الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور الجزائر 1963 ، من منظور أول رئيس للمجلس التأسيسي الجزائري .

الطيب آيت حمودة

2011 / 1 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


طريقة إدارة شؤون البلاد فيما بعد الإستقلال (صائفة 1962) وما أعقابها من تنافس ظاهر على السلطة وانقسام بين الداخل والخارج ، وسعيُ هيئة الأركان التنفذ في البلاد ، للسيطرة على السلطة التي كانت في يد G.P.R.A بقيادة يوسف بن خدة ، أفرغ الإشعاع الديموقراطي التحرري من أجندة الحكام الجدد للبلاد، ويبدوا أن الحكومة الإنتقالية التي ترأسها عبد الرحمن فارس ومن ورائها فرنسا كانت في عون بن بلة أكثر منها في عون الحكومة المؤقتة .
* فرحات عباس مسيرة نضالية متقلبة .
فرحات عباس من المناضلين الأوئل في الحركة الوطنية باتجاهها الإندما جي ، إلا انه حوٌّر نضالهُ تدريجيا ، وأصبح مقتنعا بوجود الأمة الجزائرية !! ، وأختير كأول رئيس للحكومة المؤقتة التي تأسست في 19 سبتمبر 1958 ، ناصر قيادة الأركان ضد بن خدة بعد الإستقلال ، عين كرئيس للمجلس التأسيسي الذي أداره باقتدار في الأول ، لكنه سرعان ما قدم استقالته لظهور وبروز انحرافات في التطبيق وصياغة الدستور الذي يرسخ إرادة شخص وجماعة ، لا إرادة شعب وأمة ، وكان تقديره أن ( الدولة التي تُصادر الديموقراطية ، هي دولة ولدت ميتة .) ومن خلاله واعتمادا على الرسالة التي حررها بسطيف بتاريخ 12/08/ 1963 عقب استقالته من رئاسة المجلس التأسيسي يمكن فهم الفيروس القاتل للديموقراطية الذي أصاب مبدأ التداول على السلطة سلميا ، و أحدث خللا في التوازن بين السلطات ، وأدخل البلاد في اللا شرعية ، استمرت معنا إلى يومنا هذا ، من مظاهرها الكبرى طغيان التنفيذي على التشريعي ، و طغيان الجيش الذي هو الأداة الأساس التي تستخدمها السلطة التنفيذية للجم كل الأفكار المعارضة ، ولو هي من الحكمة بمكان ، فا سحة المجال للسلطة الواحدة ، والحزب الواحد ، والرأي الواحد ، وكل من خالف أو ناهض أو عارض فمصيره مجهول! مجهول ! مجهول!!! ، متناسين بأن تجميع السلطات في شخص واحد (معناه الإستبداد .)
**مصرُ (بجمالها ) وقوميتها أثرت في الجزائر .
الشخصيتان المؤثرتان في الساحة السياسية والعسكرية في بداية الإستقلال هما ( أحمد بن بلة ) , (والعقيد هواري بومدين ) ، وكلاهما رضعا من الفكر القومي الناصري باعتباره فكرا تحرريا أنموذجا ، فكانت العروبة العفلقية فكرا سائدا ، تشرب منه حتى الإصلاحيون قبلا من أمثال ابن باديس ، و البشير الإبراهيمي ، اللذان شنا حربا ضروسا على كل المقومات الأصلية ، اعتمادا على ينبوع الدين الإسلامي ، بالرغم من أن ديننا صاغ التنوع الإثني واللغوي بأسمى تجليته في آيات كثيرة ، فهو لم ينتشر لأجل طمس الهويات ولا لمحو الألسن ، وإنما من أجل دعوة الناس للوحدانية وعبادة الله الواحد الذي لا شريك له .
** أحمد بن بلة من المتأثرين بجمال عبد الناصر ، الذي أمده بالعون اللوجيستي رغبة في ايجاد منافذ للتأثير في شمال افريقيا ، فكانت المساعدات العسكرية المصرية تصرف في الجزائر بسخاء خاصة في فترة الصراع مع المغرب 1963 ( حرب الرمال ) .، وكان الرجل طموحا في جعل الجزائر القلب النابض ( للعروبة و الإشتراكية ).، أما صنوه ( هواري بومدين ) فكان أكثرا إتزانا فارضا سلطته كوزير للدفاع على الجيش ، رغم منافسة الرئيس له عن طريق تكوين مليشية حزبية مسلحة خاضعة لشخصه المباشر ، وبتوجيه من مصر بمخابراتها التي كان يرأسها (فتحي الديب ).
** مشاريع عديدة ... لدستور واحد .
أسند وضع مشروع الدستور الجزائري لفرقتين من المؤهلين الجزائرين لإعداد مسودتين ، تعرضان على المجلس التأسيسي بلجنته الملكفة بصياغة الدستور :
أولها ، مجموعة الإخوة المكونة من السادة بن عبدالله ، ومراد أوصديق ، وحسين المهداوي ، والنائبان عن قنصلية فرنسا وهما بن ديمراد ، وبن غزال .
ثانيها : مجموعة يترأسها فرحات عباس شخصيا .
وفي خضم الإعداد وبداية المناقشات على مستوى لجنة الصياغة ، اتضح أن مسودة ثالثة قيد الظهور وزعتها الحكومة للتأثير على مسار اللجنة المكلفة بالصياغة وأُشهر محتواها مسبقا ، وبطريقة غير قانونية في وسائل الإعلام العمومية ، باعتبار أن المجلس التأسيسي هو المخول الأساسي للبت في المشاريع قبل عرضها على الرأي العام .وتلك ضربة قاصمة مهينة ( لمجلس سيد ).
ويبدوا أن المسودة الحكومية من إعداد خبراء مصريين و فرنسيين أجانب [1] كانوا مستشارين أوفياء للرئيس أحمد بن بلة ، وهذا التصرف هو الذي أحرج رئيس المجلس التأسيسي ودفعه لتقديم استقالته لأنه يرى بأن ما أقدمت عليه حكومة أحمد بن بلة تعد صارخ على مباديء الثورة الكبرى (التي فجرها الشعب ، و هي من أجل الشعب ، وليس من أجل شخص واحد ، والواجب يدعو أن تبقى هذه الثورة في خدمة الشعب كله ).
* الدستور المعتمد قسرا يفتقدُ إلى التوازن بين المؤسسات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية .
* يطغى فيه التنفيذي على التشريعي ، فأصبحت الأمور مقلوبة بعد أن جرد النائب من حقه في الرقابة والمتابعة والتحقيق والمساءلة ، فغدت العملية السياسية مفبركة عبارة عن مونولوج طرفه الفاعل هو رئيس الجمهورية والأطراف الأخرى مفعول بها وفيها .
* الحوار بين الجهازين التنفيذي والتشريعي يسير باتجاه واحد ، وهو ما يعرف في القاموس الشعبي ( اللعاب احميدة ، والرشام احميدة ) ، يعني تصرف بلا رقابة .
*- ترسمت فيه بوضوح معالم نظام يجمع السلطات ، رئيس الدولة هو نفسه رئيس الوزراء ، ورئيس الحزب كذلك ، بما معنى أنه يجعل من المجلس التأسيسي ( البرلمان ) تابعا للشخص الذي يعين الوزير ، ورئاسة الشخص نفسه للحزب يعني أنه هو المخول بتعيين أعضاء المجلس التأسيسي ، وهو ما يمكن اعتباره ( بأن تجميع السلطات في شخص واحد معناه الإستبداد ).
**القول الفصل أن سياسة أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة سار بالدولة سيرا رسخ فيه مبدأ الأحادية ، ومركزية القرار في كل شيء ، بلا رقيب و بلا مساءلة ومحاسبة ، وهو ما أورث البلاد هزات متعددة ،لا زلنا نعيش ارتداداتها ، وبقيت متجذرة في نظامنا السياسي بالرغم من التطورات التي عرفها الدستور الجزائري من نقلات نوعية ، إلا أن سلطة الرئيس تعززت أكثر في عهد بوتفليقة ، وهيمنة الجيش مازال ساريا في مختلف دواليب الدولة كموروث جاد منذ أوائل الإستقلال ، باعتباره الأداة الأمثل والمتكأ الأقوى في حفاظ الأقوام على السلط والتسلط ، وهو ما وسم نظامنا السياسي بالرجعية ، وجعل هامش الديموقراطية يتضاءل تدريجيا ، وذاك ما ينذر بانفجارات اجتماعية ، بدأت بوادرها تتضح جلية ، بسبب النقمة المتزايدة على مختلف الأصعدة .
----------------------------------------
• [1] كان لابن بلة مستشارين أجانب منهم ( إرفيه بورج ) الديغولي بنزعته الشيوعية (الأممية الرابعة ) ، أي تروتسكي ، ومنهم كذلك (ميشال رابتيس ) المدعو ( بابلو) الذي اقنع أحمد بن بلة بتطبيق ما يسمى (التسيير الذاتي للمؤسسات).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
ياسر الحر ( 2011 / 1 / 19 - 15:16 )
تحليل دقيق وموجز نفتقده وخاصة على الوضع في الجزائر نرجو من الاخ الطيب المزيد لاننا في اشد الحاجة لتفسير ما وقع قبل وبعد الاستقلال وخاصة نحن في هدا الوقت المتازم

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟