الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة مراجعة حول-المجتمع المدني- الفلسطيني

سلام حمدان

2011 / 1 / 18
المجتمع المدني


لفت انتباهي مؤخرا استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "فردريش ناومان" الالمانية، في أيلول الماضي ، حول توجهات الرأي العام بخصوص القيم الليبرالية في فلسطين. والمثير للاهتمام ،تحديدا، كان حجم التناقضات الكبير في المواقف تجاه القيّم المختلفة، والتي في واقع الحال عبّرت بشكل جلّي عن اللامعنى ،من حيث الجوهر، للمصطلحات المتداولة بكثاقة مؤخرا.
الفهم المشّوش لما تعنيه مصطلحات على شاكلة "الديمقراطية"، "الحريات الشخصية" ، "الليبرالية، سواء كمفهوم او كمدرسة فكرية"، "العدالة والمساواة" ، "العلمانية" و"الدولة الدينية" و "التدّين"، "الحياد القيّمي" و "التسامح"...الخ من المصطلحات المتداولة بكثرة في الشارع الفلسطيني، وبين مختلف شرائحة- نتيجة لزخم حجم العمل الذي يقوم به المجتمع "المدني الحديث" خلال العقدين الاخيرين، في فلسطين- يثير الانتباه والتحفظ والدعوة الى مراجعة مناهج وأدوات العمل التي تتبناها الغالبية الساحقة للمؤسسات المدنية في البلاد.
في الدراسة السالفة، والتي تعمد الى المقارنة بين عامّي 2007 و2010، يشار بوضوح الى ارتفاع نسبة "التدّين" ، او ارتفاع عدد من يعرّفون أنفسهم بانهم "متدينون ملتزمون". كما ويؤكد على ارتفاع ملحوظ في عدد الراغبين بالعيش في ظل "دولة دينية" حيث في عام 2007 شكل عدد الراغبين بالعيش فيها 78% أما الراغبون بالعيش في دولة علمانية 22%، اما في العام 2010 وصلت نسبة الراغبين بدولة دينية الى 82% والعلمانيين انخفضوا الى 18%. هناك ايضا العديد من الاسئلة حول طبيعة النظام والتشريع المرغوبين، وتشير الاجابات أيضا الى تزايد في ارتفاع نسبة الذين يؤمنون بالشريعة الاسلامية كمرجعية أساس لكافة القوانين والسياسات. وفي سؤال حول ماهية النظام المنشود في فلسطين، أشار فقط 3% في العام 2007 الى الرغبة بدولة خلافة أسلامية، لترتفع النسبة الى حد لا يصدق في العام 2010 وتصل الى 42%!
في المقابل هناك نسّب مرتفعة ، أيضا، تؤكد على "اعجابها" بالقيم الديمقراطية وبمبادىء الفكر الليبرالي: هناك اشارة أيضا الى تعريف تنظيم فتح كالأكثر توجها وتبنيّا للقيم الليبرالية ومن ثمة هناك اشارة اخرى أن تنظيم فتح هو الاكثر شعبية وقبولا ، اليوم، في الاراضي الفلسطينية (33%)، مما يؤكد بدوره القبول للفكر الليبرالي. ثم تأتي المقاجأة في الفصول اللاحقة حيث النفور جلّي من الغرب، وما يحمله من فكر وقيّم ومنظومة اخلاقية ، (ولا ننسى هنا أن الحضارة الغربية اليوم –في غالبيتها- تستند بالأساس على المدرسة الفكرية الليبرالية. على الأقل، فأن 98% من البرامج والمشاريع التي تقدّم لنا اليوم من الغرب، تستند بالكامل الى الفكر الليبرالي!). يجد 73% من المبحوثين، عام 2010، أن الأوروبيين لأقل اخلاقية منا، ويفتقرون للأخلاق الجيدة عموما، ولا نريد ان نحذو حذوهم!
الموقف من حقوق المرأة يتناقض ويتباين ويختلط الى حد غير معقول او منطقي. فالغالبية مع حقوق المراة ومع المساواة بينها وبين الرجل، لتعود غالبية اوسع في السؤال الآحق لتؤكد ان المراة لا يحق لها السفر دون اذن من والدها او زوجها!! وفي العام 2007 أقّر 42% حق المراة في منصب الرئاسة، لتعود النسبة الى الانخفاض الى 35% في العام 2010!
قد يقول قائل –وقد يكون محقّا- أن الدراسة المذكورة ليست بالدقة العلمية المطلوبة، وانها ذاتها تتقافز من محور الى آخر ، ولا تعتمد نهجا واضحا للمفاهيم التي تتسائل حولها،مما يترجم نفسه في هذا الكّم من التناقضات والتأرجح بين طرفي قطبين متنافرين. لكن سواءا اختلفنا أو اتفقنا مع المنهج المتّبع يبقى وآضحا جليا ، في كل الاحوال، أن حالة من التناقض والتشويش والخلل في الفهم والتعبير، تعم وتطم!
الأدهى والأمّر، ان هناك الكثيرين من منظّري ومنظرات مؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل أساسا في قضايا الحقوق والديمقراطية وحرية الرأي...، يسيئون فهم "الديمقراطية " و"الحقوق" الى حد كبير. الفهم الشائع للديمقراطية، في ترجمتهم العملية، ومن خلال سلوكهم وردود افعالهم- لا في التنظير العريض- هو: "أن تتفق مع رأيي، وتدعم موقفي...توافق أنني الأصح والأفضل..". الكثير من اولئك الدعاة قد يعمدون الى المقاطعة، أو في بعض الأحيان الى القذف والقدح، في حال الاختلاف معهم في الرأي، وتبقى ديمقراطيتهم تنظير أجوّف، لا غير.
من المؤسف القول ان أداء وقيّم عددا كبيرا من موظفي المؤسسات المدنية المذكروة ما هو الا انعكاس لثقافة بقايا الاقطاع والقبّلية وسؤدد روابط الدم والعشيرة والأيديولوجيا الدينية القروسطية –" انا الحقيقة المطلقة، وكل ما سواي على ضلالة"- ، مع خليط لفظي جديد، للاستخدام المهني التكّسبي فقط، من المصطلحات الكثيفة التي تغدقها علينا المدرسة الليبرالية باللمجان- بل بمشاريع مدعومة بالملايين.
قبل بضعة أيام فقط ، وعلى مطلع الأسبوع الماضي، ورد تقرير في جريدة الايام حول نمو ظاهرة تعدد الزوجات في فلسطين (أكثر من 4800 حالة في العامين الاخيرين!) والتي هي انعكاس جلي لبعض ما جاء في تقرير مؤسسة "فريدريش ناومان" حول ارتفاع نسّب التدّين والتراجع البيّن في الموقف من حقوق المرأة. اضافة لما اهملته الدراسة من تفشي الفقر وارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة، والذي بالضرورة يجلب معه تمسكا أشّد واكثر تطرفا ببوابة الغيب والسماء.

في خطابنا السياسي اليومي، وعلى كافة المستويات، كذلك في خطابنا التنموي، لا نكف عن الاحتجاج على التحيّز البيّن لغالبية العالم الغربي لصالح أعدائنا ولصالح الكولونيالية عموما –خصوصا بأشكالها غير المباشرة، الجديدة- لكننا ، وفي نفس الوقت، نتبنى كل ما يقدّم لنا ، من فكر ومناهج وادوات، من قبّل نفس الجهات التي نحتّج عليها بشدة دون حتى ان نفكر بتدقيقها أو مراجعتها أو اعادة توظيفها بما قد يخدم مصالحنا، والتي على رأسها التخلص من التبعية والاحتلال.
صراع داخلي مستعر يترجم حاله بوضوح في برامجنا الكثيفة والمكلفة وفي تقاريرنا- التي دوما ما تنتهي الى تمجيد جودة وفعالية عملنا- وفي واقعنا المترّدي على الأرض.
أول ما عمدت المدرسة الليبرالية تلقيننا اياه هو فصل الحقوق عن بعضها لنغرق في تزييف لا حد له. باتت القضايا جوفاء ومفرعة تماما من مضامينها. الآف مؤلفة من المستشارين والمستشارات الأجانب والمحليين، ينتدبون كل عام،تباعا، لوضع خطط ورؤى استراتيجية وتكتيكية، أو للقيام بالتدقيق والمراجعة والتوصية... يقتطعون حصصا دسمة من المعونات التي تغدّق على البلاد، يقدمون اوراقا وتقارير ملونة، مع جداول ورسم بياني وخرائط.... وأما النتائج والحال على الارض: فحّدث ولا حرج!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق


.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا




.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي