الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطاء الرصد الإعلامي لتوجهات الناس تجاه الفتنة الطائفية

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2011 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الأخطاء الجسيمة والفادحة التي يتعاطى بها الإعلام مع أحداث الفتنة الطائفية تقديم بعض النماذج من الشخصيات المسلمة والمسيحية المسالمة (الطيبة) على أنها مثال يجب أن يقتدى به في علاقة الإنسان بالدين أو التزام الإنسان بالدين، ويتم التركيز والإلحاح بصورة مستمرة على أن هذه الشخصيات النموذجية المسالمة التي يقدمها الإعلام للناس هي التي تمثل حقيقة الدين في الجانبين أو هي النماذج التي ينبغي أن يمتثل ويقتدي بها كل الناس، إلا إن تسطيح الأمر وتعميمه بهذه البساطة وفرضه على الناس بهذه السذاجة يضرب لدى الناس المصداقية الإعلامية في معالجة هذا الملف برمته، ويخصم كثيرا من رصيد الجهود الإعلامية لمعالجة واحتواء هذه القضية الخطيرة. خاصة إذا كان يراد بهذا التبسيط والتسطيح المخل الهروب من المواجهة مع الأسباب الحقيقية للاحتقان الطائفي، والهروب من فتح الجراح وتنظيفها وإخراج ما بها من تقيحات وصديد إن كنا حقا صادقين في معالجة الأمر معالجة حقيقية جادة.

ما يجب علينا إدراكه جيدا أن علاقة المسلمين والمسيحيين المصريين بالدين مثلها مثل علاقة أي جماعة بشرية أخرى بالدين، وليس بالدين فحسب، بل وعلاقاتهم بالسياسية والاقتصاد والثقافة والقومية والقبلية، فنرى منهم المتعصب والمتطرف دينيا، ومنهم المتعصب والمتطرف سياسيا واقتصاديا وقبليا ومنهم المتسامح دينيا، ومنهم المتسامح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقبليا، ومنهم من لا يعني الدين له شيئا على الإطلاق، كما أن منهم من لا تعني له السياسة أو العلم أو المعرفة أو الثقافة أو غيرها شيئا على الإطلاق، ولا يهمه سوى شأنه الشخصي الخاص وشأن أسرته وذويه، ومنهم من يستخدم الدين لأغراض سياسية، ومنهم من يستخدم الدين لأجل تحقيق الزعامة وإشباع شهوة السلطة، ومنهم من يستخدم الدين لأغراض وأهواء شخصية ومالية وشيطانية ودجلية وشعوذة، ومنهم من لا يدري عن الدين والدنيا شيئا سوى أنه يعمل ويأكل ويشرب ويتناسل ويعرف الله بذلك المفهوم البسيط للإله الذي لدى الفلاح الأمي والعامل البسيط وربة المنزل التي لا تقرأ ولا تكتب، من دون أدنى علم أو معرفة بأي تصنيف أو تعقيد عقيدي أو فلسفي أو أكاديمي.

فهناك خطئان رئيسيان لا ينتبه لهما من يتعاطون إعلاميا مع الفتنة الطائفية في مصر، الأول: عدم وجود المعرفة الحقيقية بتلك الحساسية المفرطة التي يولدها الشعور الديني لدى كل المجتمعات البشرية منذ فجر التاريخ، وأنها جزء أصيل من تكوين النفس البشرية، إلا أن هذه الحساسية تتفاوت طبقا لنوعية جرعة المعتقدات والمفاهيم الدينية لكل إنسان على حدة، أو لكل مجموعة بشرية على حدة، فهناك من ينفعل مع الشعور الديني طبقا لكم وكيف معتقداته الدينية التي ترسخت بداخله، فقد نجد مثلا شخصا ثريا أو سياسيا أو عالما أو فقيرا أو أميا قد رسخت بداخله مجموعة من المعتقدات الدينية التي ولدت لديه حساسية دينية تدعوه للتطرف في التعاطي مع الأمور الدينية، وعلى الجانب الآخر قد نجد شخصا ثريا أو سياسيا أو عالما أو فقيرا أو أميا لديه من المعتقدات الدينية التي لا تثير حساسيته وتطرفه في التعاطي مع الأمور الدينية، فكلا النموذجين يخضعان لسلطان الدين وفقا لما قد تم تحصيله وتجرعه من معتقدات قد تحركه تجاه التطرف الديني أو المسالمة الدينية، ففقدان الإعلام لهذه الحقيقة المعرفية البديهية تجعل معالجته لملف الفتنة الطائفية في أحسن حالتها معرفة سطحية ساذجة.

الخطأ الثاني: يكمن في أن الإعلام والمهتمين بهذا الملف يقدمون نماذج من الصنف الذي حصل على جرعة من العقائد والمفاهيم الدينية التي لا تحمل ولا تثير تلك الحساسية المفرطة والمتطرفة تجاه التعامل مع الأمور الدينية، يقدمونها على أنها النماذج الأمثل لفهم الدين والالتزام الديني، لكنهم لا يدركون أن نموذجية ومثالية هؤلاء الأشخاص ليست نابعة عن فهم حقيقي سليم للدين، إنما في الحقيقة هم أشخاص ربما يكونوا قد حصلوا على جانب واحد فقط من جوانب العقائد والمفاهيم الدينية المتعددة، فاكتفوا بها ولم يخوضوا في تجارب تحفزهم وتدفعهم إلى التعرف على الجوانب الدينية الأخرى التي لم ينتبهوا إليها، وألهتهم أمور الحياة الأخرى عن الاهتمام بها، وهذا لا يعطي لنا الحق في الحكم على هؤلاء الأشخاص بأنهم نماذج مثالية طيبة ومسالمة، لأننا لا نعرف حين سيحصل هؤلاء المثاليون الطيبون المسالمون على قدر ما من المعرفة والمفاهيم الدينية التي لم يسبق لهم معرفتها وتحصيلها من قبل هل ستظل هذه النماذج على نموذجيتها ومثاليتها ومسالمتها أم ستتحول في الاتجاه الآخر؟،

إذن فمن الخطأ الجسيم في التعاطي الإعلامي مع هذه الأزمة الخطيرة أن يجلب القائمون على الإعلام إلى برامجهم بعض النجوم والمشاهير وعلية القوم في كل مجال الذين أغلبهم يكونوا من الذين يرفلون في بحبوحة الدنيا ورغد العيش وترف الحياة، هذا وناهيك عن أن علية القوم الذين يتم جلبهم إلى الإعلام لتحليل موضوع كموضوع الفتنة الطائفية في أغلبهم لا تعني لهم المشاعر الدينية كثيرا ولا توجعهم الآلام الدينية كثيرا كما تعني وتؤلم عامة الجماهير من البسطاء والعامة، الذين يمثل الدين لديهم الملجأ والملاذ الوحيد والأخير، أما علية القوم فملاذاتهم كثيرة وملذاتهم أكثر، وبالتالي فهم لن يتحسسوا جيدا الخلل الحقيقي في الأسباب الحقيقية للمشكلة، إن النموذج المثالي والحقيقي الذي يجب تقديمه في تحليل هذه الأزمة يكمن فيمن لديهم المعرفة والإلمام الكامل بكل الجوانب الدينية والعقيدية لتحليل أسباب الأزمة ووضع الحلول لها بعقلانية ومنهجية علمية حقيقية متفق عليها من الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل


.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل




.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس