الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوعزيزي شعلة الانتفاضة التونسية

وليد ياسين

2011 / 1 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


لم يكن محمد بوعزيزي منتميا الى حزب ثوري أو طني، أو إلى أي حركة أو طيف نضالي.. بل كان مواطنا تونسيا، فقيرا معدما، كافح من أجل انهاء تعليمه الجامعي، يحذوه الأمل بأن يحقق لأسرته لقمة العيش بكرامة.. فالكرامة كانت العنوان الوحيد الذي حفره بوعزيزي على جبينه، والكرامة هي القوة الوحيدة التي امتلكها ورفض التنازل عنها، والكرامة هي التي جعلته يقدم على ما حرمه الله، بوضع حد لحياته، لكنه لم يعرف ان الكرامة، وانتحاره في سبيلها سيقلب ظهر المجن في تونس، وسيكون دافعا لانتفاضة شعبية عارمة لم تهدأ إلا باسقاط النظام الذي داس كرامة بوعزيزي ومئات آلاف الفقراء من أبناء الشعب التونسي، صاحب التاريخ العريق في مقاومة الظلم والاستبداد.
من كان يصدق أن صانع الانقلاب، ومحطم الطغيان سيأتي من قرية مهمشة، فقيرة معدمة تسمى سيدي بوزيد، في صورة الشاب الذي لم يتجاوز عمره 26 سنة، والذي كافح طوال ساعات النهار، في الحر والبرد والشتاء، لتحصيل عدة ملاليم يطعم بها اسرته المؤلفة من ثمانية أنفار؟ من كان يصدق ان الكرامة التي أبى بو عزيزي التنازل عنها، ستدك النظام البوليسي المنتفخ في بلد ظاهره كان مشهدا للحريات، وباطنه كبتا واضطهادا وصل حد منع الناس حتى من التواصل مع العالم عبر شبكة الانترنت؟ هذا البلد الذي حوله زين الدين بن علي الى ثكنة مغلقة بقوة الطغمة البوليسية، التي حاربت حتى لقمة عيش الفقراء، البلد الذي انتفخ بقوة البطش، فاذ به ينهار كبيت العنكبوت مع اندلاع انتفاضة الفقراء.
لم يطلب الأكاديمي المكافح محمد بوعزيزي من نظام بن علي الا وظيفة تعينه على اعالة اسرته، لكن الطغمة طردته وطاردته حتى عندما قرر القاء شهادته الجامعية في زاوية منسية، والخروج الى السوق الشعبي، مثل الاف الفقراء من ابناء شعبه لتحصيل لقمة العيش.. لقد أراد بوعزيزي تناول لقمة الخبز النظيفة، فأجبروه على قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ليكون بذلك الشرارة التي انطلقت وما خمدت الا باسقاط الطغمة، وفرار الطاغية من البلاد. سيسجل التاريخ بأحرف من ذهب ان لقمة العيش التي كان بوعزيزي ينشدها بشرف، ستساهم في تغيير حاضر ومستقبل تونس.
في آخر كلمات نطق بها قبل استشهاده، والتي كانت رسالة وجهها الى امه، فجر بوعزيزي ينابيع الغضب الساطع وقدم لتونس أغلى التضحيات. قال بوعزيزي في رسالته: " مسافر يا أمي، سامحني، ما يفيد ملام (ملام :لوم )، ضايع في طريق ماهو بإيديا، سامحني كان عصيت كلام أمي، لومي على الزمان ما تلومي عليّ، رايح من غير رجوع، يزي (يزي :يكفي ) ما بكيت و ما سالت من عيني دموع، ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس، أنا عييت (عييت : تعبت) ومشى من بالي كل اللي راح، مسافر ونسأل زعمة السفر باش (باش :حتى) ينسّي".
حكاية بوعزيزي، شعلة الانتفاضة
ولد محمد البوعزيزي في قرية سيدي بوزيد التي تعوم في آفة الفقر والبطالة، ونشأ في أسرة مكافحة، لم تعرف اليأس رغم مرارة العيش، كافحت من أجل لقمة الخبز ومن أجل تعليم ابنها عله يعينها على مواجهة مصاعب الحياة. تخرج محمد من المعهد العالي للإعلامية بالمهدية، وانضم الى سوق البطالة، في انتظار ان يأتي الفرج ويجد وظيفة تلائم شهادته الجامعية.
لكن انتظاره طال، وذهبت سدى كل محاولاته للحصول على عمل يحفظ له ولعائلته كرامتهم.. ولم ييأس، ولم ينتظر التعيين ولا الوظيفة التي كان يحلم بها، ولم يقف مكتوف الأيدي، فاسرته كانت آمانة في عنقه.. وقرر محمد، مثل الآلاف من أبناء جيله، اللجوء الى السوق الشعبي بحثا عن عدة دنانير او ملاليم يعود بها مساء كل يوم لسد رمق عالته. أقام طاولة صغيرة في السوق، وعرض عليها ما تيسر من بضاعة وفرتها له العائلة بشق الأنفس. كان يقف وراء طاولته منذ شروق الشمس وحتى مغيبها، تحمل برد الشتاء وحر الصيف، في سبيل ملاليم يغنمها بعد جهد جهيد باقناع المارة بشراء ما يعرضه.
لكن السلطة الغاشمة، التي لم توفر لمحمد لقمة العيش الكريمة، ابت ان تسمح له بتوفيرها من وراء طاولته الصغيرة، فبين الحين والآخر كان يحضر رجال البوليس، او من يطلق عليهم "أعوان التراتيب البلدية"، فيصادرون بضاعته ويطاردونه، ويطردوه من دار البلدية حين كان يتوجه محاولا شرح ظروفه ومطالبا باعادة بضاعته المسلوبة. حاول اقناعهم بأن مخالفته للقانون لم تكن الا اضطرارا لأن أبواب العمل "القانوني" صدت في وجهه. لكنه كان في كل مرة يسمع الاسطوانة ذاتها: هذا ليس شأننا.. لا يهمنا ما تعانيه وأسرتك، لا يهمنا امثالك من الجياع والفقراء.
أهانوه وحذروه مرارا من مغبة العودة إلى الطريق للبيع، هددوه بالسجن، فتنازل المرة تلو الاخرى، في سبيل لقمة العيش لأسرته.
لكن الاهانة تواصلت فأبت عليه كرامته مواصلة الصمت. وفي المرة الأخيرة التي توجه فيها الى المحافظة لاسترداد بضاعته، لم يجد آذانا صاغية كما في كل مرة، بل اشتدت الاهانة، فقرر الانتحار.. سكب على نفسه بنزينا وأشعل نفسه وسط "المسؤولين" في مؤسسة رسمية، وودع العالم دون أن يعرف بأن احتراقه سيكون كالشمعة التي تذوي كي تضيء الطريق لشعبه.
لقد أيقظت صور محمد وهو يسير في الشارع والنيران تلتهم جسده، مشاعر التونسيين وألهبتها، فاندلعت الانتفاضة التي امتدت كالنار، ولم تخمد الا بعد أن دكت عرش بن علي واجبرته على مغادرة البلاد مع زمرته..
دخل محمد التاريخ من أوسع أبوابه، وفتح امام التونسيين بابا واسعا لتحقيق الاستقلال الحقيقي، الذي يأمل احرار العالم كله أن يتحقق كاملا ولا تخمده بقايا الطغمة التي تدير شؤون البلاد حاليا.
رحل محمد البوعزيزي، وأسقط برحيله الجنرال، كيف لا وهو ابن الشعب الذي انشد شاعره العظيم، الشابي: إذا الشعب يوما اراد الحياة، فلا بد ان يستجيب القدر.. ها هي تونس تستيقظ، ويستجيب القدر.. فلتونس وأهل تونس، ولشهداء ثورة الفقراء ألف تحية من كل الأحرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال