الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنيسة القديسين : فتنة قبرها المواطنة

الفيتوري بن يونس

2011 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يكن للاعتقاد الديني أي اثر في التمتع بالحقوق أو الالتزام بالواجبات لدى العرب قبل الإسلام فيما أتذكر مما قرأت من تاريخهم ، واستمر هذا الوضع أثناء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل انه في هذه الأثناء شهد الأمر تطورا ايجابيا نحو أصحاب الديانتين اليهودية والمسيحية بداية من أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة التي يحكمها ملك عادل لا يظلم عنده احدا ، وفقا لأسباب الأمر والصلاة على هذا الملك عند وفاته وانتهاء بالاتفاقات التي عقدها مع يهود يثرب والتي لم يكن انتكاسها راجع إلى موقف ديني بقدر رجوعه إلى تضارب مصالح طرفيها دون أن ننسى علاقته الودية مع أقباط مصر أخوال ابنه إبراهيم . ولكن كما قلت في أكثر من مناسبة نجحت قريش تحديدا في توظيف الإسلام منذ اليوم الأول لانتقال الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى لخدمة طموحها لحكم العرب ، لتعلن أنها وريثه بحكم انتماءه نسبا إليها ، وبالتالي لها دون غيرها تولي سدة الحكم في الدولة العربية التي كانت في ذلك الوقت مجرد مشروع دولة قاطعة الطريق بذلك على بقية القبائل العربية في واقعة ((السقيفة )) المشهورة .
ولان منطق الوراثة كان سيوقع قريشا ذاتها في مأزق تولي احد ورثته وفقا للشريعة الإسلامية أمر المسلمين فاضطرت خروجا من هذا المأزق إلى شيئين أولهما استبدال كلمة وراثة بكلمة خلافة وثانيهما إعلان أن الرسول لا يورث استنادا إلى حديث عنه لا نحتاج إلى كثير عناء في الوقوف على عدم صحته و إلا كان المعنيون بالأمر وعلى رأسهم ابنته ((فاطمة )) وصهره (( علي بن أبي طالب )) أول من يعلم به فضلا عن انه لم يترك ما يستحق أن يكون محلا لنزاع يتطلب تدخل الخليفة .
هذه الوراثة أو الخلافة لا فرق أسست الدولة العربية على أساس ديني طبقي تمثل قريشا أرقى طبقاتها بحكم انحصار قمة الدولة فيها ومن بعدها بقية العرب المسلمين الذين جاز لهم تولي بقية المناصب والوزارات ثم المسلمين من غيرهم اللذين ظلوا حتى العصر العباسي محرومين من تولي أي منصب مهما صغر شأنه في هذه الدولة و أخيرا أهل الذمة أو المعاهدين الذين يدفعون للدولة جزية مقابل العيش على أراضيها في وضع يشبه وضع الأجانب في الدولة الحديثة .
هذا الترتيب الطبقي عموما لم يكن اتساقا مع النص القرآني وان طوع هذا النص لاحقا لتكريسه أو مع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه عندما انتقل إلى جوار به لم تكن الدولة قد قامت أصلا وحتى اجتهاداته كسياسي لم تؤصل لهذا الترتيب الطبقي لان العرب الذين بقوا في المناطق التي وصل إليها نفوذه قد اسلموا ولم يعاملوهم على أنهم اقل من قريش ، كما لم يكن في عهده مسلمين غير عرب يعيش على ارض الدولة إلا ((سلمان الفارسي)) الذي قال فيه انه من آل البيت ، أما غير المسلمين عربا كانوا أم عجما فلم يعش كثير منهم تحت كنف مشروع دولته وحتى من فعل فليس ثمة رواية موثوقة تقول بأنه عومل معاملة تختلف عن المسلمين لو استثنينا حالات فردية كان أصحابها يجهرون بالعداء له ولمشروع دولته .
ومع توسع حدود الدولة التي كانت قد بدأت تتشكل وفتح أو احتلال أقاليم وبلدان يدين أهلها بديانات أخرى لم يقتنعوا باعتناق الإسلام لم يغير العرب نظرتهم إلى هؤلاء فهما ضيقا للنص أو توظيفا سياسيا له فوجد هؤلاء السكان أنفسهم مجرد أجانب في كنف الدولة عليهم أن يدفعوا ليسمح لهم بالعيش مجرد عيش على أرضهم وهو وضع لم يكن بأي حال من الأحوال مقبولا لديهم وان اجبروا على التعايش معه، ما جعلهم وهم على حق أن لا يكنوا للمسلمين الذين احتلوا أرضهم وحكموها كثير ولاء أن لم نقل أي ولاء إلا فيما ندر .
ومع سقوط الدولة الدينية – الخلافة – من جهة وظهور مفهوم المواطنة في أوربا وانتقاله إلى الشرق من جهة أخرى انتقل غير المسلمين في الدول ذات الأغلبية المسلمة كمصر التي كانت سبب الحديث إلى مواطنين ولكن من الدرجة الثانية فرغم النص في الدساتير على مبدأ المساواة بين المواطنين بغض النظر عن العرق أو الدين إلا أن ذلك ظل مجرد نص تقريبا، إذ انه على الساحة السياسية لم يظهر من الأقباط على السطح في ظل الملكية إلا الوفدي الشهير مكرم عبيد باشا ثم سرعان لعبت به تصاريف السياسة لتلقي به في أواخر حياته إلى الظل ، أما بعده فأقصى ما وصل إليه أقباط مصر في دولتهم وزارة دولة أيام الدكتور بطرس بطرس غالي وربما إن لم تخني الذاكرة وزيرا أو اثنين على الأكثر في وزارات غير ذات أهمية وقد يكون إقصاء المسيحيين عن السياسة أو ابتعادهم الطوعي عنها مرده إلى إنهم يمثلون أقلية دينية لا يمكن لها أن تحقق طموحها السياسي وبالتالي عليها أن تعوض ذلك اقتصاديا .
أما على صعيد حرية ممارسة الشعائر وبناء أماكن العبادة نجد أن الدولة المصرية شجعت المسلمين على الإكثار من بناء المساجد بتقرير إعفاءات ضريبية على العقارات لمن يبني مصلى فيها متشددة في المقابل مع الأقباط – المسيحيين – إذ تطلبت لبناء الكنائس إجراءات وشروط صعبة وفقا لما عرف ب((الخط الهمايوني))
وعموما إن وضعا كهذا وان احتمله الأقباط على مضض ، إلا أن ذلك لم يمنعهم أحيانا من التعبير عن رفضه كما فعلت ((جماعة الأمة القبطية )) التي كان هدفها أو شعارها استعادة حقوق الأقباط الضائعة .
ومع ((رحيل جمال عبدالناصر)) شجع خلفه الراحل أيضا ((أنور السادات)) الذي أطلق على نفسه اسم الرئيس المؤمن الجماعات الإسلامية للقضاء على الناصريين واليساريين وبقايا الشيوعيين عموما بدعم من المال السعودي الخصم العربي الأبرز لعبدالناصر وكان طبيعيا إن يتعدى الأمر الناصريين واليساريين ليطال الأقباط أيضا خصوصا في ظل تشدد هذه الجماعات الديني الذي يرى في الأقباط مجرد ذميين في أحسن الظروف فتعالت أصوات كثيرة تهاجم الأقباط وتصفهم بالكفرة معتبرة أموالا بمثابة غنائم مستباحة للمسلمين دون تدخل من الدولة أو مؤسستها الدينية – الأزهر – ولو من باب اللوم و كان النتاج الطبيعي لذلك مع تدخل أصحاب المصالح خارجيا فتن وسيلان دماء بلغ أوجه بما حدث في كنيسة القديسين التي يعكس استهدافها انتحارا أن الفاعل كان مدفوعا بشعور ديني أذكته النظرة إلى الأقباط باعتبارهم كفرة من يقتلهم يدخل الجنة و إلا ما الفائدة التي سيجنيها هذا الانتحاري بعد أن يموت .
واختتم مقالتي التي أظن أنها طالت بعض الشيء رغم محاولتي الإيجاز أن ما حدث في كنيسة القديسين سيتكرر إن في مصر أو خارجها ما لم يتم إعلاء مبدأ المواطنة على كل مبدأ آخر واقعيا وليس نظريا فحسب وهو أمر يبدأ من أعلى سلطة في الدولة بعلمنتها وتقليد رئاسة الحكومة إلى قبطي مثلا وسن القوانين التي تعاقب بصرامة على المساس بديانات الآخرين ولو من باب النقد ، مرورا بشيخ الأزهر وبابا الأقباط اللذين يجب أن يتساويا أولا درجة ومكانة في الحكومة المصرية ثم بعد ذلك يقومان هما وبقية رجال الدينين بدورهما تأصيلا لهذا المبدأ – المواطنة – انطلاقا من كون كلا الدينان يقوم على مبدأ المساواة موقعين ميثاق شرف بعدم قدح أي منهما في دين الآخر أو حقوقه كمواطن وان الدين لله والوطن للجميع مسيحيا وان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن إسلاميا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المعيار الانتماء والاخلاص للوطن
علي سهيل ( 2011 / 1 / 19 - 18:25 )
لنقرأ تجارب الشعوب التي عانت في العصور الوسطى من الفكر الاقصائي والالغائي للغير، او كل ما فكر بعقله ما هو الاصلح لبلده، النهضة الفكرية الاوروبية ركزت على المواطنة والانتماء للقومية، وتطورت واصبح المعيار الاساسي للحكم هو الحفاظ على حقوق الانسان، حقة في التعبير، وحرية الرأي، وحقه في العبادة وبناء دور العبادة ويوجد قانون ينظم البناء ليس فقط لفئة معينة ولكن للجميع، فنرى الجوامع ودور عبادة تبنى للمسلمين والبوذيين والسيخ والبهائيين (للاجئين السياسين والانسانين والمهاجرين) رغم بانهم ليسوا من اهل البلاد التي تدين بالديانة المسيحية، ولكن نظام الدولة العلماني يكفل حرية الاعتقاد للجميع بدون تميز، ويقدم للمحاكم كل يوم من يخالف او ينتقص من حقوق الاخرين في جميع المجالات العمل الصحة التعليم الامن، وايضا لا يوجد خانة للديانة في الاوراق الرسمية حتى يتم ضمان المساوة بين الجميع وضمان عدم المحاباة في جميع مؤسسات الدولة، الدولة هي المسؤولة عن عقود الزواج والطلاق ومن اراد ذلك له كل الحرية ليقدس زواجه في الجامع او الكنيسة، فالمعيار الاساسي هو الانتماء والاخلاص للوطن وليس الدين او العقيدة.

اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في