالة الملك ؟.
- هه هه هه . يا أحمق أنها لا تحب إن يقال أنها عمة الملك . سيخيل إلى السامع أنها عجوز في الستين . أنها لم تتعد الأربعين . آه . نبع الشباب الدائم , ما أجملها ؟.
- أ.. ولكن . كيف توصلت إلى عطفها يا بيدوك
- هه هه . هذا سري ياصاحبي .
- هاه ؟.
- لي معها ألان موعد في القصر وسأرجوها إن تأتي اليوم لإقناع فوشيه بقبول ما عرضته عليكم .
- ماذا ؟.
- إلى اللقاء ياعزيزي
ولم يغادر الكابتن هاردي المبنى . كان يريد إن يرى الأميرة الجميلة التي اشتهرت بالأناقة الحس والذوق الرفيع في اختيار ثيابها وزينتها .
كمن بالقرب من مكتب الوزير وطال انتظاره ومل البقاء . وحين تحرك لينصرف , سمع الصوت الموسيقي الرائع :
- الكونت في مكتبه ؟.
- اجل يا سيدتي
- حسنا . قل له إن ميري تيريز عمة جلالة الملك تريد ان تراك
- ياالهي . تفضلي ياصاحبة السمو . تفضلي .
- ياصاحب السعادة .. ياصاحب السعادة .
- اجل .. اجل .. ما أسعدني ياصاحبة السمو لهذا الشرف ؟.
تفضلي .
- أ.. اخشي إن أكون قد أزعجتك في مثل هذه الساعة . مرة أخرى ياعزيزي أتيك في شان بيدوك . أغلق الباب من فضلك .
***
وكان هاردي قد خرج من مكمنه ليرى الأميرة ولأول مرة في حياته . أي جمال وروعة وبراعة زينة ؟.
- آه . والبشرة ؟. أجمل بشرة في باريس . يا الهي . وتأتي إلى هنا بنفسها لتحدث فوشيه من بيدوك ؟.
في غرفة فوشيه . وقف الرجل الداهية الخطير في احترام شديد إمام سيدة البلاد التي يأتمر بأمرها كل فرنسي وفرنسية حتى الملك .
وقف يتأملها في إعجاب شديد . الزينة التي تعرب عن ذوق لا تجاريها فيه سيدة في كل فرنسا . العينان الزرقاوات اللامعتان بالرموش الخضراء .
اخذ يستمع إليها وهي تطلب إن يعهد إلى بيدوك بعمل ذي مسؤولية في شرطة امن باريس . ويقول في نفسه : أي جمال في أسلوب حديثها ؟.
آه . ما من أميرة في كل أوروبا تفوق أميرتنا بالجمال والعطاء وروعة التفكير .
ودون افتعال ... دون افتعال . هكذا , بكل بساطة قالت له :
- ترى هل ساعد إلى الحضور إلى مكتبك مرة أخرى يا كونت فوشيه لا كرر رجائي بشان بيدوك ؟.
- ياصاحب السمو . لو لا إنني ولدت في برج السعد , لما تكرمت بالحضور إلى لهذا الأمر البسيط . من اليوم .. ساعهد إلى بيدوك بمركز قيادي في شرطة باريس .
- لن تجد خيرا منه ياكونت في مركزك فهو يعلم خفايا العوالم السفلى كلها وقد أعرب لي عن رغباه السابقة في ترجمة توبته الى عمل دائب في خدمة القانون . إنا . إنا أثق في بيدوك يا ...
- وعلى هذا . فانا أثق فيه تلقائيا ياصاحبة السمو .
- سيغير اسمه بالطبع .ولما كان بارعا في التنكر , فسيغير أيضا من شكله وهيأته حتى لا يعرف عليه احد من رفاقه القدامى . إلى اللقاء إذن ياكونت فوشيه . اتفقنا ؟.
***
وهكذا صار بيدوك قائدا لمركز شرطة وسط باريس . وبمرور الأيام وبالانجازات الرائعة التي حققها في خدمة القانون وتطهير العاصمة الفرنسية من اللصوص والقتلة وفي عوام المجتمع السفلي . صار مديرا للأمن العام في باريس حتي مات اليوم الثامن والعشرين من شهر نيسان 1857.
وسنقابل بيدوك كثيرا في أيام غير هذا فليس أمتع من مغامراته قبل .. وبعدها أيضا ..
وبقى سر . يريد هو إن يطلعك عليه بنفسه يااخي :
- إن صاحبة السمو الملكي الأميرة ميري تيريز عمة جلاله الملك لم تذهب قط إلى فوشيه . إنا ذهبت إليه في المرتين متنكرا في هيئتها ..
مات فوشيه المسكين دون إن يعرف هذا السر .. ولا هي أيضا .
- أ .. ترى هل ساعد بالحضور إلى مكتبك مرة أخرى ياكونت فوشيه لأكرر رجائي في شان بيدوك ؟.
- لكن امامنا الان الذين كنا نتوسم بهم النزاهة والشرف والوطنية اصبح غالبيتهم ..( حاميها حراميها .)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا