الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مستويات فقدان الذاكرة

محمد باليزيد

2011 / 1 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ولأن موقع الحوار المتمدن لا يحمل الصور، حسب معلوماتي، فقد وضعت هذا المقال كاملا في الموقع:
http://www.4shared.com/document/CqxA1Vt2/___.html
فعلى من يريد قراءة المقال قراءة كاملة أن يحمله من الموقع المذكور. سوف لن تظهر الصور مباشرة. وقد لاحظت أن النقر على الفراغات ثم النقر خارجها يظهر ما بالفراغ من صور.
كنا أربعة أو خمسة على طاولة في مقهى صباحا من صباحيات الصيف. دارت بيننا جريدة فيها صورة ومقال عن إحدى ملكات الجمال. أخذت الجريدة لأتصفح المقال، وطبعا أرى الصورة، فما شعرت حتى نطقت متسائلا: ما بها هكذا؟ تساءل أحدهم: ما بها؟ أجبت وأنا لم أستفق بعد من غفوتي: بين نهديها محدب. علق أحد الأصدقاء ضاحكا: فهي إذن "غولة" وليست ملكة جمال! حينها أفقت من غفوتي وبدأت أشرح لهم المسألة التي جعلتني أخطئ محاولا قدر جهدي أن لا أترك لهم مجالا للخروج عن الخط وإمكانية التخمين فيما لا تحمد عقباه بالنسبة لي وأعتقد أنني وفقت.
كل الأشياء في عالمنا، ولا أعرف لذلك استثناء، ثلاثية الأبعاد. ونحن نراها كذلك فعلا كما نستطيع أن نرى ونميز السطوح "المسطحة بالمطلق"، أي الثنائية الأبعاد ونميز كذلك السطوح التي تحتوي أجزاء غير مسطحة. لكن إذا كانت العين والجهاز العصبي، التي هي تابعة له، هما المسؤولين عن "الرؤية" فإنهما ليسا وحدهما المسؤولين عن "فهم ما نرى". ماذا أقصد ب"الرؤية" وماذا أقصد ب" فهم ما نرى"؟
تشكَّل كل صورة داخل العين، قبل أن تنقل للجهاز العصبي المختص، داخل المخ، تشكل على شكل صورة مسطحة (ذات بعدين فقط وإن كان السطح الذي تشكل عليه ليس مسطحا بمعنى الكلمة). كل صورة إذن تتعرض ل"ضياع معلومات" وهي ما تزال داخل العين ولم تصل بعد الجهاز العصبي الداخلي. لنشرح هذا بعض الشيء: إن شيئين جد مختلفين، الأول مقعر (اي وسطه يبتعد عنا، الشكل 1) والثاني محدب (أي وسطح يقترب منا، الشكل2)، لكن مصنوعين بتقنية عالية ومسلط عليهما الضوء بطريقة خاصة، يمكن أن يعطيانا صورتان فوتوغرافيتان متطابقتان تماما بحيث لن نستطيع أن نميز صورة الأول عن صورة الثاني.

كما أن صورة فوتوغرافية لإناء،(جرة: bol ) فتحتها متجهة نحونا وقعرها إلى الخلف، هذه الصورة يمكن أن يؤولها جهازنا على أنها صورة لجسم محدب، نصف كرة مثلا، دائرته الكبرى إلى الخلف والصغرى باتجاهنا.
فكيف إذن نميز الأشياء مع العلم أن"ضياع المعلومات"، في ميادين كثيرة، إن لم أتجرأ وأقل في كل الميادين، مسألة لا علاج لها بالمطلق وأنه لا يوجد لا داخل المخ البشري ولا في عالم التكنولوجيا جهاز يستطيع "خلق من جديد" المعلومات الضائعة؟ لتجسيد المشكل تجسيدا أكثر حدة إليكم الشكل التالي:
المثال الأول:
الشكل3
فإذا أمعنا النظر في هذا الشكل نعتقد للوهلة الأولى أن الرؤوس (a) هي الأقرب(أي الممتدة اتجاهنا) وإذا أمعنا النظر مرة أخرى(ربما ليس فقط مرة أخرى وإنما بطريقة أخرى) نعتقد أن الرؤوس (b) هي الأقرب. هذا مع أن الشكل غير ملون. فلنلونه:
الشكل4
هنا يتضح جدا المشكل الذي حددناه.
إن الشكل ليس سوى مجرد رسم وليس صورة لجسم حقيقي أضاعت الصورة بعده الثالث. فلماذا "نرى" فيه رؤوس ناتئة ثم لماذا "نرى" مرة أن الرؤوس (a) هي الناتئة ومرة "نرى" أن الرؤوس (b) هي الناتئة؟
المثال الثاني:
الشكل 5
هذا الشكل كذلك يمكن أن "نراه ونؤوله" بطريقتين مختلفتين: الأولى هي أنه درجات صاعدة(باتجاه يبتعد عنا) من اليسار باتجاه اليمين وأن الدرجات الأسفل هي الأقرب إلينا. الثانية(وسيجد القارئ بعض الصعوبة كي يتمثلها، هذه الصعوبة التي سنوضح مصدرها فيما بعد) هي أن الشكل هو درجات صاعدة باتجاهنا، أي أن الدرجات الأسفل هي الأبعد والدرجات الأعلى هي الأقرب، وكأننا نوجد خلف السلم وليس أمامه كما في الحالة الأولى.
ما يحصل هو أن المخ "يخدع"هنا ويتعامل مع هذه "الصورة"وكأنها صورة حقيقية تعرضت ل"ضياع معلومات" فيضيف إليها "المعلومات الناقصة" حسب تقديره، وهذا التقدير ليس له من معيار سوى "العادة والتعود". فمرة يتوهم جهازنا أن هذه الصورة فقدت منها معلومات كانت تفيد بأن الرؤوس (a) هي الناتئة ومرة يتوهم أنها فقدت منها معلومات كانت تفيد بأن الرؤوس (b) هي الناتئة. يتضح إذن أن جهازنا العصبي حين تصله صورة معينة فإنه يجد نفسه أمام احتمالين( وربما هو أمام احتمالين بالنسبة لكل جزء منها) ليؤول بهما الصورة ويعطينا عنها فكرة كاملة عوضت فيها "المعلومات الناقصة". كيف يفضل احتمالا عن الآخر؟ حسب قانون "العادة والتعود". أي أن الاحتمال الذي واجهه أكثر من غيره سابقا يبقى هو الاحتمال ذو الأسبقية.
بين نهدي المرأة هو أول ما يتحسس الإنسان وهو رضيع وهو أول ما يرى المراهق ويشتهي.... إلخ إنه جسم ليس غريبا البتة عن أي إنسان، ولا حتى حيوان، بل هو الجسم المألوف لديه أكثر من أي شيء آخر تقريبا. وأن يرى شخص ما صورة فوتوغرافية لهذا الجسم ويحتار في "تأويلها" معناه أن الاحتمالين المذكورين أعلاه (إمكانية أن يكون هذا الجسم مقعرا أو محدبا) متساويي الحظ. وما دام هذا الشخص، ولا شخص آخر غيره، لم ير قط في حياته هذا الجسم محدبا، فمعنى هذا أن ذاكرة هذا الشخص فُقدت منها كل الذكريات التي من المفترض أن تدعم الاحتمال الصحيح. فبقي الجهاز العصبي أعزلا دون أسلحة أمام هذه الصورة فأولها معتمدا على لعبة "وجه أو خلف" "pile ou face" لا غير.
من حسن حظ صاحبكم أن هذا "المستوى من فقدان الذاكرة" لم يدم سوى ثواني معدودات استرجعت بعدها ذاكرته عافيتها ونشاطها. فهل السقوط في مثل هذه الحالة مسألة عادية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح