الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن المسلمين رقيق العصر , مددنا للذل أعناقنا فامتطانا كل راكب

نبيل هلال هلال

2011 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الراصد لواقع أمة المسلمين اليوم لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هذه الأمة جادة في البحث لها عن دور فاعل يخرج بها من صفوف دول العالم الثالث المتخلف المفعول به دائماً، أم أنها اكتفت بهذا الانكماش والانبطاح طوال هذه القرون. فليس يعد حكيماً من لم يكن لنفسه خصيماً وحسيباً، لذا آن أوان النظر في أحوالنا كي نعرف أين نحن من السبيل إلى استرداد الاعتبار بعد أن صرنا إلى ما نكره. ترى هل لم يبق لنا من أمل إلا في زمن آخر وعلى يد جيل آخر؟
ولا يحق لنا أن نندهش ونتساءل عن سبب هوان المسلمين ومذلتهم، فذلك أمر حتمي يتيسر فهمه في ضوء السنن والنواميس. فأعداؤنا عملوا واجتهدوا ونحن تكاسلنا وتقاعسنا. هم صنعوا أسلحتهم التي يقهروننا بها، ولم نقو على صنع شئ – أي شئ – لا الطائرة أو السيارة أو المدفع. هم يحسنون استثمار أموالهم، ونحن نودع أموالنا في بنوكهم، فيستثمرونها في تنمية اقتصادهم وتعظيم قوتهم، ويصادرونها إن عصينا أوامرهم. حكمهم ديموقراطي ولا يقوى حاكمهم على نهب أموال العباد ولا يعلو على القانون، وملوك المسلمين ينهبون أموال بيت المال لأنهم السلاطين والمماليك، ويودعونها في بنوك سويسرا وأمريكا. هم يرصدون للبحث العلمي أموالاً طائلة، فغزوا الفضاء وصنعوا الصواريخ والأسلحة الفتاكة والأقمار الاصطناعية، ونحن بأموالنا الطائلة لا نمارس أي أنشطة بحثية جادة. وكأن البحث العلمي عبث والعلم نفسه ترف، فمازلنا نبحث في السماء عن هلال شهر رمضان بالأعين المجردة مثلما كان يفعل البدوي في البادية منذ 1400 سنة، ولا نثق في الحساب والعلم لتحديد أوائل الشهور القمرية، في حين أنهم صعدوا إلى القمر، وحددوا لسفينة الفضاء موضع هبوطها بدقة، فهبطت به ولم تتجاوزه. ومن بين علمائنا ووعاظنا المعاصرين من يتعجب ممن يقول بكروية الأرض، وينفى ذلك، بل يتندر عليه.
وفى العالم الأول كما يسمونه، يعملون أكثر من 8 ساعات يومياً، ومتوسط زمن عمل الموظف عندنا 72 دقيقة يومياً. هم يرسمون إستراتيجياتهم ويقومون على تنفيذها بأنفسهم، لا أن يتولى غيرهم ذلك نيابة عنهم، ونحن نستعين بهم فى وضع مناهجنا التعليمية والتربوية، وتدريب لاعبينا كيف يلعبون الكرة، حتى آثارنا هم الذين ينقبون لنا عنها فى أرضنا، بل إن علم المصريات ذاته من عملهم هم. ونستعين بهم حتى فى التخلص من قمامتنا، ثم نقول فى دهشة – وغباوة – ما سبب انقلاب الموازين؟. هم يزرعون ما يأكلون حتى يزيد إنتاجهم فيرمونه فى البحر حفاظاً على سعره، ونحن نشترى منهم القمح إذ لم نقو بعد على زراعة كل ما نأكل، ناهيك من صنع ما نحتاجه من كل شئ وأى شئ بدءاً من الدراجة الهوائية وأدوات التجميل ولعب الأطفال، وانتهاءً بالطائرة والدبابة والسيارة والكمبيوتر. ثم نندهش ونتساءل: لماذا نحن المهزومون وهم المنتصرون ؟
لقد تفقد الأسد المسلم العجوز قوته، فلم يجد بها فضلا، إذ أصبح بلا مخلب ولا ناب، وأغرى به حتى الحملان، وهان على الماعز والقردة، وأصبحنا غرضا يُرمى، ويُغار علينا ولا نُغير إذ تعدو الذئاب على من لا كلاب له. ما سر هذا الهوان ؟ اسمع : هم ديموقراطيون يحترمون القانون الذى يعلو ولا يعلى عليه فى بلدهم وإن أنكرنا ذلك من باب العزة بالإثم. هم ينعمون بالحرية ونحن غير أحرار، إذ لا تكتمل الحرية بدون إنتاج الزاد والزناد. الصهاينة لا يقاتلون بعضهم البعض ونحن نفعل، إذ نضرب رقاب بعضنا البعض منذ 1400 سنة وحتى الآن. وإن حاربونا استعانوا ببعضنا على محاربة البعض الآخر، ثم ندفع لهم تكاليف هذه الحروب التى سُفكت فيها دماؤنا !! وما حرب الخليج عنا ببعيدة. هم-أوروبا-توحدوا اقتصادياً وعسكرياً مع اختلاف الأعراق واللغات والثقافات، ونحن لا نتفق إلا على دوام الخلاف مع توحد لغتنا وثقافتنا وتاريخنا وديننا .
إن أمة المسلمين الآن أشتات متباينة، فمنها الدول البترولية الشديدة الثراء، والدول الفقيرة التى يموت أطفالها جوعاً، ودول كثيفة السكان، ودول لديها أراض شاسعة لا يقوى أهلها على زراعتها. ولو كان هناك حد أدنى من التعاون والتنسيق بين هذه الدول" الإسلامية " ‍! لأمكن-مثلا-زراعة الأراضى فى بلد ما بأموال بلد آخر بأيدى مزارعى بلد ثالث، ولكننا مختلفون، ومازلنا نردد كالببغاوات، وحبات المسابح بين أصابعنا، دون عقل يفهم أو قلب يخشع، نردد: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
الصهاينة مشغولون بصنع الطائرات والصواريخ والقنابل الذرية، وسلاطيننا مشغولون بسباق الجِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِمال، الصهاينة يصنعون الأقمار الاصطناعية وأثرياء البدو ومليونيرات البترول مشغولون–أى والله –بالرقص بالسيوف على نقر الدفوف وهم يرفلون فى جلابيبهم البيضاء فى احتفالات تبثها الفضائيات بثاً مباشراً وكأنها أحداث جلل!.
نشجب انحياز أمريكا ونندد بمساعدتها إسرائيل، ولكن نشترى السيارات والمأكولات والمشروبات الأمريكية. نحن العرب ظاهرة صوتية آن لها أن تفيق من غفلتها أو تخرج تماماً من التاريخ وتصبح أثراً بعد عين. الأجيال القادمة ستلعن آباءها الأولين الذين غفلوا وفرطوا واستهانوا، فهانوا على أنفسهم وأعدائهم .
لو انتصرنا وطاب عيشنا وهذا حالنا، لكان معنى ذلك هزيمة قيمة العلم والعمل والحق. فلا معنى لأن ينتصر الجاهل على العالم، أو الكسول على النشيط. وليس معقولاً أن يتفوق الغبى الذى لا يعرف أنه غبى، على الذكى الذى يعرف أنه ذكى، لقد فشلنا فى فهم منطق العصر ولم نستخدم أدواته. إنهم يألمون لسقوط هرة فى بئر، وتسارع الشرطة لإخراجها منه، صحيح أنهم يألمون لموت قططهم، ولكنهم يقصفون عشرات المنازل ويذبحون النساء والأطفال فى فلسطين، ذلك لأنهم يرون أننا أقل شأناً من حيواناتهم. إننا أمة لا تملك سوى بعض القدرة على الطفو فوق سطح الأحداث، وما ذلك لقوة ذاتية لديها، بل بفعل انتفاخ جسدها بغازات التحلل والبوار.
ولابد من امتلاك شجاعة النظر إلى الذات وانتقادها، وتشخيص أدوائها، وجلدها إن اقتضى الأمر ذلك، تلك الذات التى خسرناها منذ قرون طويلة ولم نظفر بعد بامتلاكها مرة أخرى، إذ استغرقنا فى أحلام مزيفة منعتنا من الاستيقاظ للانشغال بواقعنا البائس. لقد أصبحنا نحن المسلمين رقيق العصر، وما الرقيق والاسترقاق ؟ إنه سيطرة شخص على مقدرات شخص آخر، سيد ومولاه، أو طبقة على طبقة، نبلاء ومواطنون أو إقطاعيون ومزارعون، أو سيطرة دولة على دولة، وذاك هو رق العصر الذى نضطلع فيه بدور العبيد وسادتنا هم الغرب، الغرب القوى الذى تسلح بالعلم وارتاد المحيط وأحدث الانقلاب الصناعى وصنع الأسلحة النارية والدبابات والطائرات، الغرب الذى ينهب أموالنا ويسرق بترولنا. ومنذ أن تخلينا عن ديننا وهويتنا ونحن نمارس دور العبيد حتى وإن تمتعت الدول الإسلامية باستقلال صورى وكان لها علم رسمى ونشيد وطنى تصدح به الفرق الموسيقية، وإن كان لها جيوش وعسكر، فهم لتثبيت العروش وليس لمدافعة السيد الجديد فى علاقة الرق العصرية. ولقد ضللنا إذ وقعنا فى وهم أن أمجادنا التاريخية قابلة للتحقق مرة أخرى دون حاجة إلى رجال يجاهدون من أجل صنع هذه الأمجاد .
ألا ترون عدل أن نكون نحن العبيد وهم السادة ؟ هم المنتصرون ونحن المنهزمون ؟ هم الأعزة ونحن الأذلة ؟ إذ مددنا للذل أعناقنا، وهيأنا ظهورنا للركوب فامتطانا كل راكب. وسيبقى الحال على ماهو عليه حتى إشعار آخر .  إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم  صدق الله العظيم...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توضيخ بسيط للسيد نبيل هلال هلال
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 1 / 13 - 18:10 )
كلامك ـ خطبة الجمعة صحيح تماما, عندما تصف الغرب وما يقدمه للإنسانية من رفاهية واكتشافات لخدمة الإنسان. بالمقابل جمودنا الكامل من خمسة عشر قرنا حتى هذا المساء. ولكنك لم تحدثنا عن سبب هام من الأسباب الرئيسية. مثلا عندما يعملون خمسة ساعات كاملة منتجة في اليوم, نحن مشغولون بالصلاة خمسة مرات. كلما بنوا جامعة تقنية أو علمية حديثة. نحن نخلق كليات فقهية لدراسة الدين, المواد العلمية القليلة فيها تحت سيطرة التفسيرات الدينية... ومئات الأسباب الأخرى التي تتراكم من سنين طويلة, لا تكفي صفحات الحوار لتفصيلها...
بالمناسبة يا أستاذ هلال.. ألفت أنتباهك إلى خطأ علمي ورد في مقالك. تردد دائما متحدثا ناقدا أو مدافعا عن أمة الإسلام. ولا بد أنك تعلم أن الأمم الحديثة والمتحضرة لا تقوم على الدين. إنما الأرض والتاريخ المشترك...هناك شعوب ودول إسلامية.. بالإضافة أن ملايين من أخواننا المسيحيين يعيشون على هذه الأرض قبلنا بمئات السنين وشاركوا ببناء حضارتنا القديمة الأصيلة...ماذا تفعل بهم؟؟؟هل تريد أن تبني وطنا إسلاميا مثل دولة إسرائيل التي تحارب قواعدها العنصرية منذ 1948؟؟؟
ولك مني حسب الأصول والأدب تحية مهذبة.


2 - أمدد ببصرك يا عزيزى
أيمن قــدرى ( 2011 / 1 / 13 - 23:57 )
أمدد بنظرك يا أخى الى هناك ستجد خبرا يعلن عن إنتاج سلاله جديده من الدجاج المقاوم لأنفلونز الطيور
ثم أمددك ببصرك هنا ستجد خلافا حول القدم الذى ينبغى بها دخول المستراح
وكلهم علماء


3 - العالم الإسلامي
منتظر بن المبارك ( 2011 / 1 / 14 - 12:43 )
الأستاذ الكاتب، لقد وصفت المرض باقتدار، لكنك لم تعطنا التشخيص ولا العلاج. إن الآية القرآنية الكريمة (الرعد 11) لم تخبرنا كيف نغير ما بأنفسنا. لماذا يا أستاذ كل العالم الإسلامي متخلف الثقافة والعلم، ومستورد للتكنولوحيا، ومصدر للبترول والإرهاب. أين أموال البترول يا استاذ. اليابانيون الوثنيون حرمهم رب العالمين من كل مصادر الطاقة ومواد الصناعة وأراضي الزراعة، ومنحهم الزلازل والبراكين بغير حساب، والآن هم ثاني قوة اقتصادية في العالم.
لماذا يا أستاذ الغرب يتحرش بنا ولم يتحرش بعبدة بوذا من اليابانيين والصينيين؟ لماذا دائما نعلق خيبتنا على شماعة الغرب المتربص بنا، ونحن ألم نكن سببا فيما نعانيه من انحطاط؟ أما زلت تردد أننا خير أمة أخرجت للناس؟ لابد أن تبحث عن العامل المشترك الذي جعل كل دول العالم الإسلامي في هذا التخلف والديكتاتورية والإرهاب.
تحياتي لشخصك الكريم

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة