الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أشبه الليلة بالبارحة

نبيل هلال هلال

2011 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




كانت الأموال الطائلة التي يمنحها الخليفة "المسلم" إلى أهله ومعارفه ومقربيه أموالا حراما ما كانت تُعطى لهم إلا لقربهم من الخليفة , واستحل هؤلاء"المؤمنون"هذه العطايا وهى مال حرام , وقوَّض ذلك مبدأَ العدل والمساواة وانتهك الأمانة التي ما جلس الخليفة على العرش إلا لحفظها والعمل بها , فصلة الرحم بالمال لا تكون إلا بالمال الخاص , لا بأموال بيت المال , بيت مال المسلمين, كل المسلمين .
ولما تولى الخليفة "الراشد الخامس" عمر بن عبد العزيز الحكم سنة 99 هجرية , أعلن على الناس أن من كانت له مظلمة من البيت الحاكم الأموي وكانت له بينة على حق مسلوب , فهذا الحق مردود إلى أصحابه , ولما كان خلفاء وأمراء بني أمية قد نهبوا المال الحرام وعلِموا حق العلم أنهم حكام لصوص , أصابهم الهلع تخوفا من خروج الخلافة من أيديهم بعزها وسلطانها وأموالها , فبعثوا إلى عمرعَمتَه فاطمة بنت مروان- وكان يجلها كثيرا- لتثنيه عن عزمه على استخلاص حقوق الناس من سارقيها وردِّها إلى أصحابها , ولكنه قال لها :" إذا كان الظلم من الأقارب الذين هم بطانة الوالي والوالي لا يزيل ذلك , فكيف يستطيع أن يزيل ما هو ناء عنه في غيرهم " , فأبلغته ناصحة - وقد علمت أن انصياع بنى أمية لذلك دونه خرط القتاد - :" إنهم يحذرونك يوما من أيامهم " فقال غاضبا :" كل يوم أخافه غير يوم القيامة فلا أمنت شره ". ولم يلبث بنو أمية أن دسوا له السم فمات ولم يحكم غير نحو السنتين.
وكان الملأ من الولاة وعمال السلطة يفرضون على الناس ضرائب يجبونها لأنفسهم خلافا لأموال الدولة , كما كانوا يقترضون من بيت المال أموالا طائلة , حتى ذاع بين الناس أن من تولى إمارة فإنما هي نصيبه من الدنيا لكي يفوز منها بما يريد من الأموال . فعندما صُرف المهلب بن أبي صفرة عن ولاية الأهواز سنة ثمان وستين كان مدينا لبيت المال بمليون درهم , ومثله يزيد بن المهلب كان مدينا لبيت المال لدى تنحيته عن خراسان بستة ملايين درهم .ليدلني أحد على بلد يحكمه مستبد دون أن يستشري به الفساد , فالفساد هو الابن البكر غير الشرعي للاستبداد , وما يستبد المستبد إلا من أجل المال والسلطة والنفوذ , وكل مكاسبه انتقاص من أموال الناس وحقوقهم . فمالُ الناس ينهبه السلطان- الذي لا يخشى الله - بسند ديني يصطنعه له الفقيه , أو بلا سند , إذ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون .
ويذكر لنا التاريخ أن الخليفة الأموي"الوليد بن يزيد كان يبيع الولايات والعمالات في الدولة بما فيها من ثروة وَمن فيها من بشر وموظفين وإمكانيات ! فقد باع - مثلا- لنصر بن سيار ولايته على خراسان , ثم بدا له أن يبيعها مرة ثانية لمن يدفع أكثر , فباعها - بما في ذلك واليها وعماله , إلى يوسف بن عمر .
وتعهد عمر بن الخطاب بشرعية موارد الدولة المالية , أي ما يجبيه عماله من زكاة , فقال في خطبة توليه الخلافة : ولكم عليَّ أن لا أجبي شيئا من خراجكم إلا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه, ولكم علي إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه " . كما أعلن مسئوليته عن أداء ولاته وعماله , يقول :"أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم , ثم أمرته بالعدل , أقضيتُ ما عليَّ ؟ قالوا : نعم . قال : لا , حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا ".
والله يتوعد من يأخذ بدون وجه حق شيئا من المال العام " مال الأمة " فيقول تعالى :
" وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ "آل عمران161 . والنبي يقول:" من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا ( إبرة خيط ) فما فوقه كان غلولا ( استغلالا وخيانة ) يأتي به يوم القيامة . وفي ضوء محاذير نهب مال الأمة , وهي محاذير حددها الله ورسوله ولم يرعها معظم الخلفاء المسلمين , يكون هؤلاء الخلفاء قد ظلموا الأمة ونهبوا أموالها ." وحين توفيت "رشيدة " أخت الخليفة المعز خلفت وراءها مليونين وسبعمئة ألف من الدينارات , كما تركت اثني عشر ألف ثوب . ولما ماتت أخته "عبدة" تركت ثلاثة آلاف مزهرية فضية , وأربعمئة سيف ذات نقوش دمشقية ذهبية , وثلاثين ألف قطعة من المنسوجات الصقلية , ومقدارا ضخما من الجواهر" . ولما صادر الخليفة هارون الرشيد أموال البرامكة بعد نكبتهم , قُدرت بحوالي ثلاثين مليونا من الدينارات.
" وكانت ثروة عبد الرحمن بن زياد والي خراسان لمعاوية سنة ثمان وخمسين ما يكفيه مئة سنة في كل يوم ألف درهم" .كان ذلك من أمر ما ينهبه ولاة الخليفة , وانظر ما كان يفرضه رسول الله لولاته : فرض لوالي مكة "عتّاب بن أسيد " درهما كل يوم وكان هذا الراتب أول ما وُضع من الرواتب للعمال . وقال عتاب لما تولى عمله :" أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم , فقد رزقني رسول الله درهما كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد ".
ويقص لنا التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده قبيل وفاته سبعة دنانير خاف أن يقبضه الله إليه وهي باقية عنده , فأمر أهله أن يتصدقوا بها , لكن انشغالهم بمرضه أنساهم التصدق بها , وسأل عنها قبيل وفاته , ولما أخبرته عائشة أنها ما تزال عندهم , طلب منها إحضارها , ووضعها في كفه وقال : ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه " , ثم تصدق بها على الفقراء .
ولا ينبغي أن يقف دور رقابة الأمة على السلوك المالي للسلطان عند حدود مراجعات مستندية تقوم بها مؤسساته العميلة وحسب , وإنما يجب أن تشمل تقييم الأداء الاقتصادي , وعمل تحليل دقيق للإنفاق والمشاريع وعوائدها وجدواها , وتقييم ما فسد منها , وهو دور لم تقم به الأمة المسلمة طوال تاريخها فليس لها دور في حماية مالها , هو مالها فعلا دون أن يكون لها حق التصرف فيه , أو محاسبة السلطان اللص على أوجه إنفاقه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أهل الذمة
منتظر بن المبارك ( 2011 / 1 / 17 - 22:46 )
كان الخليفة عمر بن عبد العزيز مثال للعدل والزهد مع المسلمين أما مع أهل الكتاب (أهل الذمة) فالموضوع مختلف:
في زمن عمر بن عبد العزيز، فأراد تغيير هذه الجزية إلى جزية العنوة.. قال مالك في المدونة: عَنْ أَبِي ذِئْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لِنَصَارَى كَلْبٍ وَتَغْلِبَ. لَا نَأْخُذُ مِنْكُمْ الصَّدَقَةَ وَعَلَيْكُمْ الْجِزْيَةُ، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُنَا كَالْعَبِيدِ؟ قَالَ: لَا نَأْخُذُ مِنْكُمْ إلَّا الْجِزْيَةَ. قَالَ: فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (1334)
ولم يكد عام 233 هـ - 848 م يحل حتى شعر المسلمون بقوتهم وضعف الإمبراطورية البيزنطيه ورأى عمر بن عبد العزيز أن الوقت قد حان لإظهار التعصب والإضطهاد لأهل البلاد التى إحتلوها بقصد إذلالهم فأمر بعزل أهل الذمه من الوظائف العامه
أجمع الفقهاء المسلمين – بعدم جواز شهادة ذمى لمسلم.. ويقال أن عمر بن عبد العزيز كان أول من أخذ بهذا الرأى .
تحياتي لشخصك الكريم


2 - نحن في القرن الواحد والعشرين
عمرو اسماعيل ( 2011 / 1 / 18 - 00:31 )
دعك يا صديقي من هؤلاء فهم آهل العصور الوسطي .. لا يمكن ضرب الامثلة بهم .. فالجيد منهم مثل الاسكندر الاكبر والسيء مثل هتلر
من يستحقون ان نستلهم منهم الآن هم مارتن لوثر كينج وغاندي ونيلسون مانديلا ..بعيدا عن الدين وتعقيداته

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة